الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَائِدَة فِي الْأجر على المصائب
لَا أجر وَلَا وزر إِلَّا على فعل مكتسب فالمصائب لَا أجر عَلَيْهَا لِأَنَّهَا غير مكتسبة بل الْأجر على الصَّبْر عَلَيْهَا أَو الرِّضَا بهَا فَإِن كَانَت المصائب مكتسبة فَإِن كَانَت مَأْمُورا بهَا كمصائب الْجِهَاد من تصديه لِلْقِتَالِ أَو الْجرْح فِي نَفسه وَمَاله وَأَهله فَهُوَ مأجور على مصيبته لِأَنَّهُ أَمر بالتسبب إِلَيْهَا وَكَذَلِكَ مَا يُصِيبهُ إِذا أَمر بِمَعْرُوف أَو نهى عَن مُنكر
وَإِن كَانَت الْمُصِيبَة مَنْهِيّا عَنْهَا كَقَتل الْإِنْسَان نَفسه أَو وَلَده صَارَت مصيبتين إِحْدَاهمَا فِي دينه وَالْأُخْرَى فِي دُنْيَاهُ
فصل فِيمَا أَبَاحَهُ الشَّرْع
أما بعد فَإِن الله سُبْحَانَهُ خلق عباده مُحْتَاجين مضطرين إِلَى المآكل
والمشارب والملابس والمساكن والمناكح والمراكب والحرف والصنائع خلق ذَلِك لَهُم دفعا لضروراتهم وحاجاتهم وحفظا لمُدَّة حياتهم
وتمنن عَلَيْهِم سُبْحَانَهُ فِي مَوَاضِع من كِتَابه بالتتمات والتكملات كالعسل واللؤلؤ والمرجان
وَإِذا تمنن سُبْحَانَهُ بالتتمات والتكملات فَمَا الظَّن بالضرورات والحاجات وندبهم إِلَى الاقتصاد من ذَلِك على الأقوات وَقدر الكفاف لِئَلَّا يشغلهم التَّوَسُّع فِيهِ عَن عمل الْآخِرَة
وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن جَمِيعهم لَا يملكُونَ ذَلِك خلق الذَّهَب وَالْفِضَّة سبيلين إِلَى تَحْصِيل هَذِه الْمَنَافِع والأعيان لتنتفع بهَا الْعباد فِيمَا يَدْعُو إِلَيْهِ ضروراتهم أَو حاجاتهم إِمَّا بِإِتْلَاف بَعْضهَا كالمآكل والمشارب وَإِمَّا بِالِانْتِفَاعِ بِبَعْضِهَا مَعَ بَقَاء أعيانها كالملابس والمساكن والمناكح والمراكب
وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن مِنْهُم من لَا يملك الْمَقَاصِد الْمَذْكُورَة وَلَا الْوَسَائِل علمهمْ من الْحَرْف والصناعات مَا يتوسلون بِهِ إِلَى تَحْصِيل الْمَقَاصِد والوسائل
وَشرع سُبْحَانَهُ الْمُعَاوَضَات ليصل كل مِنْهُم إِلَى مَا لَا يملكهُ من ذَلِك إِمَّا بِأخذ النَّقْدَيْنِ وَإِمَّا بالمعاوضة على هَذِه الْأَعْيَان وَالْغَرَض من الْأَعْيَان كلهَا مَنَافِعهَا وَلذَلِك جوز الْإِجَارَات على مَنَافِع الْإِنْسَان وَمَنَافع الْأَعْيَان ليرتفق الصناع من ملاك الْأَعْيَان بِمَا يأخذونه من الأجور والأثمان ويرتفق الْآخرُونَ بِمَا يحصل من مَنَافِع الزكوات وَالْحمل وَالسُّكْنَى وليرتفق بِالْبِنَاءِ
والطحن والعجن والحرث والنسج ويرتفق الصناع بِمَا يأخذونه من الأجور والباعة بِمَا يأخذونه من الْأَثْمَان
وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن فِي عباده من لَا يقدر على شَيْء من الْأَعْيَان والأثمان وَالْمَنَافِع والصنائع فرض لَهُم الْكَفَّارَات والزكوات فَفرض الْعشْر أَو نصف الْعشْر فِي كل مدخر مقتات لاحتياج الْفُقَرَاء إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْأَغْنِيَاء من الادخار والاقتيات
وفرضها فِي الْأَنْعَام لينتفعوا بهَا بِلُحُومِهَا وشحومها وجلودها وَأَلْبَانهَا ونتاجها وَمَنَافع ظُهُورهَا وأصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا مِمَّا يدْفَعُونَ بِهِ الْحَاجَات ويسدون الخلات
وَأوجب فِي النَّقْدَيْنِ ربع الْعشْر ليتوسلوا بهَا إِلَى مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من المساكن والملابس وَغير ذَلِك
ثمَّ أَبَاحَ لَهُم سُبْحَانَهُ الْمُعَاوَضَات رَحْمَة لَهُم ليتوسلوا بهَا إِلَى تَحْصِيل مصالحهم الدُّنْيَوِيَّة والأخروية إِمَّا بالنقود وَإِمَّا بالعروض
وَشرع سُبْحَانَهُ فِي كل تصرف مَا تَدْعُو الْحَاجة والضرورة إِلَيْهِ مِمَّا تحصل مقاصده من تِلْكَ الْحَاجَات أَو الضرورات فشرع فِي الْإِجَارَة مَا تحصل مقاصدها وَفِي الْبياعَات والولايات والمضاربات والمزارعات والمساقات مِمَّا تحصل مقاصدها
وَشرع التَّبَرُّعَات نظرا للأغنياء بِمَا يحصلون عَلَيْهِ من الثَّوَاب وللفقراء بِمَا يحصلون عَلَيْهِ من دفع الْحَاجَات والضرورات
وَكَذَلِكَ لما علم سُبْحَانَهُ مَسِيس الْحَاجَات إِلَى المناكحات شرع الْأَنْكِحَة لتَحْصِيل مقاصدها من الْمَوَدَّة وَالرَّحْمَة وَكَثْرَة النَّسْل والتعاضد والتناصر
وَشرع فِي الْأَنْكِحَة بِمَا لم يشرعه فِي غَيرهَا من الْمُعَامَلَات إِذْ لَا تتمّ مصالحها إِلَّا بذلك كَمَا جعل بعض الْمُعَامَلَات لَازِما بَعْضهَا جَائِزا وَأحد طَرفَيْهِ لَازِما من الآخر لعلمه بِمَا يخْتَص بِكُل طرف من تَحْصِيل مصْلحَته أَو تكميلها
وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن من عباده الجائر المسرف والمقسط الْمنصف وَالْقَوِي الضَّعِيف أَمر بِنصب الْخُلَفَاء والقضاة والولاة ليدفعوا الْهوى عَن الضَّعِيف والجائر المسرف عَن الْعَادِل الْمنصف وليحفظوا الْحُقُوق على العابثين والعاجزين وينصرفوا على الْأَيْتَام والمجانين فَيحصل الْوُلَاة والقضاة وَالْأَئِمَّة على أجور الْآخِرَة ومصالحها وَتَحْصِيل الْمَحْكُوم لَهُ على الْمصَالح العاجلة وتخليص الْمَحْكُوم من عُهْدَة الْخَطَأ وَالظُّلم فَإِن ذَلِك نصْرَة للظالمين والمظلومين
وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن الْوُلَاة لَا يقفون على الصَّادِق من الْخَصْمَيْنِ وَلَا يميزون الظَّالِم من الْمَظْلُوم شرع الشَّهَادَات وتحملها وأداءها حَتَّى يظْهر للقضاة وَالْخُلَفَاء والحكام والولاة الظَّالِم من الْمَظْلُوم والعادل الْمنصف من الجائر المسرف
وَشرع الْأَيْمَان الوازعة عَن الْكَذِب لإِظْهَار صدق من تعرض عَلَيْهِ
وَلما علم أَن الْوُلَاة والقضاة لَا يقدرُونَ على الْقيام بِمَا ولوه أوجب على أهل الْكِفَايَة مساعدتهم على جلب مصَالح ولاياتهم ودرء مفاسدها
وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن الآراء تخْتَلف فِي معرفَة الصَّالح والأصلح وَالْفَاسِد والأفسد فِي معرفَة خير الخيرين وَشر الشرين حصر الْإِمَامَة الْعُظْمَى فِي وَاحِد كي يتعطل جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد بِسَبَب اخْتِلَاف الْوُلَاة فِي الصَّالح والأصلح وَالْفَاسِد والأفسد
وَشرط فِي الْأَئِمَّة أَن تكون أفضل الْأمة لِأَن ذَلِك أقرب إِلَى طواعيتهم على المساعدة فِي جلب الْمصَالح ودرء الْمَفَاسِد وَأمر بطواعية الأفاضل بِشَرْط أَن يكون الْأَئِمَّة من قُرَيْش لِأَن النَّاس يبادرون إِلَى طواعية الأفاضل فِي الْأَنْسَاب والأحساب وَالدّين وَالْعلم ويتقاعدون عَن طواعية الأراذل بل يتقاعدون عَن طواعية أمثالهم فَمَا الظَّن بِمن هُوَ دونهم وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن من عباده من لَا يقدر على الْقيام بجلب مصَالح نَفسه إِلَيْهَا ودرء مفاسدها عَنْهَا شرع الْولَايَة الْخَاصَّة على المجانين والأطفال واللقطاء للأقوم بجلب مصَالح الْمولى عَلَيْهِ ودرء الْمَفَاسِد عَنهُ مَعَ الشَّفَقَة فَجعل النّظر فِي أُمُور الْأَطْفَال وَأَمْوَالهمْ إِلَى الْآبَاء والأجداد لأَنهم أقوم بذلك من النِّسَاء
كَمَا قدم النِّسَاء على الرِّجَال فِي الحضانات لِأَنَّهُنَّ أعرف بذلك وأقوم بِهِ
وَكَذَلِكَ قدم فِي كل ولَايَة عَامَّة أقوم النَّاس بتحصيل مصالحها ودرء مفاسدها حَتَّى فِي إِمَامَة الصَّلَوَات
وَلما علم سُبْحَانَهُ أَن فِي عباده من لَا يزجره الْوَعيد وَلَا يردعه التهديد بِالْعَذَابِ الشَّديد شرع الْعُقُوبَات العاجلة كالحدود والتعزيرات وَالْقصاص زجرا عَن ارْتِكَاب أَسبَاب هَذِه الْعُقُوبَات ولمثل هَذَا سبّ العاصين وذم