المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في كيفية محاولة الأعمال كلها أن ترجع إلى الوجوب أو إلى الندب] - المدخل لابن الحاج - جـ ١

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْأَفْعَالِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ حَاضِرَةٍ]

- ‌[طَلَب الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ مُحَاوَلَةِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ إلَى النَّدْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْهُبُوبِ مِنْ النَّوْمِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ]

- ‌[الاجتناب والكراهة لَمَا يباشر فِي الْمَسَاجِد مِنْ البدع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالِمِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْتَرِزَ الْعَالم فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُجَالِسُهُ أَوْ يُبَاشِرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شرع فِي أَخَذَ الدرس يَجِب أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّرْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أُورِدَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ وَالِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَفَقَّدَ الْعَالم إخْوَانَهُ وَجُلَسَاءَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا قَعَدَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النُّعُوتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّبَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِيَامِ للناس فِي المحافل والمجالس]

- ‌[فَصْلٌ فِي جلوس الْعَالم عَلَى حَائِلٍ مُرْتَفِعٍ دُونَ مَنْ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْم الْمَرَاوِحَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْحَلْقَةِ الَّتِي تَعْمَلُ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْعَالم مَكَانٌ مُمَيَّزٌ لِآحَادِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَنْبَغِي للعالم أَنْ لَا يَنْزَعِجَ عَلَى مَنْ آذَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَحْذَرَ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَسْمَعَ مِنْ يَنِمُّ عِنْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَرُّز عَنْ الْغِيبَة فى مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي التحرز عَنْ الْكَذِب فِي مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْمِزَاحِ]

- ‌[فَصَلِّ مَا يَنْبَغِي عَلَى الْعَالم أَثْنَاء السَّيْر]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَجِبُ عَلَيَّ الْعَالم أَوْ يُنْدَبُ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حِينَ رُجُوعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يبدأ بِهِ الْعَالم عِنْد دُخُول الْبَيْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالم يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْكَعَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ جُلُوسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُجُوب تَعْلِيم الْعَالم أَهْلِهِ الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آكَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَهَمِّهَا للعالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ غَسَلَ الْيَد عِنْد الْأَكْلَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَبِسَ النِّسَاء الْعَمَائِمِ الَّتِي يَعْمَلْنَهَا عَلَى رُؤْسِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْسِيعِ النِّسَاء الْأَكْمَامِ الَّتِي أَحْدَثْنَهَا مَعَ قِصَرِ الْكُمِّ]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَّةَ فِي هيئة خُرُوجِ النِّسَاء إنْ اضْطَرَّتْ إِلَيَّ الْخُرُوج]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى شِرَاءِ حَوَائِجِهِنَّ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُّكْنَى النِّسَاء عَلَى الْبَحْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ النِّسَاء لِلْقُبُورِ]

- ‌[بِنَاء الدُّور فِي الْقُبُور]

- ‌[التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ زِيَارَةِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاء إلَى دُورِ الْبِرْكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الدُّورِ الَّتِي عَلَى الْبَسَاتِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكُوبِ النِّسَاء الْبَحْرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الْمَحْمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلْنَهُ النِّسَاء فِي يَوْمِ السَّبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس إذَا نَزَلَتْ الشَّمْسُ فِي بُرْجِ الْحَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ أَرْبَعِينَ أَرْبِعَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاء فِي الْمَوَاسِمِ]

- ‌[المرتبة الْأُولَى المواسم الشَّرْعِيَّة وَهِيَ ثَلَاثَة]

- ‌[الموسم الْأَوَّل عِيد الأضحي]

- ‌[الموسم الثَّانِي عِيدُ الْفِطْرِ]

- ‌[الموسم الثَّالِث يَوْمُ عَاشُورَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا النِّسَاءُ اسْتِعْمَالُ الْحِنَّاءِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاء]

- ‌[المرتبة الثَّانِيَة المواسم الَّتِي ينسبونها إلَى الشِّرْع وليست مِنْهُ]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة فِي الليلة الْأُولَى مِنْ شَهْر رجب]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة صَلَاة الرغائب فِي الْجُمُعَةَ الأولي مِنْ رجب]

- ‌[مِنْ البدع الَّتِي أحدثوها فِي لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ البدع المحدثة فِي لَيْلَةُ النِّصْفِ شَعْبَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْلِدِ النَّبِيّ والبدع المحدثة فِيهِ]

الفصل: ‌[فصل في كيفية محاولة الأعمال كلها أن ترجع إلى الوجوب أو إلى الندب]

[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ مُحَاوَلَةِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ إلَى النَّدْبِ]

ِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم إخْبَارًا عَنْ رَبِّهِ عز وجل يَقُولُ:: «لَنْ يَتَقَرَّبَ إلَيَّ الْمُتَقَرِّبُونَ بِأَحَبَّ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْته عَلَيْهِمْ ثُمَّ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» .

قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَبْقَى تَصَرُّفُهُ كُلُّهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ لِلَّهِ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ لِلَّهِ وَإِنْ نَظَرَ نَظَرَ لِلَّهِ وَإِنْ غَضَّ طَرْفَهُ غَضَّهُ لِلَّهِ وَإِنْ بَطَشَ بَطَشَ لِلَّهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْمَرْجَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّ الْفَقِيرَ حَالُهُ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْأَلْفِ يَعْنِي أَنَّ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ خَالِصَةٌ لِرَبِّهِ قَائِمًا فِيهَا بِهِ إذْ أَنَّهُ لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ شَيْئًا فَهُوَ بِهِ وَإِلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ قَوْلَ الْحَلَّاجِ رحمه الله وَنَفَعَ بِهِ لِمَا قِيلَ: لَهُ أَيْنَ اللَّهُ قَالَ: فِي الْجُبَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الْجُبَّةِ الَّتِي عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ تَصَرُّفٌ، وَإِنَّمَا التَّصَرُّفُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَبِاَللَّهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ بِسَبِيلِهِ فَأَفْتَى مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ فِي وَقْتِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ بِقَتْلِهِ؛ تَحَفُّظًا مِنْهُمْ عَلَى مَنْصِبِ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ غَيْرُ مُحَقِّقٍ فَيَدَّعِي شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ وَيَجْعَلَ قُدْوَتَهُ فِي ذَلِكَ الْحَلَّاجَ رضي الله عنه أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ» .

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَهْلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: " مَنْ انْتَقَلَ مِنْ نَفَسٍ إلَى نَفَسٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَقَدْ ضَيَّعَ وَأَدْنَى مَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ ضَيَّعَ دُخُولُهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَتَرْكُهُ مَا يَعْنِيهِ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الذِّكْرَ عَلَى قِسْمَيْنِ: ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ وَذِكْرٌ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ مِنْ النِّيَّاتِ وَمِنْ الْوُقُوفِ مَعَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَنُقِلَ

ص: 21

عَنْ حَسَّانَ بْنِ أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِمَنْ هَذِهِ الدَّارُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: مَا لِي وَهَذَا السُّؤَالُ وَهَلْ هَذِهِ إلَّا كَلِمَةٌ لَا تَعْنِينِي؟ فَآلَى عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَصُومَ سَنَةً كَامِلَةً كَفَّارَةً لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، وَسَبَبُ هَذَا الْوَاقِعِ مِنْهُ وُقُوفُهُ مَعَ نِيَّتِهِ وَالنَّظَرُ فِيهَا وَتَحْرِيرُهَا وَالِاهْتِمَامُ بِهَا فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ بِأَعْظَمَ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ لُبٌّ إنْ قَدَرَ أَنْ يَعْمَلَ الشَّيْءَ عَلَى جِهَةِ الْفَرْضِ كَانَ أَوْلَى بِهِ إذْ أَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى رَبِّهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَنْظُرُ أَوَّلًا فِي الْفِعْلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ وَالْأَفْعَالُ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ خَمْسَةٌ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمَكْرُوهٌ وَمُحَرَّمٌ فَالْحَرَامُ قَدْ تُرِكَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ فَلَا سَبِيلَ إلَى فِعْلِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حُرِّمَ وَالْمَكْرُوهُ مَا كَانَ فِي تَرْكِهِ أَجْرٌ فَلَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ تَرْكَ الْأَجْرِ، وَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي دِينِهِ نَهَّابًا.

كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ يَنْهَبَانِ فِيك فَانْهَبْ فِيهِمَا فَهُوَ يَنْهَبُ فِي الْأَعْمَالِ يَفْتَرِسُهَا كَالْأَسَدِ عَلَى فَرِيسَتِهِ يَغْتَنِمُهَا وَيُحَصِّلُهَا؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي مَضَى عَنْهُ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِ أَبَدًا، وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَيْهِ يَوْمَ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ لِأَجْلِ تَرْكِ الْأَجْرِ فِيهِ وَلِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ قَالَ:«إنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُتَشَابِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاتِعِ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ أَلَا، وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا، وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا، وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الطَّرِيقِ فَالْمَكْرُوهُ عِنْدَهُمْ كَالْمُحَرَّمِ لَا سَبِيلَ إلَى ذِكْرِهِ فَضْلًا عَنْ فِعْلِهِ وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ وَسَمِعْته يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْحُكَمَاءِ قَالَ: مَا كُنْت لَاعِبًا لَا بُدَّ أَنْ تَلْعَبَ بِهِ فَلَا تَلْعَبَنَّ بِدِينِك.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: رحمه الله الْمَعْنَى فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُسَامِحَ أَحَدًا فِي شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي مُسَامَحَتِهِ

ص: 22