الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: مكان الجنة ومكان النار
أولاً: مكان الجنة:
قال الله تعالى: {كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} (1).
عليون: قال ابن عباس: الجنة، وقيل: علّيون في السماء السابعة تحت العرش (2)، وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:((والظاهر أن عليين مأخوذ من العلو، وكلما علا الشيء وارتفع عظُم واتَّسع؛ ولهذا قال تعالى معظِّماً أمره، ومفخِّماً شأنه: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} (3)، وقال عز وجل:{وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (4).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} ((وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ)) يعني المطر، ((وَمَا تُوعَدُونَ)) يعني الجنة (5)، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الجنة تحت العرش فوق السماء السابعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((
…
فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تُفَجَّر أنهار الجنة)) (6).
ثانياً: مكان النار:
قال الله تعالى: {كَلا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا
(1) سورة المطففين، الآيتان: 18 - 19.
(2)
انظر: تفسير البغوي، 4/ 460، وتفسير ابن كثير، 4/ 487.
(3)
تفسير ابن كثير، 4/ 487.
(4)
سورة الذاريات، الآية:22.
(5)
تفسير ابن كثير، 4/ 236.
(6)
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب درجات المجاهدين في سبيل الله، برقم 2790، وفي كتاب التوحيد، باب {(وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ، برقم 7423.
سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} (1).
والمعنى أن مأواهم ومصيرهم لفي سجِّين، فعيل من السجن، وهو الضيق، كما يُقال: فتِّيق، وشرِّيب، وخمّير، وسكِّير، ونحو ذلك؛ ولهذا عظم أمره فقال تعالى:{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} أي هو أمرٌ عظيم، وسجن مقيم، وعذاب أليم (2)، وقد ذكر الإمام البغوي، والإمام ابن كثير، والإمام ابن رجب الحنبلي رحمهم الله آثاراً، تُبيِّن وتذكر أن سجِّين تحت الأرض السابعة: أي تحت سبع أرضين، كما أن الجنة فوق السماء السابعة (3).
وقال ابن كثير: والصحيح أن سجِّيناً مأخوذ من السجن، وهو الضيق؛ فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق، وكل ما تعالى منها اتَّسع؛ فإن الأفلاك السَّبعة كُلُّ واحدٍ منها أوسع، وأعلى من الذي دونه، وكذلك الأرضون كل واحدة أوسع من التي دونها، حتى ينتهي السفول المطلق، والمحل الأضيق إلى المركز في وسط الأرض السابعة (4).
ثم ذكر رحمه الله تعالى: ((أن مصير الفجار إلى جهنم، وهي أسفل سافلين كما قال تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (5). وقال هَهنا: {كَلا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} ، وهو يجمع الضيق والسفول، كما قال
(1) سورة المطففين، الآيات: 7 - 9.
(2)
تفسير ابن كثير، 4/ 485، وتفسير البغوي، 4/ 458.
(3)
انظر: تفسير البغوي، 4/ 458 - 459، وتفسير ابن كثير، 4/ 485 - 486، والتخويف من النار لابن رجب، ص62 - 63.
(4)
تفسير ابن كثير، 4/ 446.
(5)
سورة التين، الآيتان: 5 - 6.
تعالى: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} (1). وقوله تعالى: {كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} ليس تفسيراً لقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} ، وإنما هو تفسير لما كتب لهم من المصير إلى سجين، أي مرقوم، مكتوب، مفروغ منه، لا يُزاد فيه أحد، ولا يُنقص منه أحد)) (2).
قال ابن رجب رحمه الله: ((وقد استدلَّ بعضهم لهذا (3) بأن الله تعالى أخبر أن الكفار يُعرضون على النار غدواً وعشيَّاً - يعني في مدة البرزخ - وأخبر أنه لا تفتح لهم أبواب السماء، فدل على أن النار في الأرض
…
وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة قبض الروح، قال في روح الكافر:((حتى يُنتهى به إلى السماء الدنيا، فَيُسْتَفْتَحُ له، فلا يُفتَحُ له))، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (4)، فيقول الله عز وجل:((اكتبوا كتابه في سجِّين في الأرض السُّفلى)) ثم قال: ((
…
فَتُطْرَحُ رُوحُه طرحاً
…
)) الحديث (5) بطوله (6).
(1) سورة الفرقان، الآية:13.
(2)
تفسير ابن كثير، 4/ 486.
(3)
وقد استدل بعضهم لهذا: أي على أن النار في الأرضين السبع في الأرض السابعة السفلى.
(4)
سورة الأعراف، الآية:40.
(5)
التخويف من النار، والتعريف بحال دار البوار، ص63.
(6)
أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب المسألة في القبر وعذاب القبر، برقم 4753، والنسائي في كتاب الجنائز، باب مسألة الكافر، برقم 2059، وابن ماجه في كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، برقم 4269، وأحمد في المسند، 4/ 287، 295، 296، والحاكم في المستدرك، 1/ 37 - 38، وهناد في الزهد، برقم 339، وقد جمع طرقه واعتنى بتخريجه وتصحيحه العلامة الألباني في أحكام الجنائز، ص158.