الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد بينت السنة الصحيحة أن عموم: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ} مخصص لعموم: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الآية. مع أن جماعة من الأصوليين ذكروا أن الجموع المنكرة لا عموم لها؛ وعليه فلا عموم في آية البقرة؛ لأن قوله: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} جمع منكر فلا يعم بخلاف قوله: {وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ} فإنه مضاف إلى معرف بأل، والمضاف إلى المعرف بها من صيغ العموم. كما عقده في مراقي السعود بقوله عاطفا على صيغ العموم:
• وما معرفا بأل قد وجدا *
أو بإضافة إلى معرف
…
إذا تحقق الخصوص قد نفى
الثاني: الضمير الرابط للجملة بالموصول محذوف؛ لدلالة المقام عليه أي: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بعدهم أربعة أشهر وعشرا كقول العرب: السمن منوان بدرهم. أي: منوان منه بدرهم.
•
قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ}
ظاهر هذه الآية الكريمة أن المتعة حق لكل مطلقة على مطلقها المتقي، سواء أطلقت قبل الدخول أم لا؟ فرض لها صداق أم لا؟ ويدل لهذا العموم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (28)} مع قوله: {{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الآية- وقد تقرر في الأصول أن الخطاب الخاص به صلى الله عليه وسلم يعم حكمه جميع الأمة إلا بدليل على الخصوص كما عقده في مراقي السعود بقوله:
وما به قد خوطب النبي
…
تعميمه في المذهب السني
وهو مذهب الأئمة الثلاثة، خلافا للشافعي القائل بخصوصه به - صلى الله عليه وسلم - إلا بدليل على العموم، كما بيناه في غير هذا الموضع.
وإذا عرفت ذلك فاعلم: أن أزواج النبي مفروض لهن ومدخول بهن، وقد يفهم من موضع آخر أن المتعة لخصوص المطلقة قبل الدخول وفرض الصداق معا؛ لأن المطلقة بعد الدخول تستحق الصداق، والمطلقة قبل الدخول وبعد فرض الصداق تستحق نصف الصداق. والمطلقة قبلهما لا تستحق شيئا، فالمتعة لها خاصة لجبر كسرها، وذلك في قوله تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنّ} ثم قال: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فهذه الآية ظاهرة في هذا التفصيل، ووجهه ظاهر معقول.
وقد ذكر تعالى في موضع آخر ما يدل على الأمر بالمتعة للمطلقة قبل الدخول وإن كان مفروضا لها، وذلك في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً (49)} ؛ لأن ظاهر عمومها يشمل المفروض لها الصداق وغيرها، وبكل واحدة من الآيات الثلاث أخذ جماعة من العلماء. والأحوط الأخذ بالعموم، وقد تقرر في الأصول أن النص الدال على الأمر مقدم على الدال على الإباحة، وعقده في مراقي السعود بقوله:
"وناقل ومثبت والآمر
…
بعد النواهي ثم هذا الآخر"
• على إباحة
…
الخ *
فقوله "ثم هذا الآخر على إباحة"، يعني: أن النص الدال على أمر مقدم على النص الدال على إباحة، للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب.
والتحقيق أن قدر المتعة لا تحديد فيه شرعا لقوله تعالى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} فإن توافقا على قدر معين فالأمر واضح، وإن اختلفا فالحاكم يجتهد في تحقيق المناط، فيعين القدر على ضوء قوله تعالى:{عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ} الآية. هذا هو الظاهر وظاهر قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ} وقوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} يقتضي وجوب المتعة في الجملة خلافا لمالك ومن وافقه في عدم وجوب المتعة أصلا، واستدل بعض المالكية على عدم وجوب المتعة بأن الله تعالى قال:{حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} وقال: {حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} قالوا: فلو كانت واجبة لكانت حقا على كل أحد. وبأنها لو كانت واجبة لعين فيها القدر الواجب.
قال مقيده - عفا الله عنه -: هذا الاستدلال على عدم وجوبها لا ينهض فيما يظهر؛ لأن قوله: {عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)} {حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} تأكيد للوجوب، وليس لأحد أن يقول: لست متقيا مثلا؛ لوجوب التقوى على جميع الناس.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ} الآية ما نصه: وقوله عَلَى الْمُتَّقِينَ تأكيد لإيجابها؛ لأن كل واحد يجب عليه أن يتقي الله في الإشراك به ومعاصيه، وقد قال تعالى في القرآن:{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)} وقولهم: لو كانت واجبة لعين القدر الواجب