المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في ذكر النعوت] - المدخل لابن الحاج - جـ ١

[ابن الحاج]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الْأَفْعَالِ كُلِّهَا أَنْ تَكُونَ بِنِيَّةِ حَاضِرَةٍ]

- ‌[طَلَب الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ مُحَاوَلَةِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ إلَى النَّدْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْهُبُوبِ مِنْ النَّوْمِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْمَسْجِدِ وَكَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ]

- ‌[الاجتناب والكراهة لَمَا يباشر فِي الْمَسَاجِد مِنْ البدع]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالِمِ وَكَيْفِيَّةِ نِيَّتِهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَحْتَرِزَ الْعَالم فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُجَالِسُهُ أَوْ يُبَاشِرُهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ شرع فِي أَخَذَ الدرس يَجِب أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الدَّرْسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا أُورِدَتْ عَلَيْهِ الْمَسَائِلُ وَالِاعْتِرَاضَاتُ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَفَقَّدَ الْعَالم إخْوَانَهُ وَجُلَسَاءَهُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَنْبَغِي للعالم إذَا قَعَدَ فِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النُّعُوتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللِّبَاسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِيَامِ للناس فِي المحافل والمجالس]

- ‌[فَصْلٌ فِي جلوس الْعَالم عَلَى حَائِلٍ مُرْتَفِعٍ دُونَ مَنْ مَعَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْم الْمَرَاوِحَ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْحَلْقَةِ الَّتِي تَعْمَلُ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الْعَالم مَكَانٌ مُمَيَّزٌ لِآحَادِ النَّاسِ]

- ‌[فَصْلٌ وَيَنْبَغِي للعالم أَنْ لَا يَنْزَعِجَ عَلَى مَنْ آذَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَحْذَرَ أَنْ يَتَّكِئَ عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَسْمَعَ مِنْ يَنِمُّ عِنْدَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّحَرُّز عَنْ الْغِيبَة فى مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي التحرز عَنْ الْكَذِب فِي مَجْلِس الْعَالم]

- ‌[فَصْلٌ يَنْبَغِي للعالم أَنْ يَتَحَرَّزَ مِنْ الْمِزَاحِ]

- ‌[فَصَلِّ مَا يَنْبَغِي عَلَى الْعَالم أَثْنَاء السَّيْر]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَجِبُ عَلَيَّ الْعَالم أَوْ يُنْدَبُ لَهُ فِي الطَّرِيقِ حِينَ رُجُوعِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يبدأ بِهِ الْعَالم عِنْد دُخُول الْبَيْت]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَالم يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْكَعَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ جُلُوسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وُجُوب تَعْلِيم الْعَالم أَهْلِهِ الْعِلْم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آكَدِ الْأَشْيَاءِ وَأَهَمِّهَا للعالم]

- ‌[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْأَكْلِ]

- ‌[فَصْلٌ غَسَلَ الْيَد عِنْد الْأَكْلَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي لُبْسِ النِّسَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ لَبِسَ النِّسَاء الْعَمَائِمِ الَّتِي يَعْمَلْنَهَا عَلَى رُؤْسِهِنَّ]

- ‌[فَصْلٌ تَوْسِيعِ النِّسَاء الْأَكْمَامِ الَّتِي أَحْدَثْنَهَا مَعَ قِصَرِ الْكُمِّ]

- ‌[فَصْلٌ السُّنَّةَ فِي هيئة خُرُوجِ النِّسَاء إنْ اضْطَرَّتْ إِلَيَّ الْخُرُوج]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى شِرَاءِ حَوَائِجِهِنَّ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُّكْنَى النِّسَاء عَلَى الْبَحْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي زِيَارَةِ النِّسَاء لِلْقُبُورِ]

- ‌[بِنَاء الدُّور فِي الْقُبُور]

- ‌[التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم]

- ‌[فَصْلٌ زِيَارَةِ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوجِ النِّسَاء إلَى دُورِ الْبِرْكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الدُّورِ الَّتِي عَلَى الْبَسَاتِينِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي رُكُوبِ النِّسَاء الْبَحْرَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خُرُوج النِّسَاء إلَى الْمَحْمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ النِّسَاءِ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلْنَهُ النِّسَاء فِي يَوْمِ السَّبْتِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ النَّاس إذَا نَزَلَتْ الشَّمْسُ فِي بُرْجِ الْحَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْحَمَّامَ أَرْبَعِينَ أَرْبِعَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْعَوَائِدِ الرَّدِيئَةِ مَا يَفْعَلُهُ النِّسَاء فِي الْمَوَاسِمِ]

- ‌[المرتبة الْأُولَى المواسم الشَّرْعِيَّة وَهِيَ ثَلَاثَة]

- ‌[الموسم الْأَوَّل عِيد الأضحي]

- ‌[الموسم الثَّانِي عِيدُ الْفِطْرِ]

- ‌[الموسم الثَّالِث يَوْمُ عَاشُورَاءَ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَحْدَثَهَا النِّسَاءُ اسْتِعْمَالُ الْحِنَّاءِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاء]

- ‌[المرتبة الثَّانِيَة المواسم الَّتِي ينسبونها إلَى الشِّرْع وليست مِنْهُ]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة فِي الليلة الْأُولَى مِنْ شَهْر رجب]

- ‌[مِنْ البدع المحدثة صَلَاة الرغائب فِي الْجُمُعَةَ الأولي مِنْ رجب]

- ‌[مِنْ البدع الَّتِي أحدثوها فِي لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ البدع المحدثة فِي لَيْلَةُ النِّصْفِ شَعْبَانَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَوْلِدِ النَّبِيّ والبدع المحدثة فِيهِ]

الفصل: ‌[فصل في ذكر النعوت]

لَا يَقَعَ إنَّمَا عَلَيْهِ إذَا وَقَعَ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَيُبْغِضُهُ لِأَنَّ تَكْلِيفَ أَنْ لَا يَقَعَ مِمَّا لَا يُطَاقُ، وَقَدْ رَفَعَهُ اللَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَا يَقْعُدُ لَأَنْ يَرْأَسَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ يُقَالَ فُلَانٌ مُدَرِّسٌ أَوْ مُفِيدٌ أَوْ يَبْحَثُ أَوْ نَبِيهٌ أَوْ حَاذِقٌ أَوْ صَاحِبُ فَهْمٍ مَعَ أَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَقَعَ هَذَا الْيَوْمَ لِكَثْرَةِ تَغَالِيهِمْ فِي الشَّخْصِ فَإِذَا رَأَوْا أَحَدًا يَتَكَلَّمُ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى مَا يَنْبَغِي قَالُوا عَنْهُ مُجْتَهِدٌ هَذَا الشَّافِعِيُّ الصَّغِيرُ هَذَا مَالِكٌ الصَّغِيرُ وَانْسَاغَ لَهُ ذَلِكَ وَمَوَّهَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَحَسِبَ أَنَّهُ كَمَا قَالُوا فَيَكُونُ مِثْلُهُ إذْ ذَاكَ كَمَا قَالُوا مِثْلَ نَائِمٍ يَرَى فِي نَوْمِهِ مَا يَسُرُّهُ وَيُعْجِبُهُ فَيَفْرَحُ بِهِ وَيُخَيَّلُ لَهُ أَنَّهُ حَقٌّ ثُمَّ يَنْتَبِهُ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ حَالُ هَذَا سَوَاءٌ لَمَّا أَنْ تَكَلَّمَ النَّاسُ بِمَا تَكَلَّمُوا بِهِ حَسِبَ نَفْسَهُ إذْ ذَاكَ كَمَا قَالُوا هَذَا ضَرْبٌ مِنْ الْحِلْمِ فَلَوْ تَيَقَّظَ مِنْ هَذِهِ السِّنَةِ وَالْغَفْلَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا أَوْ نَظَرَ إلَى مَا مَيَّزَ اللَّهُ بِهِ مَالِكًا وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرَهُمَا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْفَهْمِ الْعَظِيمِ وَالتَّقْوَى الْمَتِينَةِ لَتَلَاشَى عِلْمُهُ إذْ ذَاكَ وَفَهْمُهُ وَتَقْوَاهُ وَيَجِدُ نَفْسَهُ كَمَا قَالَ أَسَدُ بْنُ الْفُرَاتِ رحمه الله لَمَّا أَنْ رَأَى بَعْضَ الْعُلَمَاءِ بِجَامِعِ مِصْرَ، وَهُوَ يَقُولُ قَالَ مَالِكٌ كَذَا، وَهُوَ خَطَأٌ وَذَهَبَ مَالِكٌ لِكَذَا، وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ كَذَا فَقَالَ مَا أَرَى هَذَا إلَّا مِثْلَ رَجُلٍ جَاءَ إلَى الْبَحْرِ فَرَأَى أَمْوَاجَهُ وَعَجِيجَهُ فَجَاءَ إلَى جَانِبِهِ فَبَالَ بَوْلَةً، وَقَالَ هَذَا بَحْرٌ آخَرَ انْتَهَى فَكَذَلِكَ هَذَا يَجِدُ نَفْسَهُ سَوَاءً أَوْ أَعْظَمَ فَإِذَا تَيَقَّظَ مِنْ سِنَةِ غَفْلَتِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَجِدُ عِنْدَ مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ الْفَضَائِلِ تَلَاشَى مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ وَرَأَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ التَّقْصِيرِ وَالْجُمُودِ وَارْتِكَابِ مَا لَا يَنْبَغِي فِي عِلْمِهِ وَتَصَرُّفِهِ

[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ النُّعُوتِ]

وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَفَّظَ مِنْ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى وَقَلَّ أَنْ يَسْلَمَ مِنْهَا كَبِيرٌ أَوْ صَغِيرٌ وَهِيَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْقَرِيبَةِ

ص: 122

الْعَهْدِ بِالْحُدُوثِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى، بَلْ هِيَ مُخَالِفَةٌ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَهِيَ فُلَانُ الدِّينِ وَفُلَانُ الدِّينِ، وَالْعَالِمُ أَوْلَى مَنْ يَتَحَفَّظُ نَفْسَهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَيَذُبُّ عَنْ السُّنَّةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَهُوَ الْآنَ رَاعٍ عَلَى كُلِّ مَنْ حَضَرَهُ «وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فَإِذَا نَطَقَ أَحَدٌ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ نَهَاهُ بِرِفْقٍ وَتَلَطَّفَ بِهِ فِي التَّعْلِيمِ، وَنَبَّهَهُ بِمَا وَرَدَ فِي التَّزْكِيَةِ مِنْ النَّهْيِ. وَكَذَلِكَ إذَا نَادَاهُ أَحَدٌ بِهَذَا الِاسْمِ فَيُعَلِّمُهُ كَمَا ذُكِرَ، وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ فِي حَقِّهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَجْلِسِ أَنْ لَا يَسْتَجِيبَ لِمَنْ نَادَاهُ بِهَذَا الِاسْمِ حَتَّى يُنَادِيَهُ بِالِاسْمِ الْمَشْرُوعِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَجْلِسَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ خُصُوصًا التَّغْيِيرُ بِاللِّسَانِ وَالتَّعْلِيمُ بِالرِّفْقِ؛ لِأَنَّهُ لِذَلِكَ قَعَدَ.

أَلَا تَرَى أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ فِيهَا مِنْ التَّزْكِيَةِ مَا فِيهَا فَيَقَعُ بِسَبَبِهَا فِي الْمُخَالَفَةِ بِدَلِيلِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] وقَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: 49]{انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا} [النساء: 50] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُزَكُّوا عَلَى اللَّهِ أَحَدًا وَلَكِنْ قُولُوا إخَالُهُ كَذَا وَأَظُنُّهُ كَذَا» .

وَأَمَّا قَوْلُ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِهِ شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى، فَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَزْكِيَةِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ ثُمَّ قَالَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَيَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى مَا قَدْ كَثُرَ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْعِرَاقِ وَالْعَجَمِ مِنْ نَعَتْهُمْ أَنْفُسَهُمْ بِالنُّعُوتِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّزْكِيَةَ وَالثَّنَاءَ كَزَكِيِّ الدِّينِ وَمُحْيِي الدِّينِ وَعَلَمِ الدِّينِ وَشَبَهِ ذَلِكَ انْتَهَى. فَإِذَا نَادَاكَ مُنَادٍ بِهَذَا الِاسْمِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَا لَا يَنْبَغِي لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ زَكَّى الْغَيْرَ وَهُوَ مَوْضِعُ النَّهْيِ وَأَنْتَ إذَا اسْتَحْبَبْتَ لَهُ صِرْت مِثْلَهُ لِمَا تَقَدَّمَ. أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ

ص: 123

فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَمِنْهُ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ عَنْهُ الْمَلَكُ مِيلًا مِنْ نَتْنِ مَا جَاءَ بِهِ» . وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا «لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صَادِقًا وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَاذِبًا» . «وَقَدْ سُئِلَ عليه الصلاة والسلام أَيَسْرِقُ الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ، قِيلَ: أَيَزْنِي الْمُؤْمِنُ؟ قَالَ: قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ، قِيلَ: أَيَكْذِبُ الْمُؤْمِنُ قَالَ: إنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ» وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَا انْتَهَى.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وَقَدْ وَرَدَ فِيمَنْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إمْسَاكِهَا فَأَرَاهَا الْمِخْلَاةَ فَتَأْتِي عَلَى أَنَّ الْعَلَفَ فِيهَا فَيُمْسِكُهَا أَنَّهَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ كَذْبَةٌ يُحَاسَبُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ» ، وَفِعْلُهُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ صِيَانَتِهِ.

أَلَا تَرَى إلَى الْبُخَارِيِّ رحمه الله لَمَّا أَنْ رَحَلَ مِنْ بِلَادِهِ إلَى بَعْضِ الشُّيُوخِ لِيَسْمَعَ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَلَمَّا أَنْ جَلَسَ عِنْدَهُ جَاءَ صَغِيرٌ لِيَقَعَ مِنْ مَوْضِعٍ فَقَبَضَ الشَّيْخُ يَدَهُ لِكَيْ يَظُنَّ الصَّبِيُّ أَنْ فِي يَدِهِ شَيْئًا يُعْطِيهِ إيَّاهُ لِيَأْتِيَ فَيَأْخُذُ مَا فِيهَا، فَقَامَ الْبُخَارِيُّ رضي الله عنه وَتَرَكَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ عَلَيْهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ كَذِبًا وَقَدْحًا فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ، فَإِذَا قَالَ مَثَلًا مُحْيِي الدِّينِ أَوْ زَكِيُّ الدِّينِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ لَهُ هَذَا هُوَ الَّذِي أَحْيَا الدِّينَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي زَكَّى الدِّينَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ إذْ ذَاكَ حِينَ السُّؤَالِ بَلْ حِينَ أَخْذِهِ صَحِيفَتَهُ فَيَجِدُهَا مَشْحُونَةً بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ التَّزْكِيَةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ

ص: 124

عَلَيْهِمْ فِي مَعْنَى الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] هَلْ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ يَكْتُبُونَ كُلَّ مَا يَتَلَفَّظُ بِهِ الشَّخْصُ الْمُكَلَّفُ كَانَ مَا كَانَ أَوْ لَا يَكْتُبُونَ إلَّا مَا تَضَمَّنَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي هِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ بِسَبِيلِهَا إذْ أَنَّهَا احْتَوَتْ عَلَى أَشْيَاءَ مَذْمُومَةٍ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ، وَهِيَ تَزْكِيَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَتَزْكِيَتُهُ لِغَيْرِهِ وَالْكَذِبُ وَمُخَالَفَةُ السَّلَفِ رضي الله عنهم، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَوْ وَقَفَ أَمْرُنَا عَلَى هَذَا لَكَانَ قَرِيبًا أَنْ لَوْ كَانَ سَائِغًا؛ لِأَنَّهُ إذَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّ هَذَا كَذِبًا وَتَزْكِيَةً يُرْجَى لِأَحَدِنَا التَّوْبَةُ وَالْإِقْلَاعُ وَلَكِنْ زِدْنَا عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرَ الْمَخُوفَ وَهُوَ أَنَّا نَرَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَوْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ بِحَسَبِ مَا سَوَّلَتْ لَنَا أَنْفُسُنَا مِنْ أَنَّ النَّاسَ إذَا خُوطِبُوا بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ تَشَوَّشُوا مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَتَوَلَّدَتْ الشَّحْنَاءُ وَالْبَغْضَاءُ فَوَضَعْنَا لَهُمْ التَّزْكِيَةَ الْخَالِصَةَ حَتَّى لَا يَتَشَوَّشُوا وَلَا تَتَوَلَّدُ الْبَغْضَاءُ وَلَا الْعَدَاوَةُ، لَا جَرَمَ أَنَّ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالشَّحْنَاءَ قَدْ كَمَنَتْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَحَصَلَ مِنْهَا أَوْفَرُ نَصِيبٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ فَبَقِيَتْ الْبَوَاطِنُ مُتَنَافِرَةً مَعَ الْأَذْهَانِ فِي الظَّاهِرِ، فَأَدَّتْ هَذِهِ الْبِدْعَةُ إلَى الْأَمْرِ الْمَخُوفِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْمُنَافِقِ أَنْ يَكُونَ بَاطِنُهُ وَمُعْتَقَدُهُ خِلَافَ ظَاهِرِهِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ تَجُوزُ لَمَا كَانَ أَحَدٌ أَوْلَى بِهَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَنَّهُمْ شُمُوسُ الْهُدَى وَأَنْوَارُ الظُّلَمِ وَهُمْ أَنْصَارُ الدِّينِ حَقًّا كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ لَهُمْ فِي الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ.

أَلَا تَرَى إلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّاتِي اخْتَارَهُنَّ اللَّهُ لَهُ عليه الصلاة والسلام وَاصْطَفَاهُنَّ لِمَا عَلِمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى مَا فِيهِنَّ مِنْ الشِّيَمِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحْوَالِ الْعَالِيَةِ الْمُرْضِيَةِ «لَمَّا أَنْ دَخَلَ عليه الصلاة والسلام بِزَيْنَبِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَ لَهَا: مَا اسْمُكِ فَقَالَتْ: بَرَّةُ فَكَرِهَ ذَلِكَ الِاسْمَ وَقَالَ لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ» .

لِمَا فِيهِ مِنْ اشْتِقَاقِ اسْمِ الْبِرِّ، وَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا مَا اُخْتِيرَتْ لِسَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ إلَّا

ص: 125

وَفِيهَا مِنْ الْبِرِّ بِحَيْثُ الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَرِهَ ذَلِكَ الِاسْمَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةً لِمَا فِيهِ مِنْ التَّزْكِيَةِ فَجَدَّدَ اسْمَهَا زَيْنَبَ، وَكَذَلِكَ «فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام مَعَ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَجَدَّدَ اسْمَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فَسَمَّاهَا جُوَيْرِيَةَ» ، فَإِذَا كَرِهَ عليه الصلاة والسلام ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ فِيهِ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَنَهَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ «لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ» فَمَا بَالُك بِأَحْوَالِنَا الْيَوْمَ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا مَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ هَانِئٍ رضي الله عنه أَنَّهُ «لَمَّا وَفَدَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ قَوْمِهِ سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ، فَقَالَ: إنَّ قَوْمِي إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فَرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بِحُكْمِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَحْسَنَ هَذَا فَمَا لَكَ مِنْ الْوَلَدِ، فَقَالَ: لِي شُرَيْحٌ وَمُسْلِمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ، قَالَ: شُرَيْحٌ، قَالَ: فَأَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ» .

، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا هَذِهِ الْأَسْمَاءُ مَجَازٌ لَا عِبْرَةَ بِهَا، وَقَدْ صَارَتْ أَيْضًا كَأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ حَتَّى لَا يُعْرَفُ أَحَدٌ إلَّا بِهَا فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْ بَابِ التَّزْكِيَةِ إلَى بَابِ أَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ كَالْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ. فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يَرُدُّهُ مَا نُشَاهِدُهُ فِي الْوُجُودِ مُبَاشَرَةً، وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إذَا قِيلَ لَهُ اسْمُهُ الْعَلَمُ الشَّرْعِيُّ كَالْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ تَشَوَّشَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ نَادَاهُ بِذَلِكَ وَوَجَدَ عَلَيْهِ الْحَنَقَ لِكَوْنِهِ تَرَكَ ذَلِكَ الِاسْمَ وَعَدَلَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَهَذَا يُوَضِّحُ وَيُبَيِّنُ أَنَّ التَّزْكِيَةَ بَاقِيَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّهَا لَمْ تَبْرَحْ وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مَوْضِعِهَا الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا الْكَذِبُ وَالتَّزْكِيَةُ لَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَى عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ» وَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ مَا ظَهَرَتْ إلَّا مِنْ قِبَلِهِمْ، وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ الشُّيُوخِ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى وَالدِّينِ يَقُولُ: إنَّهُ أَدْرَكَ أَبَاهُ وَمَنْ كَانَ فِي سِنِّهِ لَا يَتَسَمَّوْنَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَا يَعْرِفُونَهَا.

وَكَانَ سَبَبُهَا

ص: 126

أَنَّ التُّرْكَ لَمَّا تَغَلَّبُوا عَلَى الْخِلَافَةِ تَسَمَّوْا إذْ ذَاكَ هَذَا شَمْسُ الدَّوْلَةِ، وَهَذَا نَاصِرُ الدَّوْلَةِ، وَهَذَا نَجْمُ الدَّوْلَةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَتَشَوَّفَتْ نُفُوسُ بَعْضِ الْعَوَامّ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ إلَى تِلْكَ الْأَسْمَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْفَخْرِ، فَلَمْ يَجِدُوا سَبِيلًا إلَيْهَا لِأَجْلِ عَدَمِ دُخُولِهِمْ فِي الدَّوْلَةِ فَرَجَعُوا إلَى أَمْرِ الدَّيْنِ، فَكَانُوا فِي أَوَّلِ مَا حَدَثَتْ عِنْدَهُمْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ إذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ مَوْلُودٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُكَنِّيَهُ لِفُلَانِ الدِّينِ إلَّا بِأَمْرٍ يَخْرُجُ مِنْ جِهَةِ السَّلْطَنَةِ فَكَانُوا يُعْطُونَ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْوَالَ حَتَّى يُسَمَّى وَلَدُ أَحَدِهِمْ بِفُلَانِ الدِّينِ، فَلَمَّا أَنْ طَالَ الْمَدَى وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى التُّرْكِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ بِالتَّسْمِيَةِ بِالدَّوْلَةِ مَعْنًى إذْ أَنَّهَا قَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ فَانْتَقَلُوا إلَى الدَّيْنِ، ثُمَّ فَشَا الْأَمْرُ وَزَادَ حَتَّى رَجَعُوا يُسَمُّونَ أَوْلَادَهُمْ بِغَيْرِ مَالٍ يُعْطُونَهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَيْهِ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا عَمَلَ، ثُمَّ صَارَ الْأَمْرُ مُتَعَارَفًا مُتَعَاهَدًا حَتَّى أَنِسَ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَتَوَاطَئُوا عَلَيْهِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. كَانَ النَّاسُ يَقْتَدُونَ بِالْعَالِمِ وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ فَصَارَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يُحْدِثَ الْأَعَاجِمُ، وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ شَيْئًا فَيُقْتَدَى بِالْعَالِمِ وَبِهِمْ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ عَلَى عَكْسِ الْأُمُورِ وَانْقِلَابِ الْحَقَائِقِ. أَلَا تَرَى إلَى الْإِمَامِ الْحَافِظِ النَّوَوِيِّ رحمه الله مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَرْضَ قَطُّ بِهَذَا الِاسْمِ وَكَانَ يَكْرَهُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ وَصَحَّ، وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمَنْسُوبَةِ إلَيْهِ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَا أَجْعَلُ أَحَدًا فِي حِلٍّ مِمَّنْ يُسَمِّينِي بِمُحْيِي الدَّيْنِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ بِعِلْمِهِمْ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْفُضَلَاءِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ إذَا حَكَى شَيْئًا عَنْ النَّوَوِيِّ رحمه الله يَقُولُ قَالَ يَحْيَى النَّوَوِيُّ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّا نَكْرَهُ أَنْ نُسَمِّيَهُ بِاسْمٍ كَانَ يَكْرَهُهُ فِي حَيَاتِهِ. فَعَلَى هَذَا فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ إنَّمَا وُضِعَتْ عَلَيْهِمْ تَفَعُّلًا وَهُمْ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِيَاسِينَ وَلَا بِجِبْرِيلَ وَلَا بِمُهْدٍ. قِيلَ فَالْهَادِي قَالَ هَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْهَادِيَ هَادِي الطَّرِيقِ «وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ سَيِّئَ الْأَسْمَاءِ» مِثْلَ حَرْبٍ وَمُرَّةٍ وَجَمْرَةٍ وَحَنْظَلَةٍ

ص: 127

انْتَهَى. ثُمَّ الْعَجَبُ مِمَّنْ يَتَسَمَّى بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي كَوْنِهِمْ أَكْثَرُوا النَّكِيرَ عَلَى مَالِكٍ رحمه الله فِي أَخْذِهِ بِعَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي، ثُمَّ إنَّهُمْ اقْتَدُوا فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ بِمَنْ أَحْدَثَهَا فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ وَلَيْسُوا بِالْمَدِينَةِ بَلْ بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله الْعَمَلُ أَثْبُتُ مِنْ الْأَحَادِيثِ قَالَ: مَنْ اقْتَدَى بِهِ وَإِنَّهُ لَضَعِيفٌ أَنْ يُقَالَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ. وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ التَّابِعِينَ تَبْلُغُهُمْ عَنْ غَيْرِهِمْ الْأَحَادِيثُ فَيَقُولُونَ مَا نَجْهَلُ هَذَا وَلَكِنْ مَضَى الْعَمَلُ عَلَى غَيْرِهِ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ جَرِيرٍ رُبَّمَا قَالَ لَهُ أَخُوهُ لِمَ لَمْ تَقْضِ بِحَدِيثِ كَذَا فَيَقُولُ: لَمْ أَجِدْ النَّاسَ عَلَيْهِ قَالَ النَّخَعِيُّ لَوْ رَأَيْت الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم يَتَوَضَّئُونَ إلَى الْكُوعَيْنِ مَا تَوَضَّأْتُ كَذَلِكَ وَأَنَا أَقْرَؤُهَا {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ فِي تَرْكِ السُّنَنِ وَهُمْ أَرْبَابُ الْعِلْمِ وَهُمْ أَحْرَصُ خَلْقِ اللَّهِ عَلَى اتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَظُنُّ ذَلِكَ بِهِمْ أَحَدٌ إلَّا ذُو رِيبَةٍ فِي دِينِهِ.

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ السُّنَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ مِنْ سُنَّةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَيْرٌ مِنْ الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ الْحَدِيثُ مَضَلَّةٌ إلَّا لِلْفُقَهَاءِ يُرِيدُ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَدْ يَحْمِلُ الشَّيْءَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَهُ تَأْوِيلٌ مِنْ حَدِيثٍ غَيْرِهِ أَوْ دَلِيلٌ يَخْفَى عَلَيْهِ أَوْ مَتْرُوكٌ أَوْجَبَ تَرْكَهُ غَيْرُ شَيْءٍ مِمَّا لَا يَقُومُ بِهِ إلَّا مَنْ اسْتَبْحَرَ وَتَفَقَّهَ. قَالَ مَالِكٌ رحمه الله وَإِنَّمَا فَسَدَتْ الْأَشْيَاءُ حِينَ تَعَدَّى بِهَا مَنَازِلُهَا وَلَيْسَ هَذَا الْجَدَلُ مِنْ الدَّيْنِ بِشَيْءٍ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ، وَمِنْ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْأَمْرِ الْمَاضِي الْمَعْرُوفِ الْمَعْمُولِ بِهِ. ثُمَّ اُنْظُرْ رَحِمَك اللَّهُ إلَى مَكِيدَةِ الشَّيْطَانِ فِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَمَا أَوْقَعَ فِيهَا مِنْ سُمِّهِ السَّمُومِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى الْأَسْمَاءِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام أَوْ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ فِيهِ اسْمُ نَبِيٍّ إلَّا بَعَثَ اللَّهُ تبارك وتعالى إلَيْهِمْ مَلَكَا يُقَدِّسُهُمْ

ص: 128

بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» انْتَهَى.

وَقَدْ وَرَدَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ لَيُوقِفُ الْعَبْدَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اسْمُهُ أَحْمَدُ أَوْ مُحَمَّدٌ قَالَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: عَبْدِي أَمَا اسْتَحَيْتَ مِنِّي وَأَنْتَ تَعْصِينِي وَاسْمُك اسْمُ حَبِيبِي مُحَمَّدٍ فَيُنَكِّسُ الْعَبْدُ رَأْسَهُ حَيَاءً وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ فَعَلْت فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل يَا جِبْرِيلُ خُذْ بِيَدِ عَبْدِي وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ، فَإِنِّي أَسْتَحِي أَنْ أُعَذِّبَ بِالنَّارِ مَنْ اسْمُهُ اسْمُ حَبِيبِي. فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْعِنَايَةُ الْعُظْمَى فِي اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ فَكَيْفَ بِهَا فِي اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى كَفَى بِهَا بَرَكَةً أَنَّهُمْ يَنْطِقُونَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام أَوْ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَتَعُودُ عَلَيْهِمْ بَرَكَتُهُ، فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ هَذِهِ الْبَرَكَةَ وَعُمُومَهَا أَرَادَ أَنْ يُزِيلَهَا عَنْهُمْ بِعَادَتِهِ الذَّمِيمَةِ وَشَيْطَنَتِهِ الْكَمِينَةِ فَلَمْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُزِيلَهَا إلَّا بِضِدِّهَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالضِّدِّ، ثُمَّ إنَّهُ لَا يَأْتِي لِأَحَدٍ إلَّا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَعْرِفُ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ الْغَالِبُ عَلَى بَعْضِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ وَالرِّيَاسَةِ أَبْدَلَ لَهُمْ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ الْمُبَارَكَةَ بِمَا فِيهِ ذَلِكَ نَحْوَ عِزِّ الدَّيْنِ وَشَمْسِ الدَّيْنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ عُلِمَ، فَنَزَّلَ التَّزْكِيَةَ مَوْضِعَ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ الْمُبَارَكَةِ، وَلَمَّا أَنْ كَانَ أَهْلُ الْمَغْرِبِ الْغَالِبُ عَلَيْهِمْ التَّوَاضُعُ وَتَرْكُ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ أَتَى لِبَعْضِهِمْ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَهُ مِنْهُ فَأَوْقَعَهُمْ فِي الْأَلْقَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالُوا لِمُحَمَّدٍ حَمُّو، وَلِأَحْمَدَ حَمْدُوسٌ، وَلِيُوسُفَ يَسْوَ وَلِعَبْدِ الرَّحْمَن رَحْمُو إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ، فَأَعْطَى لِكُلِّ إقْلِيمٍ الشَّيْءَ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْبَلُونَهُ مِنْهُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ هَذَا فَكَيْفَ يُتَّبَعُ أَوْ كَيْفَ يُرْجَعُ إلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ سَالِمًا مِنْ التَّزْكِيَةِ وَالْكَذِبِ فَكَيْفَ مَعَ وُجُودِهِمَا وَالْعَالِمُ أَوْلَى بَلْ أَوْجَبُ أَنْ يَنْصَحَ نَفْسَهُ وَيَنْصَحَ جُلَسَاءَهُ وَإِخْوَانَهُ الْمُسْلِمِينَ بِإِظْهَارِ سُنَّةٍ وَالْإِرْشَادِ إلَيْهَا وَإِخْمَادِ بِدْعَةٍ وَالنَّهْيِ عَنْهَا وَالتَّهَاوُنِ بِهَا.

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَائِدَةِ إلَّا مَعْرِفَةُ الذُّنُوبِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا وَاَللَّهُ

ص: 129