الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[صلى الله عليه وسلم] ، [صلى الله عليه وسلم] وعَلى آله وَصَحبه وَسلم. اللَّهُمَّ صلِّ وَسلم عَلَيْهِ.
ذِكرُ أَخلاقِه [صلى الله عليه وسلم]
كَانَ على خُلُقٍ عَظِيم، كَمَا وَصفه رَبّه - تَعَالَى - وَقَالَت عائشةُ رضي الله عنها: كَانَ خُلقُه الْقُرْآن، يَغضب لغضبه، ويرضى لرضاه. وَكَانَ أحلمَ النَّاس، قيل لَهُ: يَا رسولَ اللهِ أَلا تَدْعُو على الْمُشْركين؟ قَالَ: " إنَّما بُعثتُ رَحْمَة، وَلم أُبعثْ عَذاباً " وَكَانَ أشجعَ النَّاس. قَالَ عليٌّ: كُنَّا إِذا حميَ البأسُ، وَلَقي القومَ الْقَوْم اتقينا برَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] . وَكَانَ أعدلَ النَّاس، القريبُ والبعيدُ والضعيفُ والقويُّ عِنْده فِي الحقّ سواءٌ.
وَكَانَ / 19 ظ. أعفَّ النَّاس، وأسخى النَّاس، لَا يُسأل شَيْئا إلاّ أعطَاهُ، لَا يَبيتُ عِنْده دينارٌ وَلَا دِرهمٌ، فإنْ فَضَلَ، وَلم يَجد مَنْ يُعطيه وفجأَه الليلُ، لم يأوِ إِلَى منزله حَتَّى يتبرَّأ مِنْهُ إِلَى مَنْ يحتاجُ إِلَيْهِ. لَا يَأْخُذ مِمَّا أعطَاهُ الله إِلَّا قُوتَ عامهِ فَقَط، فيُؤثرُ مِنْهُ.
وَكَانَ أشدَّ حَيَاء من العَذْراء فِي خِدْرها، لَا يُثْبتُ بَصَرَه فِي وَجه أحدٍ، وَكَانَ أَكثر النَّاس تواضعاً، يَخْصِفُ النَّعْل، ويَرْقَع الثوبَ، ويفلِّيه ويخيطه، ويَخْدُم فِي مِهْنة أَهله، وَيقطع اللحمَ معهنَّ، ويجُيب دعوةَ الحرِّ وَالْعَبْد، ويَقْبل الْهَدَايَا وإنْ قلَّت، ويُكافِئُ عَليها ويأكلها، وَلَا يَأكل الصَدَقة، تَستتبعهُ الأَمَةُ والمسكينُ، فيتبعهما حيثُ دَعواه، ويُحبُّ الفقراءَ والمساكينَ، ويُجالسهم ويؤاكلهم.
وَكَانَ أصدقَ النَّاس لهجةً، وأوفاهم ذِمّةً، وألينَهم عَريكةً، وأكرمَهم عِشْرةَ، خافضَ الطَرْف، نَظَرُه إِلَى الأَرْض أطولُ مِن نَظره إِلَى السَّمَاء. جُلُّ نظرهِ الملاحظة. وَكَانَ أرحمَ الناسِ، يُصغي الإِناءَ للهِرَّة فَمَا يرفعهُ حَتَّى تروى رَحْمَة لَهَا.
وَكَانَ أشدّ النَّاس إِكْرَاما لأَصْحَابه، لَا يَمدُّ رِجلَيه بَينهم، ويوسّع عَلَيْهِم إِذا ضَاقَ الْمجْلس، ويتفقّدهم، ويسألُ عَنْهُم. مَنْ مرضَ عادَه، ومَنْ غَابَ دَعَا لَهُ، ومَنْ مَاتَ اسْترْجع وأتبع ذَلِك بِالدُّعَاءِ لَهُ، ومَنْ كَانَ يتخوَّف أنْ يكونَ وَجدَ فِي نَفسه شَيْئا انْطلق حَتَّى يَأْتِيهِ فِي منزله، وَيخرج إِلَى بساتين أَصْحَابه، وَيَأْكُل ضيافتهم، وَلَا يطوي بِشْرَه عَن أحدٍ، وَلَا يَدعُ أحدا يمشي خَلفه، وَيَقُول: خلّوا ظَهْري للْمَلَائكَة. وَلَا يَدعُ أحدا يمشي وَهُوَ راكبٌ حَتَّى يحملهُ، فَإِن أَبى قَالَ: تقدّمني إِلَى الْمَكَان الَّذِي تُرِيدُ. يخدمُ مَنْ خدَمَه. مَا ضرب خادمَه وَلَا امْرَأَة وَلَا شَيْئا قطُّ، إِلَّا أَن يُجَاهد فِي سَبِيل الله.
قَالَ أنس: خَدمتُه / 20 وعَشْرَ سنينَ، فَمَا قَالَ لي: أُفٍّ. قطُّ، وَلَا قَالَ
لشَيْء فعلتُه: لِمَ فعلتَ كَذَا؟ وَلَا لشيءٍ لم أَفعلهُ: أَلا فعلتَ كَذَا. وَكَانَ يعودُ المرضى، وَيشْهد الْجَنَائِز. وَكَانَ أَسْكَتَ النَّاس فِي غير كِبْرٍ، وأبلَغهم فِي غير تطويلٍ. وَكَانَ أَكثر النَّاس تَبسُّماً، وَأَحْسَنهمْ بِشْراً. لَا يهولُه شيءٌ من أمورِ الدُّنْيَا. ويَلبس مَا وَجَد من المُباحٍ. يُرْدِف خلفَه عبدَه أَو غيرَه. يركب مَا أمكن، فمرّةً فَرَسَاً، ومرّةً بَعيراً، ومرّةً بغلة، ومرّةً حمارا، يمسحُ وَجه فَرسِه بطَرَفِ كُمِّه أَو بطَرَف ردائِه. يحبُّ الطِّيبَ، وَيكرهُ الريحَ الرديَّة. ويُكرم أهلَ الْفضل فِي أَخْلَاقهم، ويستألِفُ أهل الشّرف بالبِرِّ لَهُم.
يصِل ذَوي رَحمِه، وَلَا يجفو على أحدٍ. يَقبل معذرةَ المُعتذِر. يمزحُ وَلَا يَقُول إِلَّا حقّاً. جُلُّ ضحكِه التبسُّم. يرى اللعَب المباحَ فَلَا يُنكره، ويسابقُ أهلَه. لَا يَمضي لَهُ وقتٌ فِي غير عملٍ لله تَعَالَى، أَو فِيمَا لَا بدَّ مِنْهُ من صَلاح نفسِه. يَبدأ مَنْ لَقيه بِالسَّلَامِ، لَا يجلسُ وَلَا يقوم إِلَّا على ذِكْرٍ، وَإِذا انْتهى إِلَى قومٍ جَلسَ حيثُ يَنْتَهِي بِهِ المجلسُ، ويأمرُ بذلك، ويُعطي كلَّ جُلَسَائِهِ نصيبَه لَا يَحسبُ جليسُه أحدا أكرمَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَإِذا جلسَ إِلَيْهِ أحدُهم لم يَقمْ [صلى الله عليه وسلم] حَتَّى يقوم الَّذِي جلسَ إِلَيْهِ إِلَّا أنْ يَتعجَّلَه أمرٌ فيستأذنه، وَلَا يقابلُ أحدا بِمَا يكره.
لَيْسَ بفاحشٍ وَلَا مفحشٍ، وَلَا يَجْزِي بالسيّئة السيّئة، ولكنْ يعْفُو ويصفح، وَلَا يَحْقِرُ فَقِيرا لِفَقره، وَلَا يَهابُ مَلِكاً لمُلكه. يُعظِّم النعمَة، وإنْ قَلَّت. لَا يَذمُّ مِنْهَا شَيْئا. مَا عابَ طَعَاما قطُّ، إنْ اشتهاه أَكله، وإلاّ تَركَه.
وَكَانَ يحفظُ جارَه، ويُكرمُ ضيفَه. وَمَا خُيِّر بَين أَمريْن إِلَّا اخْتَار أَيسرهما مَا لم يكن إِثْمًا أَو قَطيعَة رَحِمٍ، فَيكون أبعدَ النَّاس مِنْهُ.
وَكَانَ أكثرُ جلوسِه مُسْتَقْبل / 20 ظ. القِبلةِ. وَكَانَ يُكثُر الذكِرَ، يستغفُر فِي
الْمجْلس الْوَاحِد مائَةَ مرّةٍ. كَانَ يُسمَع لصدرِه أزيزٌ كأزيز المِرْجَل من الْبكاء، وآتاه اللهُ مفاتيحَ خَزَائِن الأَرْض فَلم يقبلهَا وَاخْتَارَ الْآخِرَة.
وَكَانَ يَعصِب الحَجر على بَطْنه من الْجُوع، ويَبيتُ هُوَ وأهلُه اللياليَ طاوينَ، وَلم يشْبع من خُبز بُرٍّ ثَلَاثًا تِباعاً حَتَّى لقيَ الله عز وجل إيثاراً على نفسِه، لَا فَقْراً، وَلَا بُخلاً.
وَكَانَ يَأْتِي على آله الشهرُ والشهران لَا يُوقَد فِي بيتٍ من بيوتهِ نارٌ، وَكَانَ لَا يَأْكُل متَّكئاً، وَلَا على مائدةٍ. وفراشُه من أَدمٍ حَشوه لِيفٌ، وَكَانَت مُعَاتَبَته تَعريضاً، ويَأمر بالرِفق وَينْهى عَن العُنْف، ويحثُّ على العفوِ والصفحِ ومكارمِ الْأَخْلَاق. مَجلسُه مجلسُ عِلم وحَياءٍ وعَفافٍ وأمانةٍ وصيانةٍ وصبرٍ وسكينةٍ، لَا يُرفع فِيهِ الْأَصْوَات، وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الحُرَمُ، أَي لَا تذكر فِيهِ النِّسَاء. يتعاطفون فِيهِ بالتقوى، ويتواضَعون، ويُوقَّرُ الكبارُ، ويُرحَم الصغارُ، ويؤثرون المحتاجَ، ويحفَظون الغريبَ، وَيخرجُونَ أَدلَّةً على الْخَيْر.
وَقد جمع الله لَهُ [صلى الله عليه وسلم] كمالَ الْأَخْلَاق ومحاسنَ الشِيمَ والسياسة التامّة، وآتاه عِلمَ الأوَّلين والآخِرين، وَمَا فِيهِ النجاةُ والفوزُ فِي الْآخِرَة، والغِبطةُ والخَلاصُ فِي الدُّنْيَا. وَهُوَ أُمّيٌ لَا يقرأُ وَلَا يَكتبُ، وَلَا مُعلِّمَ لَهُ من البَشرِ وَاخْتَارَهُ على جَمِيع الْعَالمين.