الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تفصيل القول في التقليد وانقسامه إلى ما يحرم القول فيه والإفتاء به، وإلى ما يجب المصير إليه، وإلى ما يَسُوْغ
(1)
من غير إيجاب
فأما النوع الأول فهو ثلاثة أنواع:
أحدها: الإعراض عما أنزل الله، وعدمُ الالتفات إليه اكتفاءً بتقليد الآباء.
الثاني: تقليد من لا يعلم المقلِّد أنه أهلُ أن يؤخذَ بقوله.
الثالث: التقليد بعد قيام الحجة وظهورِ الدليل على خلاف قول المقلَّد. والفرق بين هذا وبين النوع الأول أن الأول قلَّد قبل تمكُّنه
(2)
من العلم والحجة، وهذا قلَّد بعد ظهور الحجة له؛ فهو أولى بالذمّ ومعصيةِ الله ورسوله.
وقد ذمَّ الله سبحانه هذه الأنواع الثلاثة من التقليد في غير موضع من
(3)
كتابه، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا
(4)
عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة: 170]، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ
(5)
فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ
(1)
ت: «يجب إليه المصير مما يسوغ» .
(2)
ت: «تمكينه» .
(3)
ت: «في» .
(4)
في النسخ: «وجدنا» .
(5)
«من قبلك» ساقطة من النسخ.
جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} [الزخرف: 23 - 24]، [3/ب] وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ
(1)
مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لقمان: 21] وهذا في القرآن كثير، يَذمُّ فيه من أعرضَ عما أنزله وقنعَ بتقليد الآباء.
فإن قيل: إنما ذَمّ من قلّد الكفّار وآباءه الذين لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون، ولم يَذمَّ من قلَّد العلماءَ المهتدين، بل قد أمر بسؤال أهل الذكر، وهم
(2)
أهل العلم، وذلك تقليدٌ لهم، فقال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وهذا أمرٌ لمن لا يعلم بتقليد من يعلم.
فالجواب أنه سبحانه ذمَّ من أعرض عما أنزله إلى تقليد الآباء، وهذا القدر من التقليد هو مما اتفق
(3)
السلف والأئمة الأربعة على ذمّه وتحريمه، وأما تقليد من بذل جُهدَه في اتباع ما أنزل الله وخفي عليه بعضه فقلَّد فيه من هو أعلم منه فهذا محمود غير مذموم، ومأجور غير مأزور، كما سيأتي بيانه عند ذكر التقليد الواجب والسائغ
(4)
إن شاء الله.
وقال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، والتقليد ليس بعلمٍ باتفاق أهل العلم كما سيأتي. وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا
(1)
في النسخ: «حسبنا» . وهي في المائدة: 104 {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} . وقد جُعِلت هكذا في هامش د والنسخ المطبوعة، خلافًا للأصول.
(2)
«هم» ساقطة من ت.
(3)
بعدها زيادة «عليه» في ع.
(4)
لم يأتِ لهما ذكر فيما بعد.
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]، وقال تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3]، فأمر باتباع المُنْزَل خاصّةً، والمقلِّد ليس له علم أن هذا هو المُنزل، وإن كان قد تبيَّنتْ له الدلالة في خلاف قول من قلَّده= فقد علم أن تقليده في خلافه اتباعٌ لغير المُنزل.
وقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، فمنَعَنا سبحانه من الردّ إلى غيره وغير رسوله، وهذا يُبطِل التقليد.
وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا
(1)
وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ [4/أ] وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} [التوبة: 16]، ولا وليجةَ أعظمُ ممن جعل رجلًا بعينه عِيارًا
(2)
على كلام الله وكلام رسوله وكلام سائر الأمة، يقدِّمه على ذلك كلِّه، ويَعرِض كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة على قوله، فما وافقه منها قبِلَه لموافقته لقوله، وما خالفه منها تلطَّف في ردِّه وتطلَّب
(3)
له وجوهَ الحِيل، فإن لم تكن هذه الوليجة فلا ندري ما الوليجة.
وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا
(1)
في النسخ الخطية: «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة» .
(2)
في النسخ: «مختارًا» تحريف. والصواب «عيارًا» أو «معيارًا» كما في مواضع أخرى من الكتاب.
(3)
ع: «ويطلب» .
الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 66 - 67]، وهذا نصٌّ في بطلان
(1)
التقليد.
فإن قيل: إنما فيه ذمُّ من قلَّد من أضلَّه السبيلَ، أما من هداه السبيلَ فأين ذمَّ الله تقليدَه؟
قيل: جواب هذا السؤال في نفس السؤال، فإنه لا يكون العبد مهتديًا حتى يتبع ما أنزل الله على رسوله؛ فهذا المقلّد إن كان يعرف ما أنزل الله على رسوله فهو مهتدٍ وليس بمقلّد، وإن لم يعرف ما أنزل الله على رسوله فهو جاهل ضالٌّ
(2)
بإقراره على نفسه، فمن أين يعرف أنه على هدًى في تقليده؟ وهذا جواب كلّ سؤالٍ يُورِدونه
(3)
في هذا الباب، وأنهم إنما يقلِّدون أهل الهدى، فهم في تقليدهم على هدًى.
فإن قيل: فأنتم تُقِرُّون أن الأئمة المقلَّدين في الدين على هدًى، فمقلِّدوهم على هدًى قطعًا؛ لأنهم سالكون خلفَهم.
قيل: سلوكهم خلفهم مُبطِلٌ لتقليدهم لهم قطعًا؛ فإن طريقتهم كانت اتباعَ الحجة والنهي عن تقليدهم كما سنذكره عنهم إن شاء الله تعالى، فمن ترك الحجة وارتكب ما نَهَوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم، وهو من المخالفين لهم. وإنما يكون على طريقتهم من اتبع الحجة، وانقادَ للدليل، ولم يتخذ رجلًا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله عِيارًا
(1)
ع: «إبطال» .
(2)
ع: «ضال جاهل» .
(3)
ع: «يورد» .
على الكتاب والسنة، يعرِضُهما على قوله.
وبهذا يظهر بطلانُ [4/ب] فَهْمِ من جعل التقليد اتباعًا
(1)
، وإيهامُه وتلبيسُه، بل هو مخالف للاتباع. وقد فرَّق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرَّقت الحقائق بينهما، فإن الاتباع سلوك طريقِ المتَّبَع والإتيانُ بمثل ما أتى به.
قال أبو عمر في «الجامع»
(2)
: باب فساد التقليد ونفيه، والفرق بينه وبين الاتباع.
قال أبو عمر: قد ذمّ الله تبارك وتعالى التقليدَ في غير موضع من كتابه، فقال:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]. ورُوِي عن
(3)
حذيفة وغيره قال: لم يعبدوهم من دون الله، ولكنهم أحلُّوا لهم وحرَّموا عليهم فاتبعوهم
(4)
.
وقال عدي بن حاتم: أتيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفي عُنقي صليبٌ، فقال:«يا عديُّ ألقِ هذا الوثنَ من عنقِك» . وانتهيتُ إليه
(5)
وهو يقرأ سورةَ براءة حتى
(1)
«اتباعًا» ساقطة من ع.
(2)
(2/ 975).
(3)
«عن» ساقطة من ع.
(4)
أورده ابن عبد البر في «الجامع» بدون إسناد (2/ 975)، وبنحوه رواه الثوري في «تفسير القرآن» (ص 124) ومن طريقه عبد الرزاق في «تفسير القرآن» (1073) والطبري (11/ 419) والبيهقي (10/ 116) كلهم عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري وذكره
…
والإسناد منقطع؛ لأن حديث أبي البختري عن حذيفة مرسل، ولكن له شاهد من حديث عدي بن حاتم الآتي.
(5)
ت: «وانتهينا له» .
أتى على هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، قال
(1)
: فقلت: يا رسولَ الله! إنّا لم نتّخذهم أربابًا، قال:«بلى، أليس يُحِلُّون لكم ما حُرِّم عليكم فتُحِلُّونه، ويُحرِّمون عليكم ما أُحِلَّ لكم فتُحرِّمونه؟» فقلت: بلى، قال:«فتلك عبادتُهم»
(2)
.
قلت: الحديث في «المسند»
(3)
والترمذي مطولا.
وقال أبو البَخْتري في قوله عز وجل: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، قال: أمَا إنهم
(4)
لو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم، ولكنهم أمروهم فجعلوا حلالَ الله حرامَه وحرامَه حلالَه فأطاعوهم
(5)
، فكانت تلك الربوبية
(6)
.
(1)
«قال» ساقطة من ت.
(2)
أورده ابن عبد البر في «الجامع» بدون إسناد (2/ 975) وهو مخرَّج عند الترمذي (3095) والطبراني (218) والبيهقي (10/ 116) من طريق غُطيف بن أعين عن مصعب بن سعد عنه به، وفي إسناده غُطيف بن أعين، قال فيه الترمذي: ليس بالمعروف. وللحديث شاهدان يتقوى بهما، والحديث حسنه ابن تيمية والألباني. انظر:«مجموع الفتاوى» (7/ 67) و «السلسلة الصحيحة» (3293).
(3)
عزاه ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (7/ 67) وابن كثير في «تفسيره» (4/ 135) إلى الإمام أحمد، ولم أجده في «مسنده» . بينما ذكره ابن كثير في «جامع المسانيد والسنن» (4/ 429) عن الترمذي فقط.
(4)
«إنهم» ساقطة من ع.
(5)
ت: «فطاعوهم» .
(6)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 976). ورواه أيضًا الطبري في «تفسيره» (11/ 419) وابن حزم في «الإحكام» (6/ 179 - 180)، وإسناده حسن.
وقال وكيع: ثنا سفيان والأعمش جميعًا عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البَخْتري قال: قيل لحذيفةَ في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} أكانوا يعبدونهم؟ فقال: لا، ولكن كانوا يُحِلُّون لهم الحرامَ فيحِلُّونه، ويحرِّمون عليهم الحلالَ فيحرِّمونه
(1)
.
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا [5/أ]
…
قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}، فمنعَهم الاقتداءُ بآبائهم من قبول الاهتداء، فقالوا:{إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 23 - 24]. وفي هؤلاء ومثلهم قال الله عز وجل: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 166 - 167]. وقال تعالى عاتبًا
(2)
لأهل الكفر وذامًّا
(3)
لهم: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ
(4)
} [الأنبياء: 52 - 53]، وقال:{إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} [الأحزاب: 67]. ومثل هذا
(1)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 978) والطبري (11/ 419) وابن حزم في «الإحكام» (6/ 180). وإسناده صحيح.
(2)
ت: «عائبًا» . وكذا في «جامع بيان العلم» .
(3)
ت: «وذما» .
(4)
في النسخ: «كذلك يفعلون» . وهو غلط قديم في «جامع بيان العلم» ، وهو المصدر الذي ينقل عنه المؤلف.
في القرآن كثير من ذَمِّ تقليد الآباء والرؤساء.
وقد احتجّ العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفرُ أولئك من الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين
(1)
بغير حجة للمقلِّد، كما لو قلَّد رجلًا فكفر، وقلَّد آخر فأذنبَ، وقلَّد آخر في مسألة فأخطأ وجهَها= كان كلُّ واحد ملومًا على التقليد بغير حجة؛ لأن كل ذلك تقليدٌ يُشبِه
(2)
بعضه بعضًا وإن اختلفت الآثام فيه. وقال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: 115].
قال
(3)
: فإذا بطلَ التقليد بكل ما ذكرنا وجب التسليم للأصول التي يجب التسليم لها، وهي الكتاب والسنة وما كان في معناهما بدليل جامع.
ثم ساق من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إني لا أخاف على أمتي من بعدي إلا من أعمالٍ ثلاثة» ، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: «أخافُ عليهم زَلَّة العالم، ومن حكم جائرٍ، ومن هوًى متَّبَع»
(4)
.
(1)
د: «المقلدين» . والمثبت موافق لما في «الجامع» .
(2)
ت: «تشبيه» .
(3)
أي ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 977).
(4)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (1865) والبيهقي في «المدخل» (830). ورواه أيضًا البزار (3384) والطبراني (14)، وفي إسناده كثير بن عبد الله المزني متكلم فيه، وبه ضعَّفه ابن عدي وابن مفلح والهيثمي. انظر:«الكامل» (7/ 189)، و «الآداب الشرعية» (2/ 50)، و «مجمع الزوائد» (1/ 187).
وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تركتُ فيكم أمرين لن تَضِلُّوا ما تمسَّكْتم بهما: كتاب الله، [5/ب] وسنة رسوله
(1)
صلى الله عليه وسلم»
(2)
.
قلت: والمصنِّفون في السنة
(3)
جمعوا بين فساد التقليد وإبطاله وبيان زَلَّة العالم، ليبيِّنوا بذلك فسادَ التقليد، وأن العالم قد يَزِلُّ ولا بدَّ؛ إذ ليس بمعصوم، فلا يجوز قبول كلِّ ما يقوله، و [أن]
(4)
يُنزَّل قولُه منزلةَ قول المعصوم؛ فهذا الذي ذمَّه كلُّ عالمٍ على وجه الأرض، وحرَّموه وذمُّوا أهله، وهو أصل بلاء المقلِّدين وفتنتهم، فإنهم يقلِّدون العالم فيما زلَّ فيه وفيما لم يزلَّ، وليس لهم تمييز بين ذلك، فيأخذون الدين بالخطأ ولا بدَّ، فيُحِلُّون ما حرَّم الله ويُحرِّمون ما أحلَّ
(5)
ويشرعون ما لم يشرع، ولا بدَّ لهم من ذلك، إذ كانت العصمة منتفيةً عمن قلَّدوه، فالخطأ واقع منه
(6)
ولا بدَّ.
وقد ذكر البيهقي
(7)
وغيره من حديث كثير هذا عن أبيه عن جده
(1)
ت: «رسول الله» .
(2)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 979) وإسناده كالسابق، وفي الباب عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد رضي الله عنهم. انظر:«السلسلة الصحيحة» (1761).
(3)
«في السنة» ساقطة من ع.
(4)
زيادة ليستقيم السياق.
(5)
بعدها في ت زيادة كلمة الجلالة «الله» .
(6)
ع: «منهم» .
(7)
في «المدخل» (831) وفي «السنن الكبرى» (10/ 211)، ورواه أيضًا ابن عدي في «الكامل» (7/ 192). وفي إسناده كثير، وبه ضعفه العراقي والألباني. انظر «المغني عن حمل الأسفار» (ص 640) و «السلسلة الضعيفة» (1700).
مرفوعًا: «اتقوا زَّلة العالم، وانتظروا فَيئتَه
(1)
».
وذكر
(2)
من حديث مسعود بن سعد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أشدَّ ما أتخوَّفُ على أمتي ثلاث: زَلَّة عالمٍ
(3)
، وجدال منافقٍ بالقرآن، ودنيا
(4)
تَقطَع أعناقَكم».
ومن المعلوم أن المَخُوف في زلَّة العالم تقليدُه فيها؛ إذ لولا التقليد لم يُخَفْ من زلَّة العالم على غيره.
فإذا عرف أنها زلَّة لم يجزْ له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباعٌ للخطأ
(5)
على عَمْد، ومن لم يعرف أنها زلَّة فهو أعذَرُ منه، وكلاهما مفرِّط فيما أُمِر به. وقال الشعبي: قال عمر: يُفْسِدُ الزمانَ ثلاثةٌ: أئمَّة مُضِلُّون، وجدالُ المنافق بالقرآن ــ والقرآنُ حقٌّ ــ وزلَّةُ العالمِ
(6)
.
(1)
في النسخ: «فيه» . والتصويب من مصادر التخريج.
(2)
أي البيهقي في «المدخل» (832) وفي «الشعب» (9829)، وفي إسناده يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، وبه ضعفه ابن مفلح في «الآداب الشرعية» (2/ 46). وفي الباب عن معاذ رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا وسلمان رضي الله عنه مرفوعًا سيأتي قريبًا بعد حديثين.
(3)
ت: «العالم» .
(4)
ت: «وذنبا» تصحيف.
(5)
ت: «الخطأ» .
(6)
رواه البيهقي في «المدخل» (833)، وإسناده منقطع؛ لأن الشعبي لم يدرك عمر، ولكن له طريق آخرعن الشعبي عن زياد بن حدير عن عمر رضي الله عنه عند الدارمي (220) وابن عبد البر في «الجامع» (2/ 979)، وصححه ابن كثير في «مسند الفاروق» (2/ 662).
وقد تقدَّم
(1)
أن معاذًا كان لا يجلس مجلسًا للذكر إلا قال حين يجلس: الله حَكَمٌ قِسْطٌ، هلكَ المرتابون ــ الحديث، وفيه:«وأُحذِّركم زيغةَ الحكيم؛ فإن الشيطان قد يقول الضلالةَ على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمةَ الحق» . قلتُ
(2)
لمعاذ: ما يُدرِيني [6/أ]ــ رحِمَك الله ــ أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال لي: «اجتنِبْ من كلام الحكيم المشبَّهات
(3)
التي يقال: ما هذه؟ ولا يَثْنِيَنَّك
(4)
ذلك عنه، فإنه لعله يراجع، وتَلَقَّ الحقَّ إذا
(5)
سمعتَه، فإنّ على الحقّ نورًا»
(6)
. وذكر البيهقي
(7)
من حديث حمّاد بن زيد عن المثنّى بن سعيد عن أبي العالية قال: قال ابن عباس: ويلٌ للأتباع من عَثَراتِ العالم، قيل: وكيف ذاك يا أبا عبّاسٍ
(8)
؟ قال:
(1)
(1/ 220).
(2)
القائل يزيد بن عميرة.
(3)
كذا في ت، س. وفي ع:«المشتهرات» . ويُروى باللفظين كما بيَّن ذلك أبو داود عندما أخرج الحديث في «سننه» (4611).
(4)
د: «يثنيك» . والمثبت من بقية النسخ وأبي داود.
(5)
ع: «إذ» .
(6)
رواه أبو داود (4611) وصححه الحاكم (4/ 460). وانظر: «سنن أبي داود» تحقيق شعيب الأرنؤوط (7/ 21).
(7)
في «المدخل» (835) وابن عبد البر في «الجامع» (2/ 984) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 27) وابن حزم في «الإحكام» (6/ 99).
(8)
كذا في النسخ و «المدخل» ، وهو صواب، فهي كنية عبد الله بن عباس، كما في «السير» (3/ 331) و «الإصابة» (6/ 228) وغيرهما. وجعله المحقق في المطبوع:«ابن عباس» ، ظنًّا منه أنه الصواب. وفاته أن ذكر المخاطب بالكنية من أساليب العرب قديمًا وحديثًا، يقصدون به إكرامه.
يقول العالم من قِبَلِ رأيِه
(1)
، ثم يسمع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدَعُ ما كان عليه. وفي لفظ:«فيلقَى من هو أعلمُ برسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فيخبِره فيرجع، ويقضي الأتباعُ بما حَكَم» .
وقال تميم الداري: اتقوا زلَّة العالم، فسأله عمر: ما زلَّة العالم؟ قال: يَزِلُّ بالناس فيؤخذُ به، فعسى أن يتوبَ العالم والناسُ يأخذون به
(2)
(3)
.
وقال شعبة: عن عمرو بن مُرَّة عن عبد الله بن سَلِمة
(4)
قال: قال معاذ بن جبل: يا معشر العرب! كيف تصنعون بثلاث: دنيا تَقْطَع أعناقَكم، وزلَّةُ عالم، وجدالُ منافقٍ بالقرآن؟ فسكتوا، فقال: أما العالم فإن اهتدى فلا تقلِّدوه دينَكم، وإن افْتُتِن فلا تقطعوا منه
(5)
إياسَكم؛ فإن المؤمن
(6)
يُفتَتن ثم يتوب، وأما القرآن فله منارٌ كمنار الطريق فلا يخفى على أحد، فما عرفتم منه فلا تسألوا عنه، وما شككتم فكِلُوه إلى عالمه، وأما الدنيا فمن جعل الله الغِنَى في قلبه فقد أفلح، ومن لا فليس بنافعتِه دنياه
(7)
.
(1)
ع: «برأيه» .
(2)
د: «بقوله به» ، وفي المطبوع:«بقوله» . والمثبت من بقية النسخ موافق لما عند البيهقي.
(3)
أورده البيهقي في «المدخل» بدون إسناد (837)، ورواه ابن المبارك في «الزهد» (1449) ومن طريقه الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي» (389) وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (11/ 81).
(4)
ع: «مسلمة» تحريف.
(5)
«منه» ساقطة من ع.
(6)
ت: «المؤمنين» .
(7)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 982) وعنه ابن حزم في «الإحكام» (6/ 180).، ورواه أيضًا وكيع في «الزهد» (71) وأبو داود في «الزهد» (183)، وروي مرفوعًا أيضًا، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الدارقطني في العلل (992) الوقف.
وذكر أبو عمر
(1)
من حديث حسين الجعفي عن زائدة عن عطاء بن السائب عن أبي البَخْتري قال: قال سلمان: كيف أنتم عند ثلاثٍ: زلّة عالم، وجدالُ منافقٍ بالقرآن، ودنيا تَقْطعُ أعناقَكم؟ فأما زلَّةُ العالمِ فإنِ اهتدى فلا تُقلِّدوه دينَكم، وأما مجادلةُ المنافقِ بالقرآنِ، فإنَّ للقرآنِ منارًا كمنارِ الطريقِ
(2)
، فما عرفتم منه فخذوه، وما لم تعرِفوه
(3)
فكِلُوه إلى اللهِ، [6/ب] وأما دنيا تَقْطَعُ أعناقَكم فانظروا إلى مَن هو دونَكم، ولا تنظروا إلى مَنْ هو فوقَكم.
قال أبو عمر
(4)
: وتُشبَّه زلَّةُ العالم بانكسار السفينة؛ لأنها إذا غَرِقتْ غرِقَ معها خلق كثير.
قال
(5)
: وإذا صحَّ وثبت أن العالم يَزِلُّ ويخطئ، لم يجُزْ لأحدٍ أن يفتي ويَدِينَ بقولٍ لا يعرف وجهه.
وقال غير أبي عمر
(6)
: كما أن القضاة ثلاثة: قاضيانفي النار وواحد
(7)
في الجنة، فالمفتون ثلاثة، ولا فرقَ بينهما إلا في كون القاضي يُلزِم بما أفتى به، والمفتي لا يُلزِم به.
وقال ابن وهب: سمعت سفيان بن عُيينة يحدِّث عن عاصم بن بَهْدلة عن زِرّ بن حُبيش عن ابن مسعود أنه كان يقول: اغْدُ عالمًا أو متعلمًا، ولا تَغْدُ إمَّعةً فيما بين ذلك. قال ابن وهب: فسألتُ سفيان عن الإمَّعَة، فحدثني عن أبي الزناد
(8)
عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: كنّا ندعو الإمَّعةَ في الجاهلية الذي يُدعى إلى الطعام فيأتي معه بغيره، وهو فيكم المُحْقِب
(9)
دِيْنَه الرجالَ
(10)
.
وقال أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النَّصْري
(11)
: ثنا أبو مُسهِر، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن السائب بن يزيد ابن
(1)
في «الجامع» (2/ 983) وعنه ابن حزم في «الإحكام» (6/ 180 - 181).
(2)
بعدها في ت: «فلا يخفى على أحد» . وليست في بقية النسخ ولا في «الجامع» و «الإحكام» في هذه الرواية.
(3)
ع: «تعرفوا منه» .
(4)
في «الجامع» (2/ 982).
(5)
الكلام متصل بما قبله.
(6)
لم أجد النصّ في المصادر التي رجعت إليها.
(7)
ع: «قاض» .
(8)
كذا في النسخ. وفي مصادر التخريج: «أبي الزعراء» ، وهو الصواب، وهو المعروف بالرواية عن أبي الأحوص، فقد كان ابن أخيه. وأبو الزناد ليس معروفًا بالرواية عن أبي الأحوص. ولم نغيّر في النصّ لأن جميع النسخ اتفقت على ذلك، فاكتفينا بالتنبيه عليه.
(9)
أي المقلّد الذي يجعل دينَه تابعًا لدين غيره بلا روية ولا برهان، وهو من الإرداف على الحقيبة. انظر «تاج العروس» (حقب، أمع).
(10)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 983)، والبيهقي في «المدخل» (378) وابن حزم في «الإحكام» (6/ 68).
(11)
في النسخ: «عمر البصري» تصحيف. والنصُّ في «تاريخ أبي زرعة الدمشقي» (ص 543)، ورواه ابن حزم في «الإحكام» من طريقه (6/ 97 - 98)، وعزاه ابن كثير في «مسند الفاروق» (2/ 625) إلى الإسماعيلي.
أخت نَمِر أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إنّ حديثكم شرُّ الحديث، إن كلامكم شرُّ الكلام؛ فإنكم قد حدَّثتم الناسَ حتى قيل: قال فلان وقال فلان، ويُترك كتابُ
(1)
الله. من كان منكم قائمًا فليقُم بكتاب الله، وإلا فلْيجلِسْ
(2)
.
فهذا قول عمر رضي الله عنه لأفضلِ قرنٍ على وجه الأرض، فكيف لو أدرك ما أصبحنا فيه من ترْكِ كتاب الله وسنة رسوله وأقوالِ الصحابة لقول فلان وفلان؟ فالله المستعان.
قال أبو عمر
(3)
: وقال علي بن أبي طالب لكُمَيل بن زياد النخعي ــ وهو حديث مشهور عند أهل العلم، يَستغني
(4)
عن الإسناد لشهرته عندهم ــ: يا كُميلُ، إن هذه القلوب أوعيةٌ، فخيرُها أوعاها [7/أ] للخير. والناس ثلاثة: فعالمٌ ربَّاني، ومتعلِّم على سبيل نجاة، وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كلِّ ناعقٍ، يميلون مع كل صائح، لم يَستضيئوا بنور العلم، ولم يَلجؤوا إلى ركنٍ وثيق. ثم قال: آه! إنّ ههنا علمًا ــ وأشار بيده إلى صدره ــ لو أصبتُ له حَمَلةً، بلى
(5)
قد
(1)
ع: «كلام» . وفي هامشها برمز ظ: «كتاب» .
(2)
ت: «فيجلس» .
(3)
في «الجامع» بدون إسناد (2/ 984). ورواه أبو نعيم في «الحلية» (1/ 79) ومن طريقه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (1/ 182)، وأبو طاهر السلفي في «الطيوريات» (535). وفي إسناده أبو حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية ضعيف رافضي، وعبد الرحمن بن جندب الفزاري مجهول.
(4)
ع: «مستغن» .
(5)
ت، ع:«بل» . والمثبت من د موافق لما في «الجامع» .
أصبتُ لَقِنًا غيرَ مأمون، يستعمل آلة الدين للدنيا، ويستظهر بحُجَج الله على كتابه وبنِعَمِه على معاصيه، أو
(1)
حامل حقٍّ لا بصيرةَ له في إحيائه، ينقدحُ الشكُّ في قلبه بأول عارضٍ من شبهة، لا يدري أين الحقُّ، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدْرِ، مشغوفٌ
(2)
بما لا يدري حقيقته، فهو فتنةٌ لمن
(3)
فُتِنَ به، وإنّ من الخير كلِّه مَن عرَّفه الله دينَه، وكفى بالمرء جهلًا أن لا يعرف دينه.
وذكر أبو عمر
(4)
عن أبي البَخْتري عن علي رضي الله عنه قال: إيّاكم والاستنانَ بالرجال، فإن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة، ثم ينقلب لعِلم الله فيه فيعمل بعمل أهل النار، فيموت وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار، فينقلب لعِلْم الله فيه فيعمل بعمل أهل الجنة، فيموت وهو من أهل الجنة، فإن كنتم لا بدَّ فاعلينَ فبالأموات لا بالأحياء.
وقال ابن مسعود: لا يقلِّدنَّ أحدُكم دينَه رجلًا إن آمنَ آمنَ وإن كفر كفر، فإنه لا أسوةَ في الشر
(5)
.
(1)
كذا في النسخ. وفي الجامع: «أف» .
(2)
ت، ع:«مشعوف» بالعين، وهو أيضًا بمعنى «مشغوف» .
(3)
ع: «كمن» تحريف.
(4)
في «الجامع» (2/ 987) وابن حزم في «الإحكام» (6/ 181) من طريق خالد بن عبد الله الواسطي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري عنه به. وعطاء قد اختلط، والراوي عنه خالد الواسطي سمع منه بعد اختلاطه، وتابعه حماد بن زيد عند ابن بطة في «الإبانة الكبرى» (1572).
(5)
أورده ابن عبد البر في «الجامع» بدون إسناد (2/ 987)، ورواه الطبراني (8764) ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (1/ 136)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 180): ورجاله رجال الصحيح.
قال أبو عمر
(1)
: وثبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يذهبُ العلماءُ، ثم يتَّخِذُ الناس رؤوسًا جُهَّالًا، يُسأَلون فيُفْتونَ بغير علمٍ، فيَضِلُّون ويُضِلُّون»
(2)
.
قال أبو عمر
(3)
: وهذا كله نفيٌ للتقليد وإبطالٌ له، لمن فهِمه وهُدِيَ لرُشدِه.
ثم ذكر
(4)
من طريق يونس بن عبد الأعلى ثنا سفيان بن عيينة قال: اضطجع ربيعة مُقْنِعًا رأسَه
(5)
وبكى، فقيل له: ما يُبكِيك؟ فقال: رياء ظاهر، وشهوةٌ خفيَّة، والناس عند علمائهم كالصبيان في [حُجور] أمَّاتهم
(6)
: ما نهوهم عنه انتهَوا، وما أمروهم به ائتمروا.
وقال عبد الله بن المعتز
(7)
: لا فرقَ بين [7/ب] بهيمةٍ تُقاد
(8)
وإنسانٍ يقلِّدُ
(9)
.
(1)
في «الجامع» (2/ 988).
(2)
رواه البخاري (100) ومسلم (2673) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بنحوه.
(3)
الكلام متصل بما قبله في «الجامع» .
(4)
«الجامع» (2/ 989). وأخرجه أيضًا أبو نعيم في «الحلية» (3/ 259).
(5)
أي رافعًا له شاخصًا ببصره نحو شيء في ذُلٍّ وخشوع.
(6)
في د، ع:«امامهم» . وفي «الجامع» و «الحلية» : «كالصبيان في حجور أمهاتهم» . والمثبت من ت.
(7)
في جميع النسخ: «المعتمر» ، والتصويب من مصادر التخريج.
(8)
د، ع:«تنقاد» . والمثبت من ت يوافق ما في «الجامع» .
(9)
ذكره ابن عبد البر في «الجامع» بدون إسناد (2/ 989)، ورواه الخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 8). وهذه المقولة هي مساجلة وقعت بين عبد الله بن المعتز وابن الأنباري. انظر:«جمع الجواهر في الملح والنوادر» لأبي إسحاق الحصري (ص 17).
ثم ساق
(1)
من «جامع
(2)
ابن وَهْب»: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن بكر بن عمرو، عن عمرو بن أبي نَعِيمة
(3)
، عن مسلم بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من قال عليَّ ما لم أقُلْ فليتبوَّأْ مقعدَه من النار، ومن استشار أخاه فأشار عليه بغير رُشْدِه فقد خانَه، ومن أُفتي بفُتيا بغيرِ ثَبَتٍ فإنما إثمُها على من أفتاه» .
وقد تقدّم هذا الحديث
(4)
من رواية أبي داود
(5)
، وفيه دليل على تحريم الإفتاء بالتقليد، فإنه إفتاءٌ بغير ثَبَت؛ فإن الثَّبَت الحجةُ التي يثبت
(6)
بها الحكم باتفاق الناس، كما قال أبو عمر
(7)
: وقد احتجَّ جماعة من الفقهاء وأهل النظر على من أجاز التقليدَ بحجج نظرية عقلية بعد ما تقدَّم، فأحسنُ ما رأيتُ من ذلك قول المزني
(8)
، وأنا أورده.
(1)
أي ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 991)، وللحديث شواهد ومتابعات. وانظر:«السلسلة الصحيحة» (3100) و «سنن أبي داود» تحقيق شعيب الأرنؤوط (5/ 499)، وقارن بينهما.
(2)
ع: «من طريق جامع» . ت: «ابن جامع» . والمثبت من د. و «الجامع» لابن وهب أحد المصنّفات المشهورة، نقل عنه ابن عبد البر كثيرًا.
(3)
د: «نعمة» . ويُضبط بالوجهين كما في «تقريب التهذيب» .
(4)
(1/ 79).
(5)
ت، د:«ابن داود» خطأ.
(6)
ع: «ثبت» .
(7)
في «الجامع» (2/ 992 - 993).
(8)
ت، د:«المبرل» . ع: «المنزل» وكله تحريف.
قال
(1)
: يقال لمن حكم بالتقليد: هل لك من حجةٍ فيما حكمتَ به؟
فإن قال: «نعم» بطل التقليد؛ لأن الحجة أوجبتْ ذلك عنده لا التقليد.
وإن قال: «حكمتُ به بغير حجة» ، قيل له: فلِمَ أرقْتَ الدِّماء وأبحتَ الفروج وأتلفتَ الأموال، وقد حرَّم الله ذلك إلا بحجة؟ قال الله عز وجل: {إِنْ
(2)
…
عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا} [يونس: 68] أي من حجةٍ بهذا.
فإن قال: «أنا أعلمُ أني قد أصبتُ وإن لم أعرف الحجة، لأنّي قلَّدتُ كبيرًا
(3)
من العلماء وهو لا يقول إلا بحجةٍ خفيتْ عليّ». قيل له: إذا جاز تقليدُ معلِّمك لأنه لا يقول إلا بحجةٍ خفيتْ عليك فتقليدُ معلِّم معلِّمِك أولى؛ لأنه لا يقول إلا بحجةٍ خفيتْ على معلِّمك، كما لم يقلْ معلِّمك إلا بحجة خفيتْ عليك.
فإن قال: «نعم» تركَ تقليد معلِّمه إلى تقليد معلِّمِ معلِّمه، وكذلك من هو أعلى حتى ينتهي الأمر إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أبى ذلك نقضَ قوله، وقيل له: كيف تجوِّز
(4)
تقليدَ من هو أصغرُ وأقلُّ علمًا، ولا تجوِّز تقليدَ من هو أكبر وأكثر علمًا؟ وهذا تناقضٌ.
(1)
رواه الخطيب عنه في «الفقيه والمتفقه» (2/ 136 - 137). وذكره الزركشي في «البحر المحيط» (6/ 281).
(2)
في النسخ: «هل» .
(3)
ت: «كثيرًا» تصحيف.
(4)
د: «يجوز» . وكذا في «الجامع» .
فإن قال: «لأنّ
(1)
معلِّمي وإن كان أصغرَ فقد جمعَ عِلْمَ [8/أ] من هو فوقه إلى علمه، فهو أبصرُ بما أخذَ وأعلمُ بما تركَ»، قيل له: وكذلك من تعلَّم من معلِّمك، فقد جمع علْمَ معلِّمك وعلْمَ من فوقه إلى علمه، فيلزمك تقليده وتركُ تقليد معلّمك. وكذلك أنت أولى أن تقلِّد نفسك من معلِّمك؛ لأنك جمعتَ علْمَ معلِّمك وعلْمَ من هو فوقه إلى علمك. فإنّ قلد
(2)
قوله جعل الأصغر ومن يحدث من صغار العلماء أولى بالتقليد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصاحب عنده يلزمه تقليدُ التابع والتابع من دونه في قياس قوله، والأعلى للأدنى أبدًا، وكفى بقولٍ يؤولُ إلى هذا تناقضًا وفسادًا
(3)
.
قال أبو عمر
(4)
: قال أهل العلم والنظر: حدُّ العلم التبيينُ وإدراكُ المعلوم على ما هو به، فمن بانَ له الشيء فقد علِمَه، قالوا: والمقلِّد لا علمَ له، لم يختلفوا في ذلك
(5)
. ومن ههنا ــ والله أعلم ــ قال البُحتري
(6)
:
عرفَ العالمون فضلَك بالعلـ
…
م وقال الجهَّالُ بالتقليد
(1)
ع: «إن» .
(2)
كذا في النسخ، وفي «الجامع»:«فاد» . ولعل الصواب: «قياس» كما سيأتي بعد سطرين.
(3)
إلى هنا انتهى نقل ابن عبد البر لكلام المزني.
(4)
في «الجامع» (2/ 993).
(5)
«في ذلك» ساقطة من د.
(6)
من قصيدة له في مدح محمد بن عبد الملك الزيات في «ديوانه» (1/ 638) و «تاريخ بغداد» (2/ 342).
وأرى الناسَ مُجمِعين
(1)
على فضـ
…
لك من بينِ سيِّدٍ ومَسُود
وقال أبو عبد الله بن خُوازِ مَنْدادَ
(2)
البصري المالكي
(3)
: التقليد معناه في الشرع الرجوعُ إلى قول لا حجةَ لقائله عليه، وذلك ممنوع منه في الشريعة. والاتباع: ما ثبت عليه حجة.
وقال في موضع آخر من كتابه: كل من اتبعتَ قولَه من غير أن يجب عليك قبولُه بدليل يوجب ذلك فأنت مقلِّده، والتقليد في دين الله غير صحيح، وكلُّ من أوجب الدليلُ عليك اتباعَ قوله فأنت متَّبِعُه، والاتباع في الدين مَسُوغٌ، والتقليد ممنوع.
قال
(4)
: وذكر محمد بن حارث في «أخبار سَحْنون بن سعيد»
(5)
عنه قال: [كان]
(6)
مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هُرمز، فكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما، وإذا سأله ابنُ دينار وذووه لا يجيبهم، فتعرَّض له ابن دينار يومًا فقال له: يا أبا بكر لِمَ تَستحِلُّ [8/ب] منّي ما لا يحلُّ لك
(7)
؟ قال له: يا ابنَ أخي، وما
(1)
ت: «مجمعون» .
(2)
يُنظر في ضبط هذا الاسم: «تاج العروس» (8/ 57) طبعة الكويت.
(3)
النقل مستمر عن «الجامع» لابن عبد البر (2/ 993).
(4)
أي ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 994).
(5)
ذكر هذا الكتاب القاضي عياض في «ترتيب المدارك» (4/ 46).
(6)
ليست في النسخ، وزيدت من «الجامع» . وفي هامش ع إشارة إليها برمز ظ.
(7)
«يحل لك» ساقطة من ع.
ذاك؟ قال: يسألك مالك وعبد العزيز فتُجِيبهما، وأسألك أنا وذَوِيَّ
(1)
فلا تُجيبنا! فقال: أوَقعَ ذلك يا ابنَ أخي في قلبك
(2)
؟ قال: نعم، قال: إنّي قد كبِرتْ سِنّي ودَقَّ عظْمي، وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثلُ الذي خالطني في بدني، ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان، إذا سمعا منّي حقًّا قَبِلاه، وإن سمعا خطأً تركاه، وأنت وذووك ما أجبتُكم به
(3)
قبلتموه.
قال ابن حارث: هذا واللهِ الدينُ الكامل، والعقلُ الراجح، لا كمن يأتي بالهَذَيان، ويريد أن يَنزِلَ
(4)
من القلوب منزلةَ القرآن.
قال أبو عمر
(5)
: يقال لمن قال بالتقليد: لِمَ قلتَ به، وخالفتَ السلف في ذلك فإنهم لم يقلِّدوا؟ فإن قال: قلَّدتُ لأن
(6)
كتاب الله لا علْمَ لي بتأويله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لم أُحصِها، والذي قلَّدتُه قد علم ذلك، فقلَّدتُ من هو أعلم منّي. قيل له: أما العلماء إذا أجمعوا على شيء من تأويل
(7)
الكتاب أو حكايةٍ عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو اجتمع
(8)
رأيهم على شيء فهو الحقُّ
(1)
أصلها: «ذَوُويَ» . جرى فيها ما جرى في «بَنِيَّ» .
(2)
د: «في قلبك يا ابن أخي» .
(3)
«به» ساقطة من ع.
(4)
بعدها في المطبوع: «قوله» . وليست في النسخ و «الجامع» . والضمير في «يَنزل» يرجع إلى «الهذيان» .
(5)
في «الجامع» (2/ 994).
(6)
ت: «فإن» .
(7)
د: «على تأويل شيء من» .
(8)
ت: «أجمع» . والمثبت موافق لما في «الجامع» .
لا شكَّ فيه، ولكن قد اختلفوا فيما قلَّدتَ فيه بعضَهم دون بعض، فما حجَّتُك في تقليد بعضهم دون بعض وكلُّهم عالم؟ ولعلَّ الذي رغِبتَ عن قوله أعلمُ من الذي ذهبتَ إلى مذهبه.
فإن قال: قلّدتُه لأني أعلم أنه على صواب، قيل له: علمتَ ذلك بدليلٍ من كتاب الله أو سنة أو إجماع؟
فإن قال: «نعم» أبطل التقليد، وطولب بما ادّعاه من الدليل.
وإن قال: قلّدتُه لأنه أعلم مني، قيل له: فقلِّدْ كلَّ من هو أعلم منك، فإنك تجد من ذلك خلقًا كثيرًا، ولا تخُصَّ من قلَّدتَه إذ عِلَّتك فيه أنه أعلم منك.
فإن قال: قلَّدتُه لأنه أعلمُ الناس، قيل له: فهو إذًا أعلمُ
(1)
من الصحابة، وكفى بقول مثلِ هذا قبحًا.
فإن قال: أنا أقلِّد بعضَ الصحابة، قيل له: فما حجتك في ترك من لم تقلِّد منهم، ولعل من تركتَ قوله منهم [9/أ] أفضلُ ممن أخذتَ بقوله. على أن القول لا يصحُّ لفضل قائله، وإنما يصح بدلالة الدليل عليه.
وقد ذكر ابن مُزَين
(2)
عن عيسى بن دينار قال: عن [ابن] القاسم عن مالك قال: ليس كلَّما قال رجل قولًا ــ وإن كان له
(3)
فضلٌ ــ يُتَّبَع عليه؛ لقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18].
(1)
«منك فإن
…
أعلم» ساقطة من ع بسبب انتقال النظر.
(2)
كما في «الجامع» (2/ 995). ومنه الزيادة بين المعكوفتين.
(3)
«له» ساقطة من ت.
فإن قال
(1)
: قِصَري وقلَّة علمي يَحمِلني على التقليد، قيل له: أما من قلَّد فيما ينزِل به من أحكام
(2)
شريعته عالمًا يتفق له على علمه فيصدرُ في ذلك عما يُخبِره فمعذورٌ؛ لأنه قد أتى ما
(3)
عليه، وأدَّى ما لزِمه
(4)
فيما نزل به لجهله، ولا بُدَّ له من تقليدِ عالِمه فيما جهله؛ لإجماع المسلمين أن المكفوف يقلِّد من يَثِقُ بخبره في القبلة؛ لأنه لا يقدر على أكثر من ذلك.
ولكن من كانت هذه حالَه هل تجوز له الفتوى في شرائع دين الله، فيحمِلُ غيرَه على إباحة الفروج وإراقة الدماء واسترقاق الرقاب وإزالة الأملاك، ويُصيِّرها إلى غيرِ من
(5)
كانت في يديه بقولٍ لا يَعرِف صحته ولا قام له الدليل عليه، وهو مقِرٌّ أن قائله يخطئ ويصيب، وأنّ مخالفَه في ذلك ربّما كان المصيبَ فيما يخالفه فيه؟ فإن أجاز الفتوى لمن جهِلَ الأصلَ والمعنى لحفظِه الفروعَ لزِمَه أن يجيزه للعامة، وكفى بهذا جهلًا وردًّا للقرآن. قال الله عز وجل:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36]، وقال:{أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28]. وقد أجمع العلماء على أن ما لم يتبيَّن ولم
(6)
يُستيقَن فليس بعلم، وإنما هو ظنّ، والظنّ لا يُغنِي من الحقّ شيئًا.
(1)
الكلام مستمرٌّ نقلًا عن «الجامع» (2/ 995).
(2)
ت: «أحكامه» .
(3)
ع: «بما» .
(4)
ت: «ألزمه» .
(5)
ع: «ما» .
(6)
في هامش ع: «وإن لم» .
ثم ذكر
(1)
حديث ابن عباس: «من أفتى بفُتيا وهو يَعمَى عنها كان إثمُها عليه» موقوفًا
(2)
ومرفوعًا
(3)
.
قال: وثبتَ
(4)
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والظنَّ، فإنّ الظنّ أكذبُ الحديث»
(5)
.
قال
(6)
: ولا خلافَ بين أئمة الأمصار في فساد التقليد، ثم ذكر من طريق ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني أبو عثمان بن سَنَّة
(7)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن العلم بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء»
(8)
.
[9/ب] ومن طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الإسلام بدأ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء» ، قيل له
(9)
: يا
(1)
«الجامع» (2/ 995).
(2)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 862، 992)، ورواه أيضًا الدارمي (162) والبيهقي في «المدخل» (186)، والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (2/ 328).
(3)
مضى تخريجه قريبًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
(4)
في النسخ: «وهب» تحريف، والتصويب من «الجامع» .
(5)
رواه البخاري (5143) ومسلم (2563) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
الكلام مستمر لابن عبد البر في «الجامع» (2/ 996).
(7)
في النسخ: «مسنة» . والتصويب من «الجامع» و «الإصابة» (12/ 501). وأبو عثمان هذا تابعي.
(8)
أخرجه ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 996) بهذا الطريق مرسلًا. وأصل الحديث أخرجه مسلم (145) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9)
«له» ساقطة من ع.
رسول الله، وما الغرباء؟ قال:«الذين يُحيون سنتي ويُعلِّمونها عبادَ الله»
(1)
.
وكان يقال: العلماء غُرباءُ لكثرة الجهّال
(2)
.
ثم ذكر
(3)
عن مالك عن زيد بن أسلم في قوله: {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف: 76] قال: بالعلم.
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، قال: يرفع الله الذين أُوتوا العلمَ من المؤمنين على الذين لم يُؤتَوا العلمَ درجاتٍ
(4)
.
وروى هشام بن سعد عن زيد بن أسلم في قوله: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55] قال: بالعلم
(5)
.
(1)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 997). وكثير متكلم فيه، والحديث صحيح بشواهده دون السؤال والجواب عن الغرباء، انظر:«السلسلة الصحيحة» (1273).
(2)
من كلام ابن المعتز، كما في «زهر الآداب» (2/ 429) و «الوافي بالوفيات» (17/ 241).
(3)
أي ابن عبد البر في «الجامع» (2/ 997)، ورواه ابن أبي حاتم في «التفسير» (4/ 1335)، وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 561) إلى ابن المنذر وأبي الشيخ.
(4)
رواه الدارمي (365) وصححه الحاكم (2/ 481)، رواه البيهقي في «المدخل» من طريقه (341)، وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (8/ 83) إلى سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(5)
رواه ابن عبد البر في «الجامع» (1/ 218) وابن أبي حاتم في «التفسير» (2/ 483) والبيهقي في «المدخل» (344).