المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل من شرع في أخذ الدرس يجب أن تكون عليه السكينة والوقار] - المدخل لابن الحاج - جـ ١

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْأَفْعَالِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ حَاضِرَةٍ]

- ‌[طَلَب الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ مُحَاوَلَةِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ إلَى النَّدْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْهُبُوبِ مِنْ النَّوْمِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ]

- ‌[الاجتناب والكراهة لَمَا يباشر فِي الْمَسَاجِد مِنْ البدع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالِمِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْتَرِزَ الْعَالم فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُجَالِسُهُ أَوْ يُبَاشِرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شرع فِي أَخَذَ الدرس يَجِب أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّرْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أُورِدَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ وَالِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَفَقَّدَ الْعَالم إخْوَانَهُ وَجُلَسَاءَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا قَعَدَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النُّعُوتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّبَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِيَامِ للناس فِي المحافل والمجالس]

- ‌[فَصْلٌ فِي جلوس الْعَالم عَلَى حَائِلٍ مُرْتَفِعٍ دُونَ مَنْ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْم الْمَرَاوِحَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْحَلْقَةِ الَّتِي تَعْمَلُ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْعَالم مَكَانٌ مُمَيَّزٌ لِآحَادِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَنْبَغِي للعالم أَنْ لَا يَنْزَعِجَ عَلَى مَنْ آذَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَحْذَرَ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَسْمَعَ مِنْ يَنِمُّ عِنْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَرُّز عَنْ الْغِيبَة فى مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي التحرز عَنْ الْكَذِب فِي مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْمِزَاحِ]

- ‌[فَصَلِّ مَا يَنْبَغِي عَلَى الْعَالم أَثْنَاء السَّيْر]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَجِبُ عَلَيَّ الْعَالم أَوْ يُنْدَبُ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حِينَ رُجُوعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يبدأ بِهِ الْعَالم عِنْد دُخُول الْبَيْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالم يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْكَعَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ جُلُوسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُجُوب تَعْلِيم الْعَالم أَهْلِهِ الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آكَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَهَمِّهَا للعالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ غَسَلَ الْيَد عِنْد الْأَكْلَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَبِسَ النِّسَاء الْعَمَائِمِ الَّتِي يَعْمَلْنَهَا عَلَى رُؤْسِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْسِيعِ النِّسَاء الْأَكْمَامِ الَّتِي أَحْدَثْنَهَا مَعَ قِصَرِ الْكُمِّ]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَّةَ فِي هيئة خُرُوجِ النِّسَاء إنْ اضْطَرَّتْ إِلَيَّ الْخُرُوج]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى شِرَاءِ حَوَائِجِهِنَّ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُّكْنَى النِّسَاء عَلَى الْبَحْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ النِّسَاء لِلْقُبُورِ]

- ‌[بِنَاء الدُّور فِي الْقُبُور]

- ‌[التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ زِيَارَةِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاء إلَى دُورِ الْبِرْكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الدُّورِ الَّتِي عَلَى الْبَسَاتِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكُوبِ النِّسَاء الْبَحْرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الْمَحْمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلْنَهُ النِّسَاء فِي يَوْمِ السَّبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس إذَا نَزَلَتْ الشَّمْسُ فِي بُرْجِ الْحَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ أَرْبَعِينَ أَرْبِعَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاء فِي الْمَوَاسِمِ]

- ‌[المرتبة الْأُولَى المواسم الشَّرْعِيَّة وَهِيَ ثَلَاثَة]

- ‌[الموسم الْأَوَّل عِيد الأضحي]

- ‌[الموسم الثَّانِي عِيدُ الْفِطْرِ]

- ‌[الموسم الثَّالِث يَوْمُ عَاشُورَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا النِّسَاءُ اسْتِعْمَالُ الْحِنَّاءِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاء]

- ‌[المرتبة الثَّانِيَة المواسم الَّتِي ينسبونها إلَى الشِّرْع وليست مِنْهُ]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة فِي الليلة الْأُولَى مِنْ شَهْر رجب]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة صَلَاة الرغائب فِي الْجُمُعَةَ الأولي مِنْ رجب]

- ‌[مِنْ البدع الَّتِي أحدثوها فِي لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ البدع المحدثة فِي لَيْلَةُ النِّصْفِ شَعْبَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْلِدِ النَّبِيّ والبدع المحدثة فِيهِ]

الفصل: ‌[فصل من شرع في أخذ الدرس يجب أن تكون عليه السكينة والوقار]

لِغَضَبِ الشَّرْعِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُرْجَى لَهُ الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ وَيَكُونُ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ أَعْنِي فِي اتِّبَاعِهِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ الْوَاصِفُ لَهُ «كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا فَإِذَا رَأَى شَيْئًا مِنْ حُرَمِ اللَّهِ يُنْتَهَكُ كَانَ أَسْرَعَ النَّاسِ إلَيْهَا نُصْرَةً» انْتَهَى.

فَإِذَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْحَمِيَّةُ وَالنُّصْرَةُ لِلْعَالِمِ فَيَحْتَاجُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا الرِّفْقُ فَلَا يُنَفِّرُهُمْ بَلْ يَسْتَجْلِبُهُمْ وَيَسْرِقُ طَبَائِعَهُمْ بِالسِّيَاسَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا إلَى قَانُونَ الِاتِّبَاعِ. أَلَا تَرَى إلَى مَا وَرَدَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ «الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَاحَ النَّاسُ بِهِ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَا تَزْرِمُوهُ وَتَرَكَهُ حَتَّى أَتَمَّ بَوْلَهُ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ ثُمَّ عَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ» وَهَذَا كُلُّهُ رَاجِعٌ إلَى أَحْوَالِ النَّاسِ وَإِلَى مَنْ يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ فَلْيُعَامِلْ كُلَّ أَحَدٍ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَمَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ اللُّطْفِ وَالسِّيَاسَةِ وَالشِّدَّةِ وَالْغِلْظَةِ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَسَاوَوْا فَرُبَّ شَخْصٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِاللُّطْفِ فَإِنْ أَخَذْته بِالشِّدَّةِ نَفَّرْته وَرُبَّ شَخْصٍ لَا يَرْجِعُ إلَّا بِالْغِلْظَةِ فَإِنْ أَخَذْته بِاللُّطْفِ أَطْمَعْته وَقَلَّ أَنْ يَنْتَهِيَ

[فَصْلٌ مِنْ شرع فِي أَخَذَ الدرس يَجِب أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ]

(فَصْلٌ) فَإِذَا شَرَعَ هَذَا الْعَالِمُ فِي أَخْذِ الدَّرْسِ وَقَرَأَ الْقَارِئُ فَيَحْتَاجُ إذْ ذَاكَ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فَيَخْشَعُ قَلْبُهُ وَتَخْشَعُ جَوَارِحُهُ لِهَذَا الْمَقَامِ الَّذِي أُقِيمَ فِيهِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَحْكَامَهُ وَلَعَلَّ بَرَكَةَ مَا يَحْصُلُ لَهُ هُوَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ جُلَسَاؤُهُ فَيَتَأَدَّبُونَ بِأَدَبِهِ وَيَتَأَسَّوْنَ بِهِ أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ حِينَ دَخَلَ عَلَى مَالِكٍ فِي أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُرِيدُونَ سَمَاعَ الْحَدِيثِ قَالَ فَدَخَلْت فَوَجَدْت أَصْحَابَهُ قُعُودًا بَيْنَ يَدَيْهِ كَأَنَّهُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطَّيْرُ فَقُلْت سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ سَلَامًا إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ رَدَّ السَّلَامَ فَقُلْت مَا بَالُكُمْ أَفِي الصَّلَاةِ أَنْتُمْ فَرَمَقُونِي بِأَطْرَافِ أَعْيُنِهِمْ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي قِصَّةٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا.

وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا أَنَّ مَالِكًا كَانَ عِنْدَهُ التَّعْظِيمُ لِلْمَقَامِ الَّذِي

ص: 114

أُقِيمَ فِيهِ فَسَرَى ذَلِكَ لِطَلَبَتِهِ. وَكَذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ أَبَدًا فِي خَلْقِهِ أَيْ مَنْ قَرَأَ عَلَى شَخْصٍ لَا بُدَّ وَأَنْ يَسْرِقَ طِبَاعَهُ وَطَرِيقَهُ وَاصْطِلَاحَهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ كُلُّهَا كَانَ بَعْضُهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ أَوَّلًا بِالْأَدَبِ فِيمَا ذَكَرَ فَيَجْمَعُ هِمَّتَهُ وَخَاطِرَهُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ فَإِذَا فَرَغَ الْقَارِئُ اسْتَفْتَحَ هُوَ الْإِقْرَاءَ فَيَسْتَعِيذُ إذْ ذَاكَ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ لِكَيْ يُكْفَى شَرُّهُ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ثُمَّ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى لِكَيْ يَعْتَزِلَهُ الشَّيْطَانُ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ سُمِّيَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ابْتِدَائِهِ عُزِلَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ وَحَرُمَ عَلَيْهِ حُضُورُهُ.

ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ فِي مَجْلِسِهِ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ مَعَهُ عليه الصلاة والسلام حَيْثُ ذُكِرَ وَحَيْثُ كَانَ ثُمَّ يَتَرَضَّى عَنْ أَصْحَابِهِ لِتَكْمُلَ بِذَلِكَ الْبَرَكَةُ فِي مَجْلِسِهِ لِأَنَّهُمْ الْأَصْلُ الَّذِينَ أَسَّسُوا مَا جَلَسَ إلَيْهِ ثُمَّ يَجْعَلُ الْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ لِلَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَرَّى مِنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ بِقَوْلِهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ يَقُولُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يَكُونَ سَبْعًا كَانَ أَحْسَنَ كَذَلِكَ كَانَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ثُمَّ يُسْنِدُ أَمْرَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ فِي تَسْدِيدِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَيَفْتَقِرُ فِي ذَلِكَ وَيَضْطَرُّ إلَيْهِ {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62] وَيَتَعَرَّى إذْ ذَاكَ مِنْ فَهْمِهِ وَذِهْنِهِ وَمُطَالَعَتِهِ وَبَحْثِهِ، وَأَنَّهُ الْآنَ كَأَنْ لَا يَعْرِفْ شَيْئًا فَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إذْ ذَاكَ كَانَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَتْحًا مِنْهُ وَكَرَمًا لَا لِأَجْلِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُحَاوَلَةِ الْمُطَالَعَةِ وَالدَّرْسِ وَالْفَهْمِ ثُمَّ يَسْتَجِيرُ بِرَبِّهِ مِنْ عَثَرَاتِ اللِّسَانِ وَمِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَمِنْ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ بِمَا قَدْ تَحَصَّلَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَرَأَ الْقَارِئُ وَيَذْكُرُ مَا ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا وَيُوَجِّهُ أَقْوَالَهُمْ وَيَرُدُّ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ إلَى أُصُولِهِمْ الَّتِي اسْتَخْرَجُوا الْأَحْكَامَ مِنْهَا، وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَيَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذِكْرِهِ لِلْعُلَمَاءِ يَتَرَضَّى عَنْهُمْ وَيَتَرَحَّمُ عَلَيْهِمْ وَيُعَرِّفُ مَنْ يَحْضُرُهُ بِقَدْرِهِمْ وَفَضِيلَتِهِمْ وَحَقِّ سَبْقِهِمْ.

قَالَ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي مَرَاقِي الزُّلْفَى لَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحِكَايَاتُ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَمُجَالَسَتِهِمْ أَحَبُّ

ص: 115

إلَيَّ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْفِقْهِ لِأَنَّهَا آدَابُ الْقَوْمِ وَأَخْلَاقُهُمْ انْتَهَى.

ثُمَّ يُوَجِّهُ مَذْهَبَهُ وَيَنْتَصِرُ لَهُ، وَذَلِكَ بِشَرْطِ التَّحَفُّظِ عَلَى مَنْصِبِ غَيْرِ إمَامِهِ أَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ مَا يَنْسِبُ بَعْضُ الْمُتَعَصِّبِينَ مِنْ الْغَلَطِ وَالْوَهْمِ لِغَيْرِ إمَامِهِ فَإِنْ كُنْت عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ مَثَلًا فَلَا يَدْخُلُك غَضَاضَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ رضي الله عنهم لِأَنَّهُمْ الْكُلُّ جَعَلَهُمْ اللَّهُ رَحْمَةً لَك لِأَنَّهُمْ أَطِبَّاءُ دِينِك كُلَّمَا اعْوَجَّ أَمْرٌ فِي الدِّينِ قَوَّمُوهُ وَكُلَّمَا وَقَعَ لَك خَلَلٌ فِي دِينِك اتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى ذَهَابِهِ عَنْك وَتَلَافِي أَمْرِك وَإِصْلَاحِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الدَّوَاءِ لَك عَلَى مَا اقْتَضَى اجْتِهَادُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى مُقْتَضَى الْأُصُولِ فِي تَخْلِيصِك مِنْ عِلَّتِك وَحَمِيَّتِك وَإِعْطَاءِ الدَّوَاءِ لَك فَإِذَا رَجَعْت إلَى طَبِيبٍ مِنْهُمْ وَسَكَنْت إلَى وَصْفِهِ وَمَا اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَك فَلَا يَكُنْ فِي قَلْبِك حَزَازَةٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ الْبَاقِينَ الَّذِينَ قَدْ شَفَوْا مَرَضَ غَيْرِك مِنْ إخْوَانِك الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ أَقَامَهُمْ اللَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ وَتَدْبِيرِ دِينِهِمْ فَإِيَّاكَ إيَّاكَ أَنْ تَجِدَ فِي قَلْبِك حَزَازَةً لِبَعْضِهِمْ وَإِنْ قَامَ لَك الدَّلِيلُ وَوَضَحَ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ قَالَ لِأَنَّ مَنْ قَالَ مَا قَالَ مَا قَالَهُ مَجَّانًا بَلْ مُسْتَنِدًا إلَى الْأُصُولِ وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا يَبْحَثُ مَعَك لَرَأَيْت مَذْهَبَهُ هُوَ الصَّوَابُ لِمَا يَظْهَرُ لَك مِنْ بَحْثِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ مَالِكٍ رحمه الله لَمَّا أَنْ سُئِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ رَأَيْته رَجُلًا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَى هَذَا الْعَمُودِ أَنَّهُ مِنْ ذَهَبٍ لَفَعَلَ فَيَكُونُ قَلْبُك وَاعْتِقَادُك مَعَ لِسَانِك مُجِلًّا لَهُمْ وَمُعَظِّمًا وَمُحْتَرِمًا وَإِنْ كُنْت قَدْ خَالَفْتَهُمْ بِالرُّجُوعِ إلَى إمَامِك فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ فَإِنَّك لَمْ تُخَالِفْهُمْ فِي أَكْثَرِ الْفُرُوعِ فَالْأُصُولُ قَدْ جَمَعَتْ الْجَمْعَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

أَلَا تَرَى إلَى جَوَابِ مَالِكٍ رحمه الله لِلْخَلِيفَةِ لَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إلَى الْأَقَالِيمِ بِكِتَابِ الْمُوَطَّأِ وَبِالْأَمْرِ أَنْ لَا يَقْرَأَ أَحَدٌ إلَّا إيَّاهُ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ لَا تَفْعَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَفَرَّقُوا فِي الْأَقَالِيمِ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ عَنْهُمْ.

فَانْظُرْ إلَى

ص: 116