الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
•
قوله تعالى {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)}
صرح في هذه الآية بأن هذا القرآن هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، ويفهم من مفهوم الآية -أعني مفهوم المخالفة المعروف بدليل الخطاب- أن غير المتقين ليس هذا القرآن هدى لهم، وصرح بهذا المفهوم في آيات أخر كقوله:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} وقوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً (82)} وقوله {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125)} وقوله تعالى: {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً} الَايتين. ومعلوم أن المراد بالهدى في هذه الآية الهدى الخاص الذي هو التفضيل بالتوفيق إلى دين الحق، لا الهدى العام، الذي هو إيضاح الحق.
•
قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}
عبر في هذه الآية الكريمة بمن التبعيضية الدالة على أنه ينفق لوجه الله بعض ماله لا كله. ولم يبين هنا القدر الذي ينبغي إنفاقه، والذي ينبغي إمساكه، ولكنه بين في مواضع أخر أن القدر الذي ينبغي إنفاقه: هو
الزائد على الحاجة وسد الخلة التي لا بد منها، وذلك كقوله:{وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} ، والمراد بالعفو الزائد على قدر الحاجة التي لا بد منها على أصح التفسيرات، وهو مذهب الجمهور.
ومنه قوله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم. وقال بعض العلماء: [العفو][1] نقيض الجهد، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع. ومنه قول الشاعر:
خذي العفو مني تستديمي
…
مودتي ولا تنطقي [في][2] سورتي حين أغضب
وهذا القول راجع إلى ما ذكرنا، وبقية الأقوال ضعيفة.
وقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} فنهاه عن البخل بقوله: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} ، ونهاه عن الإسراف بقوله:{وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْط} فيتعين الوسط بين الأمرين، كما بينه بقوله:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً (67)} فيجب على المنفق أن يفرق بين الجود والتبذير، وبين البخل والاقتصاد، فالجود: غير التبذير، والاقتصاد: غير البخل، فالمنع في محل الإعطاء مذموم، وقد نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} والإعطاء في محل المنع مذموم أيضا، وقد نهى الله عنه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله:{وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} وقد قال الشاعر:
لا تمدحن [3] ابن عباد وإن هطلت
…
يداه كالمزن حتى تخجل الديما
فإنها فلتات [4] من وساوسه
…
يعطي ويمنع لا بخلا ولا كرما
وقد بين تعالى في مواضع أخر: أن الإنفاق المحمود لا
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة:
[1]
سقطت كلمة «العفو» من المطبوع، واستدركناها من طبعة المدني.
[2]
سقطت كلمة «في» من المطبوع.
[3]
في المطبوع: «من فلتات» ، وهي على الصواب في طبعة المدني.
[4]
في المطبوع: «نمدحن» ، وهي على الصواب في طبعة المدني.