الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُجَوِّبٌ بِهِ عَلَيْهِ بِحَجَفَةٍ لَهُ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا شَدِيدَ الْقِدِّ، يَكْسِرُ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ الْجَعْبَةُ مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ انْشُرْهَا لأَبِى طَلْحَةَ. فَأَشْرَفَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ، فَيَقُولُ أَبُو طَلْحَةَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِى دُونَ نَحْرِكَ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ وَأُمَّ سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِمَا، تُنْقِزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا، تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلآنِهَا، ثُمَّ تَجِيآنِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ يَدَىْ أَبِى طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ، وَإِمَّا ثَلَاثًا. طرفه 2880
19 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضى الله عنه
ــ
مُجَوّب به عليه بحجفة) -بتقديم الحاء، أي: مترس عليه من الجوبة وهي الترس، والحجفة الترس الكبير من الجلود (وكان أبو طلحة شديد القد) بكسر القاف وتشديد الدال الوتر وبالفتح مدّ القوس ونزعه، قاله ابن الأثير (وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول: انثرها لأبي طلحة) لأنه أرمى من الذي معه النبل (ولقد رأيت عائشة وأم سليم أرى خدم سوقهما تنقزان القرب على متونهما) الخدم -بفتح المعجمة وذال مهملة- جمع خدمة وهي الخلخال، أصله سير غليظ يشد في رسغ البعير، قال ابن الأثير:] تنقز -بالنون والقاف، والزاي المعجمة- فعل لازم معناه الوثوب، وانتصاب القرب بنزع الخافض، قال: ويروى بضم الياء من باب الأفعال، فانتصابه على المفعولية، ويروى برفع القرب على الابتداء على أن الجملة في محل النصب على الحال. أي تثبان والحال أن القرب على متونهما، إلا أن وقوع الاسمية حالًا بدون الواو ضعيف (ولقد وقع السيف من يد أبي طلحة مرتين أو ثلاثًا) من النعاس وهو الذي أشير إليه في قوله تعالى:{إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال: 11] فإن ذلك الأمر الشديد وانهزام الجيش الحال يقتضي الرعب والخوف، فالنوم مع الأمن كان من نعم الله، وقد قيل: النوم في موطن الحرب من الله، وفي الصلاة من الشيطان.
مناقب عبد الله بن سلام
أبو يوسف الإسرائيلي من نسل يوسف الصديق، كان اسمه حصين، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، كان من أحبار اليهود، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إليه، فلما رآه من بعيد قال وجهه ليس وجه كاذب، وقال أول ما سمعته يقول: "أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا
3812 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكًا يُحَدِّثُ عَنْ أَبِى النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لأَحَدٍ يَمْشِى عَلَى الأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. إِلَاّ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ) الآيَةَ. قَالَ لَا أَدْرِى قَالَ مَالِكٌ الآيَةَ أَوْ فِي الْحَدِيثِ.
ــ
الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام"، وروي عن عبد الله بن سلام قال: كنت على نخل أقطف الثمر إذ سمعت قائلًا يقول: قدم محمد، قلت: الله أكبر، وكانت عمتي تحت النخل، فلما سمعت مني التكبير قالت: ويلك لو كان موسى بن عمران ما كبرت هذا التكبير، قلت: يا عمتاه هذا أخو موسى بن عمران، قالت فذاك إذًا وأسلمت معه، وقد روي أنه رآه بمكة وأنس به.
3812 -
(عن سعد بن أبي وقاص ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض: إنه من أهل الجنة إلا عبد الله بن سلام) وروى ابن عبد البر عن معاذ بن جبل أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن سلام "إنه عاشر عشرة في الجنة".
فإن قلت: سعد بن أبي وقاص من العشرة المبشرين بالجنة، فكيف قال: لم أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد: إنه من أهل الجنة غيره؟ قلت: ربما لم يسمع حدّث بهذا الحديث ثم سمع، أو يكون سمع هذا مشافهة، وسمع حديث العشرة من غيره.
(وفيه نزلت هذه الآية {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ} [الأحقاف: 10]) ونقل ابن عبد البر عن الحسن وعكرمة أنهما أنكرا هذا، فإن هذه السورة مكية وعبد الله أسلم بالمدينة، والجواب عن هذا: أن كون السورة مكية لا يلزم أن تكون كل آية منها مكية وأيضًا قوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأحقاف: 10]، لا يقتضي أن تكون الشهادة وقت النزول. وأيضًا لا يلزم أن تكون وقت السؤال مسلمًا، ألا ترى إلى قوله تعالى:{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94].
3813 -
حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ، فَدَخَلَ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ الْخُشُوعِ، فَقَالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ، وَتَبِعْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّكَ حِينَ دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ قَالُوا هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ. قَالَ وَاللَّهِ مَا يَنْبَغِى لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ مَا لَا يَعْلَمُ وَسَأُحَدِّثُكَ لِمَ ذَاكَ رَأَيْتُ رُؤْيَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَصَصْتُهَا عَلَيْهِ، وَرَأَيْتُ كَأَنِّى فِي رَوْضَةٍ - ذَكَرَ مِنْ سَعَتِهَا وَخُضْرَتِهَا - وَسْطَهَا عَمُودٌ مِنْ حَدِيدٍ، أَسْفَلُهُ فِي الأَرْضِ وَأَعْلَاهُ فِي السَّمَاءِ، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَةٌ فَقِيلَ لَهُ ارْقَهْ. قُلْتُ لَا أَسْتَطِيعُ. فَأَتَانِى مِنْصَفٌ فَرَفَعَ ثِيَابِى مِنْ خَلْفِى، فَرَقِيتُ حَتَّى كُنْتُ فِي أَعْلَاهَا، فَأَخَذْتُ بِالْعُرْوَةِ، فَقِيلَ لَهُ اسْتَمْسِكْ. فَاسْتَيْقَظْتُ وَإِنَّهَا لَفِى يَدِى، فَقَصَصْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «تِلْكَ الرَّوْضَةُ الإِسْلَامُ، وَذَلِكَ الْعَمُودُ عَمُودُ الإِسْلَامِ، وَتِلْكَ الْعُرْوَةُ عُرْوَةُ الْوُثْقَى، فَأَنْتَ عَلَى الإِسْلَامِ حَتَّى تَمُوتَ» . وَذَاكَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ.
ــ
(عن أبي النضر) -بالضاد المعجمة- اسمه سالم.
3813 -
(أزهر) بفتح الهمزة (عن ابن عوف) آخره نون، اسمه عبد الله. (عُبَاد) بضم العين وتخفيف الباء (قالوا هذا من أهل الجنة) أي عبد الله بن سلام، (قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم) كأنه أنكر على من جزم بأنه من أهل الجنة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلفظ بذلك، لكنه لزم ذلك من قوله (فإنه أخبره أنه يموت على الإسلام) وذكر سبب ذلك القول، وهو ذاته الذي رواه البخاري (فأتاني مِنصَف) بكسر الميم. وحكي فيه الفتح -الخادم- وفي الرواية الأُخرى وصيف على وزن كريم، وهو الخادم أيضًا (فقال: الروضة الإسلام) لأنه يوصل إلى روضة الجنة، أو لأن أنواره كأزهار الروضة، (وذلك العمود عمود الإسلام) أي أركانه من الإيمان والصلاة والزكاة والصوم والحج (وتلك العروة الوثقى) قيل: من الوثاقة، الظاهر أنه تصديق القلب المنجي على طريقة الاستعارة شبه المعقول بالمحسوس المحكم كما أشير إليه في قوله تعالى:{لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: 256].
فإن قلت: قوله: (فاستيقظت وإنها لفي يدي) حقيقة أو أُريد معناه المجازي؟ قلت: