المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الناجز والمتوقع من المصالح والمفاسد - الفوائد في اختصار المقاصد

[عز الدين بن عبد السلام]

فهرس الكتاب

- ‌فصل فِي بَيَان الْمصَالح والمفاسد

- ‌فصل فِي بَيَان الْإِحْسَان الْمَأْمُور بِهِ

- ‌فصل فِي بَيَان الْإِسَاءَة الْمنْهِي عَنْهَا

- ‌فَائِدَة فِي الْحَث على تَحْصِيل الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد

- ‌فصل فِي تفَاوت رتب الْمصَالح والمفاسد

- ‌فصل فِي بَيَان مصَالح الدَّاريْنِ ومفاسدهما

- ‌فصل فِيمَا يبْنى عَلَيْهِ الْمصَالح والمفاسد

- ‌فصل فِي الْوَسَائِل

- ‌فصل فِي اجْتِمَاع الْمصَالح

- ‌فصل فِي اجْتِمَاع الْمَفَاسِد

- ‌فصل فِي اجْتِمَاع الْمصَالح والمفاسد

- ‌فصل فِي انقسام الْمصَالح إِلَى دُنْيَوِيّ وأخروي ومركب مِنْهُمَا

- ‌فصل فِي تبيان حَقِيقَة الْمصَالح والمفاسد

- ‌فَائِدَة فِي بَيَان أَن الشَّرِيعَة جَاءَت لجلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد

- ‌فصل فِي الناجز والمتوقع من الْمصَالح والمفاسد

- ‌فصل فِي بَيَان الْحُقُوق

- ‌فصل فِي كذب الظَّن فِي الْمصَالح والمفاسد

- ‌فصل فِيمَا يتْرك من مصَالح النّدب والإيجاب لما يتَعَلَّق بِهِ من عذر أَو مفْسدَة

- ‌فصل فِيمَا يرتكب من الْمَفَاسِد إِذا تعلّقت بِهِ مصلحَة إِبَاحَة أَو ندب أَو إِيجَاب

- ‌فصل فِيمَا لَا يتَعَلَّق بِهِ الطّلب والتكليف من الْمصَالح والمفاسد وَإِنَّمَا يتَعَلَّق التَّكْلِيف والطلب بآثار بعضه

- ‌فصل فِي تفَاوت الثَّوَاب وَالْعِقَاب بتفاوت الْمصَالح والمفاسد

- ‌فصل فِي تفَاوت الْأجر مَعَ تَسَاوِي الْمصلحَة

- ‌فَائِدَة فِي مصَالح الْعباد

- ‌فصل فِيمَا يعرف بِهِ تَرْجِيح الْمصَالح والمفاسد

- ‌فصل فِي انقسام الْمصَالح إِلَى الْفَاضِل وَالْأَفْضَل

- ‌فصل فِي انقسام الْمَفَاسِد إِلَى الرذل والأرذل

- ‌فرع فِي تفَاوت الْحُدُود والتعزيرات بتفاوت مفاسد الْجِنَايَات

- ‌فَائِدَة

- ‌فصل فِيمَا يقدم من الْإِحْسَان الْقَاصِر والمتعدي

- ‌فصل فِيمَن يقدم فِي الولايات

- ‌فَائِدَة فِي اخْتِيَار الْأَصْلَح للولاية

- ‌فَائِدَة فِي تَقْدِيم غير الْعدْل فِي الْولَايَة

- ‌فَائِدَة فِي صرف مَال الْمصَالح

- ‌فَائِدَة فِي صرف الْأَمْوَال إِلَى من لَا يَسْتَحِقهَا

- ‌فَائِدَة

- ‌فَائِدَة فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ دين

- ‌قَاعِدَة فِي المَال الْمَعْصُوم

- ‌قَاعِدَة فِي عدم تولي أحد طرفِي التَّصَرُّف

- ‌فَائِدَة فِي عدم ثُبُوت الْملك للموتى

- ‌فَائِدَة فِي الشَّرَائِط

- ‌فصل فِيمَا يقبل الشُّرُوط من التَّصَرُّفَات وَمَا لَا يقبل

- ‌فصل فِي بَيَان الْإِسَاءَة وَالْإِحْسَان

- ‌فصل فِيمَا يَنْضَبِط من الْمصَالح والمفاسد وَمَا لَا يَنْضَبِط مِنْهَا

- ‌فصل فِيمَا يفْتَقر إِلَى النيات

- ‌قَاعِدَة فِي الْأَحْكَام الظَّاهِرَة والباطنة

- ‌قَاعِدَة

- ‌فصل فِي أمثله مَا خولفت فِيهِ قَوَاعِد الْعِبَادَات والمعاملات والولايات رَحْمَة للعباد ونظرا لجلب مصالحهم ودرء مفاسدهم

- ‌فصل فِي بَيَان مَا يتدارك من المنسيات وَمَا لَا يتدارك

- ‌فصل فِي الْإِكْرَاه

- ‌قَاعِدَة فِي الشّبَه الدارئة للحدود

- ‌فَائِدَة فِي أَنْوَاع الْأَحْكَام

- ‌فصل فِيمَا يتساوى فِيهِ المكلفون وَمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ

- ‌فَائِدَة فِي الطَّاعَة

- ‌فَائِدَة فِي تَخْيِير الشَّرْع بَين الْمصَالح المتفاضلات والمتساويات

- ‌فَائِدَة فِي بطلَان الْعِبَادَات

- ‌فَائِدَة فِي الْأجر على المصائب

- ‌فصل فِيمَا أَبَاحَهُ الشَّرْع

- ‌فَائِدَة فِي فضل الْعَمَل الْقَاصِر

- ‌فصل فِي تَقْدِيم الْمَفْضُول على الْفَاضِل

- ‌فَائِدَة فِي حُقُوق الله وَحُقُوق الْعباد

- ‌فصل فِي الْقَبْض

- ‌فَائِدَة فِي الْمُعَاوضَة

- ‌فَائِدَة فِي فضل الْإِسْرَار والإعلان بالطاعات

- ‌قَاعِدَة فِي الْجمع بَين إِحْدَى المصلحتين وَبدل الْمصلحَة الْأُخْرَى

- ‌قَاعِدَة فِيمَا نهي عَنهُ من الْأَقْوَال والأعمال

- ‌فَائِدَة فِي بَيَان الْمصَالح الْمَأْمُور بهَا

- ‌فصل فِي التقديرات

- ‌فصل فِيمَا تحمل عَلَيْهِ الْأَلْفَاظ

- ‌فصل فِيمَا بني من الْأَحْكَام على خلاف ظواهر الْأَدِلَّة

- ‌فصل فِي تَنْزِيل الدّلَالَة العادية منزلَة الدّلَالَة اللفظية

- ‌فصل فِي فَضَائِل الْوَسَائِل

- ‌فَائِدَة فِي أَسبَاب الشَّرْع

- ‌فصل فِي تعرف الْمصَالح والمفاسد

- ‌فَائِدَة فِي حكم الشَّرْع فِي الجدل والمناظرة

- ‌فصل فِي صَلَاح الْقُلُوب والأجساد وفسادهما

- ‌فصل فِي أَعمال الْقُلُوب كالمعارف وَالْأَحْوَال والنيات والقصود

- ‌فَائِدَة فِي المفاضلة بَين الْأَوْلِيَاء

- ‌فصل فِي بَيَان الْفَضَائِل

- ‌فصل فِي مَرَاتِب الْقرب

الفصل: ‌فصل في الناجز والمتوقع من المصالح والمفاسد

‌فصل فِي الناجز والمتوقع من الْمصَالح والمفاسد

الْمصَالح والمفاسد ضَرْبَان أَحدهمَا ناجز وَالثَّانِي متوقع

فَقتل المؤذيات عِنْد صيالها مفْسدَة للصائل فآخره مصلحَة للمصول عَلَيْهِ ناجزة وَلَو لم يصل لَكَانَ قَتلهَا مفْسدَة ناجزة لَهَا درءا لمفسدة متوقعة مِنْهَا والتداوي من الْأَمْرَاض دفع لمفسدة ناجزة أَو تَحْصِيل لمصْلحَة ناجزة وَشرب الْأَدْوِيَة الْمرة تَحْصِيل لمصْلحَة ناجزة أَو دَرْء لمفسدة ناجزة وقتال الْكفَّار والبغاة والممتنعين من أَدَاء الْحُقُوق دَرْء لمفسدة ناجزة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ تَارَة يكون لمصْلحَة كالأمر بالواجبات على الْفَوْر وَتارَة يكون لمصْلحَة متوقعة أَكثر من الناجزة والإمامة الْعُظْمَى وَسِيلَة إِلَى جلب الْمصَالح الناجزة والمتوقعة وَإِلَى دفع الْمَفَاسِد الناجزة والمتوقعة وَكَذَلِكَ الْقَضَاء وَالشَّهَادَة وإعانة الْأَئِمَّة والحكام على مَا يتولونه من ذَلِك ومصالح الْأَئِمَّة مِنْهَا أخروية ومصالح الْمُتَوَلِي عَلَيْهِم تَنْقَسِم إِلَى دنيوية وأخروية وَكَذَلِكَ الولايات فِي الْأُمُور الْخَاصَّة كقلع عين النَّاظر إِلَى الْحرم فِي الْبيُوت دفعا لمفسدة النّظر إِلَى الْحرم بمفسدة قلع الْعين

والعقوبات الشَّرْعِيَّة كلهَا مفْسدَة ناجزة فِي حق العاقب لِأَنَّهَا عَامَّة لَهُ موطئة مصلحَة لزجره وزجر أَمْثَاله فِي الِاسْتِقْبَال وَالْغَالِب تفَاوت الْعُقُوبَات بتفاوت الْمَفَاسِد

ص: 54

والنفقات مصلحَة للمنفق عَلَيْهِ عاجلة وللمنفق آجلة وَالْإِعْتَاق مصلحَة ناجزة للْمُعْتق آجلة لِلْعِتْقِ ويتوقع مِنْهُ مصلحَة الولايات بِالْإِرْثِ وَملك جَارِيَة الابْن بإحبال الْأَب مفْسدَة فِي حق الابْن مصلحَة للْأَب لَا أعرف شَاهدا لَهَا بِالِاعْتِبَارِ

وأبواب الْمَعْرُوف ضروب الْإِحْسَان كلهَا دقها وجلها مصَالح دنيوية أَو أخروية فِي حق المبذول لَهُ أخروية فِي حق باذلها يخْتَلف آخرهَا باخْتلَاف فَضلهَا وشرفها فأدناها مِثْقَال ذرة من الْخَيْر

والمنهيات كلهَا دقها وجلها من مِثْقَال ذرة فَمَا فَوْقهَا مفاسد فِي حق مرتكبيها إِمَّا عاجلة أَو آجلة ووزرها متفاوت بتفاوت قبحها وَأَدْنَاهَا مِثْقَال ذرة

والإساءة إِلَى النَّاس دقها وجلها مفاسد فِي حق الْمسَاء إِلَيْهِ فِي العاجل مكفرة لذنوبه فِي الآجل مُوجبَة للأخذ من ثَوَاب حَسَنَات الْمُسِيء وَهَاتَانِ مصلحتان عظيمتان فَإِن رَضِي الْمُصَاب بذلك أَو جبر عَلَيْهِ حصل على أجر الصابرين والراضين وَلذَلِك فَرح الأكابر بالبلاء كَمَا يفرحون بالرخاء

وَالنّذر مصلحَة للناذر فِي الآجل يتَفَاوَت أجرهَا بتفاوت شرفها فَإِن كَانَ الْمَنْذُور مُخْتَصًّا بالناذر كالأذكار وَالْحج وَالْعمْرَة وَالطّواف وَالِاعْتِكَاف كَانَ مصلحَة آجلة فَإِن تعدى نَفعه إِلَى غَيره فقد يكون فِي دين المبذول لَهُ وَقد

ص: 55

يكون فِي دُنْيَاهُ وَقد يكون فيهمَا وَإِن كَانَ فِي أخراه كَانَ مصلحتهما أخرويتين ويتفاوت أجر ذَلِك بتفاوت مَا يجلبه من مصلحَة أَو يدرؤه من مفْسدَة

وَالْكَفَّارَات إِحْسَان جَائِز لما فَاتَ من الْمصَالح بارتكاب مهماتها فكفارات الْحَج بالأسباب الْجَائِزَة إِذْ الْوَاجِبَة جَائِزَة لما فَاتَ من تَكْمِيل الْحَج ومصلحتها آجلة للمكفرات إِن كَانَت بِالْقيامِ وَإِن كَانَت بِالْمَالِ فَهِيَ آجلة لباذلها عاجلة لمن تبذل لَهُ وَكَفَّارَة الْيَمين الْوَاجِب مِنْهَا أَو الْمُبَاح أَو الْمَنْدُوب جَائِزَة لإخلاف الْحلف وَهِي مفْسدَة مقتضية للتَّحْرِيم لَكِن الشَّرْع أَبَاحَهَا لمسيس الْحَاجة إِلَى الإخلاف بمجبر ذَلِك الإخلاف بِالْكَفَّارَةِ وَإِن كَانَ فِي الْكَفَّارَة أجر فالجبر أغلب وَلذَلِك يجب مَعَ انْتِفَاء المأثم كَمَا تجب الزكوات وأبدال الْعِبَادَات

وَالْحجر مفْسدَة فِي حق الْبَالِغ الْعَاقِل لكنه جَائِز فِي حق العَبْد وَالْمَرِيض والمفلس تَقْدِيمًا لمصْلحَة السَّيِّد وَالْوَرَثَة وغرماء الْمُفلس على مصلحَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَهُوَ فِي حق السَّفِيه لمصلحته

وَحجر الصَّبِي وَالْمَجْنُون مصلحَة لَا يقْتَرن بهَا مفْسدَة وَسُقُوط الْقَضَاء عَن الْأُصُول وفروع الْفُرُوع مصلحَة لَهُم مفْسدَة فِي حق الْفُرُوع

وَقتل الْمُسلم بالكافر وَالْحر بِالْعَبدِ مفاسد يأنف مِنْهَا الْعَاقِل بِخِلَاف قتل الرجل بِالنسَاء وَالصُّلْح مَعَ الْكفَّار فِيهِ مصلحَة حفظ حُقُوق الْمُسلمين وحقن دِمَائِهِمْ وَفِيه مفْسدَة الْكفْر فَيجوز فِي أَرْبَعَة أشهر وَلَا يجوز فِي أَكثر من

ص: 56

سنة لِكَثْرَة الْمفْسدَة وَفِيمَا بَينهمَا خلاف لتردده بَينهمَا وَيجوز عِنْد ضَرُورَة الْمُسلمين وخوفهم عشر سِنِين لفرط مصلحَة وَعظم الْمفْسدَة فِي تَركه وعقوبات الشَّرْع كلهَا مفاسد للمعاقب لأجل إيلامها لَكِن رجحت مصَالح الزّجر فِي حَقه وَحقّ غَيره فأحلت وَهِي مصَالح لَهَا من جِهَة أَنَّهَا روادع وكفارات وَكَذَا قتال الْكفَّار والبغاة والممتنعين من أَدَاء الْحُقُوق بِالْقِتَالِ درءا لمفسدة

وَالْحوالَة مصلحَة للْمُحِيل بِبَرَاءَة ذمَّته فَإِن كَانَ الْمحَال عَلَيْهِ أحسن قَضَاء كَانَ ذَلِك مصلحَة للمحتال وَإِن كَانَ سيء الْقَضَاء فَإِن ذَلِك مفْسدَة جَائِزَة التَّحَمُّل

وَالْوَقْف مصلحَة أخروية فَإِن شَرط النّظر لنَفسِهِ أثبت على الْوَقْف وعَلى النّظر وَإِن وصّى بِهِ إِلَى أقوم بِهِ وَأفضل وَقفه يتَفَاوَت أجر مصارفه وَقد تكون مصَالح مصارفه دنيوية وأخروية وَالْوَقْف الْمُتَّصِل أفضل من الْمُنْقَطع عِنْد من صحّح الْمُنْقَطع

وَفِي الْوَصَايَا مصلحتان أَحدهمَا للْمُوصي فِي الآجل وَهِي مُخْتَلفَة باخْتلَاف رتب الْمُوصى بِهِ البائنة للْمُوصى لَهُ وَهِي ضَرْبَان أَحدهمَا مَا لم يُوقف على شَرط فمصلحته إِلَّا أَن يصرفهُ الْمُوصى لَهُ فِي شَيْء من القربات فَتكون مصْلحَته آجلة الضَّرْب الثَّانِي مَا تعلق اسْتِحْقَاقه على قربَة كَالْوَصِيَّةِ للحجاج والغزاة وَالْفُقَهَاء والقراء فَيكون مصلحَة الْمُوصى لَهُ عاجلة وآجلة

ص: 57

وَالدُّعَاء مصلحَة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مصلحَة الْإِجَابَة وَهُوَ متوقع والإجابة بجلب مصَالح أَو بدرء مفاسد أَو بهما

وإفشاء السَّلَام مصلحَة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مصَالح الْمحبَّة

وإطابة الْكَلَام مصلحَة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا مصَالح تأليف الْقُلُوب

وعيادة المرضى مصلحَة يَتَرَتَّب عَلَيْهَا جبر الْمَرِيض وإثابة الْعَائِد وَالْعَمَل والتكفير

وَالْحمل والدفن مصَالح يَتَرَتَّب عَلَيْهَا إكرام الْمَيِّت وجبر قُلُوب أَهله وإثابة فَاعل ذَلِك

وَالصَّلَاة على الْمَيِّت مصلحَة آجلة للْمُصَلِّي والمصلى عَلَيْهِ أما للْمُصَلِّي فبالثواب وَأما للْمُصَلِّي عَلَيْهِ فبجلب مصَالح الْآخِرَة ودرء مفاسدها لقَوْله عليه الصلاة والسلام اللَّهُمَّ عافه واعف عَنهُ وَأكْرم نزله ووسع مدخله فَفِي قَوْله عافه وَأكْرم نزله ووسع مدخله جلب لمصَالح الْآخِرَة والتعزية مصلحتها للمعزي أجر الْآخِرَة لِأَن من عزى مصابا فَلهُ مثل أجره وَلأَهل الْمَيِّت بالتسلية بِحسن الصَّبْر أَو الرِّضَا بِالْقضَاءِ

ص: 58

وَالصَّبْر على الْبلَاء وَمَا يُرْجَى من إِجَابَة الدُّعَاء وإطعام أهل الْمَيِّت وبذل الْأَمْوَال كلهَا وَالْمَنَافِع بأسرها إِذا أُرِيد بهَا وَجه الله تَعَالَى فِيهَا مصلحتان إِحْدَاهمَا للباذل أخروية فَإِن كَانَ يرتاح إِلَى الْعَطاء فطوبى لَهُ وَإِن كَانَ مِمَّن يشح بِنَفسِهِ فَجَاهد نَفسه حَتَّى بذلها فَلهُ أَجْرَانِ إِحْدَاهمَا على جِهَاد نَفسه وَالثَّانِي على بذلها الْمصلحَة الماسة للمبذولة وَهِي مصلحَة عاجلة وَلذَلِك كَانَت الْيَد الْعليا خيرا من الْيَد السُّفْلى لِأَن مصلحتها أخروية دائمة ومصلحة الْيَد السُّفْلى دنيوية مُنْقَطِعَة

وَفِي الصُّلْح فَائِدَة أخروية للمسامح ودنيوية للمسامح وللمتوسط بَينهمَا أجر الْمُسَبّب إِلَى المصلحتين

وَمن توكل تَبَرعا كَانَت مصْلحَته أخروية ومصلحة الْمُوكل دنيوية وَإِن توكل بِجعْل كَانَت المصلحتان دنيويتين إِلَّا أَن سامح بِبَعْضِهَا وَمن توكل فِي طَاعَة كَالْحَجِّ وَالْعمْرَة فَإِن تبرع كَانَت الْمصلحَة أخروية ومصلحة الْوَكِيل دنيوية وَإِن شَرط عوض الْمثل وسامح فِي الْعِوَض كَانَت مصْلحَته دنيوية وأخروية

وَالْعَارِية مصلحَة أخروية للْمُعِير إِذا قصد بذلك وَجه الله سُبْحَانَهُ دنيوية للْمُسْتَعِير وَقد تكون أخروية من الطَّرفَيْنِ كاستعارة سلَاح الْجِهَاد وجننه وجمله واستعارة الْمَصَاحِف وَكتب الْعلم والْحَدِيث

ص: 59

وَكَذَلِكَ الْقَرْض مصلحَة أخروية للمقرض إِذا قصد بِهِ وَجه الله عز وجل دنيوية للمقرض إِن صرفه فِي مصَالح دُنْيَاهُ وَإِن صرفه فِي مصَالح أخراه صَارَت مصلحَة الْقَرْض أخروية من الطَّرفَيْنِ

والإباحات والضيافات مصالحها لباذلها أخروية إِذا قصد بهَا وَجه الله ولقابليها دنيوية

وَأما إطْعَام الْمُضْطَرين وَدفع الصوال عَن الضُّعَفَاء وإنقاذ الغرقى وتخليص كل مشرف على الْهَلَاك كلهَا أخروية لمن قصد بهَا وَجه الله عز وجل ودنيوية للمنقذ من ذَلِك الضَّرْب وأجور هَذِه الْوَسَائِل أفضل من مقاصدها دنيوية فَائِتَة وأجور وسائلها أخروية بَاقِيَة

وَأما الشفاعات فمصالحها للشافعين أخروية إِذا قصدُوا بذلك وَجه الله عز وجل

وَأما الْمَشْفُوع لَهُم فَإِن كَانَت الشَّفَاعَة فِي أَمر دُنْيَوِيّ فَهِيَ دنيوية وسيلتها خير مِنْهَا وَإِن كَانَت أخروية كمن يشفع تَعْلِيم علم أَو إِعَانَة على عبَادَة من الْعِبَادَات كالجهاد وَالْحج فَهِيَ للمشفوع لَهُ أخروية وَأجر الْمَشْفُوع إِلَيْهِ أفضل من أجر الشافع لِأَن الشافع مسبب والمشفوع إِلَيْهِ مبَاشر والمقاصد أفضل من الْوَسَائِل

ص: 60