المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل ينبغي للعالم أن يتحرز من المزاح] - المدخل لابن الحاج - جـ ١

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْأَفْعَالِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ حَاضِرَةٍ]

- ‌[طَلَب الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ مُحَاوَلَةِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ إلَى النَّدْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْهُبُوبِ مِنْ النَّوْمِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ]

- ‌[الاجتناب والكراهة لَمَا يباشر فِي الْمَسَاجِد مِنْ البدع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالِمِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْتَرِزَ الْعَالم فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُجَالِسُهُ أَوْ يُبَاشِرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شرع فِي أَخَذَ الدرس يَجِب أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّرْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أُورِدَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ وَالِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَفَقَّدَ الْعَالم إخْوَانَهُ وَجُلَسَاءَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا قَعَدَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النُّعُوتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّبَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِيَامِ للناس فِي المحافل والمجالس]

- ‌[فَصْلٌ فِي جلوس الْعَالم عَلَى حَائِلٍ مُرْتَفِعٍ دُونَ مَنْ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْم الْمَرَاوِحَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْحَلْقَةِ الَّتِي تَعْمَلُ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْعَالم مَكَانٌ مُمَيَّزٌ لِآحَادِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَنْبَغِي للعالم أَنْ لَا يَنْزَعِجَ عَلَى مَنْ آذَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَحْذَرَ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَسْمَعَ مِنْ يَنِمُّ عِنْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَرُّز عَنْ الْغِيبَة فى مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي التحرز عَنْ الْكَذِب فِي مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْمِزَاحِ]

- ‌[فَصَلِّ مَا يَنْبَغِي عَلَى الْعَالم أَثْنَاء السَّيْر]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَجِبُ عَلَيَّ الْعَالم أَوْ يُنْدَبُ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حِينَ رُجُوعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يبدأ بِهِ الْعَالم عِنْد دُخُول الْبَيْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالم يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْكَعَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ جُلُوسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُجُوب تَعْلِيم الْعَالم أَهْلِهِ الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آكَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَهَمِّهَا للعالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ غَسَلَ الْيَد عِنْد الْأَكْلَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَبِسَ النِّسَاء الْعَمَائِمِ الَّتِي يَعْمَلْنَهَا عَلَى رُؤْسِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْسِيعِ النِّسَاء الْأَكْمَامِ الَّتِي أَحْدَثْنَهَا مَعَ قِصَرِ الْكُمِّ]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَّةَ فِي هيئة خُرُوجِ النِّسَاء إنْ اضْطَرَّتْ إِلَيَّ الْخُرُوج]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى شِرَاءِ حَوَائِجِهِنَّ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُّكْنَى النِّسَاء عَلَى الْبَحْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ النِّسَاء لِلْقُبُورِ]

- ‌[بِنَاء الدُّور فِي الْقُبُور]

- ‌[التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ زِيَارَةِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاء إلَى دُورِ الْبِرْكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الدُّورِ الَّتِي عَلَى الْبَسَاتِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكُوبِ النِّسَاء الْبَحْرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الْمَحْمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلْنَهُ النِّسَاء فِي يَوْمِ السَّبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس إذَا نَزَلَتْ الشَّمْسُ فِي بُرْجِ الْحَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ أَرْبَعِينَ أَرْبِعَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاء فِي الْمَوَاسِمِ]

- ‌[المرتبة الْأُولَى المواسم الشَّرْعِيَّة وَهِيَ ثَلَاثَة]

- ‌[الموسم الْأَوَّل عِيد الأضحي]

- ‌[الموسم الثَّانِي عِيدُ الْفِطْرِ]

- ‌[الموسم الثَّالِث يَوْمُ عَاشُورَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا النِّسَاءُ اسْتِعْمَالُ الْحِنَّاءِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاء]

- ‌[المرتبة الثَّانِيَة المواسم الَّتِي ينسبونها إلَى الشِّرْع وليست مِنْهُ]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة فِي الليلة الْأُولَى مِنْ شَهْر رجب]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة صَلَاة الرغائب فِي الْجُمُعَةَ الأولي مِنْ رجب]

- ‌[مِنْ البدع الَّتِي أحدثوها فِي لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ البدع المحدثة فِي لَيْلَةُ النِّصْفِ شَعْبَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْلِدِ النَّبِيّ والبدع المحدثة فِيهِ]

الفصل: ‌[فصل ينبغي للعالم أن يتحرز من المزاح]

فَقِيهٌ فِيمَا يَنْهَى عَنْهُ» وَوَعَظَ الْمَأْمُونَ رحمه الله وَاعِظٌ بِعُنْفٍ فَقَالَ يَا رَجُلُ: اُرْفُقْ فَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك إلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنِّي وَأَمَرَهُ بِالرِّفْقِ فَقَالَ لَهُ {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: 44] وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ رضي الله عنه «أَنَّ غُلَامًا شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي فِي الزِّنَا فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم أَقِرُّوهُ أَقِرُّوهُ اُدْنُ مِنِّي فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام أَتُحِبُّهُ لِأُمِّك فَقَالَ لَا جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاك فَقَالَ عليه الصلاة والسلام كَذَلِكَ النَّاسُ لَا يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ، ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام أَتُحِبُّهُ لِابْنَتِك قَالَ لَا قَالَ كَذَلِكَ النَّاسُ لَا يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ حَتَّى ذَكَرَ الْأُخْتَ وَالْعَمَّةَ وَالْخَالَةَ وَهُوَ يَقُولُ كَذَلِكَ النَّاسُ لَا يُحِبُّونَهُ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ طَهِّرْ قَلْبَهُ وَاغْفِرْ ذَنْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَيْهِ مِنْ الزِّنَا» .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِلْفُضَيْلِ إنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَبِلَ جَوَائِزَ السُّلْطَانِ فَقَالَ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ إلَّا دُونَ حَقِّهِ، ثُمَّ خَلَا بِهِ وَعَاتَبَهُ بِالرِّفْقِ فَقَالَ يَا أَبَا عَلِيٍّ: إنْ لَمْ نَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ فَإِنَّا نُحِبُّ الصَّالِحِينَ.

الْعُمْدَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْمُحْتَسِبُ قَدْ بَدَأَ بِنَفْسِهِ فَهَذَّبَهَا وَتَرَكَ مَا يَنْهَى عَنْهُ أَوَّلًا. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كُنْت تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ فَلْتَكُنْ مُرَاعِيًا لَهُ قَبْلَ أَخْذِ النَّاسِ بِهِ وَإِلَّا هَلَكْت فَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى حَتَّى يَنْفَعَ كَلَامُهُ وَإِلَّا اُسْتُهْزِئَ بِهِ، وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا بَلْ يَجُوزُ الِاحْتِسَابُ لِلْعَاصِي أَيْضًا.

قَالَ أَنَسٌ «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَا نَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى نَعْمَلَ بِهِ كُلَّهُ قَالَ بَلْ مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَإِنْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهِ كُلَّهُ وَانْهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبُوهُ كُلَّهُ» ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُرِيدُ أَنْ لَا يَظْفَرَ الشَّيْطَانُ مِنْكُمْ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ وَهُوَ أَنْ لَا تَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَفْعَلُوا الْأَمْرَ كُلَّهُ يَعْنِي أَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى حَسْمِ بَابِ الْحِسْبَةِ فَمَنْ ذَا الَّذِي يُعْصَمُ مِنْ الْمَعَاصِي

[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْمِزَاحِ]

(فَصْلٌ) وَيَنْبَغِي لَهُ أَيْضًا أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْمِزَاحِ الْمُخْرِجِ عَنْ حَدِّ الْوَقَارِ وَإِنْ كَانَ الْمِزَاحُ جَائِزًا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الصَّوَابِ وَإِبْقَاءِ هَيْبَةِ الْعِلْمِ وَوَقَارِهِ أَلَا

ص: 205

تَرَى إلَى وَاصِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قَوْلِهِ وَكَانَ يَمْزَحُ، وَلَا يَقُولُ إلَّا حَقًّا مِثْلَ «قَوْلِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِلَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى جَمَلٍ فَقَالَ لَهُ لَا أَحْمِلُك إلَّا عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ، أَوْ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام فَخَرَجَ إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ لَهُمْ سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْمِلَنِي عَلَى جَمَلٍ فَقَالَ لَا أَحْمِلُك إلَّا عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ فَقَالُوا لَهُ وَهَلْ الْجَمَلُ إلَّا وَلَدُ النَّاقَةِ» . وَمِثْلُ «قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِلْمَرْأَةِ الَّتِي شَكَتْ زَوْجَهَا فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا: هُوَ الَّذِي فِي عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ فَأَتَتْ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا فَوَجَدَتْهُ نَائِمًا فَجَعَلَتْ تَفْتَحُ عَيْنَيْهِ وَتَنْظُرُ الْبَيَاضَ فَاسْتَفَاقَ مِنْ نَوْمِهِ وَسَأَلَهَا عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَأَخْبَرَتْهُ بِكَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا زَوْجُهَا أَمَّا عَلِمْت أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ فِي عَيْنَيْهِ بَيَاضٌ» ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَرَعَهُ عليه الصلاة والسلام فِي هَذَا الْبَابِ تَخْفِيفًا لِأُمَّتِهِ وَرَحْمَةً بِهِمْ صلى الله عليه وسلم، فَهَذَا هُوَ تَوْقِيرُ مَجَالِسِ الْعِلْمِ لَا بِالْقُمَاشِ وَحُسْنِ الْمَلْبَسِ بَلْ بِحُسْنِ السَّمْتِ وَاتِّبَاعِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ صَنَّفَ فِي ذِكْرِ الْآدَابِ سَلَفٌ صَالِحٌ مِنْهُمْ الْإِمَامَانِ الْكَبِيرَانِ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ وَأَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ رضي الله عنهم وَإِنَّمَا ذَكَرْت نُبَذًا مِمَّا احْتَاجَ إلَيْهِ الْوَقْتُ فِي الْأَمْرِ الظَّاهِرِ، وَمَنْ طَلَبَ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ فَلْيَلْتَمِسْهُ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ رضي الله عنهم

، ثُمَّ نَرْجِعُ الْآنَ إلَى مَا كُنَّا بِسَبِيلِهِ حِينَ خُرُوجِ الْعَالِمِ إلَى الْمَسْجِدِ وَتَحِيَّتِهِ لَهُ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْفَرْضِ فَإِنْ كَانَ الْعَالِمُ مُشْتَغِلًا بِإِلْقَاءِ الْعِلْمِ إذْ ذَاكَ فَلْيَتْرُكْ كُلَّ مَا هُوَ فِيهِ هُوَ وَجُلَسَاؤُهُ وَيَشْتَغِلُونَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ مَا هُوَ فَرْضٌ يُتْرَكُ لِفَرْضٍ فَيُقَالُ هُوَ طَلَبُ الْعِلْمِ يُتْرَكُ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حِكَايَةِ مَالِكٍ مَعَ ابْنِ وَهْبٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ لَهُ مَا الَّذِي قُمْت إلَيْهِ بِأَوْجَبَ عَلَيْك مِنْ الَّذِي قُمْت عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا فِي الْمَسْجِدِ إذْ ذَاكَ، فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَهَا رُكُوعٌ قَبْلَهَا فَإِنْ كَانَتْ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَهِيَ مِنْ السُّنَنِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُمَا فَرْضًا فَلَهُ

ص: 206

ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ وَهُوَ أَنْ يَنْذِرَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ التَّلَبُّسِ بِهِمَا فَتَصِيرُ فَرْضًا فِي سُنَّةٍ، وَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِمَا ثُمَّ يُصَلِّي الْفَرْضَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُفْعَلُ فِيهِ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْإِيمَانِ وَالِاحْتِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ قَبْلُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَمِنْ الْآدَابِ الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا بَعْدَهَا فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِيمَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ، أَوْ يُسْتَحَبُّ وَفِيمَا يَجِبُ تَأْخِيرُهُ، أَوْ يُسْتَحَبُّ، وَمِنْ هَذَا الْبَابِ يَقَعُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فِي تَقْدِيمِ مَا يَجِبُ تَأْخِيرُهُ، أَوْ تَأْخِيرِ مَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ فَيُنْظَرُ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَشْهُودِ وَهُوَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ الَّذِي يُتَكَلَّمُ فِيمَا يُفْعَلُ فِيهِ مَا هُوَ الْأَوْلَى بِهِ فِيهِ فَيُقَدَّمُ فِعْلُهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ.

وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ رحمه الله إذَا جَاءَ أَحَدٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَسْأَلَةِ عِلْمٍ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَقُولُ يَأْتِي أَحَدُهُمْ فِي صِفَةِ شَيْطَانٍ وَيَسْأَلُ عَنْ مَسْأَلَةِ عِلْمٍ إنْكَارًا مِنْهُ رحمه الله الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ اقْتِدَاءً مِنْهُ بِالسَّلَفِ السَّابِقِينَ رضي الله عنهم وَإِيثَارًا مِنْهُ اشْتِغَالَ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالتَّوَجُّهِ وَالْعِبَادَةِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى زَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا رَاغِبِينَ فِي الْعِلْمِ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ انْتَشَرُوا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ انْتَشَرُوا فِي أَسْبَابِ الدُّنْيَا وَالِانْهِمَاكِ عَلَيْهَا غَالِبًا فَقَلَّ أَنْ يَتْرُكُوا ذَلِكَ وَيَأْتُوا الْمَسَاجِدَ لِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ الَّذِي يُعَلِّمُ الْعِلْمَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَسَيَأْتِي إذَا كَانَ فِي الْمَدْرَسَةِ، أَوْ غَيْرِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ الْمَذْكُورَةِ آنِفًا فَيَنْبَغِي، أَوْ يَجِبُ إشْغَالُ هَذَا الْوَقْتِ بِالْكَلَامِ فِي مَسَائِلِ الْعِلْمِ، وَآكَدُهَا الْفِقْهُ وَالْكَلَامُ فِي أَمْرِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَمَا يَجُوزُ وَمَا يُكْرَهُ وَمَا يُمْنَعُ لَعَلَّهُمْ يَسْمَعُونَ ذَلِكَ وَيَتَعَلَّمُونَ أَحْكَامَ رَبِّهِمْ عَلَيْهِمْ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَدْعُوهُمْ إلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ وَالْإِصْغَاءِ إلَى فَوَائِدِهِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَعَهْدِي مِنْ عَادَةِ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَغْرِبِ يَأْخُذُونَ الدُّرُوسَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَأْتِي الْعَوَامُّ إلَيْهِمْ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمْ فِي الْمَسَاجِدِ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَكَانَ سَيِّدِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الزَّيَّاتُ رحمه الله -

ص: 207