الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكمة الحج والعمرة
وفوائدها
لقد شرع الله لعبادة الشرائع وفصل لهم الأحكام تحقيقاً لمصالحهم العاجلة والآجلة في الدين والدنيا. ولقد أشار القرآن الكريم عند ذكر الحج إلى وجود منافع للناس ومصالح لهم، فقال تعالى:{ِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} (الحج: 28).
قال بن عباس رضي الله عنهما: في تفسير هذه الآية: إنها منافع الدنيا والآخرة، أما منافع الآخرة: فرضوان الله تعالى، وأما منافع الدنيا، فما يصيبون من منافع البدن، والذبائح والتجارات. في الحقيقة لو أردنا تفصيل كلام ابن عباس وتعداد المنافع الدينية والدنيوية التي أشار إليها لتحصل لنا كثير من هذه المنافع، فمن هذه المنافع:
أولاً: اجتماع المسلمين: اعلم أن مبنى هذا الدين على الاجتماع والتآلف بين المسلمين. فلذلك جعل الله تعالى معظم عباداته المشروعة سبيلاً لألوان من التلاقي فيما بينهم. جعل لهم لقاء يتكرر كل يوم خمس مرات على مستوى الحي الواحد من البلدة، وشرع لتنظيم ذلك صلاة الجماعة.
وجعل لهم لقاء آخر يتكرر في كل أسبوع مرة على مستوى البلدة الواحدة، وشرع لتنظيم ذلك صلاة الجمعة.
وجعل لهم لقاء آخر يتكرر فيم كل عام مرة، على مستوى البقاع الإسلامية كلها. وشرع لتنظيم ذلك الحج إلى بيته الحرام.
ثانيا: إحياء حقيقة الأخوة الإسلامية وإبرازها بشكل محسوس، بحيث لا تؤثر عليها حواجز اللغات وتباعد البلدان. وخير وسيلة لإحيائها تلاقيهم حول بيت الله العتيق، يلهجون بدعاء واحد لرب واحد باتجاه واحد.
ثالثاً: شد المسلمين جميعاً مهما تباعدت ديارهم إلى محور مكة المكرمة التي هي مشرق الإسلام في الأرض، والتي منها انبثق نور التوحيد إلى أقطار العالم، لتكون رمز وحدتهم وتجسيد مبدئهم.
رابعاً: هو مظهر من مظاهر المساواة بين المسلمين، تسقط فيه سائر الاعتبارات التي تميز الناس وتحملهم على التفاخر في الملبس والمسكن. ففي عرفات ومثلها في منى وعند رمي الجمار وفي الطواف يكاد يضيع الغني ولا يعرف الفقير، ويستوي السيد والمسود والخادم والمخدوم، وتغمر الجميع روحانية واحدة، وهي نشوة القرب من الله والتطلع لرضاه.
إنه مظهر رائع يذكر بالمبدأ حين يخرج الناس من بطون أمهاتهم سواء لا مزية لأحد على غيره، كما يذكر بالمعاد حين يقوم الناس لرب العباد حفاة عراة لا أحساب ولا أنساب.
خامساً: والحج كذلك أكبر مذكر يذكر المسلمين حال آبائهم وأسلافهم من الأنبياء والمرسلين، فكل موقف من مواقف الحج مرتبط بحدث يثير في مشاعر الحجاج كثيراً من الذكريات، فعند البيت يتجلى في خاطر المؤمن إبراهيم وإسماعيل وهما يبنيان البيت العتيق،
وتتجلى صور المصطفي هو يقبل الحجر الأسود، ويطعن الأصنام لتهوي على رؤوسها مستخذية مهينة. وعند الصفا والمروة يتذكر المسلم هاجر عليها السلام وهي تسعى بينهما تطلب الماء لولدها إسماعيل. وفي منى عند الجمرات يستشعر مواقف إبراهيم وهو يعارض الشيطان ويخالف أوامره، ويرجمه بالحصباء ويقبل على امتثال أمر ربه، وينفذ ما أوحاه إليه في رؤياه من ذبح ابنه. وفي عرفات تثور في ضمير المؤمن بواعث التطلع إلى رحمة الله والأمل في مغفرته، ولا يغيب عن بصيرته ذلك الموقف الرائع الذي وقفه رسول الله في حجة الوداع وهو على ناقته يعظ المسلمين ويخطبم ويقرر لهم مبادئ الحياة الرائعة والمساواة العادلة والأخوة الصادقة، ويحذرهم من العودة إلى مساوئ الجاهلية:" أيها الناس إن ربكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ألا لا تعودوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ".
سادساً: أضف إلى كل ذلك ما يناله فقراء تلك البلاد في ذلك الموسم المبارك من الرزق الذي يغني فقيرهم السنة كلها، تحقيقاً لدعوة إبراهيم عليه السلام حيث قال:(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)
سابعاً: والحج تربية للجسم على الخشونة وتحمل المشاق والصبر على المكاره.
وتربية للخلق على التواضع والتسامح وحسن المعاشرة وطيب الملاطفة.
وتربية للنفس على البذل والتضحية والصدقة والإحسان.
وتربية للضمير على الطهارة والرقابة لله سبحانه، قال تعالى في سورة البقرة: 197:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ
فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}.