الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: ردُّهُم لأحاديثِ فضائلِ بعض كُبراءِ الصحابة:
لقد جهر الخوارجُ بتكفير عددٍ من أعلام الصحابةِ مثل سيدِنا عثمانَ بنِ عفان، وسيدنا عليِّ بنِ أبي طالب، وسيدنا معاويةَ بنِ أبي سفيان، وغيرِهم رضي الله عنهم.
وقد أبى هؤلاءِ القَبول بما وردَ في السنة المطهَّرة من أحاديثِ فضائلِ هؤلاء، وهي تشهدُ لهم بالإيمان جملةً، ولبعضِهم بالجنة، وهذا يرُدُّ دعواهم، ودعوى غيرِهم بكفرِ أو فسقِ هؤلاء الصحابة الأجلّة، إلا أنّ الخوارج دانوا بكفرِ هؤلاء؛ وأَبَوا تصديق الروايات الصحيحة الثابتة بفضائل هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم.
بل إنّ هؤلاء المجرمين احتملوا دمَ خير خلق الله في زمانه سيدِنا أميرِ المؤمنين أبي الحسنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، قتلَهُ أشقى هذه الأمة عبد الرحمن [بل الشيطان] ابن ملجم المرادي الخارجي لعنه الله (1).
(1) عبد الرحمن بن ملجم المرادي التدؤلي الحميري: فاتك ثائر، من أشداء الفرسان.
أدرك الجاهلية، وهاجر في خلافة عمر، وقرأ على معاذ بن جبل فكان من القراء وأهل الفقه والعبادة.
ثم شهد فتح مصر وسكنها، فكان فيها فارس بني تدؤل.
وكان من شيعة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وشهد معه صفين، ثم خرج عليه، ثم كان المتصدي لقتله في مؤامرة قتله ومعاويةَ وعمرَ بن العاص رضي الله عنهم سنة 40 هـ، فقُتِلُ بعليٍّ رضي الله عنه قصاصاً، قبّحه الله.
بوّب ابن سعد في «الطبقات الكبرى» 3/ 31 - 38:
ذكُر عبد الرحمن بن ملجم المرادي وبيعة علي ورده إياه وقوله: لتخضبن هذه من هذه، وتمثله بالشعر وقتله علياً عليه السلام وكيف قتله عبد الله بن جعفر والحسين بن علي ومحمد بن الحنفية.
ترجمته في «الأعلام» 3/ 339.
ووصفُهُ بأشقى الأمة مُستنده أحاديثُ عديدة منها ما أخرجه النسائي في «السنن الكبرى» برقم (8485) والإمام أحمد في «مسنده» برقم (18321) عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: كنت أنا وعليَّ بن أبي طالب رفيقَين في غزوة العشيرة فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها رأينا أناساً من بني مدلج يعملون في عين لهم ـ أو في نخل ـ فقال لي علي: يا أبا اليقظان هل لك أن نأتي هؤلاء فنظر كيف يعملون؟ قال: قلت: إن شئت! فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في ظل صور من النخل ودقعاء من التراب، فنمنا فوالله ما أنبهنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي:«ما لك يا أبا تراب» لِما يرى مما عليه من التراب ثم قال: «ألا أحدثكما بأشقى الناس؟ » قلنا: بلى يا رسول الله.
قال: «أُحيمِرُ ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليُّ على هذه» ووضع يده على قرنه «حتى يبلَّ منها هذه» وأخذ بلحيته.
وإن قتْلَهُ رضي الله عنه لم يكُ تصرُّفاً فردياً من ابن ملجم، بل مُعتقداً جَمْعياً للخوارج!
فقد تغنّى به بعضُ شعرائهم؛ كما روى المبرد (1) في رائعته «الكامل في اللغة والأدب» قول عمران بن حطان (2) يمدح ابن ملجم لعنه الله:
يا ضربة من تقيٍّ ما أراد بها
…
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إني لأذكره حيناً فأحسبُهُ أوفى البريّةِ عندَ الله ميزانا (3)
(1) أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الثمالي الأزدي البصري المعروف بالمبرد ـ بكسر الراء ـ إمام النحو واللغة في البصرة. ولد سنة (210 هـ) على الأشهر، ووفاته سنة (285 هـ).
وثّقه المحدّثون وكبار المؤرخين كالخطيب البغدادي والذهبي وابن كثير.
أخذ عن الجرمي والمازني وأبي حاتم السجستاني والجاحظ وغيرهم، وأخذ عنه الأخفش الأوسط، والخرائطي ونفطويه والصولي، وسواهم. له عديد من المصنّفات البديعة النافعة أشهرها:«الكامل في اللغة والأدب» ، و «المقتضب» ، و «الفاضل» .
ترجمته في «معجم الأدباء» 6/ 2678 - 2684 الترجمة (1135)، و «الوافي بالوفيات» 5/ 141 - 142 الترجمة (2286).
وله ترجمةٌ غير يسيرة في مقدمة «كتاب الكامل في اللغة والأدب» ص 5 - 13 طبعة مؤسسة الرسالة ناشرون بعناية الفقير كاتب هذه السطور.
(2)
أبو سماك عمران بن حطان بن ظبيان السدوسي الشيباني الوائلي، رأس القعدة من الصفرية، وخطيبهم وشاعرهم.
كان قبل لحاقه بالخوارج من رجال العلم والحديث، من أهل البصرة، وأدرك جماعة من الصحابة فروى عنهم، وروى أصحاب الحديث عنه. طلبه الحجاج ففر إلى عمان، وآواه الأزد حتى مات بينهم سنة (84 هـ).
«الأعلام» 5/ 70.
(3)
«الكامل في اللغة والأدب» ص 541.
والبيتان مُشتَهران وهما في «الملل والنحل» ص 140، «الفرق بين الفرق» ص 93.
وقد قال عبد القاهر البغدادي صاحب كتاب «الفَرْقُ بين الفِرَق» ص 93:
وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا:
يا ضربةً من كفورٍ ما استفادَ بها
…
إلا الجداء بما يُصليهِ نيرانا
إني لَألعنُهُ ديناً، وألعَنُ مَن
…
يرجو لهُ أبداً عفواً وغُفرانا
وذاك ابنُ ملجمَ أشقى الناسِ كلِّهِمِ
…
أخفِّهِم عندَ ربّ النّاسِ ميزانا
وما في بيته الثاني، ذلك لأنّه منصوصٌ على أن قاتلَ عليٍّ رضي الله عنه أشقى هذه الأمة، ولولا ذلك لم يكن بعيداً شرعاً ولا عقلاً أن يُغفَرَ له!