الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَمِعْتُ سَيِّدِي أَبَا مُحَمَّدٍ رحمه الله يَقُولُ لَمَّا أَنْ تَأَهَّلْت قُلْت لِلزَّوْجَةِ لَا تَتَحَرَّكِي، وَلَا تَتَكَلَّمِي بِكَلِمَةٍ فِي غَيْبَتِي إلَّا وَتَعْرِضِيهَا عَلَيَّ حِينَ آتِي لِأَنِّي مَسْئُولٌ عَنْ تَصَرُّفِك كُلِّهِ، كُنْت مَسْئُولًا عَنْ نَفْسِي لَيْسَ إلَّا وَأَنَا الْآنَ مَسْئُولٌ عَنْ نَفْسِي وَعَنْكِ فَأُسْأَلُ عَنْ عَشْرِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ، وَكُلُّ مَا أَنَا مُطَالَبٌ بِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَغَيْرِهَا حَتَّى بَالَغَ مَعَهَا بِأَنْ قَالَ لَهَا إنْ نَقَلْتِ الْكُوزَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فَأَخْبِرِينِي بِهِ قَالَ وَذَلِكَ خِيفَةً مِنْ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِي شَيْءٍ تَظُنُّ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِيهِ فَبَقِيَتْ تُخْبِرُنِي بِكُلِّ تَصَرُّفِهَا إلَى أَنْ طَالَ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَبَقِيَتْ تُخْبِرُنِي بِمَا يَظْهَرُ لَهَا أَنَّ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةٌ وَتَسْكُتُ عَنْ الْبَاقِي فَوَجَدْت نَفْسِي قَلِقًا خِيفَةَ أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَظْهَرْ أَنَّ فِيهِ فَائِدَةً قَدْ يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ فَبَقِيت إذَا دَخَلْت الْبَيْتَ يُنْطِقُ اللَّهُ لِي جِدَارَ الْبَيْتِ حِينَ أَدْخُلُ فَيَقُولُ لِي جَمِيعَ تَصَرُّفِهَا فَأَجْلِسُ فَتَعْرِضُ عَلَيَّ كُلَّ مَا تُرِيدُهُ مِمَّا يَظْهَرُ لَهَا أَنَّ فِي ذِكْرِهِ فَائِدَةً كَمَا تَقَدَّمَ فَأَقُولُ لَهَا هَلْ بَقِيَ شَيْءٌ فَتَقُولُ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهَا هُوَ ذَاكَ، فَأَقُولُ لَهَا وَفَعَلْت كَذَا وَكَذَا وَأَذْكُرُ لَهَا بَقِيَّةَ تَصَرُّفِهَا فَتَقُولُ: أَوَحْيٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْبَابُ عَلَيَّ مُغْلَقًا، وَلَا أَجِدُ مَعِي فِي الْبَيْتِ أَحَدًا، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلْته فَمَنْ أَخْبَرَك فَمَا بَقِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَتَحَرَّكُ بِحَرَكَةٍ حَتَّى تُخْبِرَنِي فَانْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّانَا كَيْفِيَّةَ نَظَرِهِمْ إلَى تَخْلِيصِ ذِمَمِهِمْ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ فَهِمُوا مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وَعَمِلُوا بِهِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِمْ وَأَعَادَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَرَكَاتِهِمْ بِمَنِّهِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ
[فَصْلٌ فِي آكَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَهَمِّهَا للعالم]
(فَصْلٌ)
وَمِنْ آكَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَهَمِّهَا تَفَقُّدُ الْقِرَاءَةِ إذْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامِ وَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ وَفَضِيلَةٌ فَالْوَاجِبَةُ قِرَاءَةُ أُمِّ الْقُرْآنِ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا وَحَرَكَاتِهَا وَشَدَّاتِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْمُومًا وَالسُّنَّةُ سُورَةٌ مَعَهَا وَالْفَضِيلَةُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَعْنِي فِي غَيْرِ الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ أَفْضَلَهَا
طُولُ الْقِيَامِ فِيهَا.
أَلَا تَرَى إلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما حَيْثُ قَالَ «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَفْتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ، ثُمَّ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ النِّسَاءِ، ثُمَّ الْمَائِدَةِ حَتَّى سَمِعْت هَذَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ رَكَعَ» .
وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه حَيْثُ كَانَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَةِ الْوِتْرِ الْخَتْمَةَ كُلَّهَا، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ فِي وَلَدِهِ وَعَبْدِهِ وَأَمَتِهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهِمْ عُجْمَةٌ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى النُّطْقِ فَلَا حَرَجَ، وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِالتَّصْرِيحِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَ عَبْدَهُ وَأَمَتَهُ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ وَمَا يَحْتَاجَانِ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دِينِ هِمَا كَمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إذْ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ رَعِيَّتِهِ، وَقَدْ كَثُرَ الْجَهْلُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ بِهَذَا الْمَعْنَى حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ لَا حَظَّ لَهُمَا فِي تَعْلِيمِ ذَلِكَ حَتَّى لَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَذْكُرُ شَيْئًا لَوْ اعْتَقَدَهُ لَكَانَ كُفْرًا لَا شَكَّ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ جَهْلٌ وَسَخَفٌ وَبِدْعَةٌ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَالْإِقْلَاعُ عَنْهُ وَهُوَ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ صَلَاةَ الْعَبْدِ وَصَوْمَهُ وَبَاقِيَ عِبَادَتِهِ كُلُّ ذَلِكَ لِسَيِّدِهِ، أَوْ لِسَيِّدَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ بِمَنِّهِ.
وَكَذَلِكَ يُعَلِّمُهُنَّ مَا يَخُصُّهُنَّ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ فِي الْحَيْضِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَرِّفَهُنَّ أَنَّ الْحَيْضَ عَلَى سِتِّ مَرَاتِبَ: أَوَّلُهُ أَسْوَدُ، ثُمَّ حُمْرَةٌ، ثُمَّ صُفْرَةٌ، ثُمَّ غُبْرَةٌ، ثُمَّ كُدْرَةٌ، ثُمَّ قَصَّةٌ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَتَصِيرُ جَافَّةً، فَالْخَمْسَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ وَالْقَصَّةُ وَالْجُفُوفُ نَقَاءٌ وَكَثِيرًا مَا يُتَسَاهَلُ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْبَابِ لِقِلَّةِ سُؤَالِهِنَّ وَمَنْ يُعَلِّمُهُنَّ، فَمِنْهُنَّ مَنْ تَرَى أَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يَحْرُمُ فِي الْقِسْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْغُبْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فَلَا بَأْسَ بِالْوَطْءِ فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ الْأُوَلِ وَبَعْدَهَا يَجُوزُ الْوَطْءُ وَمِنْهُنَّ مَنْ تَعْتَقِدُ أَنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ فَإِنْ رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ مُضِيِّهَا لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ وَانْتَظَرَتْ
تَمَامَهَا دُونَ غُسْلٍ وَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَوَطْءٍ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ وَصَامَتْ وَوُطِئَتْ مَعَ وُجُودِ الْحَيْضِ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» انْتَهَى فَيَسْتَحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ وَتَغَفُّلِ الْأَزْوَاجِ، ثُمَّ يُعَلِّمُهُنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَأَقَلَّهَا وَمَا بَيْنَهُمَا وَيُعَرِّفُهُنَّ مَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ خَمْسِ رَكَعَاتٍ إلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَلْ يُقَدَّرُ لَهَا قَدْرَ زَمَنِ الْغَسْلِ بِلَا تَرَاخٍ، أَوْ زَمَنِ الرَّكَعَاتِ، وَكَذَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالصُّبْحُ إلَى أَنْ يَبْقَى لَهَا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُحَقِّقُ لَهُنَّ الطُّهْرَ بِمَاذَا يَكُونُ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَخْتَلِفْنَ فِي هَذَا فَوَاحِدَةٌ يَكُونُ طُهْرُهَا بِالْجُفُوفِ وَأُخْرَى يَكُونُ طُهْرُهَا بِالْقَصَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَيُعَلِّمُهُنَّ أَيْضًا مَوَانِعَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً مِنْهَا عَشَرَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ وَهِيَ: مَنْعُ رَفْعِ حَدَثِهَا مِنْ حَيْضَتِهَا. وَوُجُوبُ الصَّلَاةِ صِحَّةُ فِعْلِهَا. صِحَّةُ فِعْلِ الصَّوْمِ دُونَ وُجُوبِهِ. مَسُّ الْمُصْحَفِ. دُخُولُ الْمَسْجِدِ. الِاعْتِكَافُ وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ. الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ.
وَمِنْهَا خَمْسَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهِيَ: مَنْعُ وَطْئِهَا فِيمَا تَحْتَ الْإِزَارِ. مَنْعُ وَطْئِهَا بَعْدَ النَّقَاءِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ الْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ. الثَّالِثُ مَنْعُ رَفْعِ حَدَثِ غَيْرِهَا. مَنْعُ اسْتِعْمَالِ فَضْلِ مَائِهَا. قِرَاءَتُهَا الْقُرْآنَ ظَاهِرًا الْمَشْهُورُ الْجَوَازُ، وَلْيُحْذَرْ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تُفْعَلُ فِي زَمَانِنَا هَذَا وَهِيَ أَنْ تَقْعُدَ الْمَرْأَةُ بَعْدَ انْقِطَاعِ دَمِهَا فَتَطْلُبَ الصَّابُونَ فِي يَوْمٍ وَتَغْسِلَ ثِيَابَهَا فِي الثَّانِي وَتَغْتَسِلَ فِي الثَّالِثِ وَتُصَلِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَتَقْعُدُ مُدَّةً بِغَيْرِ صَلَاةٍ فِي ذِمَّتِهَا، ثُمَّ تَرْتَكِبُ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تُصَلِّي إلَّا مَا أَدْرَكَتْهُ بَعْدَ غُسْلِهَا، وَلَا تَقْضِي مَا فَوَّتَتْهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ مُتَعَمِّدًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهَا حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ هَلْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَمْ لَا سَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ
هُوَ مُرْتَدٌّ، أَوْ مُسْلِمٌ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مُرْتَدٌّ قَالَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَيَعُودُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُرْتَكِبٌ لِكَبِيرَةٍ عُظْمَى فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ وَيَقْضِيَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ تَظْهَرَ اسْتِقَامَتُهُ.
وَكَذَلِكَ يُنَبِّهُهُنَّ أَيْضًا عَلَى مَا إذَا تَمَادَى بِهَا الدَّمُ وَزَادَ عَلَى عَادَتِهَا وَانْقَطَعَ، وَحُكْمُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ تَمَادَى بِهَا وَلَمْ يَنْقَطِعْ وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُنَبِّهَهُنَّ عَلَى مَا يَفْعَلُ بَعْضُهُنَّ مِنْ أَنَّهُنَّ إذَا انْقَطَعَ الْحَيْضُ عَنْ إحْدَاهُنَّ خَرَجَتْ إلَى الْحَمَّامِ فَتَغْتَسِلُ فِيهِ، وَهِيَ لَا تَدْرِي أَحْكَامَ الْغُسْلِ وَمَا يَلْزَمُهَا فِيهِ بَلْ تُنَظِّفُ جَسَدَهَا وَتَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، فَلَوْ صَلَّتْ بِهَذَا الْغُسْلِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا، وَلَا يَحِلُّ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا إذْ أَنَّهَا لَمْ تَغْتَسِلْ بَعْدُ مِنْ حَيْضَتِهَا الْغُسْلَ الشَّرْعِيَّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تُوجَدْ فِيهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهَا الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ تَغْتَسِلَ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ مِنْ حَيْضَتِهَا، أَوْ جَنَابَتِهَا، أَوْ هُمَا مَعًا، فَإِذَا نَوَتْ النِّيَّةَ الْمُعْتَبَرَةَ فَقَدْ صَحَّ غُسْلُهَا وَاسْتَبَاحَتْ الصَّلَاةَ وَالْوَطْءَ وَكُلَّ مَا كَانَتْ مَمْنُوعَةً مِنْهُ فِي حَالِ حَيْضِهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إزَالَةِ الْوَسَخِ، أَوْ بَعْدَهُ، بِخِلَافِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُنَّ مِنْ أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا هُوَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَالتَّنَظُّفِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِجَهْلِهِنَّ بِالْحُكْمِ فِي ذَلِكَ وَيُنَبِّهُهُنَّ عَلَى هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا بَعْضُ النِّسَاءِ بَلْ الْمُحَرَّمَةِ وَهِيَ أَنَّهُنَّ يَعْتَقِدْنَ أَنَّ إحْدَاهُنَّ لَا تَطْهُرُ حَتَّى تُدْخِلَ يَدَهَا فِي فَرْجِهَا وَتَغْسِلَ دَاخِلَهُ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَا غُسْلَ لَهَا فَجَرَّتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ الْمُحَرَّمَةُ إلَى مُحَرَّمٍ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهَا إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهِيَ لَمْ تَغْتَسِلْ فَتَتْرُكْ الْغُسْلَ نَهَارًا مُحَافَظَةً مِنْهَا عَلَى صِحَّةِ الصَّوْمِ بِسَبَبِ أَنَّهَا تُفْطِرُ بِإِدْخَالِ يَدِهَا فِي فَرْجِهَا، فَلَوْ أَنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ هَذَا الْفِعْلَ الْمُحَرَّمَ اغْتَسَلَتْ نَهَارًا وَحَصَلَ لَهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ مَعًا عَلَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ نَهَارًا لَصَحَّ صَوْمُهَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ رحمه الله مَعَ فِعْلِهَا هَذَا الْمُحَرَّمَ الشَّنِيعَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُفْطِرُ بِذَلِكَ عِنْدَهُ وَيَنْتَقِضُ بِهِ وُضُوءُهَا دُونَ غُسْلِهَا؛ لِأَنَّ مَالِكًا رحمه الله -
لَمَّا أَنْ سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَمَسُّ فَرْجَهَا هَلْ عَلَيْهَا وُضُوءٌ أَمْ لَا فَقَالَ: إنْ أَلْطَفَتْ فَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ قِيلَ وَمَا مَعْنَى أَلْطَفَتْ قَالَ أَنْ تَفْعَلَ كَمَا يَفْعَلُ شِرَارُ النِّسَاءِ وَهِيَ أَنْ تُدْخِلَ أُصْبُعَهَا مَعَهَا انْتَهَى.
وَسَبَبُ هَذَا عَدَمُ الْعِلْمِ وَعَدَمُ الْفَهْمِ لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَغْتَسِلُ مِنْ الْحَيْضِ قَالَ: خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً وَتَوَضَّئِي ثَلَاثًا، ثُمَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَحَى وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ، أَوْ قَالَ تَوَضَّئِي بِهَا. قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَخَذْتُهَا فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» انْتَهَى. وَذَلِكَ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ مُنْتِنٌ لَهُ رَائِحَةٌ فَقَدْ يَشُمُّهَا الرَّجُلُ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْفِرَاقِ، وَالْوُضُوءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَضَاءَةِ يُقَالُ: وَجْهٌ وَضِيءٌ أَيْ حَسَنٌ نَظِيفٌ فَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنَّمَا هُوَ تَنْظِيفُ الْمَحَلِّ وَتَطْيِيبُهُ، وَصِفَةُ مَا تَفْعَلُ أَنْ تَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْقُطْنِ، أَوْ غَيْرِهِ فَتَجْعَلُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْمِسْكِ وَلَوْ قَلَّ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الطِّيبِ إنْ تَعَذَّرَ الْمِسْكُ فَتُرْسِلَهُ مَعَهَا بِرِفْقٍ وَتَلْحِمُ عَلَيْهِ بِحَفَّاضٍ وَتَتْرُكُهُ حَتَّى تَظُنَّ أَنَّ مَا فِي الْمَحَلِّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ هَكَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَلَيْسَ هُوَ غَسْلُ بَاطِنِ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ كَمَا يَزْعُمْنَ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ أَذِيَّةُ لَهَا وَلِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا وَصَلَ إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ مَعَ الْأَصَابِعِ أَرْخَى الْمَحَلَّ وَبَرَّدَهُ وَوَسَّعَهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ فَكَيْفَ مَعَ وُجُودِ الضَّرَرِ وَالْإِخْلَالِ بِالْفَرْضِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّهَا أَنْ تَغْسِلَ الْمَحَلَّ كَمَا تَغْسِلُهُ الْبِكْرُ سَوَاءً بِسَوَاءٍ لَا تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ وَغَيْرَهُنَّ مِمَّنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهُنَّ بِمَا أَحْدَثَ بَعْضُ النِّسَاءِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِمَّنْ لَهَا مَنْظَرٌ وَسِمَنٌ فَتَخَافُ إنْ صَامَتْ أَنْ يَذْهَبَ بَعْضُ جَمَالِهَا، أَوْ سِمَنِهَا فَتُفْطِرُ خِيفَةً مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ اسْتِحْلَالًا فَتَكْفُرُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا عَلَى اعْتِقَادِ التَّحْرِيمِ فَهِيَ مُرْتَكِبَةٌ لِمَعْصِيَةٍ كُبْرَى يَجِبُ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: التَّوْبَةُ، وَالْقَضَاءُ
وَالْكَفَّارَةُ وَتُؤَدَّبُ إنْ عَثَرَ عَلَيْهَا عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فَيَحْتَاجُ الْعَالِمُ أَنْ يَتَبَتَّلَ لِتَعْلِيمِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لِلْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] إلَى قَوْلِهِ {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ» فَسَوَّى بَيْنَ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَالْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ، وَمَا زَالَ السَّلَفُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ تَجِدُ أَوْلَادَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ وَإِمَاءَهُمْ فِي غَالِبِ أَمْرِهِمْ مُشْتَرَكِينَ فِي هَذِهِ الْفَضَائِلِ كُلِّهَا.
أَلَا تَرَى إلَى بِنْتِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رضي الله عنهما لَمَّا أَنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَكَانَ مِنْ أَحَدِ طَلَبَةِ وَالِدِهَا فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحَ أَخَذَ رِدَاءَهُ يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: إلَى أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ: إلَى مَجْلِسِ سَعِيدٍ أَتَعَلَّمُ الْعِلْمَ فَقَالَتْ: لَهُ اجْلِسْ أُعَلِّمُكَ عِلْمَ سَعِيدٍ.
وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رحمه الله حِينَ كَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْمُوَطَّأَ فَإِنْ لَحَنَ الْقَارِئُ فِي حَرْفٍ، أَوْ زَادَ، أَوْ نَقَصَ تَدُقُّ ابْنَتُهُ الْبَابَ فَيَقُولُ أَبُوهَا لِلْقَارِئِ ارْجِعْ فَالْغَلَطُ مَعَك فَيَرْجِعُ الْقَارِئُ فَيَجِدُ الْغَلَطَ.
وَكَذَلِكَ مَا حُكِيَ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَأَنَّهُ اشْتَرَى خَضِرَةً مِنْ جَارِيَةٍ وَكَانُوا لَا يَبِيعُونَ الْخَضِرَةَ إلَّا بِالْخُبْزِ فَقَالَ لَهَا: إذَا كَانَ عَشِيَّةً حِينَ يَأْتِينَا الْخُبْزُ فَائْتِينَا نُعْطِيك الثَّمَنَ فَقَالَتْ: ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَقَالَ لَهَا: وَلِمَ فَقَالَتْ: لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ غَيْرُ يَدٍ بِيَدٍ فَسَأَلَ عَنْ الْجَارِيَةِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا جَارِيَةُ بِنْتِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ كَانَ حَالُهُمْ وَإِنَّمَا عَيَّنْت مَنْ عَيَّنْت تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ عَدَاهُمْ، وَقَدْ كَانَ فِي زَمَانِنَا هَذَا سَيِّدِي أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَرَأَتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ الْخَتْمَةَ فَحَفِظَتْهَا.
وَكَذَلِكَ رِسَالَةُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ رحمه الله وَنِصْفُ الْمُوَطَّإِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَكَذَلِكَ ابْنَتَاهَا قَرِيبَانِ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي زَمَانِنَا فَمَا بَالُكَ بِزَمَانِ السَّلَفِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -.
وَالْعَالِمُ أَوْلَى مَنْ يَحْمِلُ أَهْلَهُ وَمَنْ يَلُوذُ بِهِ عَلَى طَلَبِ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ فَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ جُهْدَهُ فَإِنَّهُمْ