الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أريكته، فيحدَّث بحديثي فيقول: بيني وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالًا استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرّمناه، وإنَّ ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرّم الله»
(1)
. قال الترمذي: حديث حسن، وقال البيهقي: إسناده صحيح.
وقال صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رُفَيع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني قد خلَّفتُ فيكم شيئين لن تضِلُّوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يرِدا عليَّ الحوضَ»
(2)
. فلا يجوز التفريق بين ما جمع الله بينهما ويردّ أحدهما بالآخر، بل سكوته عما نطق به، ولا يُمكن أحدًا يطرد ذلك ولا الذين أصَّلوا هذا الأصل، بل قد نقضوه في أكثر من ثلاثمائة موضع، منها ما هو مُجمع عليه ومنها ما هو مختلف فيه.
و
السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون موافقةً له من كل وجه؛ فيكون توارد القرآن والسنة على الحكم الواحد من باب توارد الأدلة وتظافرها.
الثاني: أن تكون بيانًا لما أريد بالقرآن وتفسيرًا له.
(1)
رواه الترمذي وحسنه (2664) وابن ماجه (12) وأحمد (17194) والبيهقي (7/ 76). قال ابن الملقن في «البدر المنير» (1/ 256): «حديث صحيح من غير شك ولا مرية» .
(2)
رواه البزار (8993) والدارقطني (4606) والحاكم (1/ 93) والبيهقي (10/ 114). وصالح بن موسى الطلحي متكلم فيه، وبه أعله الهيثمي في «مجمع الزوائد» (9/ 163).
الثالث: أن تكون موجبةً لحكم سكت القرآن عن إيجابه، أو محرِّمةً لما سكت عن تحريمه.
ولا تخرج عن هذه [67/ب] الأقسام، فلا تُعارِض القرآنَ بوجهٍ ما، فما كان منها زائدًا على القرآن فهو تشريع مبتدأ من النبي صلى الله عليه وسلم، تجب طاعته فيه، ولا تحلُّ معصيته، وليس هذا تقديمًا لها على كتاب الله، بل امتثال لما أمر الله به
(1)
في طاعة رسوله، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُطاع في هذا القسم لم يكن لطاعته معنى، وسقطت طاعته المختصة به، وإنه إذا لم تجب طاعته إلا فيما وافق القرآنَ لا فيما زاد عليه لم يكن له طاعة خاصة تختصُّ به، وقد قال الله تعالى:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80].
وكيف يُمكن أحدًا من أهل العلم أن
(2)
لا يقبل حديثًا زائدًا على كتاب الله؛ فلا يقبل حديث تحريم المرأة على عمتها ولا على خالتها
(3)
، ولا حديث التحريم بالرضاعة لكل ما يحرم من النسب
(4)
، ولا حديث خيار الشرط
(5)
، ولا أحاديث الشفعة
(6)
، ولا حديث الرهن في الحضر
(7)
مع أنه
(1)
«به» ليست في ت، ع.
(2)
«أن» ليست في ت.
(3)
رواه البخاري (5109) ومسلم (1408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
رواه البخاري (2645) ومسلم (1447) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
رواه البخاري (2107) ومسلم (1531) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6)
تقدم تخريجها.
(7)
كحديث عائشة رضي الله عنها وهو مخرج عند البخاري (2068) ومسلم (1603).
زائد على ما في القرآن، ولا حديث ميراث الجدة
(1)
، ولا حديث تخيير الأمة إذا عتقتْ تحت زوجها
(2)
، ولا حديث منع الحائض من الصوم والصلاة
(3)
، ولا حديث وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان
(4)
، ولا أحاديث
(5)
إحداد المتوفَّى عنها زوجُها مع زيادتها على ما في القرآن من العدة
(6)
، فهلّا قلتم: إنها نسخ للقرآن وهو لا ينسخ بالسنة؟ وكيف أوجبتم الوتر مع أنه زيادة محضة على القرآن بخبر مختلف فيه
(7)
؟
وكيف زدتم على كتاب الله فجوَّزتم الوضوء بنبيذ التمر بخبر ضعيف
(8)
؟ وكيف زدتم على كتاب الله فشرطتم في الصداق أن يكون أقله عشرة دراهم بخبر لا يصح البتةَ
(9)
، وهو زيادة محضة على القرآن؟
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
رواه البخاري (456) ومسلم (1504) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
رواه مسلم (335) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
رواه البخاري (1936) ومسلم (1111) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
ت: «حديث» .
(6)
رواه البخاري (1280) ومسلم (1486) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها.
(7)
رواه أحمد (6693)، وفي إسناده حجاج بن أرطاة، وتوبع بالمثنى عند أحمد (6919) وأبي داود الطيالسي (2377)، وتوبع أيضًا بقتادة عند الحارث بن أبي أسامة (226) .. وفي الباب أحاديث أخرى عن عقبة بن عامر، وابن عباس، وأبي بصرة الغفاري رضي الله عنهم، وذكر السيوطي وتبعه الكتاني أن هذا الحديث متواتر. انظر:«نصب الراية» (2/ 108 - 113) و «قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة» (ص 107)، و «نظم المتناثر» (ص 104).
(8)
تقدم تخريجه.
(9)
سيأتي تخريجه.
وقد أخذ الناس بحديث: «لا يرِثُ المسلمُ الكافرَ ولا الكافرُ المسلمَ»
(1)
وهو زائد على القرآن، وأخذوا كلهم بحديث توريثه صلى الله عليه وسلم بنتَ الابن السدسَ مع البنت
(2)
وهو زائد على ما في كتاب الله، [68/أ] وأخذ الناس كلهم بحديث استبراء المَسْبِيّة بحيضة
(3)
، وهو زائد على ما في كتاب الله، وأخذوا بحديث:«من قتل قتيلًا فله سَلَبُه»
(4)
وهو زائد على ما في القرآن من قسمة الغنائم، وأخذوا كلهم بقضائه صلى الله عليه وسلم الزائد على ما في القرآن من
(5)
أن أعيان بني الأبوين
(6)
يتوارثون دون بني العلَّات، الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه
(7)
، ولو تتبعنا هذا لطال جدًّا.
فسُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلُّ في صدورنا وأعظم وأفرضُ علينا أن لا نقبلها إذْ كانت زائدةً على ما في القرآن، بل على الرأس والعينين، ثم على الرأس والعينين. وكذلك فرضٌ على الأمة الأخذُ بحديث القضاء بالشاهد واليمين
(8)
وإن كان زائدًا على ما في القرآن، وقد أخذ به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمهور التابعين والأئمة، والعجب ممن يردُّه لأنه زائد على ما في
(1)
رواه البخاري (6764) ومسلم (1614) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
(2)
رواه البخاري (6736) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه البخاري (3142) ومسلم (1751) من حديث أبي قتادة رضي الله عنه.
(5)
«من» ليست في ت، ع.
(6)
ع: «الأم» . ت: «آدم» .
(7)
رواه الترمذي (2094) وابن ماجه (2739) وأحمد (595)، وفي إسناده الحارث الأعور متكلم فيه.
(8)
تقدم تخريجه.
كتاب الله، ثم يقضي بالنكول ومعاقد القِمْطِ
(1)
ووُجوه الآجُرِّ في الحائط
(2)
، وليست في كتاب الله ولا سنة رسوله. وأخذتم أنتم وجمهور الأمة بحديث:«لا يُقاد الوالدُ بالولد»
(3)
مع ضعفه، وهو زائد على ما في القرآن، وأخذتم أنتم والناس بحديث أخذ الجزية من المجوس
(4)
وهو زائد على ما في القرآن، وأخذتم مع سائر الناس بقطع رِجْل السارق في المرة الثانية
(5)
مع زيادته على ما في القرآن، وأخذتم أنتم والناس بحديث النهي عن الاقتصاص من الجرح قبل الاندمال
(6)
وهو زائد على ما في القرآن، وأخذت الأمة بأحاديث
(7)
الحضانة
(8)
وليست في القرآن، وأخذتم أنتم والجمهور باعتداد المتوفَّى عنها في منزلها
(9)
وهو زائد على القرآن،
(1)
حبل من ليفٍ أو خُوصٍ تُشدُّ به الأخصاص.
(2)
انظر «المبسوط» للسرخسي (17/ 90) و «الفتاوى الهندية» (4/ 99) و «حاشية ابن عابدين» (8/ 55).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
من ذلك ما رواه عبد الرزاق (18763) عن عمرو بن دينار أن نجدة بن عامر كتب إلى ابن عباس: السارق يسرق فتقطع يده، ثم يعود فتقطع يده الأخرى، قال الله تعالى:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، قال:«بلى، ولكن يده ورجله من خلاف» ، قال: قال عمرو: سمعته من عطاء منذ أربعين سنة.
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
ت: «بحديث» .
(8)
رواه البخاري (2699) من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما ..
(9)
رواه أبو داود (2300) والترمذي وصححه (1204) وابن ماجه (2031) وابن حبان (4292) والحاكم (2/ 208)، ونقل تصحيحه عن الذهلي.
وأخذتم مع الناس بأحاديث البلوغ بالسنّ
(1)
والإنبات
(2)
وهي زائدة على ما في القرآن؛ إذ ليس فيه إلا الاحتلام، وأخذتم مع الناس بحديث:[68/ب]«الخراج بالضمان»
(3)
مع ضعفه، وهو زائد على القرآن، وبحديث النهي عن بيع الكالئ بالكالئ
(4)
وهو زائد على ما في القرآن، وأضعاف أضعاف ما ذكرنا، بل أحكام السنة التي ليست في القرآن إن لم تكن أكثر منها لم تنقص عنها؛ فلو ساغَ لنا ردُّ كل سنة كانت زائدة على نص القرآن لبطلت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها إلا سنة دلّ عليها القرآن، وهذا هو الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه
(5)
سيقع
(6)
، ولا بدَّ من وقوع خبره.
فإن قيل: السنن الزائدة على ما دلّ عليه القرآن تارة تكون بيانًا له، وتارة تكون منشئةً
(7)
لحكمٍ لم يتعرض له، وتارة تكون مغيّرةً لحكمه، وليس نزاعنا في القسمين الأولين فإنهما حجة باتفاق، ولكن النزاع في القسم الثالث وهو الذي ترجمته بمسألة الزيادة على النص.
وقد ذهب الشيخ أبو الحسن الكرخي وجماعة كثيرة من أصحاب أبي
(1)
رواه البخاري (2664) ومسلم (1868) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
رواه أبو داود (4404) والنسائي (4981) والترمذي وصححه (1584) وأحمد (18776) وأبو عوانة (6481)، وصححه ابن حبان (4780) والحاكم (2/ 123) من حديث عطية القرظي رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
ت: «أخبر النبي بأنه» .
(6)
كما في حديث المقدام بن معدي كرب الذي تقدم ذكره.
(7)
ع: «مثبتة» .
حنيفة إلى أنها نسخ
(1)
، ومن ههنا جعلوا إيجاب التغريب مع الجلد نسخًا كما لو زاد عشرين سوطًا على الثمانين في حد القذف.
وذهب أبو بكر الرازي
(2)
إلى أن الزيادة إن وردت بعد استقرار حكم النص منفردةً عنه كانت ناسخة، وإن وردت متصلة بالنص قبل استقرار حكمه لم تكن نسخًا، وإن وردت ولا يُعلَم تاريخها فإن وردت من جهة يثبت النص بمثلها فإن شهدت الأصول من عمل السلف أو النظر على ثبوتهما معًا أثبتناهما، وإن شهدت بالنص منفردًا عنها أثبتناه دونها، وإن لم يكن في الأصول دلالةٌ على أحدهما فالواجب أن يُحكم بورودهما معًا، ويكونان بمنزلة الخاص والعام إذا لم يُعلم تاريخهما ولم يكن في الأصول دلالة على وجوب القضاء بأحدهما على الآخر فإنهما يستعملان معًا، وإن كان ورود النص من جهةٍ توجب العلم كالكتاب والخبر المستفيض، وورودُ الزيادة من جهة أخبار الآحاد، لم يجز [69/أ] إلحاقها بالنص ولا العمل بها.
وذهب بعض أصحابنا إلى أن الزيادة إن غيَّرت حكم المزيد عليه تغييرًا شرعيًّا، بحيث إنه لو فعل على حد ما كان يفعل قبلها لم يكن معتدًّا به، بل يجب استئنافه= كان نسخًا، نحو ضمّ ركعة إلى ركعتي الفجر، وإن لم تُغيِّر حكم المزيد عليه بحيث لو فعل على حد ما كان يفعل قبلها كان معتدًّا به ولا يجب استئنافه لم يكن نسخًا. ولم يجعلوا إيجاب التغريب مع الجلد نسخًا
(3)
، وإيجاب عشرين جلدة مع الثمانين نسخًا، وكذلك إيجاب شرط
(1)
انظر: «أصول السرخسي» (2/ 82 - 83).
(2)
هو الجصاص، انظر كتابه «الفصول في الأصول» (2/ 315).
(3)
«نسخًا» ليست في ت، ع.
منفصل عن العبادة لا يكون نسخًا كإيجاب الوضوء بعد فرض الصلاة، ولم يختلفوا أن إيجاب زيادة عبادة على عبادة كإيجاب الزكاة بعد إيجاب الصلاة لا يكون نسخًا، ولم يختلفوا أيضًا أن إيجاب صلاة سادسة على الصلوات الخمس لا يكون نسخًا.
فالكلام معكم في الزيادة المغيِّرة في ثلاث مواضع: في المعنى، والاسم، والحكم:
أما المعنى فإنها تفيد معنى النسخ؛ لأنه الإزالة، والزيادة تزيل حكم الاعتداد بالمزيد عليه وتوجب استئنافه بدونها، وتُخرجه عن كونه جميع الواجب، وتجعله بعضه، وتوجب التأثيم على المقتصر عليه بعد أن لم يكن إثمًا، وهذا معنى النسخ، وعليه ترتب
(1)
الاسم، فإنه تابع للمعنى؛ فإن الكلام في زيادة شرعية مغيِّرة للحكم الشرعي بدليل شرعي متراخي
(2)
عن المزيد عليه، فإن اختلَّ وصفٌ من هذه الأوصاف لم يكن نسخًا، فإن لم تغيِّر حكمًا شرعيًّا بل رفعت حكم البراءة الأصلية لم تكن نسخًا كإيجاب عبادة بعد أخرى، وإن كانت الزيادة مقارنةً
(3)
للمزيد عليه لم تكن نسخًا وإن غيَّرته، بل تكون تقييدًا أو تخصيصًا.
وأما الحكم فإن كان النص المزيد عليه ثابتًا بالكتاب أو السنة المتواترة لم يُقبل خبر الواحد بالزيادة عليه، وإن كان ثابتًا بخبر الواحد قُبلت الزيادة، فإن اتفقت الأمة على قبول خبر الواحد [69/ب] في القسم الأول علمنا أنه
(1)
«وتوجب التأثيم
…
ترتب» ساقطة من ع.
(2)
كذا في النسخ بإثبات الياء.
(3)
ع: «مفارقة» .
ورد مقارنًا للمزيد عليه فيكون تخصيصًا لا نسخًا. قالوا: وإنما لم نقبل خبر الواحد بالزيادة على النص؛ لأن الزيادة لو كانت موجودة معه لنقلها إلينا من نقل النصّ؛ إذ
(1)
غير جائزٍ أن يكون المراد إثباتَ النص معقودًا بالزيادة فيقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على إبلاغ النص منفردًا عنها؛ فواجبٌ إذًا أن يذكرها معه، ولو ذكرها لنقلها إلينا من نقل النص.
فإن كان النص مذكورًا في القرآن والزيادة واردة من جهة السنة فغير جائزٍ أن يقتصر النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة الحكم المنزل في القرآن دون أن يُعقبها بذكر الزيادة؛ لأن حصول الفراغ من النص الذي يمكننا استعماله بنفسه يلزمنا اعتقاد مقتضاه من حكمه، كقوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، فإن كان الحد هو الجلد والتغريب فغير جائز أن يتلو النبي صلى الله عليه وسلم الآية على الناس عاريةً من ذِكر النفي عقبَها؛ لأن سكوته عن ذكر الزيادة معها يلزمنا اعتقاد موجبها وأن الجلد هو كمال الحد؛ فلو كان معه تغريبٌ لكان بعضَ الحدّ لا كماله، فإذا أخلى التلاوة من ذكر النفي عقبَها
(2)
فقد أراد منا اعتقاد أن الجلد المذكور في الآية هو تمام الحدّ وكماله؛ فغير جائزٍ إلحاقُ الزيادة معه إلا على وجه النسخ، ولهذا كان قوله:«واغْدُ يا أُنيس على امرأةِ هذا، فإن اعترفتْ فارجُمْها»
(3)
ناسخًا لحديث عبادة بن الصامت:
(1)
ت، ع:«أو» .
(2)
«عقبها» ليست في ت.
(3)
رواه البخاري (2314) ومسلم (1697) من حديث زيد بن خالد وأبي هريرة رضي الله عنهما.
«الثيب بالثيب جلْدُ مائةٍ والرجمُ»
(1)
، وكذلك لما رجم ماعزًا ولم يجلِدْه
(2)
، كذلك يجب أن يكون قوله:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ناسخًا لحكم التغريب في قوله: «البكر بالبكر جلدُ مائةٍ وتغريب عام»
(3)
.
والمقصود أن هذه الزيادة لو كانت ثابتة مع النص لذكرها النبي صلى الله عليه وسلم عقيب التلاوة، ولنقلها إلينا [70/أ] من نقل المزيد عليه؛ إذ غير جائزٍ عليهم أن يعلموا أن الحد مجموع الأمرين وينقلوا بعضه دون بعض، وقد سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر الأمرين، فامتنع حينئذٍ العملُ بالزيادة إلا من الجهة التي ورد منها الأصل. فإذا وردت من جهة الآحاد فإن كانت قبل النص فقد نسخها النص المطلق عاريًا من ذكرها، وإن كانت
(4)
بعده فهذا يوجب نسخ الآية بخبر الواحد وهو ممتنع، فإن كان المزيد عليه ثابتًا بخبر الواحد جاز إلحاق الزيادة بخبر الواحد على الوجه الذي يجوز نسخه به، فإن كانت واردة مع النص في خطاب واحد لم تكن نسخًا وكانت بيانًا.
فالجواب
(5)
من وجوه:
أحدها: أنكم أول من نقض هذا الأصل الذي أصَّلتموه، فإنكم قبلتم
(1)
رواه مسلم (1690).
(2)
رواه مسلم (1695) من حديث بريدة رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه في حديث عبادة رضي الله عنه.
(4)
د: «كان» .
(5)
جواب «فإن قيل» قبل خمس صفحات، شرح فيها قول الحنفية في مسألة الزيادة على النص. ومن هنا بدأ المؤلف نقضه.
خبر الوضوء بنبيذ التمر
(1)
وهو زائد على ما في كتاب الله مغيِّر لحكمه؛ فإن الله سبحانه جعل حكم عادم الماء التيمم، والخبر يقتضي أن يكون حكمه الوضوء بالنبيذ؛ فهذه الزيادة بهذا الخبر الذي لا يثبت رافعةٌ
(2)
لحكم شرعي غير مقارنةٍ له ولا مقاومة له بوجه.
وقبلتم خبر الأمر بالوتر
(3)
مع رفعه لحكم شرعي، وهو اعتقاد كون الصلوات الخمس هي جميع الواجب، ورفع التأثيم بالاقتصار عليها، وإجزاء الإتيان
(4)
في التعبد بفريضة الصلاة، والذي قال هذه الزيادة هو الذي قال سائر الأحاديث الزائدة على ما في القرآن، والذي نقلها إلينا هو الذي نقل تلك بعينه أو أوثق منه أو نظيره، والذي فرض علينا طاعة رسوله وقبول قوله في تلك الزيادة هو الذي فرض علينا طاعته وقبول قوله في هذه، والذي قال لنا:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، هو الذي شرع هذه الزيادة على لسانه.
والله سبحانه ولَّاه منصبَ التشريع عنه ابتداء، كما ولّاه منصبَ البيان لما أراه بكلامه، بل كلامه كله بيان عن الله، والزيادة بجميع وجوهها لا تخرج عن البيان [70/ب] بوجه من الوجوه، بل كان السلف الصالح
(5)
الطيب إذا سمعوا الحديث عنه وجدوا تصديقه في القرآن، ولم يقل أحد منهم قطُّ في
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
ع: «رفعه» .
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
ت، ع:«الإتيان بها» .
(5)
«الصالح» ليست في ت، ع.
حديثٍ واحد أبدًا: إن هذا زيادة على القرآن فلا نقبله ولا نسمعه ولا نعمل به، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أجلُّ في صدورهم، وسنتُه أعظم عندهم من ذلك وأكبر.
ولا فرقَ أصلًا بين مجيء السنة بعدد الطواف وعدد ركعات الصلاة ومجيئها بفرض الطمأنينة وتعيين الفاتحة والنية؛ فإن الجميع بيان لمراد الله أنه أوجب هذه العبادات على عباده على هذا الوجه، فهذا الوجه هو المراد، فجاءت السنة بيانًا للمراد في جميع وجوهها، حتى في التشريع المبتدأ، فإنها بيان لمراد الله من عموم الأمر بطاعته وطاعة رسوله، فلا فرقَ بين بيان هذا المراد وبين بيان المراد من الصلاة والزكاة والحج والطواف وغيرها، بل هذا بيان المراد من شيء وذاك بيان المراد من أعمَّ منه؛ فالتغريب بيان محضٌ للمراد من قوله:{أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15]، وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بأن التغريب بيان لهذا السبيل المذكور في القرآن، فكيف يجوز ردُّه بأنه مخالف للقرآن معارض له؟ ويقال: لو قبلناه لأبطلنا به حكم القرآن؟ وهل هذا إلا قلبٌ للحقائق؟ فإن حكم القرآن العام والخاص يوجب علينا قبوله فرضًا لا يسَعُنا مخالفته؛ فلو خالفناه لخالفنا القرآن ولخرجنا عن حكمه ولا بدَّ، ولكان في ذلك مخالفة للقرآن
(1)
والحديث معًا.
يوضّحه الوجه
(2)
الثاني: أن الله سبحانه نصب رسوله منصب المبلِّغ المبيِّن عنه، فكلُّ ما شرعه للأمة فهو بيان منه عن الله أن هذا شرعه ودينه، ولا فرقَ بين ما يبلِّغه عنه من كلامه المتلو ومن وحيه الذي هو نظير كلامه [71/أ] في وجوب الاتباع، ومخالفةُ هذا كمخالفة هذا.
(1)
ت، ع:«القرآن» .
(2)
«الوجه» ليست في ع.
يوضّحه الوجه الثالث: أن الله سبحانه أمرنا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحجّ البيت وصوم رمضان، وجاء البيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقادير ذلك وصفاته وشروطه؛ فوجب على الأمة قبولُه، إذ هو تفصيل لما أمر الله به، كما يجب عليها قبول الأصل المُفصَّل، وهكذا أمر الله
(1)
سبحانه بطاعته وطاعة رسوله؛ فإذا أمر الرسول بأمرٍ كان تفصيلًا وبيانًا للطاعة المأمور بها، وكان فرضُ قبولِه كفرض قبول الأصل المُفصَّل، ولا فرق بينهما.
يوضّحه الوجه الرابع: أن البيان من النبي صلى الله عليه وسلم أقسام:
أحدها: بيان نفس الوحي بظهوره على لسانه بعد أن كان خفيًّا.
الثاني: بيان معناه وتفسيره لمن احتاج إلى ذلك، كما بيَّن أن الظلم المذكور في قوله:{وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] هو الشرك
(2)
، وأن الحساب اليسير هو العرض
(3)
، وأن الخيط الأبيض والأسود هما بياض النهار وسواد الليل
(4)
، وأن الذي رآه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى هو جبريل
(5)
، وكما فسَّر قوله:{أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام: 158] أنه طلوع الشمس من مغربها
(6)
، وكما فسر قوله: {مَثَلًا
(7)
كَلِمَةً طَيِّبَةً
(1)
لفظ الجلالة ليس في ت، ع.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
رواه البخاري (103) ومسلم (2876) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
رواه مسلم (175) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
رواه البخاري (4635) ومسلم (157) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
في النسخ: «ومثل» سهوًا.
كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} [إبراهيم: 24] بأنها
(1)
النخلة
(2)
، وكما فسَّر قوله:{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] أن ذلك في القبر حين يُسأل مَن ربك وما دينك
(3)
، وكما فسَّر الرعد بأنه مَلَك من الملائكة موكَّل بالسحاب
(4)
،
وكما فسَّر اتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابًا، وذلك استحلال ما أحلُّوه لهم من الحرام وتحريم ما حرَّموه عليهم من الحلال
(5)
، وكما فسَّر القوة التي أمر الله أن نُعِدَّها لأعدائه بالرمي
(6)
، وكما فسَّر قوله:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] بأنه ما يُجزى به
(7)
العبد في الدنيا من النَّصَب والهمّ والخوف واللأواء
(8)
،
(1)
ت: «أنها» .
(2)
رواه الترمذي (3119)، وصححه ابن حبان (475) والحاكم (2/ 352) والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (2207) من حديث أنس رضي الله عنه، وقد اختلف في رفعه ووقفه، ورجح الوقف على الرفع الترمذي (3119) والضياء المقدسي (2207).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
رواه الترمذي وحسنه (3117) وأحمد (2483) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، والحديث في إسناده بكير بن شهاب ذكره ابن حبان في «الثقات» (6/ 106). وتفسير الرعد بالملك الموكل بالسحاب ثابت. انظر:«مسند أحمد» ط الرسالة (4/ 285) ..
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
رواه مسلم (1917) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(7)
«به» ليست في ع.
(8)
تقدم تخريجه.
وكما فسَّر الزيادة بأنها النظر إلى [71/ب] وجه الله
(1)
، وكما فسَّر الدعاء في
(2)
قوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] بأنه العبادة
(3)
، وكما فسَّر أدبار النجوم بأنه الركعتان قبل الفجر، وأدبار السجود بالركعتين بعد المغرب
(4)
، ونظائر ذلك.
الثالث: بيانه بالفعل، كما بيَّن أوقات الصلاة للسائل بفعله
(5)
.
الرابع: بيان ما سئل عنه من الأحكام التي ليست في القرآن فنزل القرآن ببيانها، كما سئل عن قَذْف الزوجة
(6)
فجاء القرآن باللعان ونظائره.
الخامس: بيان ما سئل عنه بالوحي وإن لم يكن قرآنًا، كما سئل عن رجل أحرم في جُبَّةٍ بعدما تضمَّخَ بالخَلوق، فجاء الوحي بأن ينزع عنه الجبَّة ويغسل أثر الخَلوق
(7)
.
السادس: بيانه للأحكام بالسنة ابتداءً من غير سؤال، كما حرَّم عليهم
(1)
رواه مسلم (181) من حديث صهيب رضي الله عنه.
(2)
«الدعاء في» ليست في ع.
(3)
رواه أبو داود (1479) والترمذي وصححه (2969) وابن ماجه (3828) وأحمد (18352)، وصححه ابن حبان (890) والحاكم (1/ 490) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
(4)
رواه الترمذي (3275)، وفي إسناده رشدين بن كريب متكلم فيه، والحديث ضعفه الترمذي بقوله:«حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه» .
(5)
رواه مسلم (613) من حديث بريدة رضي الله عنه.
(6)
تقدم تخريجه.
(7)
رواه البخاري (1536) ومسلم (1180) من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه.
لحوم الحمر والمتعة
(1)
وصيد المدينة
(2)
ونكاح المرأة على عمتها وخالتها
(3)
وأمثال ذلك.
السابع: بيانه للأمة جواز الشيء بفعله هو له وعدم نَهْيهم عن التأسِّي به.
الثامن: بيانه جوازَ الشيء بإقراره لهم على فعله وهو يشاهده أو
(4)
يعلمهم يفعلونه.
التاسع: بيانه إباحة الشيء عفوًا بالسكوت عن تحريمه وإن لم يأذن فيه نطقًا.
العاشر: أن يحكم القرآن بإيجاب شيء أو تحريمه أو إباحته، ويكون لذلك الحكم شروط وموانع وقيود وأوقات مخصوصة وأحوال وأوصاف، فيُحِيل الرب سبحانه وتعالى على رسوله في بيانها، كقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، فالحِلُّ موقوف على شروط النكاح وانتفاء موانعه وحضور وقته وأهلية المحلّ، فإذا جاءت السنة ببيان ذلك كلِّه لم يكن الشيء منه زائدًا على النص فيكون نسخًا له، وإن كان رفعًا لظاهر إطلاقه.
فهكذا كل حكمٍ منه صلى الله عليه وسلم زائد على القرآن، هذا سبيله سواء بسواء، وقد قال تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]،
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
رواه مسلم (1362) من حديث جابر رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
ع: «و» .
ثم جاءت السنة بأن القاتل والكافر
(1)
والرقيق
(2)
لا يرِث، [72/أ] ولم يكن نسخًا للقرآن مع أنه زائد عليه قطعًا، أعني في موجبات الميراث؛ فإن القرآن أوجبه بالولادة وحدها، فزادت السنة مع وصف الولادة اتحاد الدين وعدم الرقّ والقتل، فهلَّا قلتم: إن هذا زيادة على النص فيكون نسخًا والقرآن لا ينسخ بالسنة؟ كما قلتم ذلك في كل موضع تركتم فيه الحديث؛ لأنه زائد على القرآن.
الوجه الخامس: أن تسميتكم للزيادة المذكورة نسخًا لا تُوجِب بل لا تُجوِّز مخالفتَها، فإن تسمية ذلك نسخًا اصطلاح منكم، والأسماء المتواضَع عليها التابعة للاصطلاح لا توجب رفع أحكام النصوص، فأين سمى الله أو رسوله ذلك نسخًا؟ وأين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم حديثي زائدًا على ما في كتاب الله فردُّوه ولا تقبلوه فإنه يكون نسخًا لكتاب الله؟ وأين قال الله: إذا قال رسولي قولًا زائدًا على القرآن فلا تقبلوه ولا تعملوا به ورُدُّوه؟ وكيف يَسُوغ ردُّ سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقواعد قعَّدتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان؟
الوجه السادس: أن يقال: ما تَعْنُون بالنسخ الذي تضمَّنته الزيادة بزعمكم؟ أتعنون أن حكم المزيد عليه من الإيجاب والتحريم والإباحة بطل بالكلية، أم تعنون به تغيُّرَ وصفه بزيادة شيء عليه من شرط أو قيد أو حال أو مانع أو ما هو أعمُّ من ذلك؟ فإن عنيتم الأول فلا ريبَ أن الزيادة لم تتضمن ذلك فلا تكون ناسخة، وإن عنيتم الثاني فهو حق، ولكن لا يلزم منها بطلان
(1)
تقدم تخريجهما.
(2)
رواه البخاري (2379) ومسلم (1543) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
حكم المزيد عليه ولا رفعه ولا معارضته، بل غايتها مع المزيد عليه
(1)
كالشروط والموانع والقيود والمخصصات، وشيء من ذلك لا يكون نسخًا يوجب إبطال الأول ورفعه رأسًا، وإن كان نسخًا بالمعنى العام الذي يسمِّيه السلف نسخًا، وهو رفع الظاهر بتخصيص أو تقييد
(2)
أو شرط [72/ب] أو مانع؛ فهذا كثير من السلف يسميه نسخًا، حتى سمَّى الاستثناء نسخًا. فإن أردتم هذا المعنى فلا مُشاحَّةَ في الاسم
(3)
، ولكن ذلك لا يُسوِّغ ردَّ السنن الناسخة للقرآن بهذا المعنى، ولا ينكر أحد نسخ القرآن بالسنة بهذا المعنى، بل هو متفق عليه بين الناس، وإنما تنازعوا في جواز نسخه بالسنة النسخَ الخاص الذي هو رفع أصل
(4)
الحكم وجملته، بحيث يبقى بمنزلة ما لم يُشرَع البتةَ. وإن أردتم بالنسخ ما هو أعمُّ من القسمين ــ وهو رفع الحكم بجملته تارةً وتقييد مطلقه وتخصيص عامه وزيادة شرط
(5)
أو مانع تارة ــ كنتم قد أدرجتم في كلامكم قسمين مقبولًا ومردودًا كما تبين؛ فليس الشأن في الألفاظ فسَمُّوا الزيادة ما شئتم
(6)
، فإبطالُ السنن بهذا الاسم مما لا سبيل إليه.
يوضِّحه الوجه السابع: أن الزيادة لو كانت ناسخةً لما جاز اقترانها
(1)
«عليه» ليست في ع.
(2)
ت: «بتقييد أو تخصيص» .
(3)
«في الاسم» ليست في ع.
(4)
«أصل» ساقطة من ع.
(5)
ع: «شرطة» .
(6)
«ما شئتم» ساقطة من ع.
بالمزيد؛ لأن الناسخ لا يقارن المنسوخ، وقد جوّزتم اقترانها به
(1)
، وقلتم: تكون بيانًا أو تخصيصًا، فهلّا كان حكمها مع التأخر كذلك، والبيان لا يجب اقترانه بالمبين، بل يجوز تأخيره إلى وقت حضور العمل؟ وما ذكرتموه من إيهام اعتقاد خلاف الحق فهو منتقضٌ بجواز بل وجوب تأخير الناسخ وعدم وجوب الإشعار بأنه سينسخه، ولا محذور في اعتقاد موجب النص ما لم يأتِ ما يرفعه أو يرفع ظاهره؛ فحينئذٍ يعتقد موجبه لذلك، فكان كل من الاعتقادين في وقته هو المأمور به؛ إذ لا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها.
يوضّحه الوجه الثامن: أن المكلَّف إنما يعتقده على إطلاقه وعمومه مقيَّدًا بعدم ورود ما يرفع ظاهره، كما يعتقد المنسوخ مؤبَّدًا اعتقادًا مقيَّدًا بعدم ورود ما يُبطله، وهذا هو الواجب عليه الذي لا يمكنه سواه.
[73/أ] الوجه التاسع: أن إيجاب الشرط الملحق بالعبادة بعدها لا يكون نسخًا وإن تضمَّن رفع الإجزاء بدونه، كما صرَّح بذلك بعض أصحابكم وهو الحق؛ فكذلك إيجاب كل زيادة، بل أولى أن لا تكون نسخًا؛ فإن إيجاب الشرط يرفع إجزاء المشروط عن نفسه وعن غيره، وإيجاب الزيادة إنما يرفع إجزاء المزيد عن نفسه خاصة.
الوجه العاشر: أن الناس متفقون على أن إيجاب عبادة مستقلة بعد الثانية لا يكون نسخًا، وذلك أن الأحكام لم تُشرع جملةً واحدة، وإنما شرعها أحكم الحاكمين شيئًا بعد شيء، وكل منها زائد على ما قبله، وكان ما قبله جميعَ الواجب، والإثم محطوط عمّن اقتصر عليه، وبالزيادة تغيَّر هذان
(1)
«به» ليست في ت.