الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم الإيمان بالقضاء والقدر.
الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان لحديث جبريل عليه السلام حيث جاء فيه: "الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره" 1
فمعنى قوله: "وبالقدر خيره وشره" أي تؤمن بأن ما يصيبك من خير أو شر هو بقدر سابق من الله عز وجل.
وأخرج الإمام احمد بسنده عن عبادة بن الصامت أنه قال - وهو في الموت-: ادع لي ابني لعلي أخبره بما سمعت من رسوله الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول شيء خلقه الله من خلقه القلم" - وفي رواية: "إن أول ما خلق الله القلم - فقال له: اكتب، فقال: يارب ماذا أكتب؟ قال: القدر". قال رسوله الله صلى الله عليه وسلم: "فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أحرقه الله بالنار" 2
1 أخرجه مسلم انظره بشرح النووي 1/157
2 مسند الامام احمد 5/317 والسنة لابن أبي عاصم 1/48ـ50
مراتب الإيمان بالقدر:
الإيمان بالقدر لا يتم ولا يكمل إلا بالإيمان بأربع مراتب وهي:
المرتبة الأولى: العلم.
والمراد بالعلم: هو اعتقاد أن الله عز وجل علم أعمال العباد دقيقها وجليلها كما علم مصائرهم إلى الجنة أو إلى النار قبل وجودهم.
والأدلة على ذلك كثيرة منها الآيات التي تثبت عموم علم الله عز وجل بكل شيء.
من ذلك قوله عز وجل: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة 282]
وقوله عز وجل: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر 11]
وقال عز وجل: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام 59] ، وغير ذلك من الآيات.
ومن السنة حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رجل: يارسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ فقال: "نعم، قال: فلم يعملون؟ قال: كل يعمل لما خلق له، أو يسر له" 1
المرتبة الثانية: الكتابة:
والمراد بها: اعتقاد أن الله عز وجل قد كتب جميع أعمال العباد صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، ومن الأدلة على ذلك قوله عز وجل:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج 70]
وقوله عز وجل: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس 12]
وقال عز وجل: {الِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ 3]
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسوله الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء" 2
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة أو النار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة"، قال: فقال رجل يا رسول الله، أفلا نمكث على كتابنا وندع
1 أخرجه مسلم في كتاب القدر 4/2040-2041، باب كيفية خلق الآدمي.
2 أخرجه مسلم 4/2044 رقم 2653
العمل؟ فقال: من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة، فقال: اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، أما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} 1
المرتبة الثالثة: المشيئة:
والمراد بالمشيئة؛ الإيمان بمشيئة الله النافذة في كل شيء، فلم يقع في هذا الكون شيء إلا بمشيئته، ولم يقع إلا لأن الله قد شاء وقوعه، وما لم يقع إنما لم يقع لأن الله لم يشأ وقوعه، وهذا شامل لكل شيء مما هو طاعة ومعصية وهداية وضلال وخير وشر، فمشيئة الله هي الموجبة لوقوع الأمر، وذلك معنى قول المسلمين: ماشاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والأدلة الدالة على إثبات هذه المرتبة كثيرة، منها:
قوله عز وجل: {وما تشاؤن إلا أن يشاء الله} [التكوير 39]
وقوله عز وجل: {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [المدثر 56]
وقوله عز وجل: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام 39]
وقوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة 253]
وقوله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} [يونس 99]
فهذه النصوص أثبتت أن كل شيء إنما هو بمشيئة الله عز وجل.
1 أخرجه مسلم 4/2039 برقم 2647
المرتبة الرابعة: خلق الأعمال:
والمراد بخلق الأعمال أن الله عز وجل كما أنه هو الخالق جل وعلا لذوات العباد وأجسادهم، فهو كذلك خالق لأعمالهم وأفعالهم، بل كل ما في الوجود من حركة وسكون وقول وفعل إنما هو خلق الله عز وجل، والدليل على ذلك قوله عز وجل:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر 62]
فهذه الآية عامة في خلق الله لكل شيء، وقال عز وجل:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات 96]
وقال جل وعلا: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك 13، 14]
فهذه الآية صريحة أيضاً في أن الله خالق لأقوال العباد التي يسرون بها والتي يجهرون بها، كما أنه خالق لما في الصدور من الإرادات والحب والبغض وغير ذلك، حيث علل الله عز وجل علمه بكل ذلك بأنه خالقه، فكيف لا يعلمه.
ومن الأدلة في ذلك قوله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم 22]
واختلاف الألسن المراد به اللغات، وقد نص الله عز وجل على أنه خالقها، حيث عطفها على خلق السموات والأرض.
وقوله عز وجل: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم 43]
فالله عز وجل هو الذي أضحك الإنسان، والإنسان هو الضاحك، والله عز وجل أبكاه، والإنسان هو الباكي.
وقوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [يونس 22]
فالتسيير خلق الله عز وجل، والسير فعل العبد، فالله عز وجل المسّير والعبد هو السائر.