الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت إليه". وفي حديث آخر: "من قال لأخيه كافر أو عدو الله ثم لم يكن كذلك إلا حار عليه".1
فهذا وعيد شديد لمن وصف أحداً من الناس بالكفر وليس بكافر. ومذهب أهل السنة في ذلك أنهم لا يكفرون بالذنوب، فقد روي أن رجلاً سأل جابر بن عبد الله:هل كنتم تدعون أحداً من أهل القبلة مشركاً؟ قال: معاذ الله. ففزع من ذلك. قال: هل كنتم تدعون أحداً منهم كافراً؟ قال: لا ". 2
كما قال الطحاوي رحمه الله:"ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله".3
بمعنى أن الذنوب التي هي الوقوع فيما حرم الله من شرب الخمر أو القذف أو الزنا لا توجب الكفر إلا في حالة أن يستحله الإنسان، فيرى أنه حلال له ذلك، فهذا يخرج من الإسلام، لأن استحلاله يعني تكذيبه لكلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في تحريمه، وهو أعظم جرماً من الفعل نفسه.
1 مسلم في الإيمان 1/79.
2 عزاه في المجمع إلى أبي يعلى والطبراني، وقال رجاله رجال الصحيح.مجمع الزوائد 1/107.
3 شرح العقيدة الطحاوية 316.
أقسام الكفر الوارد في الكتاب والسنة:
الكفر الوارد ذكره في الكتاب والسنة على قسمين: كفر أكبر، وكفر أصغر.
أنواع الكفر الأكبر:
يمكن تقسيم مواقف الناس الكفرية من الدين الحق إلى خمسة أنواع من الكفر:
1 -
كفر التكذيب والجحود. وذلك يعم كل من كذب الرسل في الباطن، وهو حقيقة المكذب. {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} [الأنعام21] .
أما من كذب الرسل في الظاهر، وهو يعلم صدقهم في الباطن، فهذا هو الجاحد، وهذا حال كثير من المكذبين للرسل، خاصة ممن عاينوا آيات الأنبياء.قال تعالى عن فرعون وملائه:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل14] .وقال عن مشركي مكة: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام 33] .
2 -
كفر الإباء والاستكبار. وذلك بأن يعلم الحق ويعرفه، ويتكبر عن الانقياد والاذعان. وذلك مثل كفر إبليس:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَر} [البقرة34] .
3 -
كفر الشك. الذي يناقض التصديق واليقين، ومن هذا الجنس كفر صاحب الجنة. قال تعالى:{وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً} [الكهف35] ، وقد جعل الله الريب، وهو الظن والشك 1من الكفر الموجب دخول النار. قال تعالى:{أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ} [ق24، 25]، ومنه قوله تعالى:{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ54] .
4 -
كفر الإعراض. وهو أن يعرض عن الحق فلا يسمعه ولايقبله. قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف3] وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة22] .
5-
كفر النفاق. وهو أن يظهر الإيمان ويبطن الكفر. قال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ، اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون 1 - 3] .
1 انظر: المعجم الوسيط ص384.
فهذه الأقسام الخمسة التي ينقسم إليها كفر الكفار من ناحية موقفهم من الشرع والدين الحق.
أما كفرهم من ناحية انتماءاتهم الدينية،فكل من دان بدين غير الإسلام فهو كافر، ويمكننا أن نقسمهم من ناحية مذاهبهم إلى ثلاثة أقسام:
1 -
مشركون: وهم كل من عبد غير الله تعالى من الأصنام والأوثان وغيرها.
2 -
أصحاب ملة: وهم كل من انتمى إلى ملة غير ملة الإسلام، كاليهودية والنصرانية أو المجوسية أو البوذية بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
3 -
ملاحدة: وهم كل من لم يؤمن بدين، وإنما يعتقد الإلحاد.
فهؤلاء كلهم كفار، والواجب تكفيرهم. وهذا من المعلوم المجمع عليه، لدلالة الآيات في ذلك وصراحتها. ومنها قوله تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران85]، وقوله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ} [آل عمران19] .
نواقض الإسلام:
ما سبق ذكره هو في الكفار الأصليين، أما من كان مسلماً فإن إسلامه ينتقض بكل فعل أو اعتقاد أو قول أطلق الله تعالى أو رسوله عليه الصلاة والسلام على من صدر منه الكفر، مع أن حقيقة الفعل يناقض أصل الدين أو يضاده، أو يتضمن تكذيب الله تعالى أو تكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو الاستهزاء أو السب لله تعالى أو رسوله عليه الصلاة والسلام ونحو ذلك. وجل ذلك مجتمع في نواقض الإسلام العشرة التي ذكرها كثير من العلماء. وهي:
1 -
الشرك بالله.
الشرك بالله ناقض من نواقض الإسلام، سواء كان شركاً في الربوبية بادعاء أن أحداً يتصرف في الكون، أو ادعاء علم الغيب، وما إلى ذلك. أو شركاً في الأسماء والصفات باعتقاد أن الله تعالى له مثيل أو شبيه، أو شركاً في الألوهية بصرف شيء من العبادة لغير الله. قال تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر65] .
2 -
من جعل بينه وبين الله وسائط.
وذلك بأن يجعل بينه وبين الله واسطة في الدعاء، أو الاستغاثة من ملك أو قبر ونحوه. فهذا شرك مخرج من الملة، لأنه من جنس شرك المشركين، كما قال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر3] .
3 -
من لم يكفر الكافرين أو شك في كفرهم.
هذا ناقض للإسلام، من ناحية أنه تكذيب لخبر الله فيهم، ورد لحكمه في كفرهم.
4 -
من اعتقد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أحسن من هديه.
وهذا ناقض للإسلام لاعتقاده نقص الشريعة، وكمال غيرها، والله تعالى يقول:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} [الزمر 23] . وقال: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة 138] .وقال: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة 50] .
5 -
من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به فقد كفر.
البغض لشرع الله ناقض للدين،لقول الله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [سورة محمد 9] .والكره يتنافى مع المحبة المطلوبة شرعاً لله ولدينه.
6 -
من استهزأ بالله أو رسوله أو يشيء من دينه أو ثوابه أو عقابه.
الاستهزاء بالله أو رسوله كفر مخرج من الملة، كما قال تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة55، 66]
وأشد منه من سب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو دينه، فمن قال ذلك فهو كافر. قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} [الأحزاب 57] .
7 -
السحر.
السحر كفر مخرج من الملة، لقوله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة 102] .
8 -
مظاهرة المشركين وموالاتهم.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة 51] وقال تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران 28] .
قال الطبري في معنى الموالاة هنا: لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصاراً توالونهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلونهم على عوراتهم،
فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء، يعني بذلك، فقد برىء الله منه بارتداده عن دينه، ودخوله في الكفر. 1
فالموالاة التامة المتضمنة للمحبة والتعظيم والنصرة، هي التي يكفر بها الإنسان. قال شيخ الإسلام: ومن تولى أمواتهم وأحياءهم بالمحبة والتعظيم والموافقة فهو منهم".2
9 -
من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.
الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث لعموم البشر. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} [سبأ 28] .
فمن اعتقد أن إنساناً يسعه الخروج عن الشريعة، أو أنه تسقط عنه التكاليف في وقت من الأوقات فهو كافر خارج من الإ سلام. قال تعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران85] .
10 -
الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به.
وذلك بأن يعرض عما يجب عليه ويفترض عليه أداؤه لله، فلا يهتم بذلك، ولا يعرفه ولا يتعلمه، فيعرض عن التوحيد وعن العبادات، فلا يعرف ذلك إعراضاً، فذلك مخرج من الملة كما قال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة22] .
فمن فعل شيئا من هذه الأمور فقد خرج من الإسلام ومن كان دون ذلك فلا يخرج من الإسلام كما سيأتي إلا أن يكون ترك الصلاة.
1 تفسير الطبري 6/313.
2 الفتاوى 28/201.
حكم تارك الصلاة
الصلاة أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين وقد ورد من الوعيد فيها والتأكيد عليها ما لم يرد في غيرها وقد توعد الله عز وجل غير المحافظين عليها بالعذاب الشديد.
وذلك في قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون4، 5] ، وقال {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم59]، وسئل ابن مسعود عن هذه الآية:"ما إضاعتها؟ فقال: تأخيرها عن وقتها، فقالوا: ما كنا نظن ذلك إلا تركها، فقال: لو تركوها لكانوا كفارا".1
وبهذا المعنى جاء في حديث عبادة الصامت أنه قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه" 2
فإذا كان هذا فيمن تهاون بها وترك بعضها أو بعض واجباتها فكيف بمن تركها بالكلية، وقد وردت نصوص تدل على كفره،منها قول الله تعالى:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ، قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر42، 43] وقال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة11] وقال صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" 3 وحديث "إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة".4
1 انظر تفسير ابن جرير 16/66، وابن كثير 3/125.
2 أخرجه أحمد 5/319، وأبو داود في كتاب الصلاة حديث رقم 325.
3 أخرجه أحمد 5/346، والترمذي في الإيمان حديث رقم 2621 وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/226.
4 أخرجه مسلم في الإيمان 1/88،والترمذي في الإيمان 5/13.وانظر طرقه في تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/873.
وكذلك ما روي عن عبد الله بن شقيق أنه قال: ما كانوا –يقصد الصحابة- يرون عملا تركه كفر إلا الصلاة".1
فهذا يدل على إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة.
وقد عزا تكفير تارك الصلاة شيخ الإسلام إلى جمهور السلف والتابعين وهو رواية عن الإمام أحمد وطائفة من أصحابه وأصحاب مالك والشافعي2.
ما سبق ذكره هو في القسم الأول من أقسام الكفر الوارد في الكتاب والسنة، وهو الكفر الأكبر.
أما الكفر الأصغر
فهو ما أطلق الشارع عليه اسم الكفر من الذنوب مما لا يتناقض مع أصل الدين الذي هو التوحيد.
وذلك مثل قوله عليه الصلاة والسلام: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" 3 وقوله عليه الصلاة والسلام: "ثنتان في الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة" 4وقوله عليه الصلاة والسلام: "من أتى حائضا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" 5 وغير ذلك من الأحاديث.
فهذا الكفر الوارد في هذه النصوص ليس من الكفر الأكبر المخرج من الملة، لوجود أدلة أخرى تدل على عدم خروجه من الدين،وهي أن الله وصف المتقاتلين بالإيمان في قوله:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات9] .
فسماهم مؤمنين مع وجود الاقتتال، كما أنهم لو كانوا بتلك الذنوب كفارا لوجب قتلهم للردة، ولما لم يوجب ذلك تبين أن المراد بذلك ليس كفرا مخرجا من الملة.
1 أخرجه الترمذي في الإيمان حديث رقم 3622، وانظر تعظيم قدر الصلاة للمروزي 2/905.
2 مجموع الفتاوى 20/97 28/308
3 أخرجه مسلم في صحيحة 1/81.
4 أخرجه أحمد 2/441.
5 أخرجه أحمد 2/408.
وقد دلت الأدلة الشرعية على أن هذه الألفاظ الشرعية، وهي الشرك والكفر والظلم والنفاق تأتي على معنيين أكبر وأصغر. الأكبر مخرج من الملة وأما الأصغر فلا يخرج من الملة.
ومن هذه الأدلة قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر قال "الرياء"1.
أما الظلم فيدل عليه ما رواه البخاري من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهفما أنه لما نزل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون} [الأنعام82] شق ذلك على أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا وهو يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بذلك، ألا تسمعون إلى قول لقمان لابنه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} "2.
أما النفاق، فحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا خصم فجر" 3
أما الكفر فحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار تكفرن، قيل يكفرن بالله، قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر قالت ما رأيت منك خيرا قط" 4
وكذلك ما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه في قول الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة44] قال: هي به كفر، وليس كفرا
1 أخرجه أحمد 5/428–429 قال ابن حجر إسناده حسن، بلوغ المرام ص 187
2 أخرجه البخاري انظر الفتح 1/87 مسلم 1/115 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
3 أخرجه البخاري في الإيمان رقم34، ومسلم في الإيمان 1/234، وأحمد في مسنده 2/189.
4 أخرجه البخاري في الزكاة 3/381.