المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أرضعه وحضنه [صلى الله عليه وسلم] - المختصر الكبير في سيرة الرسول

[العز ابن جماعة]

فهرس الكتاب

- ‌وَبِه نستعين

- ‌نَسَبُ رسولِ الله [صلى الله عليه وسلم] وأَسماؤُه

- ‌أمّ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم]

- ‌مَولِدُ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم]

- ‌مَنْ أَرضَعَه وحَضَنه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌خُرُوج النبيّ [صلى الله عليه وسلم] إِلَى الشَّام ثمَّ شهودُه بُنْيَانَ الْكَعْبَة

- ‌مَبعثُ النبيّ [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكُر الهجرتين إِلَى الحَبشة

- ‌حصر قُرَيْش رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فِي الشِعّب

- ‌موت أبي طَالب وَخَدِيجَة ثمَّ خُرُوج النبيّ [صلى الله عليه وسلم] إِلَى الطَّائِف ثمَّ رُجُوعه إِلَى مَكَّة

- ‌الْإِسْرَاء والمعراج

- ‌بدءُ إِسْلَام الْأَنْصَار

- ‌هِجرةُ الْمُسلمين ثمَّ هِجرةُ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] إِلَى الْمَدِينَة

- ‌ذكرُ غَزْوَاتِه [صلى الله عليه وسلم] فِي هَذِه المدَّة وَبَعض الْحَوَادِث

- ‌ذِكْرُ صِفتهِ [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكرُ أَخلاقِه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكرُ مُعجزاته [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكرُ أَوْلَاده [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكر أعمامِه وعمّاتِه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذكرُ زوجاتِه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكر سَرارية [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذكرُ خَدَمِه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذكر مَوالِيه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكر كُتَّابِه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكرُ مؤذِّنيه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكر أُمرائه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصْل:

- ‌ذكرُ سِلاحِه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكرُ ملابسِه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌فصل:

- ‌ذكرُ دَوابِّه [صلى الله عليه وسلم]

- ‌ذِكرُ وفاتِه [صلى الله عليه وسلم]

الفصل: ‌من أرضعه وحضنه [صلى الله عليه وسلم]

مُحَمَّدًا. وَرُوِيَ أنَّ جِبْرِيل عليه السلام خَتنه حِين طهَّر قلبَه [صلى الله عليه وسلم] وَكَانَ إِبْلِيس يخرق السَّمَوَات السبعَ، فَلَمَّا وُلد عِيسَى [صلى الله عليه وسلم] حُجب من ثَلَاث سموات، وَكَانَ يصل إِلَى أَربَعٍ، فَلَمَّا وُلدَ مُحَمَّد [صلى الله عليه وسلم] حُجب من السَّبع، ورُميت الشَّيَاطِين بالشُّهب الثواقب. وَرُوِيَ أنّ إِبْلِيس رنَّ أربعَ رنّات، رنَّةً حِين لُعنَ، ورنّةً حِين أُهبط، ورنّةً حِين ولُد رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ورنّةً حِين نزلت فَاتِحَة الْكتاب.

‌مَنْ أَرضَعَه وحَضَنه [صلى الله عليه وسلم]

لمّا ولَدتْه [صلى الله عليه وسلم] أُمُّه أرضَعته سَبْعَة أَيَّام، ثمَّ أَرضعته ثُوَيْبَةُ الأَسلمية مولاة أبي لَهَبٍ أيّاماً، وأرضعت مَعَه أَبَا سَلمة عبد الله بن عبد الأَسَد المخزوميّ بلَبن ابْنهَا مَسْرُوح، وَهِي أمُّ عمِّه حمزةَ من الرَضَاعة.

وَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يَصِلُها وَهِي بِمَكَّة. وَكَانَت خديجةُ تُكرمها، وَقيل: إِنَّهَا سَأَلت أَبَا لَهَبٍ فِي أنْ تبتاعها مِنْهُ لتِعتقِها فَلم يفعل، فلمّا هَاجر رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] إِلَى الْمَدِينَة أَعتقها أَبُو لَهَبٍ وَقيل: أعْتقهَا أَبُو لَهَبٍ حِين بشَّرتْه بِوِلَادَة رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَكَانَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يبْعَث إِلَيْهَا من الْمَدِينَة بصِلةٍ وكِسوةٍ، حَتّى جَاءَهُ خبرُها أَنَّهَا قد توفيت مَرجِعَه من خيبَر، فَقَالَ: مَا فعل ابنُها مَسْروح؟ فَقيل: مَاتَ

ص: 23

قبلهَا. وَلم يبقَ من قرابتها أَحدٌ. واختُلف فِي إسْلَامهَا، وَرَأى أَبَا لَهَب بعضُ أهلهِ فِي النّوم / 3 ظ. بِشَرِّ حَيْبَةٍ، فَقَالَ: مَاذَا لقيتَ؟ قَالَ أَبُو لَهَب: لم نَذقْ بَعدَكم رخاءً، غير أَنِّي سُقيتُ فِي هَذِه بعتاقتي ثُويبة. وَأَشَارَ إِلَى النُقرة الَّتِي بَين الإِبهام وَالَّتِي تَلِيهَا من الْأَصَابِع.

ثمَّ أَرضعته [صلى الله عليه وسلم] أُمُّ كَبشةَ، حليمةُ بنت أبي ذُؤَيْب عبد الله بن الْحَارِث السَّعْديّة، فَروِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: لما وضعتهُ فِي حِجْري أقبل عَلَيْهِ ثَديايَ بِمَا شَاءَ من اللَّبن، فَشرب حَتَّى رُوِيَ، وَشرب مَعَه أَخُوهُ حَتَّى رُوِيَ، وناما، وَمَا كَانَ أَخُوهُ ينَام قبل ذَلِك، وَمَا كَانَ فِي ثَدييّ مَا يرويهِ، وَلَا فِي شارفِنا مَا يُغذِّيه، وَقَامَ زَوجي إِلَى شارفنا، فَنظر إِلَيْهَا فَإِذا هِيَ حافلٌ، فحلَب مِنْهَا مَا شرب، وشربت حَتَّى انتهينا ريا وشبعاً. فبتنا بِخَير لَيْلَة، وَلما رَجعْنَا - تَعْنِي إِلَى بَلَدهَا - ركبت أَتَانِي، وحملتُه عَلَيْهَا، فوَاللَّه لَقَطعتْ بالرَّكب مَا يقدر عَلَيْهَا شيءٌ من حُمُرهم، حَتَّى إنَّ صَواحبي لَيقلْنَ لي: ويحكِ يَا بنت أبي ذُؤيب، ارْبَعي علينا، أَلَيْسَ هَذِه أتانُك الَّتِي كنتِ خرجتِ عَلَيْهَا؟ فَأَقُول لهنّ: بلَى وَالله، إِنَّهَا لهيَ. فيقلن: وَالله إنّ لَهَا لَشأناً. وَكَانَت قبل ذَلِك قد أضرّ بالرّكبِ انقطاعُها عَنْهُم لِضعفها وهزالها. قَالَت حليمة فقدِمنا منازلَنا، وَمَا أعلمُ أَرضًا من أرضِ الله أَجدَبَ مِنْهَا، وَكَانَت غَنمي تروح عليّ حِين قَدِمْنا بِهِ مَعنا شِباعاً،

ص: 24

فنحلُب ونشربُ، وَمَا يحلُب إنسانٌ قَطْرة لبنٍ، وَمَا يجدهَا فِي ضَرع، حَتَّى كَانَ الحاضرُ من قَوْمنا يَقُولُونَ لرعاتهم: ويْلَكم اسرَحوا حَيْثُ يَسرَحُ راعي بنت أبي ذُؤَيب [فتروح أغنامهم جياعاً مَا تَبِضّ بقطرة لبنٍ، وَتَروح غنمي شِباعاً لَبَنًا] .

وأرضعتْ مَعَه [صلى الله عليه وسلم] ابنَ عمِّه أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بلبَن ابْنهَا / 4 و. عبد الله أخي أُنيَسةَ، وَقيل: حُذَافة وَهِي الشَّيماء، أَوْلَاد الْحَارِث بن عبد الْعُزَّى بن رِفَاعَة السَّعْدِيّ. وَقد قيل: إِنَّه أسلم، والشَّيماء هِيَ الَّتِي كَانَت تَحضُنُ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] مَعَ أُمِّها وتُوَرّكه، وَهِي الَّتِي قدِمتْ عَلَيْهِ فِي وَفد هَوازن.

وَكَانَ حَمزةُ عمُّ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] مُستَرضَعاً لَهُ فِي بَني سَعْد بن بَكْر، فأرضعت أمُّه رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] يَوْمًا وَهُوَ عِنْد أُمِّه حليمة، وَكَانَ حمزةُ رضيعَ النبيِّ [صلى الله عليه وسلم] من وَجْهَيْن، من جِهَة ثُويْبَة، وَمن جِهَة السَّعْديّة.

وَعند حليمة شُقَّ صَدره [صلى الله عليه وسلم] . ومُلئ حكمةَ وإيماناً، وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: كَانَ يشبُّ فِي الْيَوْم شبابَ الصبيِّ فِي شهرٍ، فَلَمَّا شبّ ردّته إِلَى أمِّه وَهُوَ ابْن خمس سِنِين وشهرٍ، وَقيل: أَربع سِنِين، وَقيل: سنتَيْن وشهرٍ.

وقدمت حليمةُ على رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] مكةَ وَقد تزوجّ خديجةَ، فشكَتْ إِلَيْهِ

ص: 25

جَدْبَ الْبِلَاد، فكلّم لَهَا خَدِيجَة فأعطتها أَرْبَعِينَ رَأْسا من الْغنم، وبعيراً مُوقَّعاً للظعينة، أَي مذلَّلاً، فَانْصَرَفت إِلَى أَهلهَا.

قَالَ الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي رحمه الله: وَلَا يُعرف لَهَا صُحبة وَلَا إِسْلَام قَالَ: وَقد وَهلَ فِيهَا غير واحدٍ، فذكروها فِي الصَّحَابَة، وَلَيْسَ بِشَيْء، وحَضنَته [صلى الله عليه وسلم] أُمُّ أَيْمَن بَرَكةُ الحَبشيّة مَعَ أمِّه، وَبعد موتِها، وَكَانَ وَرِثها من أبيهِ، وَكَانَت دايتَه. وَقَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] شكا جَوعاً قطّ، وَلَا عَطَشاً، وَكَانَ يَغْدُو إِذا أصبح فيشرب من ماءِ زَمْزَم شربةً، فربّما عَرضتُ عَلَيْهِ الْغذَاء فَيَقُول: أَنا شَبعان.

وَفَاة آمِنَة أمّ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] / 4 ظ

وَرُوِيَ أنَّ آمِنَة خرجت برَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَهُوَ ابْن سِتّ سِنِين إِلَى أَخْوَاله بني عَديّ بن النجّار بِالْمَدِينَةِ تزورهم بِهِ، وَمَعَهَا أُمُّ أَيْمَن تحضُنه، وهم على بَعِيرَيْنِ، فَنزلت بِهِ فِي دَار النَّابِغَة، فأقامت بِهِ عِنْدهم شهرا، فَكَانَ رَسُول الله

ص: 26

[صلى الله عليه وسلم] يذكر أموراً كَانَت فِي مقَامه ذَلِك، وَنظر إِلَى الدَّار حِين هَاجر إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: هَا هُنَا نزلت بِي أُمِّي، وَفِي هَذِه الدَّار قُبِر أبي عبد الله، وأحسنتُ العومَ فِي بِئْر بني عَديّ بن النجار.

وَكَانَ قومٌ يَخْتَلِفُونَ ينظرُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَت أُمُّ أَيْمن: فسمعتُ أحدَهم يَقُول: هُوَ نبيُّ هَذِه الأُمّة، وَهَذِه دَار هجرته، فوَعيْتُ ذَلِك كلَّه من كَلَامه. ثُمَّ رجعَتْ بِهِ أمُّه إِلَى مكّة، فلمّا كَانُوا بالأَبْواء تُوفِّيت آمِنَة بنت وهب، ودُفنت هُنَاكَ، فرجعتْ بِهِ أُمُّ أَيمن على البعيرَيْن اللذيْن قدمِوا عَلَيْهِمَا إِلَى مكّة. فَلَمَّا مرَّ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فِي عُمرة الحُدَيْبيّة بالأَبْواء قَالَ: إنّ الله قد أذِنَ لمحمدٍ فِي زِيَارَة قبر أمّه، فَأَتَاهُ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فأصلحه، وَبكى عِنْده، وَبكى الْمُسلمُونَ لبكاء رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] فَقيل لَهُ، فَقَالَ: أدركَتْني رحمتُها فبكيتُ.

وَقيل: تُوفّيت آمنةُ أُمُّ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] بِمَكَّة، ودُفنت فِي شِعبٍ من شِعاب الحَجون بمكَّةَ. حَكَاهُ ابْن الْأَثِير قَالَ: وَهُنَاكَ حطَّ النبيُّ [صلى الله عليه وسلم] على ابْن مَسْعُود لَيْلَة الجِنِّ. وَقيل: توفيت وَله -[صلى الله عليه وسلم]- ثَمَان سِنِين، وَقيل: سبعٌ، وَقيل: أربعٌ. والمشهورُ مَا حكيناه أَولا من أَنَّهَا توفيت بالأَبْواء وَرَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] ابْن ستِ سِنِين، وَبِذَلِك جزم ابْن سعد وَابْن فَارس وَالشَّيْخ شرف الدّين الدمياطيّ، وَغَيرهم، رَحِمهم الله تَعَالَى.

ص: 27

ضَمُّ عبد الْمطلب ثمَّ أبي طَالب رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] / 5

وَرُوِيَ أنّ عبد الْمطلب ضمَّ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] إِلَيْهِ بعد وَفَاة أمّه، ورقّ عَلَيْهِ رِقّةً لم يرقَّها على وَلَدِه، وَكَانَ يقرِّبه مِنْهُ ويُدْنيه، ويَدخل عَلَيْهِ إِذا خَلَا وَإِذا نامَ، وَكَانَ يَجلس على فرَاشه فَيَأْخذهُ أعمامُه ليؤخِّروه عَنهُ، فَيَقُول عبد الْمطلب إِذا رأى ذَلِك: دَعُوا ابْني، إِنَّه لَيؤنِسُ مُلْكاً. وَفِي رِوَايَة: دَعوا ابْني فوَاللَّه إنَّ لَهُ لَشأناً. وَقَالَ عبد الْمطلب لأمّ أَيْمن، وَكَانَت تحضنُ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : يَا بَرَكة لَا تغفلي عَن ابْني فإنّي وجدتُه مَعَ غلمانٍ قَرِيبا من السِّدْرة، وإنّ أهل الْكتاب يَزْعمُونَ أنّ ابْني نبيُّ هَذِه الأمّة.

وَكَانَ عبد الْمطلب لَا يَأْكُل طَعَاما إِلَّا قَالَ: عليَّ بِابْني. فيُؤتى بِهِ إِلَيْهِ. ولمّا حَضرته الْوَفَاة أوصى أَبَا طَالب بِحِفْظ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] . وحِياطته. وَمَات فدُفن بالحَجون، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة، وَقيل: خمس وَتِسْعين، وَقيل: مائةٍ وعشرٍ، وَقيل: مائةٍ وَعشْرين، وَقيل: مائةٍ وَأَرْبَعين سنة.

سُئل رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] أَتذْكر موتَ عبد الْمطلب؟ قَالَ: نعم، أَنا يَوْمئِذٍ ابْن ثَمَان سِنِين. قَالَه الشَّيْخ شرف الدّين الدمياطي، وَجزم بِهِ، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَقيل: تُوفِّي عبد المطَّلب، ولرسول الله [صلى الله عليه وسلم] ستُ سِنِين، وَقيل: عشرٌ، وَقيل:

ص: 28