الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن عشر: قصور أهل الجنة ومساكن أهل النار
أولاً: قصور أهل الجنة وخيامهم وغرفهم:
قال الله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله الْمِيعَادَ} (1).
قال ابن كثير رحمه الله: أخبر عز وجل عن عباده السعداء أن لهم غرفاً في الجنة، وهي القصور الشاهقة، من فوقها غرف مبنيَّة، طباق فوق طباق، مبنيَّات محكمات، مزخرفات عاليات (2).
وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ في الجنة غُرفاً يُرى ظاهرُها من باطنها، وباطنُها من ظاهرها، أعدّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألانَ الكلام، وتابع الصيام، وأفشى السلام، وصلّى بالليل والناس نيام)) (3).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرتك فوليتُ مدبراً))، فبكى عمر وقال:
(1) سورة الزمر، الآية:20.
(2)
تفسير ابن كثير، 4/ 50.
(3)
أخرجه أحمد في المسند، 5/ 343، وابن حبان (موارد)، برقم 641، والبيهقي في شعب الإيمان، برقم 3892، عن أبي مالك الأشعري، والترمذي عن علي رضي الله عنه في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في قول المعروف، برقم 1984، وفي كتاب صفة الجنة، باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها، برقم 2527، وقال في الموضعين: هذا حديث غريب، وأحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو، 2/ 173، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 2/ 311، وفي صحيح الجامع، 2/ 220، برقم 2119.
((أعليك أغار يا رسول الله؟)) (1).
وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((دخلت الجنة فإذا أنا بقصرٍ من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ فقالوا: لرجل من قريش، فما منعني أن أدخله
يا ابن الخطاب إلا ما أعلمه من غيرتك)). قال: ((وعليك أغار يا رسول الله؟)) (2).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله! هذه خديجة قد أتتك معها إناءٌ فيه إدامٌ، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك (3) فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشَّرها ببيتٍ في الجنة من قَصَبٍ لا صَخَبَ فيه ولا نَصَب)) (4).
قوله: من قصب: أي من لؤلؤة مجوفة، واسعة، كالقصر المنيف، وقيل بيت من القصب المنظوم بالدر، واللؤلؤ، والياقوت (5).
وقال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن
(1) أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، برقم 3242، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه، برقم 2395.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التعبير، باب القصر في المنام، برقم 7024، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر رضي الله عنه، برقم 2394.
(3)
أتتك: أي وصلتك.
(4)
أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضي الله عنها، برقم 3820، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، برقم 2432.
(5)
فتح الباري، 7/ 138.
ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا} (1).
وعن عبد الله بن قيس عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في الجنة خيمة من لؤلؤةٍ مُجوَّفةٍ عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل
ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن)). وفي رواية لمسلم:((إن للمؤمن في الجنة لخيمةً من لؤلؤةٍ واحدةٍ مُجوَّفةٍ، طولُها في السماء ستون ميلاً)) (2).
ولا منافاة بين طولها وعرضها في الروايتين، فعرضها في مساحة أرضها ستون ميلاً، وطولها في السماء ستون ميلاً في العلو، فطولها وعرضها متساويان (3).
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة)) (4).
ويقول الله عز وجل لمن حَمِدَ واسترجع عند موت ولده: ((ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسمُّوه بيتَ الحمد)) (5).
(1) سورة الفرقان، الآية:10.
(2)
أخرجه البخاري في كتاب التفسير، باب {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ في الخِيَام} ، برقم 4879، ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب في صفة خيام الجنة، وما للمؤمنين فيها من الأهلين، برقم 2838.
(3)
شرح الإمام النووي، 17/ 175.
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب من بنى مسجداً، برقم 450، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل بناء المساجد والحث عليها، برقم 533.
(5)
أخرجه الترمذي في كتاب الجنائز، باب فضل المصيبة إذا احتسب، برقم 1021، وقال:((حسن غريب))، وأحمد في المسند، 4/ 415، وقال الألباني في السلسلة الصحيحة، 3/ 399، برقم 1408:((فالحديث بمجموع طرقه حسن على أقل الأحوال)).
وعن أمِّ حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يصلي لله كلَّ يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلَاّ بنى الله له بيتاً في الجنة، أو إلاّ بُني له بيتٌ في الجنة)) (1).
وقد فسرها الترمذي أنها السنن الرواتب.
وفي حديث أبي هريرة الطويل عندما اشتكوا قلوبهم إذا فارقوا النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام:((لبنةٌ من فضة، ولبنة من ذهب، ومِلاطها المسك الأذفر (3)، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم)). ثم قال: ((ثلاثة لا تُردّ دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، ويفتح لها أبوب السماء، ويقول الرب تبارك
(1) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن وبيان عددهن، برقم 728/ 103.
(2)
سورة الصف، الآيات: 10 - 12.
(3)
ملاطها: الطين الذي يملط به الحائط، أي يخلط، وفي الحديث:((إن الإبل يمالطها الأجرب)). أي يخالطها. النهاية في غريب الحديث، 4/ 357.