الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنن الحج
وهي عبارة عن الآداب والمكملات التي حرص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسكه تطبيقاً وتعلماً، دون أن تكون داخلة في جوهر أعمال الحج، أو أن تكون واجبة يستلزم تركها الإثم والفدية. وهي كثيرة موزعة على أعمال الحج المختلفة. فلنعد أهمها تبعاً لأعمالها المقرونة بها.
أولاً: سنن الإحرام:
يسن عند الإحرام بالحج القيام بالآداب التالية:
1ـ الاغتسال قبل الإحرام، فإن لم يمكن الاغتسال قام التيمم مقامه، ويتبع ذلك كل وجوه التنظيف وخصال الفترة. كإزالة شعر الإبط والعانة، وقص الأظافر، وإزالة الأوساخ، وهذا الغسل مسنون لكل حاج ذكراً أو أنثى طاهراً أو حائضاً أو نفساء.
2ـ التلفظ بالنية، وإجراء ألفاظها على اللسان، ثم إتباع ذلك بالتلبية وهي (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) ويرفع الرجل صوته بذلك، قائما وقاعداً وماشياً، وفي مختلف الحالات لما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن
يرفعوا أصواتهم بالتلبية " ويستمر استحباب ذلك إلى رمي جمرة العقبة صباح يوم النحر. ويستقبل القبلة عند الإحرام ويقول: لها خفض صوتها في التلبية بحيث تسمع نفسها.
3 -
الابتعاد عن أحاديث الدنيا وملهياتها المباحة فضلاً عن المكروهة والمحرمة، ما أمكن ذلك.
ثانياً: سنن دخول مكة:
فإذا شارف الحاج دخول مكة يسن له أن يلتزم الآداب التالية:
1ـ أن يدخل مكة قبل وقوفه بعرفة، ثم يذهب إلى عرفة منها.
2ـ أن يغتسل لدخول مكة عند بئر ذي طوى وهي بئر معروفة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بمائها دائماً إذا دخل مكة.
3ـ أن يدخل مكة من ثنية (كداء) وهي طريق بأعلى مكة.
4ـ أن يتجه فور وصوله مكة إلى البيت قاصداً طواف القدوم، وهي تحية البيت الحرام التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص عليها.
5ـ أن يدخل المسجد من باب بني شيبة، فإذا أبصر الكعبة المشرفة رفع يديه ودعا بهذا الدعاء:"اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة، وزد من شرفه وعظمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتعظيماً وتكريماً وبراً، اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام ".
ثالثا: سنن الطواف:
علمت فيما مضى واجبات الطواف وشروط صحته، أما سننه فتتلخص فيما يلي:
1ـ أن يطوف ماشياً رجلاً كان أو امرأة، إلا إن عاقه عن ذلك مرض ونحوه، فلا كراهة في أن يطوف راكباً. روى الشيخان أن أم سلمى قدمت مريضة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" طوفي وراء الناس وأنت راكبة ".
2ـ أن يستلم الحجر الأسود أول طوافه ويقبله ويضع جبينه عليه. إذ كان ذلك دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان. فإن لم يتمكن أن يتلمسه بيده لازدحام ونحوه أشار إليه بيده عن بعد مكبراً ومهللاً. وهذه السنة خاصة بالرجال. أما المرأة فلا يسن لها استلام لا تقبيل، إلا إذا خلا المطاف أمامها. وإذا كان في الطواف ازدحام، بحيث كان استلام الحجر وتقبيله، يسبب إيذاء للناس سقط استحباب ذلك للرجل أيضا، بل ربما عاد ذلك مكروهاً أو محرماً، حسب درجة الإيذاء التي تأتي نتيجة ذلك. لما رواه الشافعي وأحمد عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:" يا عمر " إنك رجل قوي، لا تزاحم على الحجر، فتؤذي الضعيف. إن وجدت خلوة، وإلا فهلل وكبر ".
3ـ أن يكرر الاستلام والتقبيل للحجر الأسود عند كل شوط من طوافه، بالشروط التي ذكرناها، ويسن أيضا استلام الحجر بعد الطواف وصلاته.
4ـ أن يقول في أول طوافه: " بسم الله والله أكبر، اللهم إيماناً بك، وتصديقاً بكتابك، ووفاءً بعهدك، وإتباعا لسنة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام " لاتفاق السلف من الأئمة على ذلك. وأن يقول قبالة باب الكعبة: اللهم إن البيت بيتك، والحرم حرمك، والأمن أمنك، وهذا مقام العائذ بك من النار.
وأن يقول عند الانتهاء إلى الركن العراقي: اللهم إني
أعوذ بك من الشك والشرك، والنفاق والشقاق، وسوء الأخلاق، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد.
وأن يقول عند الانتهاء إلى تحت الميزاب: اللهم أظلني في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك، واسقني بكأس نبيك محمد صلى الله عليه وسلم شراباً هنيئا لا أظمأ بعده يا ذا الجلال والإكرام.
وأن يقول بين الركن الشامي واليماني: اللهم اجعله حجاً مبروراً، وذنباً مغفوراً، وسعياً مشكوراً، وعملاً مقبولاً، وتجارة لن تبور، يا عزيز يا غفور.
وأن يقول بين الركنين اليمانيين: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ويدعو بما شاء من الأدعية، والدعاء المأثور الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف أفضل من القراءة، والقراءة أفضل من غير المأثور.
5ـ أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، بأن يسرع مشيه مقارباً خطاه، ويمشي على هيئته في الأشواط الأربعة الأخرى، إذا كان سيعقب طوافه سعي، وإلا بأن كان قد سعى بعد طواف سابق، فلا يسن الرمل فيه، ويسن الرمل أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، ويلقي طرفيه فوق منكبه الأيسر. ويسمى ذلك اضطباعاً. وذلك لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما دخل مكة لعمرة القضاء فعل ذلك وأمر أصحابه بذلك، وقال:" رحم الله امرءاً أراهم اليوم من نفسه قوة ".
6ـ أن يصلى بعد أن يتم طوافه، ركعتين خلف مقام إبراهيم يقرأ في الأولى بقل يا أيها الكافرون وفي الثانية بقل هو الله أحد.
لما صح من رواية مسلم أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وندب الناس إليه وهو يقرأ قول الله تعالى: " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ".
رابعاً: سنن السعي:
1ـ يسن إذا سعى بعد طواف ألا يعيد السعي بعد طواف آخر. فإذا سعى بعد طواف القدوم (وهو سنة كما علمت) يكره أن يعيده بعد طواف الإفاضة الذي هو ركن في الحج.
2ـ يستحب أن يرقى في أول سعيه على الصفا، بحيث يشاهد البيت لو لم يكن دونه حجاب، ثم يستقبل القبلة قائلاً:" الله اكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا. لا إله إلا الله وحده لا شريك له. له الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير " فإذا وصل بعد ذلك إلى المروة رقى عليها وقال مثل ذلك.
3ـ أن يسعى ماشياً ما أمكنه ذلك، فإذا وصل إلى ما بين الميلين المعروفين سن له أن يعدو ويهرول. ويدعوا أثناء ذلك وعند صعوده على الصفا والمروة كل مرة بما يجب لنفسه ولإخوانه وللمؤمنين.
خامساً: سنن الخروج إلى عرفة:
الوقوف بعرفة ـ كما قد عرفت ـ ركن من أهم أركان الحج. ويمكن تحقيقه بأن يذهب إليه الحاج رأساً، دون مرور بمكة. ولكن إذا أراد اتباع السنة، وتطبيق المراحل التي اجتازها النبي صلى الله عليه وسلم في الذهاب إلى عرفة، كان عليه أن يراعي الخطوات التالية:
1ـ أن يجعل صعوده إلى عرفة بعد دخوله مكة وأدائه طواف القدوم كما ذكرنا.
2ـ أن يخطب إمام المسلمين أو كبير قدوة فيهم، في مكة، في سابع ذي الحجة، بعد صلاة الظهر يوجههم إلى الصعود إلى منى صباح اليوم التالي، وما يلي ذلك من خطوات المناسك. ليكونوا على بينة من الأعمال التي هم مقبلون عليها.
3ـ أن يخرجوا صباح اليوم الثامن إلى منى فيقيموا هناك إلى صباح اليوم التاسع. يصلون فرائضهم الخمسة في مسجد الخيف، حيث كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4ـ أن يتجهوا صباح اليوم التاسع بعد شروق الشمس إلى عرفات. ويسن أن لا يدخلوها إذا وصلوا إلى قريب من حدودها، بل يقيمون بنمرة (مكان قريب عرفات) إلى أن تزول الشمس، حيث يصلون الظهر والعصر جمع تقديم، ثم يدخلون عرفات ويقفون بها إلى الغروب، يذكرون الله تعالى ويدعون ويكثرون التهليل والإنابة والتضرع إلى الله عز وجل. هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابه، فيما صح عنه، في حجة الإسلام التي أداها قبيل وفاته.
سادساً: سن المبيت بالمزدلفة:
فإذا وصلوا إلى مزدلفة (وقد عرفت أن المبيت بها واجب، بحيث يوجد فيها ولو دقيقة بعد منتصف الليل) استحب مراعاة الأمور التالية:
أـ البقاء في المزدلفة إلى أذان الفجر، حيث يصلون الصبح فيها مغلسين أي في أول وقتها
ب ـ الاتجاه إلى منى بعد أن يأخذوا من المزدلفة حصى الجمار: سبع حصيات كل منها أكبر من الحمصة، ودون حبة الفول.
لما رواه النسائي والبيهقي عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له غداة النحر: " التقط لي حصى ". قال فلقطت له حصيات مثل حصى الخزف.
ج ـ الوقوف عند المشعر الحرام (وهو جبل صغير في آخر المزدلفة) إذا وصلوا إليه، والدعاء هناك إلى الإسفار، مع الإكثار من قول:" ربنا أتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار ". وذلك لصريح قوله تعالى: {فَاذْكُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ} ثم يواصلون سيرهم إلى منى، شعارهم التلبية والذكر، بحيث يصلونها بعد طلوع الشمس.
سابعاً: سنن الرجم
يسن في رجم جمرة العقبة اتباع الآداب التالية:
1ـ أن لا يبتدئ إذا وصل إلى منى بشيء غير رمي الجمار، إذ هو تحية منى ذلك اليوم.
2ـ أن يقطع التلبية عند ابتداء الرمي لأنه صلى الله عليه وسلم لم يزل ملبياً حتى إذا رمى قطع التلبية، واستبدل بها التكبير.
3ـ أن يكبر مع قذف كل حصاه، وأن يرمي بيده اليمنى، رافعاً لها حتى يري بياض إبطه. أما المرأة فلا ترفع، وأن تكون الحصاة في قدر الباقلاء.
ويسن في رمي الجمار أيام التشريق اتباع ما يلي:
1ـ أن يرمي الجمار إذا زالت الشمس وقبل أن يصلي الظهر، إلا إذا حال ازدحام شديد دون ذلك فلا مانع من التأخير.
2ـ أن يقف من الجمرة الأولى والثانية موقفاً بحيث يتجه إلى
القبلة، ثم يرمي إليها الجمار واحدة إثر أخرى على النحو الذي ذكرناه في جمرة العقبة.
3ـ أن ينحرف بعد الرمي قليلاً بحيث لا يناله حصى الناس أثناء الرمي، ويجعل الجمرة خلفه، ويستقبل القبلة، ويدعوا الله بخشوع وتضرع بما شاء لنفسه ولإخوانه، ويسن أن يطيل ذلك قدر قراءة سورة البقرة. فإذا أتى الجمرة الثانية فعل مثل ذلك ودعا بعد الرمي بدون أي فرق بينهما، حتى إذا وصل إلى جمره العقبة، وهي التي كان قد رماها يوم النحر، رمى الجمار كما فعل في السابق. ولا يدعو بعد ذلك، ولا يقف عندها. دليل ذلك كله فعله صلى الله عليه وسلم فيما صح في الحديث الصحيح.