الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ أفضلهَا كالتعظيم والإجلال فَهُوَ أفضل الرِّجَال وأيهم غلب عَلَيْهِ أدناها كالخوف والرجاء فَهُوَ أدنى الرِّجَال
فصل فِي بَيَان الْفَضَائِل
فضل الله تَعَالَى بعض الْأَمَاكِن على بعض وَبَعض الْأَزْمَان على بعض وَلَيْسَ فضلهما براجع إِلَى أَوْصَاف قَائِمَة فيهمَا وَإِنَّمَا فضلهما بِمَا يتفضل بِهِ الرب سُبْحَانَهُ فيهمَا من إحسانه وَكَثْرَة ثَوَابه على الطَّاعَات ومغفرته الزلات
وَأما تَفْضِيل بعض الجمادات فبأوصاف حَقِيقَته كتفضيل اللُّؤْلُؤ والمرجان على غَيرهمَا وتفضيل الأجرام النيرات على غَيرهَا
وَأما تَفْضِيل بعض الْحَيَوَان على بعض فبالعقل وَالْعلم وَالْقُدْرَة والإرادة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام والأوصاف الْكَرِيمَة الجبلية كالرحمة والشفقة وَالْكَرم وَالْحيَاء والجود والسخاء والحلم والأناة
وَأفضل المعارف معرفَة مَا يجب للرب سُبْحَانَهُ من أَوْصَاف الْكَمَال ونعوت الْجلَال وسلب كل عيب ونقصان وَجَوَاز مآله أَن يَفْعَله وَأَن لَا يَفْعَله كإنزال الْكتب وإرسال الرُّسُل والبعث والحساب وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب
وَلكُل معرفَة من هَذِه المعارف حَال ينشأ عَنْهَا وَيُسْتَفَاد مِنْهَا
وَلكُل حَال من تِلْكَ الْأَحْوَال آثَار جميلَة وأحوال فَضِيلَة
وَاعْلَم أَن الْفضل يَقع بالمعارف وَالْأَحْوَال والطاعات وبكثرة إِحْسَان الْخَالِق إِلَى الْمَخْلُوق وَإِن لم يكن من المعارف وَالْأَحْوَال والطاعات
وَقد أحسن الله تَعَالَى إِلَى النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ وأفاضل الْمُؤمنِينَ بالمعارف وَالْأَحْوَال والطاعات والإذعان ونعيم الْجنان ورضا الرَّحْمَن وَالنَّظَر إِلَى
الديَّان سُبْحَانَهُ مَعَ سَماع تَسْلِيمه وَكَلَامه وتبشيره بتأبد الرضْوَان وَلم يثبت للْمَلَائكَة مثل ذَلِك
وَلَا شكّ أَن أجساد الْمَلَائِكَة أفضل من أجساد الْبشر
وَأما أَرْوَاحهم فَإِن كَانَت أعرف بِاللَّه تَعَالَى وأكمل أحوالا من أَحْوَال الْبشر فهم أفضل من الْبشر وَإِن اسْتَوَى الْأَرْوَاح فِي ذَلِك فقد فضلوا على الْبشر بالأجساد فَإِن أَجْسَادهم من نور وأجساد الْبشر من لحم وَدم
وَفضل الْبشر الْمَلَائِكَة بِمَا ذَكرْنَاهُ من نعيم الْجنان وَقرب الديَّان وَرضَاهُ وتسليمه وتقريبه وَالنَّظَر إِلَى وَجهه الْكَرِيم
وَإِن فَضلهمْ الْبشر فِي المعارف وَالْأَحْوَال والطاعات كَانُوا بذلك أفضل مِنْهُم وَبِمَا ذَكرْنَاهُ مِمَّا وعدوا بِهِ فِي الْجنان
وَلَا شكّ أَن للبشر طاعات لم يثبت مثلهَا للْمَلَائكَة كالجهاد وَالصَّبْر ومجاهدة الْهوى وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالصَّبْر على البلايا والمحن والرزايا وَتحمل مشاق الْعِبَادَات لأجل الله تَعَالَى وَقد ثَبت أَنهم يرَوْنَ رَبهم وَيسلم عَلَيْهِم ويبشرهم بإحلال رضوانه عَلَيْهِم أبدا وَلم
يثبت مثل هَذَا للْمَلَائكَة وَإِن كَانَ الْمَلَائِكَة يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون فَرب عمل قَلِيل يسير أفضل من تَسْبِيح كثير وَكم من نَائِم أفضل من قَائِم وَقد قَالَ الله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ هم خير الْبَريَّة} الْبَيِّنَة 98 / 7 أَي خير الخليقة وَالْمَلَائِكَة من خير الخليقة لَا يُقَال الْمَلَائِكَة من الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لِأَن هَذَا اللَّفْظ مَخْصُوص فِي عرف الشَّرْع بِمن آمن من الْبشر فَلَا ينْدَرج فِيهِ الْمَلَائِكَة الْأَبْرَار لعرف الِاسْتِعْمَال
فَإِن قيل لَعَلَّ الْمَلَائِكَة يرَوْنَ رَبهم كَمَا يرَاهُ الْأَبْرَار قلت يمْنَع مِنْهُ عُمُوم قَوْله تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} الْأَنْعَام 6 / 103 وَقد اسْتثْنِي مِنْهُ الْمُؤْمِنُونَ فَبَقيَ على عُمُومه فِي الْمَلَائِكَة الْأَبْرَار