الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأموال التي تجب فيها الزكاة
الأساس الذي يراعى في ذلك:
إن الأساس الذي تتعلق بموجبه الزكاة بالأموال هو صفة النماء، فكل مال قابل للنمو والزيادة يتعلق به حق الزكاة، وكل ما لا يقبل النمو من الأموال الجامدة لا يتعلق به حق الزكاة.
والحكمة من مراعاة هذا الأساس واضحة، فإن المال الجامد إذا وجبت فيه الزكاة لابد أن تستفيده الزكاة تقريباً خلال أربعين عاماً، فيكون في ذلك ضرر للمالك.
أما المال القابل للنمو والزيادة: فإن الزكاة إنما تتعلق به تبعاً للنمو المتعلق به، فلا خوف على أصل المال من أن تقتضي عليه الزكاة، وإليك تعداد الأموال التي تجب فيها الزكاة بناءً على هذا الأصل.
1ـ النقدان:
1 -
النقدان:
والمقصود بهما: الذهب، والفضة، سواء كانا مضروبين أو كانا سبائك، كما أن المقصود بهما ما دخل تحت الملك حقيقة أو اعتباراً، أي سواء كان التعامل الفعلي بهما أو بأوراقٍ تقم مقامها،
وتعتبر سندات ذات ضمانة ثابتة بدفع ما ارتبطت به من القيمة الحقيقية، ذهباً أو فضة.
والدليل على وجوب الزكاة في النقدين:
قوله سبحانه وتعالى:
{َالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (التوبة: 34).
والمقصود بالكنز حبس ما يتعلق به من الزكاة، والمال المكنوز هو المال الذي لم تؤد زكاته، فقد روى البخاري في صحيحه (1339) عن ابن عمر رضي الله عنهما، في تفسير هذه الآية، قال: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له.
وما رواه مسلم (987) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب ذهب ولا فضة، لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيري سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار ". [حقها: زكاتها].
أنواع الذهب والفضة التي تتعلق بها الزكاة:
بناء على ما قد عرفت من المقصود بالنقدين فإن الزكاة تتعلق بأنواع من الذهب والفضة، نبينها لك فيما يلي:
1ـ الدراهم الفضية والدنانير الذهبية، وما هو في حكم محل منهما من الذهب أو الفضة.
2ـ السبائك من كل من الذهب والفضة.
3ـ الأواني والقطع الفضية والذهبية المعدة للاستعمال أو الزينة.
لا زكاة في الحُلِيِّ
ويستثني من النوع الثالث الحليي المباح، فلا زكاة فيه، كما إذا كان للمرأة حلى من ذهب أو فضة، ولم يكن بالغاً من الكثرة إلى حد السرف في عرف الناس، وكذلك خاتم الفضة للرجل، فلا تجب عليها الزكاة فيه ، وذلك أن اعتبارهما حلياً يقضي على صفة النماء فيهما، ويحيلهما بإذن الشارع إلى مال جامد لا نمو فيه، وقد روى جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" لا زكاة في الحلي ". [البيهقي: 4/ 138، الدارقطني: 2/ 107].
ويقوي هذا ما روي من آثار عن الصحابة رضي الله عنهم، فقد روى مالك رحمه الله تعالى في الموطأ [1/ 250] أن عائشة رضي الله عنها كانت تلي بنات أخيها ـ يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة. وأن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة.
كما روى الشافعي رحمه الله تعالى في الأم [2/ 34 ـ 35]: أن رجلاً سأل جابر بن عبدالله رضي الله عنهما عن الحلي، أفيه زكاة؟ فقال: لا.
وهذا بخلاف ما يدخل منهما في الاستعمال المحرم، كحلي الرجل ـ ما عدا الخاتم من الفضة ـ وكأدوات استعمال أو زينة في المنزل، فإن صفة النماء ـ وإن تكن قد سقطت عنه بسبب ذلك ـ إلا أن هذا السبب لما كان محرماً لم يكن لسقوط النماء عنه أي اعتبار.
دليل التحريم:
ما رواه البخاري (5110) ومسلم (2067) عن حذيفة بن
اليمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ". [صحافها: جمع صحفة، وهي القصعة. لهم: الكفار]. وقيس على الأكل والشرب غيرهما من وجوه الاستعمال، كما يقاس على الاستعمال، كما يقاس على الاستعمال الاقتناء للزينة، لأنه يجر إلى الاستعمال، ولأنه أيضا لم يؤذن به، والأصل التحريم
كما يشمل المنع الرجال والنساء على حد سواء.
2ـ الأنعام:
وهي: الإبل، والبقر، والغنم، ويلحق بها المعز:
ودل على وجوب الزكاة في هذه الأجناس:
ما رواه البخاري (1386) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له كتاباً وبعثه به إلى البحرين، وفي أوله: (بسم اله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سأل فوقها فلا يعط
…
)
وهو حديث طويل فيه ذكر هذه الأجناس، وبيان أنصبتها، وما يجب فيها، وسيأتي بيان ذلك مفرقاً في مواضعه عند الكلام عن الأنصبة والنسبة التي تجب فيها.
3ـ الزروع والثمار:
وإنما تجب الزكاة فيها إذا كانت مما يقتاته الناس في أحوالهم العادية، ويمكن ادخاره دون أن يفسد ، وذلك من الثمار: الرطب والعنب، ومن الزروع: الحنطة، والشعير، والأرز، والعدس،
والحمص، والذرة
…
. إلخ، ولا عبرة بما يقتات به في أيام الشدة والحذب.
دليل وجوب الزكاة فيها:
قول الله تعالى: "كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ " الأنعام: 141.
ونقل عن ابن عباس رضي الله عنه حقه: إخراج زكاته.
وقوله تعالى:
{أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ} / البقرة: 267 /، وهناك أدلة أخرى تأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى. ودليل اختصاصها بما ذكر: ما رواه أبو داود (1603) وحسنه الترمذي (644) عن عتاب بن أسيد رضي الله عنه قال: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيباً، كما تؤخذ صدقة النخل تمراً " والخرص: تقدير ما يكون من الرطب تمراً، ومن العنب زبيباً.
وروى الحاكم بإسناد صحيح: عن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثها إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم وقال لهما:" لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب، والتمر ".
وروى أيضا عن معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأما القثاء، والبطيخ، والرمان، والقضب، فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقد حكم الحافظ الذهبي أيضاً بصحته. [المستدرك: 1/ 401].
القضب: النبات الذي يقطع ويؤكل طربا ً.
وقيس على الحنطة والشعير كل ما يقتات به غالباً، لأن الاقتيات ضروري للحياة، فجب فيها حق لأصحاب الضرورات والحاجات.
4ـ عروض التجارة:
والمقصود بالتجارة تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح، وهي لا تختص بنوع معين من المال، والعروض هي السلع التي تقلب الأيدي بغرض الربح.
دليل وجوب الزكاة في أموال عروض التجارة:
قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} / البقرة: 267 /، قال مجاهد: نزلت الآية في التجارة، وقوله صلى الله عليه وسلم:" في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقتها " رواه الحاكم [المستدرك: 1/ 388] بإسناد صحيح على شرط الشيخين. (1)
والبز: هو الثياب المعدة للبيع عند البزازين، فتقاس عليه كل الأموال المعدة للتجارة.
وروى أبو داود (1562)، عن سمرة بن جندب قال:(أما بعد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع). والمراد بالصدقة الزكاة.
(1) قال النووي في المجموع: (وفي البز) هو بفتح الباء وبالزاي، هكذا رواه جميع الرواة، وصرح بالزاي الدارقطني والبيهقي. نقول، والذي رأيناه في المستدرك بالراء لا بالزاي، على أن النووي ذكره بالزاي وقال عنه: أخرجه الحاكم أبو عبدالله في المستدرك. فلعل هناك نسخاً أخرى برواية الزاي نقل عنها النووي رحمه الله تعالى.
شروط وجوب الزكاة في العروض:
لا تصبح السلع المملوكة عروض تجارة تجب فيها الزكاة إلا بشرطين:
1ـ أن يملكه بعقد فيه عوض، كالبيع والإجازة والمهر ونحو ذلك، فلو ملكه بإرث أو وصية أو هبة، فلا يصير عرضا تجارياً.
2ـ أن ينوي عند تملكه المتاجرة به، وأن تستمر هذه النية، فإذا لم ينو عند تملكه المتاجرة لا يصبح عرضاً تجارياً حتى ولو نوى المتاجرة بعد ذلك، وكذلك إذا اشتراه بنية التجارة، ثم نوى أن يبقيه تحت ملكه ولا يتاجر به، أي أن يتخذه قنية، فإنه يسقط تعلق الزكاة به.
المعدن والركاز:
المقصود بهما الذهب والفضة المستخرجان من باطن الأرض.
فإن استخرج من معدنه تصفية واستخلاصاً مما قد علق به فهو المقصود بالمعدن، وإن كان دفيناً يرجع إلى ما قبل الإسلام فهو الركاز.
أما ما ثبت أنه مدفون في عهد الإسلام فهو من الأموال الضائعة، ولها أحكام خاصة بها تفصل في باب اللقطة.
دليل وجوب الزكاة في المعدن:
ما رواه البيهقي: أنه صلى الله عليه وسلم أخذ من المعادن القبلية الصدقة. والقبلية: نسبة إلى قبل ـ بفتح القاف ـ ناحية من قرية بين مكة والمدينة اسمها الفرع.
قال النووي رحمه الله تعالى: قال أصبحنا: أجمعت الأمة على وجوب الزكاة في المعدن. [المجموع: 6/ 73، 74].
أما دليل وجوب الزكاة في الركاز:
فهو ما رواه البخاري (1428) ومسلم (1710) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وفي الركاز الخمس ".
لفت نظر:
إن الركاز والمعدن ليسا ـ كما قد علمت ـ شيئاً آخر غير الذهب والفضة، ومع ذلك فقد اعتبرناهما نوعاً مستقلاً برأسه من أموال الزكاة بسبب ما يتعلق بهما من أحكام خاصة بهما، سواء بما يتعلق باشتراط الحول، أو بالنسبة المئوية التي يجب دفعها ـ وستعلم هذه الأحكام فيما بعد ـ فمن أجل ذلك اعتبرا نوعاً مستقلاً من أنواع الأموال الزكوية، وإن كانا داخلين في الحقيقة تحت الذهب والفضة.