المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التمهيد إن الصراعَ الفكريّ الذي شرَقَت به البشريةُ على امتداد عمرِها - القرآنيون، نشأهم - عقائدهم - أدلتهم

[علي محمد زينو]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌مقدمة البحث:

- ‌سبب اختيار البحث:

- ‌منهج البحث:

- ‌مصادر البحث:

- ‌العقبات التي واجهها هذا البحث:

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: بذور مُنكِري السُّنّة (في تاريخ المسلمين القديم)

- ‌المبحث الأول: البذور الأولى:

- ‌المبحث الثاني: الخوارج

- ‌المطلب الأول: إنكار بعض الأحكام الشرعية الأخرى:

- ‌المطلب الثاني: ردُّهُم لأحاديثِ فضائلِ بعض كُبراءِ الصحابة:

- ‌المطلب الثالث: واقعة قتل عبد الله بن خباب بن الأرتّ:

- ‌المبحث الثالث: المعتزلة

- ‌المطلب الأول: رفض أحاديث رؤية الله تبارك وتعالى:

- ‌المطلب الثاني: رفضُ بعض أعلام المعتزلة لبعض الأحاديث الشريفة:

- ‌الفصل الثاني: جذور مُنكِري السُّنّة (في تاريخ المسلمين الحديث)

- ‌المبحث الأول: أهل القرآن في شبه القارة الهندية:

- ‌المبحث الثاني: المشككون بالسنّة الشريفة في العالم العربي:

- ‌المبحث الثالث: جماعة حزب التحرير مثالاً للتلاعب بالنصوص الشرعية

- ‌الفصل الثالث: فرقة «القرآنيون»

- ‌المبحث الأول: شخصية فرقة «القرآنيون»:

- ‌المطلب الأول: نشأتها:

- ‌المطلب الثاني: أبرز أعلامها المعلنين انتماءهم إليها:

- ‌المبحث الثاني: عقائد القرآنيين

- ‌المطلب الأول: القرآنيون ورسول الله محمدٌ صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الثاني: القرآنيون والشريعة الإسلامية:

- ‌المطلب الثالث: القرآنيون والإيمانيات والغيبيات:

- ‌المثال الأول: مهاجمة الاعتقاد بعذاب القبر

- ‌المثال الثاني: إنكار روايات الإسراء والمعراج:

- ‌المثال الثالث: تجويز الردة عن الإسلام:

- ‌المثال الرابع: الجنة ليست للمسلمين فقط:

- ‌المطلب الرابع: القرآنيون والصحابة رضي الله عنهم:

- ‌المطلب الخامس: القرآنيون والأمة الإسلامية:

- ‌النقطة الأولى: تكفير الأمة كلّها

- ‌النقطة الثانية: التطاول على السلف الصالح:

- ‌النقطة الثالثة: التطاول على باقي الأمة:

- ‌المبحث الرابع: فقه القرآنيين وفتاواهم

- ‌المطلب الأول: القرآنيون والصلاة:

- ‌المطلب الثاني: القرآنيون والزكاة

- ‌المطلب الثالث: منوعات من فقه القرآنيين:

- ‌الفصل الرابع: الكَرَّةُ على القرآنيّين:

- ‌المبحث الأول: بعضُ أدلة القرآنيين وتفنيدها:

- ‌المطلب الأول: «القرآن وكفى»

- ‌المطلب الثاني: السلطة التشريعية لله وحده:

- ‌المطلب الثالث: اتباع الوحي:

- ‌المطلب الرابع: أحاديثُ ومرويات:

- ‌أـ رواياتُ عرض الحديث على السنة:

- ‌ب ـ نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة حديثه:

- ‌ج ـ ما أُثرِ عن الصحابة من النهي عن الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

- ‌ء ـ ما أُثرِ عن عمر من قوله: «حسبنا كتاب الله»:

- ‌المبحث الثاني: آياتٌ قرآنية وأسئلة موجهة إلى القرآنيين

- ‌المطلب الأول: كيف جاءَنا القرآن

- ‌المطلب الثاني: طاعة النبيِّ صلى الله عليه وسلم:

- ‌المطلب الثالث: الحكمة:

- ‌المطلب الرابع: التاريخ:

- ‌المطلب الخامس: من الكاذب

- ‌خاتمة البحث: النتائج والتوصيات:

- ‌مسرد المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌التمهيد إن الصراعَ الفكريّ الذي شرَقَت به البشريةُ على امتداد عمرِها

‌التمهيد

إن الصراعَ الفكريّ الذي شرَقَت به البشريةُ على امتداد عمرِها لم تسلَمْ منه الأمة المسلمة في عصرٍ من العصور، فقد تجادلت فرقُ المسلمين فيما بينها جدالاً لم يدَعْ وسيلةً إلا وسخّرها له، ولقد ولّد هذا الصراعُ الفكريّ خيراً كثيراً، وشرّاً مستطيراً!

أما الخيرُ الكثيرُ ففي بيان الحقّ، وإيضاح الهُدى، وإجلاء الرَّشَد؛ الأمر الذي لا يتطلب من باغي الحقّ إلا صِدْقَ القَصْدِ، وإخلاصَ النية؛ مشفوعَين بالجدّ في الطلب، والحثّ في السعي في سبيل رضا الباري جل وعلا.

وأما الشّرّ المستطير فإن الباطلَ قد تقيّأَ ضلالاتٍ وشُبَهاً وبِدعاً تلقّفتها القلوبُ المريضة، والتقطتها النفوسُ السقيمة؛ فأُشرِبَتْها وأُسكِرَت بحُميّاها، حتى اختفى أمامَ عيونِ بصائرِهم من الحقيقةِ مُحيّاها!

وإنّ شيئاً لن يُوقِفَ جولاتِ الصراعات بين أفكار الناس حتى المسلمين منهم، بل لعلّ المسلمين لديهم من وقود الصراع ما يفوقُ سواهُم من الناس!

ذلك بأنه إن كان ليس لدى غيرِ المسلمين إلا الأهواءُ المجرّدةُ عن الأدلة المعتبرة؛ ولا رابطَ حقيقيّاً يربطهم بجذورِ أمَمهم التي ينتسبون لها، ولا وشائجَ بينهم وبين مصادرِ أديانِهم إلا الخرافةُ والزور المُصدّق.

فإنّ بين يدي المسلمين سنةَ نبيٍّ كريمٍ صلى الله عليه وسلم ضَمّت ـ وضُمَّ إليها ـ الآلاف من الأحاديث التي تصارعت حولَها الطوائفُ والفِرق نفياً وإثباتاً، واستنباطاً وتطويعاً.

ولديهم كذلك تاريخٌ حافلٌ فيه سمومٌ ودُسوم، وفيه رواياتٌ متعارضَة، وأخبارٌ متناقضَة؛ بحيثُ لا يعدم صاحبُ فكرةٍ خبراً عن زيدٍ أو عمرٍو يؤيّدُ فكرتَه، أو روايةً تعضُدُ نظرتَه.

ويأتي على رأس ذلك كلِّهِ قرآنٌ لعِبَت بالاهتداء به الأهواء، وحاولت تسخيرَهُ الأنظارُ والآراء، فهو كما أنه نبراسُ الهداية، فهو مع ذلك مَزلّةُ الغواية، ومع أنه منارُ الرشد، فإنه مَزلقٌ إلى الضلالة، كما قال مُنزِلُهُ سبحانه وتعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [سورة الإسراء 17: الآية 82].

ص: 11

وقال تبارك وتعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [سورة فصلت 41: الآية 44].

وقال عزّ من قائل: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [سورة التوبة 9: الآية 125].

نعم، هو كذلك لِمن يَستَنِرْ به كما أراد الله تباركَ في علاه، ومَن لم يتّبِعْ مَنهَجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار الأبرار في الاهتداءِ به، ذلك المنهج الذي بنى أمةً أشرَقت أنوارُ حضارتِها إشراقةَ الشمسِ في الضحى الأغرّ، تلك الحضارة التي لو لم تكن ربّانيةً لَما نبغَت ذلك النبوغ الهائل كمّاَ ونوعاً، زماناً ومكاناً.

ذلك لأنّ هذا الكتابَ العزيزَ نزلَ دستوراً، وجعَلَهُ اللهُ تبارك وتعالى منهاجاً، وإنّ من شأن الدساتير، وديدن المناهج أنها تخلو من التفريعات والتفصيلات، وتُعرِضُ عن الدخول في الصغائرِ والجزئيّات.

إن القرآن الكريم نزل بأُسُس العقيدة المبنية على التوحيد الخالص، وجاءَ بشيءٍ من ركائزِ العبادات والمعاملات والأخلاق، وها هو بين أيدي الخلق أجمعين يتكلّم ببيانٍ يسمو عن الإجابة عن أسئلةٍ كثيرةٍ لا تُحصى، ويسكت عن مسائلَ أكثرَ من أن تُستقصى.

فلمَ كان ذلك؟ أهو نسيانٌ ممّن تكلّم به سبحانه لتلك الأشياء؟ أم تفريطٌ من رسولَيه الملَكيّ والإنسيِّ عليهما السلام؟ أم ضياعٌ من أمّةٍ اؤتُمِنَت فخانت، واستُحفِظَت فلم تحفَظ؟

إنّ كلّ ذلك ليس بكائن، بل إن هذا القرآنَ العظيم كتابُ هداية، ولكنّ هدايةَ القرآن هدايةٌ إجماليةٌ لا تفصيلية.

وإنّ سيدَنا محمداً عليه الصلاة والسلام العبدَ الكريمَ الذي نزل عليه القرآنُ وكُلّفَ بأدائه إلى عباد الله كما نزل فأدّى ذلك التكليف خير أداء، وُكِلَت إليه مع الأداءِ وظيفةٌ أخرى قد لا تقلّ عن الأولى شرفاً وخطراً.

ص: 12

إنها مهمة بيانٍ للإبهام، وتوضيحٍ للإشكال، وتفصيلٍ للإجمال، وإجابةٍ عن كلّ ما يسأل عنه المسلمُ حين يقرأ موادّ الدستور الربانيّ، وأوامر المرسوم الإلهيّ: كيف يكون تطبيقُها؟ وكيف يكون استمرارُها نبراسَ هدايةٍ للبشرية مع اختلاف الأزمنة والأمكنة؟

وقد قام بذلك سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قيام، وأجابَ عن التساؤلات الإنسانيةِ خيرَ إجابةٍ، ولم يدَعْ إلا ما تدعو إليه الحاجة غيرُ الحقيقية، ويدفعُ إليه بطَرُ التكلّف، وترَفُ التنطّع.

لقد ترك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سُنةً سدّت كلّ السُّبُل، وأوصدَت جميعَ الأبوابِ سواها إلى الله تعالى وتبارك، فاهتدى بهديها المسلمون أربعةَ عشرَ قرناً ونيّفاً، وجدوا فيها لكلّ داء دواءاً، ومن كلّ وجعٍ وبلسماً وشفاءاً.

إلا أنّ بعضَ أهل الأهواء في كلّ دهرٍ من الدهور، وعصرٍ من العصور، غصّ بالسُّنّة الغراء، وشرَقَ بالنعمة البيضاء؛ لأنها وقفت بينهم وبين جعلهم أهواءَهُم عقداً وديناً، فجرّدوا فيها مباضعَ التأويل وهو أول التضليل، وأغمدوا فيها نصولَ الاجتزاءِ وشِفارَ التطويع.

بل زادَ بعضُهم غيّاً إلى أن تجرّأ على ردّ ما لا يُعجِبُهُ منها، وتكذيب ما لا يحلو له من أحاديثها، وبلغ السيلُ زُباه، ووصل الضلالُ منتهاه؛ بأن نجمت منذُ أزيد من قرنٍ زَرافاتٌ من الناس أنكَروا السُّنّة بالكليّة، وردّوا كلّ ما أتاهم من الأحاديث النبويّة، وأعلنوا أنهم رمَوا بها ظِهريّاً، وأفرَطوا بأن تَجرّأ بعضُهم على التهكُّم بها واتخاذِها سُخريّاً.

واستمرّ الفكر الفاسد بتفريخ النَّكِرَة بعد الأخرى حتى طلعت على الناس في الآونة الأخيرة جماعةٌ سمّت نفسها «أهل القرآن» أو «القرآنيون» ، أشهرت أنها لا تؤمن إلا بالقرآن وحدَه، وأن كلّ ما نُسِبَ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم كذبٌ وافتراء، وزورٌ ودجل!

وإنه لَمّا كانت لهذه الجماعة منابرُ إعلاميةٌ مرموقةٌ تبثّ فكرَها وتنشُرَه بين المسلمين، فقد أوضعت خلال بني الأمة تبغيهِمُ الفتنة، وأحدثت في جسدها جُرحاً جديداً من الجراح الأليمة، فانبرى عددٌ من المسلمين للردّ على هذا الضلال، ووقفوا في وجه هذا التجديف.

ص: 13

فأّلفَ عُلماءُ كرامٌ كُتباً عديدة (1)،

وغير ذلك كثيرٌ بحمد الله تعالى وفضله.

وحذّرَ من ضلالات «أعداء القرآن» دعاةٌ أفاضل، وتصدّت لشُبَهِهِم مواقع الكترونية متنوعة، وصدرت بحقهم فتاوى مختلفة، جزى اللهُ جميعَ من سعى للوقوف في وجه شرِّهم خيراً.

إلا أنّ كثيراً من الردود المنتشرة قاصرٌ أشدّ القصور عن بلوغ مستوى شُبُهات «القرآنيين» ، والسواد الأعظم منها غير واقعيّ في مضمونه، فهو لا يتعدى ذِكرَ أنّ السنة رُكنُ التشريع الثاني، وأنّ مُنكِرها كافرٌ مرتدّ، ويُستدلّ لذلك بآيتين أو ثلاث، وبحديثٍ وربما اثنين، {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [سورة الأحزاب 33: الآية 25].

(1) تطول قائمةُ الكتب المؤلفة في هذا الباب، وأذكرُ منها في عجالة:

1.

«الأنوار الكاشفة لِما في كتاب أضواء على السنة من التضليل والمجازفة» للشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله.

2.

«الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام» للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله.

3.

«الحديث والمحدثون» أو «عناية الأمة الإسلامية بالسنة المحمدية» ، للدكتور محمد محمد أبو زهو.

4.

«السنة المطهرة والتحديات» ، للدكتور نور الدين عتر حفظه الله.

5.

«السنة النبوية بين دعاة الفتنة وأدعياء العلم» ، للدكتور عبد الموجود محمد عبد اللطيف.

6.

«السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام في الكتابات العربية» للدكتور عماد الشربيني.

وهو كتابٌ أكثر من جيد اطلعت عليه على صورة ملف (word) فلم يُمكنّي الأخذُ عنه، ولكن بدا لي فيه جهدٌ كبير جزى الله مؤلفه خيراً.

7.

«السنة في مواجهة الأباطيل» للأستاذ محمد طاهر حكيم.

8.

«السنة النبوية في مواجهة التحدي» ، للدكتور أحمد عمر هاشم حفظه الله

9.

«السنة قبل التدوين» ، للدكتور محمد عجاج الخطيب حفظه الله

10.

«السنة ومكانتها في التشريع الإسلاميّ» للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله.

11.

«السنة ومنزلتها في التشريع الإسلامي» للدكتور محمد أمان

12.

«القرآنيون وشبهاتهم حول السنة» للدكتور خادم حسين إلهي بخش.

13.

«المستشرقون والسنة» للدكتور سعد المرصفي.

14.

«دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه» للدكتور محمد مصطفى الأعظمي.

15.

«دفاع عن أبي هريرة» لعبد المنعم صالح العلي العزي.

16.

«شبهات القرآنيين» للشيخ عثمان بن معلم محمود بن شيخ علي.

17.

«شبهات حول السنة» للشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله.

18.

«ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية» للأستاذ محمد عبد الرازق حمزة.

19.

«كيف نتعامل مع السنة النبوية» للدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله.

20.

«معالم على طريق السنة» للدكتور أحمد عمر هاشم حفظه الله.

ص: 14

وكثيرون هم الذين المؤلِّفون والكتّاب الذين أقدَموا على الاحتجاج على القرآنيين بالسنة الشريفة (1)، وهذا احتجاجٌ بالدعوى غيرُ مقبولٍ في البحث العلميّ.

مع أنه يمكن الاعتذارُ لمن يفعل ذلك بأنه يذكرُ أدلةَ مكانة السنة النبوية من نصوص السنة نفسِها لِمن يؤمنون بها؛ ليزيدهم إيماناً ويقيناً بها.

وهذا العذرُ مقبولٌ إذا كان الكلامُ موجّهاً إلى المؤمنين بالسنة، ولكنه ليس مقبولاً أن يُستخدَمَ في الحوار مع مُنكِريها!

فمن أمثلةِ ذلك أنه في مقالٍ للأستاذ أحمد أبو زيد (2) موجودٍ على العديد من المواقع الالكترونية، يحتجُّ الأستاذ جزاه الله خيراً على القرآنيين لِمنزلة السنة النبوية الشريفة فيقول:

«منزلة السنة:

وإذا نظرنا إلى موقف الإسلام من أفكار هؤلاء المكذبين بالسنة المطهرة، نجد أن العلماء والمجتهدين قد اتفقوا جميعاً على أن السنة النبوية أصلٌ من أصول التشريع الإسلامي، يجب الأخذ بها إذا صحّت وثبتّت نسبتُها لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستندين في ذلك إلى الأمور التالية»

ثم يذكر:

(1) كما فعل الأستاذ محمد طاهر حكيم جزاه الله خيراً في «السنة في مواجهة الأباطيل» الفصل الثالث من كتابه ص 17 - 20، وكثيرون جداً غيرُه.

(2)

الأستاذ أحمد محمود أبو زيد، صحفي وكاتب مصري وباحث إسلامي، وعضو نقابة الصحفيين المصرية، وسكرتير تحرير جريدة الوفد. من مواليد قرية دلهمو بأشمون - محافظة المنوفية - مصر - عام 1964 م.

حاصل على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة - قسم صحافة عام 1986 م بتقدير جيد جداً.

وحاصل على دبلوم عال من معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة عام 1992 م بتقدير جيد جداً.

له مجموعة من الكتب المنشورة: «منهاج الداعية» ، و «محاكمة سلمان رشدي المصري» ، و «الهجوم على الإسلام في الروايات الأدبية» ، و «إنهم يقتلون الساجدين مذبحة الحرم الإبراهيمي وحرب المستوطنات» .

يكتب في عدة مجلات إسلامية، ومواقع الكترونية في المملكة العربية السعودية والكويت ودول الخليج.

يُنظر: موقع الألوكة: دراسات: فكرية: أحمد أبو زيد:

(http://www.alukah.net/Articles/Author.aspx? AuthorID=212&CategoryID=39).

(www.eltwhed.com/vb/showthread.php)

ص: 15

«والأمر الثالث: الحديث، فقد وردت أحاديثُ كثيرةٌ تدلُّ على وجوب اتباع السنة ومصدريَّتها، كقوله صلى الله عليه وسلم: «تركتُ فيكم أمرَين لن تضلُّوا ما تمسكّتُم بهما: كتاب الله وسنتي» (1)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«ألا إني أوتيت الكتاب ومثله» (2)، وقوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم:«عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ» (3)».

ثم ذكر أقوالاً عن بعض أهل العلم المعاصرين بتجهيلهم وتضليلهم وتكفيرهم (4).

وقريبٌ من هذا ما أجاب به فضيلة العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى عندما سُئلَ حول القرآنيين السؤالَ التالي:

هل يعتبر القرآنيون من المسلمين؟ يؤمن هؤلاء بالقرآن الكريم ولكنهم ينكرون السنة النبوية الشريفة، ويفسرون القرآن بناء على عقولهم وأهوائهم.

فكان أن أجابَ ـ حفظه الله ـ إجابةً مقتضبةً جدّاً هي:

«كلّ من أنكر نبوةَ رسول الله، أو أنكر السُّنّةَ جملةً فهو كافرٌ، وإن شهد أن لا إله إلا الله» (5).

(1) أخرجه الحاكم في «المستدرك» برقم (319) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مُسنَداً وصححه.

ورواه مالك في «الموطّأ» برواية يحيى برقم (1594) بلاغاً بلفظ «وسنة نبيه» .

(2)

أخرجه أحمد في «مسنده» برقم (17174)، وأبو داود في «سننه» برقم (4604) من حديث المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه.

(3)

أخرجه أحمد في «مسنده» برقم (17142)، وأبو داود في «سننه» برقم (4607)، والترمذي في «جامعه» برقم (2676) ـ وقال: هذا حديث صحيح ـ وابن ماجه في «سننه» برقم (42) في حديثِ العرباض بن سارية رضي الله عنه.

(4)

«موقع التوحيد» : الأقسام الخاصة: كتاب ومقالات: سليمان الخراشي.

(5)

«موقع الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي» : الفتاوى: العقيدة: السنة.

(www.bouti.net/fatawas.php).

وكي لا يظنّ أنّ الدكتور البوطي حفظه الله تهوّر في هذا الحكم أذكرُ بعضَ من قال به من أهل العلم المتقدمين.

قال الإمام الآجري في كتابه «الشريعة» : 1/ 412:

«جميع فرائض الله التي فرضها في كتابه لا يعلم الحكم فيها إلا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا قول علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج عن ملة الإسلام ودخل في ملة الملحدين» .

وقال الإمام ابن حزم الظاهري الأندلسيّ في «الإحكام في أصول الأحكام» 2/ 80:

«لو أن امرأً قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقلّ ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم» .

وقال الإمام السيوطي في «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» ص 2:

«إن من أنكر كون حديث النبي? قولاً كان أو فعلاً ـ بشرطه المعروف في الأصول ـ حجة كَفَرَ، وخرج عن دائرة الإسلام، وحُشر مع اليهود والنصارى أو مع من شاء الله من فرق الكفرة» .

ص: 16

قال كاتب هذه الأسطر ـ عفا الله عنه ـ:

وإنه إن كان يُمكن الاعتذار عن المتعجّل، فإنه لا ينبغي أن يكون كلُّ ـ أو جلُّ ـ من كتب حول القرآنيين متعجِّلاً؛ بحيث يسوقُ مكرَّراً من الكلام، ويأتي بنزرٍ يسيرٍ من الأقوال والأحكام، يَحسبُ أنه يئدُ بذلك بدعةَ القرآنيين في مهدِها، ويقضي على شُبَهِهِم ويكرّ عليها بهدِّها!

ولقد أعجبَني انتباهُ بعضِ الغيارى إلى خطورةِ ضلالاتِ «أهل القرآن» ، وأنهم ليسوا من السهولة على قدرٍ بحيث يُمكنُ أن يُنتَصَرَ عليهم بيسيرٍ من الجهد.

حيث وجدتُ على بعض المواقع الإسلامية أخاً يقول: «سادتي، هل من ردودٍ على من يُسمُّون أنفسهم بالقرآنيين» .

فاستثارَ بهذا السؤال ردوداً كان أحدُها من أخٍ أجابه بالتالي:

«صدّقوني عندما أقول: إن نقاشهم ليس بالسهولة التي تتصورون أو بالبساطة التي يتصورها بعض من ألّف من العلماء ردا عليهم ودفاعا عن السنة النبوية، وغالبهم للأسف ما جالسوهم ولا ناقشوهم بل ردوا عليهم عن بعد بما سمعوا عنهم فقط، لذا فإني أقول بكل أسف أن ما اطلعت عليه مما كتب من ردود على بدعتهم لا يرتقي أبداً إلى مستوى خطورتهم وأنها في الغالب ردود إنشائية خطابية، ويحتاج الأمر الكثير من الجهد لإتمام الرد عليهم على الوجه الأكمل.

وجلُّ من يكتب دفاعاً عن السنة النبوية في وجههم يعتمد في دفعه على ذات السنة وأخبارها التي هم يرفضونها ويردونها رأساً؛ فلا يتمُّ له الاحتجاج بها عليهم، فلا يمكنك أن تثبت حجية السنة بالسنة أو غيرها من الأخبار.

ص: 17

هم لا يحتكمون إلا إلى القرآن والعقل، وما جاء في السنة موافقاً للقرآن أخذوا به، وإلا فهو لا يعنيهم ولا ينظرون إليه أصلاً، ونقاشهم من أصعب الأمور لو جربتموه» (1).

قال كاتبه ـ غفر الله له ـ:

ولقد خُضتُ بحراً وقف الأكثرون بساحله من ضلالاتِ موقِعِهِم المسمى «أهل القرآن» ، واطّلعت على كثيرٍ أُخرى في مواقعَ غيرِه، وقرأتُ مقداراً غير يسيرٍ من الكتب التي تتفق معهم في دعاواهم!

ووالله الذي لا إله غيره، إن لهم فِتناً يُمسي فيها الحليم حيرانَ، ولا آمنُ على طُلابِ علمٍ أن يَهوُوا في مهاويهم، فكيفَ بعامّة الناس وأنصاف ـ أو أرباعِ أو أعشار ـ المتعلّمين شرعيّاً منهم.

وعلى الرغم من قلة عدد هؤلاء نسبةً إلى مجموع الأمة المسلمة، إلا أنّ المسلم يحزن على نفسٍ واحدةٍ تُساقُ إلى النار، وعلى الأمة أن تعمل ما تستطيع في سبيل إنقاذ من هوى في تلك الهوّة السحيقة، وفي سبيل حمايةِ أبناء هذه الأمة وبناتِها من الانزلاق في مُنحدرِهم المُفضي الكفر الأكبر، وبالله العياذ.

اللهم سلِّمنا من الضلال، واعصِمنا من الغيّ، وأجِرنا من الخزي في الدارين يا كريم.

(1)«منتديات روض الرياحين» : الدفاع عن أهل السنة.

(cb.rayaheen.net/showthread.php).

ص: 18