المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْمِسْكِينِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ الْعُظْمَى بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ مِنْ - المدخل لابن الحاج - جـ ١

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْأَفْعَالِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ حَاضِرَةٍ]

- ‌[طَلَب الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ مُحَاوَلَةِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ إلَى النَّدْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْهُبُوبِ مِنْ النَّوْمِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ]

- ‌[الاجتناب والكراهة لَمَا يباشر فِي الْمَسَاجِد مِنْ البدع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالِمِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْتَرِزَ الْعَالم فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُجَالِسُهُ أَوْ يُبَاشِرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شرع فِي أَخَذَ الدرس يَجِب أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّرْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أُورِدَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ وَالِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَفَقَّدَ الْعَالم إخْوَانَهُ وَجُلَسَاءَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا قَعَدَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النُّعُوتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّبَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِيَامِ للناس فِي المحافل والمجالس]

- ‌[فَصْلٌ فِي جلوس الْعَالم عَلَى حَائِلٍ مُرْتَفِعٍ دُونَ مَنْ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْم الْمَرَاوِحَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْحَلْقَةِ الَّتِي تَعْمَلُ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْعَالم مَكَانٌ مُمَيَّزٌ لِآحَادِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَنْبَغِي للعالم أَنْ لَا يَنْزَعِجَ عَلَى مَنْ آذَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَحْذَرَ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَسْمَعَ مِنْ يَنِمُّ عِنْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَرُّز عَنْ الْغِيبَة فى مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي التحرز عَنْ الْكَذِب فِي مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْمِزَاحِ]

- ‌[فَصَلِّ مَا يَنْبَغِي عَلَى الْعَالم أَثْنَاء السَّيْر]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَجِبُ عَلَيَّ الْعَالم أَوْ يُنْدَبُ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حِينَ رُجُوعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يبدأ بِهِ الْعَالم عِنْد دُخُول الْبَيْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالم يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْكَعَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ جُلُوسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُجُوب تَعْلِيم الْعَالم أَهْلِهِ الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آكَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَهَمِّهَا للعالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ غَسَلَ الْيَد عِنْد الْأَكْلَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَبِسَ النِّسَاء الْعَمَائِمِ الَّتِي يَعْمَلْنَهَا عَلَى رُؤْسِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْسِيعِ النِّسَاء الْأَكْمَامِ الَّتِي أَحْدَثْنَهَا مَعَ قِصَرِ الْكُمِّ]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَّةَ فِي هيئة خُرُوجِ النِّسَاء إنْ اضْطَرَّتْ إِلَيَّ الْخُرُوج]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى شِرَاءِ حَوَائِجِهِنَّ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُّكْنَى النِّسَاء عَلَى الْبَحْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ النِّسَاء لِلْقُبُورِ]

- ‌[بِنَاء الدُّور فِي الْقُبُور]

- ‌[التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ زِيَارَةِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاء إلَى دُورِ الْبِرْكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الدُّورِ الَّتِي عَلَى الْبَسَاتِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكُوبِ النِّسَاء الْبَحْرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الْمَحْمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلْنَهُ النِّسَاء فِي يَوْمِ السَّبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس إذَا نَزَلَتْ الشَّمْسُ فِي بُرْجِ الْحَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ أَرْبَعِينَ أَرْبِعَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاء فِي الْمَوَاسِمِ]

- ‌[المرتبة الْأُولَى المواسم الشَّرْعِيَّة وَهِيَ ثَلَاثَة]

- ‌[الموسم الْأَوَّل عِيد الأضحي]

- ‌[الموسم الثَّانِي عِيدُ الْفِطْرِ]

- ‌[الموسم الثَّالِث يَوْمُ عَاشُورَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا النِّسَاءُ اسْتِعْمَالُ الْحِنَّاءِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاء]

- ‌[المرتبة الثَّانِيَة المواسم الَّتِي ينسبونها إلَى الشِّرْع وليست مِنْهُ]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة فِي الليلة الْأُولَى مِنْ شَهْر رجب]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة صَلَاة الرغائب فِي الْجُمُعَةَ الأولي مِنْ رجب]

- ‌[مِنْ البدع الَّتِي أحدثوها فِي لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ البدع المحدثة فِي لَيْلَةُ النِّصْفِ شَعْبَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْلِدِ النَّبِيّ والبدع المحدثة فِيهِ]

الفصل: الْمِسْكِينِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ الْعُظْمَى بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ مِنْ

الْمِسْكِينِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الْعَظِيمِ وَالْمَسْكَنَةِ الْعُظْمَى بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ مِنْ حُبِّ الرِّيَاسَاتِ وَالْمَنَاصِبِ وَالْمُفَاخَرَةِ؟ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى السَّلَامَةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ رَجَعَ إلَى أَسْفَلِ سَافِلِينَ.

وَلِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله إذَا ذُكِرَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ عُلَمَاءِ وَقْتِهِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى طَرَفٍ مِمَّا ذُكِرَ وَيُثْنَى عَلَيْهِ إذْ ذَاكَ بِفَضِيلَةِ الْعِلْمِ يَقُولُ: نَاقِلٌ نَاقِلٌ خَوْفًا مِنْهُ رحمه الله عَلَى مَنْصِبِ الْعِلْمِ أَنْ يُنْسَبَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ وَخَوْفًا مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذِبًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ النَّاقِلَ لَيْسَ بِعَالِمٍ فِي الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ صَانِعٌ مِنْ الصُّنَّاعِ كَالْخَيَّاطِ وَالْحَدَّادِ وَالْقَصَّارِ هَذَا إذَا كَانَ نَقْلُهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالْأَمَانَةِ، وَإِلَّا كَانَ دَجَّالًا فَيُسْتَعَاذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ النَّقْلُ لَيْسَ إلَّا، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ رحمه الله لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُلُوبِ.

[طَلَب الْعِلْم]

وَمِنْ كِتَابِ سِيَرِ السَّلَفِ لِلْحَافِظِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْأَصْبَهَانِيِّ رحمه الله قَالَ إبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ: رحمه الله لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ إنَّمَا الْعِلْمُ لِمَنْ اتَّبَعَ الْعِلْمَ وَاسْتَعْمَلَهُ وَاقْتَدَى بِالسُّنَنِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلَ الْعِلْمِ انْتَهَى يُبَيِّنُ هَذَا وَيُوَضِّحُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَنْبَارِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّارِ يَقُولُ: مَا أَظُنُّ الْقُرْآنَ إلَّا عَارِيَّةً فِي أَيْدِينَا، وَذَلِكَ أَنَّا رَوَيْنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَفِظَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي بِضْعِ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمَّا حَفِظَهَا نَحَرَ جَزُورًا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّ الْغُلَامَ فِي دَهْرِنَا هَذَا يَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُعَلِّمِ فَيَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لَا يُسْقِطُ مِنْهُ حَرْفًا فَمَا أَحْسَبُ الْقُرْآنَ إلَّا عَارِيَّةً فِي أَيْدِينَا.

وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ لَا يَنْبَغِي لِطَالِبِ الْحَدِيثِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى سَمَاعِ الْحَدِيثِ وَكَتْبِهِ دُونَ مَعْرِفَتِهِ وَفَهْمِهِ فَيَكُونَ قَدْ أَتْعَبَ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْفَرَ بِطَائِلٍ.

، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: اعْلَمُوا مَا شِئْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا فَلَنْ يَأْجُرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ حَتَّى تَعْمَلُوا قَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ قَوْلِ مُعَاذٍ وَفِيهِ

ص: 17

زِيَادَةٌ أَنَّ الْعُلَمَاءَ هِمَّتُهُمْ الرِّعَايَةُ، وَأَنَّ السُّفَهَاءَ هِمَّتُهُمْ الرِّوَايَةُ انْتَهَى نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَهَذِهِ الْآثَارُ وَالْأَحَادِيثُ كُلُّهَا تُبَيِّنُ وَتُوَضِّحُ مُرَادَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رحمه الله؛ لِأَنَّ مَنْ قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ نُورًا كَانَ بَعِيدًا مِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَوْصَافِ الْمَذْمُومَةِ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ الرُّتْبَةُ الْعُلْيَا الْمَذْكُورَةُ هَنِيئًا لَهُ فَمَنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ طَرَفٌ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ بَقِيَ إمَّا دَجَّالًا أَوْ لِصًّا يَكِيدُ الدِّينَ وَأَهْلَهُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهِ.

قَالَ اللَّهُ سبحانه وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] وَهَذَا الْبَحْثُ كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ إذَا سَلِمَ طَالِبُ الْعِلْمِ مِنْ عِوَضٍ يَأْخُذُهُ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْوَقْتِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَعْلُومٌ يَطْلُبُهُ عَلَى عِلْمِهِ فَقَدْ زَادَ ذَمًّا عَلَى مَذْمُومَاتٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا وَلَوْ وَقَفَ أَمْرُنَا عَلَى هَذَا لَكَانَ ذَلِكَ رَحْمَةً بِنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمَرْءُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي احْتَوَى عَلَيْهَا عِلْمُهُ يُرْجَى لَهُ أَنَّهُ مَهْمَا قَدَرَ عَلَى التَّرْكِ بَادَرَ إلَيْهِ وَتَابَ وَأَقْلَعَ وَرَجَعَ إلَى الْأَعْلَى وَالْأَكْمَلِ لَكِنَّا لَمْ نَقِفْ عِنْدَ هَذَا الْحَدِّ، بَلْ زِدْنَا عَلَيْهِ الدَّاءَ الْمُضِرَّ الَّذِي لَا يُمْكِنُ مَعَهُ تَوْبَةٌ وَلَا اسْتِغْفَارٌ، وَهُوَ أَنَّا نَرَى أَنْفُسَنَا فِي طَاعَةٍ وَخَيْرٍ، وَأَنَّ وُقُوفَنَا عَلَى أَبْوَابِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنْ بَابِ مَا يَجِبُ أَوْ يُسْتَحَبُّ بِحَسَبِ مَا سَوَّلَتْ لَنَا أَنْفُسُنَا وَزَيَّنَ لَنَا الشَّيْطَانُ فَأَيُّ تَوْبَةٍ تَحْدُثُ مَعَ هَذَا الْحَالِ؟ وَأَيُّ إقَالَةٍ تَقَعُ لِأَنَّ التَّوْبَةَ إنَّمَا تُرْجَى لِمَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَنَّهُ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ؟ أَمَّا الطَّاعَةُ فَلَا يَتُوبُ أَحَدٌ مِنْهَا، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ: - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمَّا تَكَلَّمَ فِي وَقْتِهِ عَلَى شَيْءٍ ظَهَرَ لَهُ أَقَلَّ مِنْ هَذَا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى مَوْتِ الْأَخْيَارِ وَالْبَقَاءِ مَعَ قَوْمٍ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ فَضِيحَةٍ وَلَا عَارٍ انْتَهَى.

وَكَذَلِكَ أَيْضًا مَا تَأْخُذُهُ عَلَى الْعِلْمِ مِنْ الْمَعْلُومِ نَقُولُ فِيهِ: إنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ فِي نَفْسِ طَلَبِهِ إنَّمَا هُوَ لِلَّهِ وَهَذَا كُلُّهُ خَطَرٌ عَظِيمٌ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ وَلَوْ قَطَعَ عَنَّا مَا نَأْخُذُهُ مِنْ الْمَعْلُومِ وَبَقِينَا عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ لَا نَبْرَحُ وَلَا نَفْتُرُ عَمَّا كُنَّا بِصَدَدِهِ لَكَانَتْ دَعْوَانَا صَحِيحَةً وَلَكِنْ نَنْظُرُ إلَى أَنْفُسِنَا فَنَجِدُ الْوَاحِدَ مِنَّا إذَا قُطِعَ عَنْهُ الْمَعْلُومُ تَسَخَّطَ إذْ ذَاكَ

ص: 18

وَيَقُولُ إذَا كَانَ مُبْتَدِئًا كَيْفَ يُقْطَعُ عَنِّي وَأَنَا قَدْ قَرَأْت الْكِتَابَ الْفُلَانِيَّ وَحَفِظْت كَذَا؟ بَلْ لَا نَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى قَطْعِ الْمَعْلُومِ، بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ فِينَا مَعَ وُجُودِ الْمَعْلُومِ تَجِدُ الطَّالِبَ مِنَّا يَقُولُ: كَيْفَ يَأْخُذُ فُلَانٌ كَذَا وَأَنَا أَكْثَرُ بَحْثًا مِنْهُ وَأَكْثَرُ فَهْمًا وَأَكْثَرُ حِفْظًا لِلْكُتُبِ وَأَكْثَرُ نَقْلًا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَارِضَةِ لَنَا الظَّاهِرَةِ لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَّا؟ ، بَلْ إذَا أَرَادَ الطَّالِبُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ أَنْ يَبْتَدِيَ الْقِرَاءَةَ يَبْتَدِيهِ بِهَذَا الِاسْمِ إنْ كَانَ هُوَ الطَّالِبُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَ وَلِيَّهُ فَكَذَلِكَ فَيَدْخُلُ أَوَّلًا بِنِيَّةِ أَنْ يَنْشَطَ فِي الْعِلْمِ وَيَظْهَرَ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ مِنْ الْمَعْلُومِ كِفَايَتُهُ وَحَتَّى يَحْصُلَ عَدَالَتُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَنَاصِبِ الَّتِي نَحْنُ عَامِلُونَ عَلَيْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْعِلْمُ لِلَّهِ مَعَ هَذَا الْحَالِ وَإِنْ كَانَ مُنْتَهِيًا تَجِدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَائِرِهِ التَّنَافُسَ عَلَى مَنَاصِبِ التَّدْرِيسِ وَالسَّعْيَ فِيهِ إلَى أَبْوَابِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ؟ .

وَالتَّدْرِيسُ بِالْمَعْلُومِ فِي الْغَالِبِ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوُقُوفِ عَلَى أَبْوَابِ هَؤُلَاءِ وَمُبَاشَرَتِهِمْ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعَهُ طَرَفٌ مِنْ النُّورِ؟ وَذَلِكَ بَعِيدٌ جِدًّا ثُمَّ إذَا قُطِعَ الْمَعْلُومُ تَسَخَّطَ إذْ ذَاكَ وَيَقُولُ: أَيُّ فَائِدَةٍ لِقُعُودِي وَيُبْطِلُونَ الْمَوَاضِعَ مِنْ الدُّرُوسِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَعْلُومُ فَإِذَا أَتَى الْمَعْلُومُ وَجَدْتنَا نَتَسَابَقُ إلَى تِلْكَ الْمَوَاضِعِ وَنَهْرَعُ إلَيْهَا فَصَارَ حَالُنَا كَمَا قَالَ يُمْنُ بْنُ رِزْقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَصْبَحْنَا نَذُمُّ الدُّنْيَا بِالْأَلْسُنِ وَنَجُرُّهَا إلَيْنَا بِالْأَيَادِي وَالْأَرْجُلِ أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ هَذَا هُوَ حَالُ السَّالِمِ مِنْ النِّيَّةِ السُّوءِ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْأَصْلِ وَهَذَا إنَّمَا هُوَ تَمْثِيلٌ فِي الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَأَفْعَالُنَا الْغَالِبُ عَلَيْهَا هَذَا الْمَعْنَى أَلَا تَرَى إلَى مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْأَذَانِ وَمَا فِيهِ وَفِي فَضْلِ الْإِمَامَةِ وَمَا فِيهَا، وَالْغَالِبُ عَلَى أَحْوَالِنَا الْيَوْمَ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ لَهُ مَعْلُومٌ حِينَئِذٍ يُعْمَرُ بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْلُومٌ تُرِكَ مُغْلَقًا حَتَّى يُخْرَبَ فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ بِالْهَدْمِ وَالْبَيْعِ.

فَانْظُرْ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ وَمَيِّزْ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ حَالِ سَلَفِنَا

ص: 19

فِي أُمُورِ دُنْيَاهُمْ وَحَالِنَا فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي هِيَ لِلْآخِرَةِ تَجِدُ إذْ ذَاكَ الْفَرْقَ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ أَنَّ الِاثْنَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاحِدِ وَقِسْ عَلَى هَذَا وَانْظُرْ بِنَظَرِك أَيَّ شَبَهٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا رضي الله عنهم أَخَذْنَا وَاَللَّهِ فِي الضِّدِّ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَعُلِمَ مِنْ أَحْوَالِنَا وَأَحْوَالِ مَنْ تَقَدَّمَنَا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَقَاءَ فِي هَذَا سُخْفٌ فِي الْعَقْلِ وَحِرْمَانٌ بَيِّنٌ فَيَحْتَاجُ مَنْ لَهُ لُبٌّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَتُوبَ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الرَّدِيئَةِ وَيَنْظُرَ بِعَيْنِ الْعِلْمِ فِيهَا وَيُصْلِحَهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ، وَلَا يَظُنُّ ظَانٌّ أَنَّ صَلَاحَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِتَرْكِهَا بَلْ يَكُونُ بِتَرْكِهَا وَبِالْإِقَامَةِ فِيهَا هَذَا رَاجِعٌ إلَى أَحْوَالِ النَّاسِ فَرُبَّ شَخْصٍ لَا يُنَظِّفُهُ إلَّا التَّرْكُ، وَآخَرُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرْكِ، بَلْ يُبَدِّلُ النِّيَّةَ وَيُحَسِّنُهَا وَيَسْتَقِيمُ حَالُهُ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ أَخْذِ الدَّرْسِ فِي الْمَدَارِسِ فَيُلْتَمَسُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَعْنِي مَنْ هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ التَّرْكُ أَوْ غَيْرُهُ إلَّا لِصَاحِبِ الْوَاقِعَةِ أَوْ مَنْ يُبَاشِرُهُ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ وَالتَّمْيِيزِ.

فَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْفَرْقَ الَّذِي وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلَفِنَا فِي غَالِبِ أَحْوَالِنَا إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ النِّيَّةِ الَّتِي احْتَوَتْ عَلَيْهَا سُوَيْدَاءُ الْقُلُوبِ إذْ أَنَّا نُصَلِّي كَمَا كَانُوا يُصَلُّونَ وَنَصُومُ كَمَا كَانُوا يَصُومُونَ وَنَحُجُّ كَمَا كَانُوا يَحُجُّونَ وَافْتَرَقْنَا لِأَجْلِ افْتِرَاقِ النِّيَّاتِ فَبَعْضُنَا يَكُونُ افْتِرَاقُهُ كَثِيرًا، وَبَعْضُنَا يَكُونُ افْتِرَاقُهُ قَلِيلًا بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ.

فَمَنْ لَهُ عَقْلٌ يَنْبَغِي لَهُ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ حَالِهِ أَنْ يُصْلِحَ مَا وَقَعَ مِنْ الْخَلَلِ فِي نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَيُحَسِّنَ نِيَّتَهُ وَيُزِيلَ عَنْهَا الشَّوَائِبَ ثُمَّ يُنَمِّيهَا مَا اسْتَطَاعَ جَهْدُهُ وَيَلْجَأُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إلَى مَوْلَاهُ وَيَسْتَغِيثُ بِهِ لَعَلَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِ وَيُلْحِقُهُ بِسَلَفِهِ.

وَكَيْفِيَّةُ الْمَأْخَذِ فِي ذَلِكَ قَرِيبٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ص: 20