الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ - أن ذلك من منسوخ السنة بالسنة. أي: إن المنع جاء أولاً، ثم نسخ بالإذن في الكتابة بعد ذلك. وإلى ذلك ذهب جمهرة العلماء.
وقد قالوا: إن النهي جاء أولاً خشية التباس القرآن بالسنة، فلما أمن الالتباس جاء الإذن.
ب- أن النهي لم يكن مطلقاً، بل كان عن كتابة الحديث والقرآن في صحيفة واحدة. أما في صحيفتين فمأذون به.
ج- أن الإذن جاء لبعض الصحابة الذين كانوا يكتبون لأنفسهم، ويؤمن عليهم الخلط بين القرآن والسنة.
وهناك آراء غير ذلك، لكن الذي يتضح من روايات المنع وروايات الإذن أن الإذن جاء آخراً، فإن كان نسخ فهو الناسخ للمنع. وهذا الذي رواه الجمهور (1).
وقد أُحصيَ الصحابة الذين كانوا يكتبون أو كانت لهم صحف فبلغ عددهم اثنين وخمسين صحابياً (2).
وقد ذكر أهل العلم أن الخلاف حول قضية تدوين السنة كان في العصر الأول، ثم أجمعت الأمة على تسويغ كتابة الحديث والعلم، واستقر الأمر على ذلك (3).
ج ـ ما أُثرِ عن الصحابة من النهي عن الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
كنهي عمرَ رضي الله عنه: «أقلّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم» (4).
وبيانُ الأمر أنهم كانوا يخشون روايتها ويهابون من ذلك؛ لعظم المسؤولية، ووعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على من يكذب عليه.
(1) يُنظر: «أصول الحديث» للدكتور محمد عجاج الخطيب ص 98 - 99، «لمحات في أصول الحديث» للدكتور محمد أديب صالح ص 56 - 65.
(2)
«دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه» للدكتور محمد مصطفى الأعظمي ص 92 - 142.
(3)
«شرح النووي على صحيح مسلم» 3/ 1391.
(4)
أخرجه ابن ماجه في «سننه» (28)، والطبراني في «المعجم الأوسط» برقم (2117)، وهو بلفظ قريب في «سير أعلام النبلاء» 2/ 601.
ومن أدلة ذلك موقف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي جاء حدّث يوماً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكس. قال (1): فنظرت إليه فهو قائم محللة أزرار قميصه قد اغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه. قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبا من ذلك، أو شبيهاً بذلك (2).
ومن أجلى ما يُستدَلُّ به ما أخرج البخاري في «صحيحه» عن عبد الله بن الزبير (3) رضي الله عنه أنه قال لأبيه: إني لا أسمعُكَ تحدّثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يُحدّث فلانٌ وفلانٌ، قال: أمَا إني لم أكن أفارقُهُ، ولكن سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّا مقعدَه من النار» (4).
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث في «فتح الباري» :
«وفي تمسُّك الزبير رضي الله عنه (5) بهذا الحديث على خلاف ما ذهب إليه من اختيار قلة التحديث دليلٌ للأصحِّ في أن الكذب هو: الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواءٌ كان عمداً أم خطأً، والمخطئ وإن كان غير مأثومٍ بالإجماع، لكن الزبير خشيَ من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر؛ لأنه وإن لم يأثم بالخطأ لكن قد يأثم بالإكثار؛ إذ إن الإكثار مظنة الخطأ.
(1) القائل هو الراوي عن ابن مسعود عمرُو بنُ ميمون.
(2)
أخرجه ابن ماجه في «سننه» برقم (23).
(3)
عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو بكر وأبو خبيب، أحد العبادلة، وأحد شجعان الصحابة، ولد عام الهجرة، وكان أول مولود للمهاجرين بعد الهجرة، حنّكه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ولادته فكان أول شيءٍ يدخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه وسلم، حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدّث عنه وعن كبار الصحابة، روى عنه أجلة التابعين كعطاء وطاووس وسماك بن حرب وغيرهم، بُويع بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية سنة (64 هـ) ولم يتخلّف عنه إلا أهل الشام، اعتصم بالبيت الحرام أمام جيوش الحجاج الذي كسره وقتله وصلبه سنة (73 هـ).
يُنظر لترجمته: «الإصابة في تمييز الصحابة» 4/ 69 - 71 الترجمة (4673).
(4)
أخرجه البخاري في «صحيحه» برقم (107).
(5)
الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، أمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، أسلم وله اثنتا عشر سنةً، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها وثبتت أحاديث فضائله في الصحيحين وسواهما، قُتل بعد معركة الجمل على يد عمرو بن جرموز سنة (36 هـ).
يُنظر لترجمته: «الإصابة في تمييز الصحابة» 3/ 5 - 7 الترجمة (2783).