المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: كيف جاءنا القرآن - القرآنيون، نشأهم - عقائدهم - أدلتهم

[علي محمد زينو]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة البحث:

- ‌سبب اختيار البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌مصادر البحث:

- ‌العقبات التي واجهها هذا البحث:

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: بذور مُنكِري السُّنّة (في تاريخ المسلمين القديم)

- ‌المبحث الأول: البذور الأولى:

- ‌المبحث الثاني: الخوارج

- ‌المطلب الأول: إنكار بعض الأحكام الشرعية الأخرى:

- ‌المطلب الثاني: ردُّهُم لأحاديثِ فضائلِ بعض كُبراءِ الصحابة:

- ‌المطلب الثالث: واقعة قتل عبد الله بن خباب بن الأرتّ:

- ‌المبحث الثالث: المعتزلة

- ‌المطلب الأول: رفض أحاديث رؤية الله تبارك وتعالى:

- ‌المطلب الثاني: رفضُ بعض أعلام المعتزلة لبعض الأحاديث الشريفة:

- ‌الفصل الثاني: جذور مُنكِري السُّنّة (في تاريخ المسلمين الحديث)

- ‌المبحث الأول: أهل القرآن في شبه القارة الهندية:

- ‌المبحث الثاني: المشككون بالسنّة الشريفة في العالم العربي:

- ‌المبحث الثالث: جماعة حزب التحرير مثالاً للتلاعب بالنصوص الشرعية

- ‌الفصل الثالث: فرقة «القرآنيون»

- ‌المبحث الأول: شخصية فرقة «القرآنيون»:

- ‌المطلب الأول: نشأتها:

- ‌المطلب الثاني: أبرز أعلامها المعلنين انتماءهم إليها:

- ‌المبحث الثاني: عقائد القرآنيين

- ‌المطلب الأول: القرآنيون ورسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الثاني: القرآنيون والشريعة الإسلامية:

- ‌المطلب الثالث: القرآنيون والإيمانيات والغيبيات:

- ‌المثال الأول: مهاجمة الاعتقاد بعذاب القبر

- ‌المثال الثاني: إنكار روايات الإسراء والمعراج:

- ‌المثال الثالث: تجويز الردة عن الإسلام:

- ‌المثال الرابع: الجنة ليست للمسلمين فقط:

- ‌المطلب الرابع: القرآنيون والصحابة رضي الله عنهم:

- ‌المطلب الخامس: القرآنيون والأمة الإسلامية:

- ‌النقطة الأولى: تكفير الأمة كلّها

- ‌النقطة الثانية: التطاول على السلف الصالح:

- ‌النقطة الثالثة: التطاول على باقي الأمة:

- ‌المبحث الرابع: فقه القرآنيين وفتاواهم

- ‌المطلب الأول: القرآنيون والصلاة:

- ‌المطلب الثاني: القرآنيون والزكاة

- ‌المطلب الثالث: منوعات من فقه القرآنيين:

- ‌الفصل الرابع: الكَرَّةُ على القرآنيّين:

- ‌المبحث الأول: بعضُ أدلة القرآنيين وتفنيدها:

- ‌المطلب الأول: «القرآن وكفى»

- ‌المطلب الثاني: السلطة التشريعية لله وحده:

- ‌المطلب الثالث: اتباع الوحي:

- ‌المطلب الرابع: أحاديثُ ومرويات:

- ‌أـ رواياتُ عرض الحديث على السنة:

- ‌ب ـ نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة حديثه:

- ‌ج ـ ما أُثرِ عن الصحابة من النهي عن الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ء ـ ما أُثرِ عن عمر من قوله: «حسبنا كتاب الله»:

- ‌المبحث الثاني: آياتٌ قرآنية وأسئلة موجهة إلى القرآنيين

- ‌المطلب الأول: كيف جاءَنا القرآن

- ‌المطلب الثاني: طاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الثالث: الحكمة:

- ‌المطلب الرابع: التاريخ:

- ‌المطلب الخامس: من الكاذب

- ‌خاتمة البحث: النتائج والتوصيات:

- ‌مسرد المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الأول: كيف جاءنا القرآن

‌المبحث الثاني: آياتٌ قرآنية وأسئلة موجهة إلى القرآنيين

.

أحاول في هذا المبحث أن أحارِبَ القرآنيين بسلاحَيهم الوحيدين: (القرآن، وما يدندنون به من العقل)، ولن ألجأ إلى الاحتجاج بشيءٍ آخرَ، وخصوصاً السنةَ المشرفة؛ لئلا أحتجَّ بالدعوى وأدخُل في الدور (1)!

وإنّ هذه المواقف التي سأقف مع القرآنيين فيها أُسائلُهم عن آياتٍ من القرآن، وأتقدم إليهم بالجدال عبر أسئلةٍ منطقيةٍ تحتاج أجوبةً واضحةً منهم، لا لفّ فيها ولا دوران.

وإني سأقتصر على خمسةِ مطالب؛ لمناسبة هذا البحث الضئيل، وإلا فإنّ في جعبة العبدِ الضعيف وجُعَبِ غير من الغيارى على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أسئلةً كثيرة.

وإنّني أحمد الله عز وجل على أنّ عدداً من هذه الأسئلة التي أطرحُها في هذه الورقات لم أطّلع عليها عند غيري، وقد أكون مسبوقاً إليها دون أدري و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا} [سورة الطلاق 65: الآية 7].

فإن أصبتُ فمن الله وحدَه، وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله صلى الله عليه وسلم وصالحُ المؤمنين منه بَراءٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، وحسبي الله ونعم الوكيل.

‌المطلب الأول: كيف جاءَنا القرآن

؟

يزعم القرآنيون أن القرآن جاء بالتواتر، وهي كلمة حقٍّ أريد بها باطل، فالتواتر الذي يعنونه هو حفظ القرآن جيلاً بعدَ جيلٍ، وإيصال القرن السابقِ هذا القرآن للقرنِ اللاحق. يقول كبيرُهم أحمد صبحي منصور:

«التواتر هو المتوارث الذي تتمسك به الأغلبية من عبادات وثقافات، وفيه الصحيح والفاسد، لذا يكون مرجع الحكم فيه لله تعالى في القرآن الكريم

(1) الدور: هو توقُّفُ الشيءِ على ما يتوقّفُ عليه. «التعريفات» للشريف الجرجاني ص 110.

ص: 117

وفي نظرة سريعة إلى التدين العملي للمسلمين نجد فيه المتوارث الصحيح مثل وجود القرآن الكريم بيننا محفوظاً من لدن الله تعالى بكتابته وقراءته والذي يقف ضد محاولات الإلحاد فيما يسمى بعلوم القرآن التراثية (المتواترة أيضاً).

ونجد تواتراً في أداء الصلاة تبلغ صحته فوق التسعين في المائة، ونجد ملامح أخرى من التواتر الصحيح في جوانب أخرى تراثية، كما نجد أخطاء فادحة وابتداعات في الدين لا سبيل إلى حصرها» (1).

ويقول المدعو علي عبد الجواد: «وأما السنة العملية، وهى البيان العملي للقرآن مثل الصلاة والزكاة والحج والصوم فقد تواترت والحمد لله إلى الآن.

ولا يوجد أحد من المسلمين يصلي الظهر خمس ركعات مثلاً، أو يصوم إلى نصف النهار مثلاً، أو لا يدفع زكاة ماله وهكذا حفظت السنة العملية تواتراً» (2).

وها هي إحدى القرآنيات تُحاور مسلماً ـ كما يروي من حواره معها ـ مظهرةً مفهوم القرآنيين للتواتر:

«فسألتني: أنت الآن تصلي؟ ؟ فقلت لها: نعم.

فسألتني: وقبل ذلك تصلي؟ ؟ فقلت لها: نعم.

فسألتني: ولما كنت طفلا صغيراً كنت تصلي أيضاً؟ ؟ فقلت لها: نعم

فسألتني: ومن علمك الصلاة؟ قلت لها: والدي.

قالت وبريقٌ في عينيها ونشوةُ انتصار في صوتِها: وكذلك كل من يصلي من المسلمين عامتهم وخاصتهم إنما عرفوا الصلاة وكيفية أداءها من آباءهم بتوارث

(1)«موقع أهل القرآن» : مقال «التواتر» .

(www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3302).

(2)

«موقع أهل القرآن» : مقال «ازدراء الأديان» .

(ww.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=2039).

ماذا يقول هذا القرآنيُّ وإخوانُه للفرق التي تدعي الإسلام وتُنكِرُ الصلوات الخمس، وصيام رمضان، وعموم الشريعة حتى ما صُرِّحَ به في القرآن الكريم، وتُضلِّلُ الأمةَ كُلَّها أربعةَ عشرَ قرناً وثلث القرن؟

هل سيقول: أنتم على ضلالٍ لإنكار هذا التواتر العمليّ! فإن فعل قلنا له: أنتم فعلتُم مثلهم في إنكار السنة واتباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم أصلاً من أصول الدين أجمعت عليه الأمة منذ عهده عليه الصلاة والسلام حتى الآن.

ص: 118

الأجيال أباً عن جد ويندر جدا أن يكون أحدهم قد تعلمها أول أمره من قراءة كتاب فقه أو تتبع أحاديث في البخاري أو مسلم أو بسؤال شيخ.

بل الحاصل أنها من المنقولات المورثة بالفعل الاجتماعي الجمعي يتوارثها كلُّ جيل عن الآخر وصولاً إلى زماننا.

فنحن نصلي كما وجدنا آباءنا يصلون وهم كما وجدوا آباءهم يصلون، وهم أيضاً عن آباءهم وهكذا وصولاً إلى زمن الصحابة الذين علموا الناس في الأمصار الصلاة بالفعل لا بالتلقين القولي والفذلكة الفقهية، وعنهم أخذها الناس بالمباشرة الفعلية وهم عن رسول الله، فسندنا بالصلاة متصل إلى رسول الله بهذا الطريق القطعي، لا بكلمات وجدناها في كتاب حديثٍ أو كتاب فقهٍ يقع التناقض الكثير بين أوصافها أحياناً مما يجعل كلَّ صاحب مذهب يخطّئ صلاة الآخر استناداً إلى حديثٍ يرى حجيته على حديث الآخر» (1).

هنا وبعد أن فهمنا معنى تواتر القرآنيين لنا أن نسأل الأسئلة التالية:

القرآن الكريم نزل بقراءةٍ واحدةٍ أم بقراءات مختلفة؟

إن قلتم: بقراءةٍ واحدة؛ لزمكم إقامة دليلٍ على تحديدها خارجٍ عن التواتر الذي قنّنتُم له؛ لأنّه من المرئيّ المشاهدَ في أقطار المسلمين أنّ طرائقّ قراءاتٍ مختلفةً لا تزال باقيةً إلى يومنا هذا (2)؟

(1)«منتديات روض الرياحين» : الدفاع عن أهل السنة.

(cb.rayaheen.net/showthread.php).

(2)

التوزُّعُ الجغرافيُّ للقراءات الباقيةِ اليوم هو على التوزيع التالي:

القراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام من هذه القراءات العشر: هي قراءة نافع برواية قالون في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي ليبيا، وبرواية ورش في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري وفي جميع القطر الجزائري وجميع المغرب الأقصى وما يتبعه من البلاد والسودان.

وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع الشرق من العراق والشام وغالب البلاد المصرية والهند وباكستان وتركيا والأفغان، وقراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان المجاورِ مصرَ.

«تفسير التحرير والتنوير» للعلامة الطاهر بن عاشور 1/ 64 بتصرُّفٍ يسير.

وقد وضعَ بعضُهم جدولاً تقريبياً لِنِسَبِ توزُّعِ هذه القراءات في البلاد الإسلامية هو:

قراءة نافع برواية قالون

.7 %

قراءة نافع برواية ورش

%

قراءة أبي عمرو البصري

.3 %

قراءة ابن عامر الشامي

%

قراءة حفص عن عاصم

%

د. محمد حبش. «كيف تقرأ القرآن» ص 51.

ص: 119

وإن قلتُم: بعدة قراءاتٍ؛ لزمكم إقامة أدلةٍ على عددها!

فإن قُلتم: هي الباقيةُ إلى يومنا هذا بدليل بقائها بنقل القرون قرناً عن قرنٍ (1)؛ أشكل عليكم أنّ لدينا أدلةً تاريخيةً مُعتبرةً من مخطوطاتٍ موثَّقةٍ لكتُبٍ سابقةٍ (2) ـ إنكارُها لمجرّد الإنكار ليس إلا رعونةً فكريةٍ على مذهب «عنزة ولو طارت» ـ أنّ قراءاتٍ قرآنيةً نسميها نحن «متواترةً» بشروط التواتر لدينا كانت مما يُقرأ به في عصورٍ سابقة، وهي مما لا يُقرَأ به اليومَ في أيٍّ من بلاد المسلمين، فكيف يستقيم مفهومكم لتعريف التواتر مع هذا؟

فإنّ هذه القراءات التي كانت متواترةً مقروءاً بها قدماً لم يستمرّ نقلُ الأجيال لها بالدليل الملموس الذي ذكرناه، أفلا يقدَحُ هذا في مقياس التواتر الذي طرحتُموه؟

(1) وهذا من الدور الباطل منطقاً.

(2)

الأمثلة على ذلك لا تكاد تُعدُّ؛ فمن ذلك كتاب «الحجة للقراء السبعة» لأبي علي الفارسي النحوي (377 هـ).

حققه محققاه (بدر الدين قهوجي وبشير جويجاتي) عن نسختين خطيتين:

الأولى محفوظة في مكتبة بلدية الإسكندرية برقم (3570)، ولها مصورة في دار الكتب المصرية برقم (462 قراءات)، فُرغ من نسخها سنة (390 هـ).

والثانية: محفوظة في مكتبة مراد ملا باستنبول رقمها (6 - 9)، ومنها مصورة في معهد إحياء المخطوطات، وقد فُرِغَ من نسخها نهائياً سنة (428 هـ).

ومثالٌ ثانٍ هو كتاب «التذكرة في القراءات الثمان» لابن غلبون المقرئ الحلبي (399 هـ).

حققه محققه الشيخ أيمن سويد على ست نسخٍ خطية سأعرضُ عن تفصيلِها، «والحرُّ تكفيه الإشارة» .

وأما العلوم الأخرى (إسلامية، ولغوية، وغير ذلك) فإنّ ثمةَ الآلافَ من الكتب المحققة منها تذكر قراءاتٍ غيرَ الباقية اليوم، وكلٌّ منها له مخطوطات محفوظة في المكتبات والمتاحف عبر العالم.

وهذان بمجموعهما دليلٌ صارخٌ جديد ينقضُ وهم القرآنيين حول التواتر!

ص: 120

فإن كان مقياسُكم هو الصواب للزم أن لا يضيع من المتواتر شيء؟

ولنا أن نسأل:

هذا الذي أضاعه تواتُركم وكان موجوداً ألا يُعدُّ ضياعُهُ انتقاصاً من القرآن؟ أن تضيع بعضُ طرائقِ قراءته؟

ولنا وقفةٌ ثانيةٌ عند مفهوم التواتر الذي يدعيه القرآنيون، وهو أن يُوكَلَ حفظ الدين والقرآن إلى التوارث جيلاً بعد جيل.

ذلك أننا وجدنا القرآن الكريم ينقض هذه المفهوم نقضاً ذريعاً، ويهتكه هتكاً مُريعاً.

يدل على ذلك:

إنّ الكتب السابقةَ لَمّا استُحفِظَ أهلُها إياها أضاعوها، والأديان المتقدمة لما اؤتُمن عليها الناسُ حرّفوها؛ وهذا دليلٌ على أنّ البشر غير قادرين بأنفسهم على الحفظ المزعوم، والصون الموهوم.

قال الله تبارك وتعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}

فالحفظُ ربّانيٌّ، وهو فوقَ قدرة البشر وطبيعتهم

فإن زُعِمَ أنّ الأمة المسلمة حفظت وأحب الاستدلال بنحو قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]؛ لَكان الجواب: وكذلك فُضِّلَ بنو إسرائيل {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 47].

وأذكّر بقول كبير القوم أحمد صبحي منصور:

«ونجد تواتراً في أداء الصلاة تبلغ صحته فوق التسعين في المائة، ونجد ملامح أخرى من التواتر الصحيح في جوانب أخرى تراثية، كما نجد أخطاء فادحة وابتداعات في الدين لا سبيل إلى حصرها» (1).

(1)«موقع أهل القرآن» : مقال «التواتر» .

(www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php? main_id=3302).

ص: 121