المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أخبار أبي نؤاس وجنان خاصة - المرقصات والمطربات

[ابن سعيد المغربي]

فهرس الكتاب

- ‌بسم الله الرحمن الرحيم

- ‌المرقصات والمطربات

- ‌لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان المقبل

- ‌شعراء الإسلام إلى إنقضاء الدولة الأموية

- ‌المخضرمون من شعراء الدولتين

- ‌شعراء المائة الثالثة

- ‌شعراء المائة الرابعة

- ‌شعراء المائة السادسة

- ‌ شعراء المائة السابعة

- ‌ شعراء المغرب من أول الديار المصرية إلى البحر المحيط

- ‌الجاهلية وما بعدها إلى المائة الرابعة عاطلة مما هو من شرط هذا الكتاب

- ‌ شعراء المائة الرابعة

- ‌ شعراء المائة الخامسة

- ‌شعراء المائة السادسة

- ‌القسم الثاني

- ‌أخبار أبي نؤاس وجنان خاصة

- ‌رجع الخبر إلى حديث أبي عيينة

- ‌خبر إبن سريج مع سكينة بنت الحسين عليهما السلام

- ‌صوت

- ‌أخبار ذات الخال

- ‌أخبار حبابة

- ‌أخبار بن مناذر وحبه للجارية

- ‌نسب المتوكل الليثي وأخباره مع الجارية أميمة

- ‌ الحاجري

- ‌ البهاء زهير

- ‌ حسن بن محمد البوريني

- ‌ البهاء زهير

- ‌الجارية ريا مع عتبة " بن الحباب

- ‌أخبار الصمة وصاحبته ريا

- ‌أخبار كعب وصاحبته ميلاء

- ‌القسم الثاني

- ‌فيمن جهل إسمه أو إسم محبوته أو شيء من سيرته أو مآل حقيقته

- ‌فمنهم سامة بن لؤي بن غالب القرشي مشهور

- ‌ومنهم عمرو بن عوف وبيا

- ‌مجنون بني عامر مع ليلاه

- ‌ويبدي الحصى منها إذا قذفت به من البرد أطراف البنان المخضب

- ‌ دلال ووصال

- ‌ دموع الفراق

الفصل: ‌أخبار أبي نؤاس وجنان خاصة

تعد من الأفلاك أن مياهها

نجوم لرجم المحل ذات ذوائب

وأطربها رقص الغصون ذوابلا

فدارت بأمثال السيوف القواضب

" موسى بن سعيد ": له في المرقص قوله وهو والد المصنف:

الاحبذا روض كرنا له ضحى

وفي وجنات الورد للطل أدمع

وقد جعلت بين الغصون نسيمة

تمزق ثوب الظل منه وترقع

ونحن إذا ما وصلت القضب ركعاً

نظل لها من هزة السكر نركع

" علي بن سعيد مصنف هذا الكتاب ": له في المرقص من أبيات في جورة الصالحية بمصر يذكر أحداق النيل بها:

وعانقها من فرط شوق لحسنها

فمد يميناً نحوها وشمالا

وقوله:

تزاحم في جانبيه الغصون

كخيل فوارسهن الحمام

وقوله:

كأن خالاً لاح من خده

للعين في سلسلة من عذار

أسيود يخدم في جنة

قيده مولاه خوف الفرار

وله في فرس أصفر أغر أكحل:

عجبت له وهو الأصيل بعرفه

ظلام وبين الناظرين صباح

‌القسم الثاني

من المطربات والمرقصات بسم الله الرحمن الرحيم

‌أخبار أبي نؤاس وجنان خاصة

كانت جنان هذه جارية آل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي المحدث الذي كان إبن مناذر إبنه ورثاه بعد وفاته وقد مضت أخبارهما وكانت حلوة جميلة المنظر أديبة. ويقال أن أبا نواس لم يصدق في حبه امرأة غيرها. " أخبرني " محمد بن خلف إبن المرزبان قال: حدثني إسحق بن محمد عن أبي عثمان عن أصحاب أبي نواس قالوا: كانت جنان جارية حسناء أديبة عاقلة ظريفة تعرف الأخبار وتروي الأشعار. قال اليويو خاصة: وكانت لبعض الثقفيين بالبصرة فرآها أو نواس فأستحلاها وقال فيها اشعاراً كثيرة فقلت له يوماً: أن جنان قد عزمت على الحج فكان هذا سبب حجه وقال أما والله لا يفوتني المسير معها والحج عامي هذا إن قامت على عزيمتها فظننته عابثاً مازحاً فسبقها والله إلى الخروج بعد أن علم أنها خارجة وما كان نوى الحج ولا أحدث عزمه إلا خروجها وقال وقد حج وعاد:

ألم ترَ أنني أفنيت عمري

بمطلبها ومطلبها عبير

فلما لم أجد سبباً إليها

يقربني وأعيتني الأمور

حججت وقلت قد حجت جنان

فيجمعني وإياها المسير

قال اليويو فحدثني من شهده لما حج مع جنان وقد أحرم فلما جنه الليل جعل يلبي بشعر ويحدو به ويطرب فغنى به كل من سمعه وهو قوله:

إلهنا ما أعدلك

مليك كل من ملك

لبيك قد لبيت لك

لبيك أن الحمد لك

والملك لا شريك لك

والليل لما أن حلك

والسابحات في الفلك

على مجاري المنسلك

ما خاب عبد أمّلك

أنت له حيث سلك

لو لاك يا رب هلك

كل نبي وملك

وكل من أهلّ لك

سبح أو لبى فلك

يا مخطئاً ما أغفلك

عجل وبادر أجلك

وأختم بخير عملك

لبيك أن الملك لك

والحمد والنعمة لك

والعز لا شريك لك

أخبرني أحمد بن عبيدة الله بن عمار وأحمد بن عبد العزيز الجوهري قالا حدثنا عمر بن شبة قال كانت جنان التي يذكرها أبو نواس جارية لآل عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي وفيها يقول:

جفن عيني قد كاد يسقط من طول ما أختلج

وفؤادي من حر حبك والهجر قد نضج

خبرني فدتك نفسي وأهلي متى الفرج

كان ميعادنا خرو

ج زياد فقد خرج

أنت من قتل عائذ

بك في أضيق الحرج

" أخبرني " أحمد بن عبيد الله بن عمار قال حدثني إسحق بن محمد النخعيّ. قال حدثني الجماز قال إبن مار وحدثني به قليب بن عيسى قال، كانت جنان قد شهدت عرساً في جوار أبي نواس فأنصرفت منه وهو جالس معنا فرآها انشدنا بديهاً قوله:

شهدت جلوة العروس جنان

فاستمالت بحسنها النظارة

حسبوها العروس حين رأوها

فإليها دون العروس الإشارة

قال أهل العروس حين رأوها

ما دهانا بها سواك عمارة

ص: 34

قال وعمارة زوج عبد الرحمن الثقفي وهي مولاة جنان " أخرني " محمد ن يحيى الصولي ومحمد بن خلف قالا: حدثنا يزيد بن محمد المهلبي عن محمد بن عمر قال: غضبت جنان من كلام كلما به أبو نواس فأرسل يعتذر إليها فقالت للرسول قل له لا برح الهجران ربعك ولا بلغت أملك من أحبتك فرجع الرسول إليه فسأله عن جوابها فلم يخبره فقال:

فديتك فيم عتبك من كلام

طقت به على وجه جميل

وقولك للرسول عليك غيري

فليس إلى التواصل من سبيل

فقد جاء الرسول في إنكسار

وحال ما عليها من قبول

ولو ردت جنان مردّ خير

تبين في وجه الرسول

قال أبو خالد يزيد بن محمد وكان أبو واس صادقاً في محبته جنان من بين من كان ينسب به من النساء ويداعبه ورأيت أصحابنا جميعاً يصححون ذاك عنه وكان لها محباً ولم تكن تحيه فما عاتبها حتى إستمالها بصحة حبه لها فصارت تحبه بسعد نبوّها عنه قوله:

جنان إن جدت يا مناي بما

آمل لم تقطر السماء دما

وإن تمادى ولا تماديت في

منعك أصبح بقفرة ومما

علقت من لو أتى على أنفس الماضين والغابرين ما ندما

لو نظرت عينه إلى حجر

ولد فيه فتورها سقما

أخبرني محمد بن جعفر النحوي صهر المبرد قال: حدثني محمد بن القاسم عن أبي هفان عن الجمز وأخبرني محمد بن يحيى الصولي قال حدثني عون بن محمد قال: حدثني الجماز قال: كنت عند أبي نواس جالساً إذ مرت بنا امرأة ممن بداخل الثقفيين فسألها عن جنان وألحفها في المسئلة واستقصى فأخبرته خبرها وقال: قد سمعتها تقول لصاحبه لها من غير تعلم أني أسمع: ويحك، قد آذاني هذا الفتى وأبرمني واحرج صدري وضيّق صدري عليّ الطرق بحدة نظره وتهتكه، فقد لهج قلبي بذكره والفكر فيه من كثرة فعله لذلك حتى رجمته.

ثم إلتفت فأمسكت عن الكلام فسر أبو نواس بذلك، فلما قامت المرأة أنشأ يقول:

يا ذا الذي عن جنان ظلّ يخبرنا

بالله قل واعد يا طيب الخبر

قال إشتكيت وقالت ما إبتليت به

أراه من حيث ما أقبلت في أثري

ويعمل الطرف نحوي إن مررت به

حتى ليخجلني من حدة النظر

وإن وقفت له كيما يكلمني

في الموضع الخلو لم ينطق من الحصر

ما زال يفعل بي هذا ويدمنه

حتى لقد صار من هممي ومن وطري

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني علي ن محمد النوفلي وأحمد بن سليمان إبن أبي شيخ قالا قال إبن عائشة، وأخبرني الحسن بن عليّ وإبن عمار عن الغلابي عن إبن عائشة قال إبن عمار، وحدثت به عن الجاز وذكره لي محمد بن داود بن الجراح عن إسحق النجعيّ عن أحمد بن عمير أن محمد بن حفص بن عمر التميمي وهو أبو إبن عائشة إنصرف من المسجد وهو يتولى القضاء فرأى أبو نواس قد خلا بامرأة يكلمها. وقال أحمد بن عمير في خبره وكانت امرأة قد جاءته برسالة من جنان جارية عمارة امرأة عبد الوهاب بن عبد المجيد فمر به عمر بن عثمان التيمي وهو قاضي البصرة. هكذا ذكر أحمد بن عمير وحده وذكر الباقون جميعاً أنه حفص قال الجماز وكانت عليه ثياب بياض وعلى رأسه قلنسوة مضربة فقال له إتقِ الله قال إنها حرمتي قال فصنها عن هذا الموضع، وأنصرف عنه فكتب إليه أبو نواس: قال:

إن التي أبصرتها

بكراً أكلمها رسول

أدت إليّ رسالة

كادت لها نفسي تسيل

من ساحر العينين يجذب

خصره ودف ثقيل

متقلد قوس الصبا

يرمي وليس هـ رسيل

فلو أن أذنك بيننا

حتى تسمع ما تقول

لرأيت ما إستقبحت من

أمري هو الأمر الجميل

في هذه الأبيات لحنان من الرمل وخفيفة كلاهما لأبي العبيس بن حمدون. قال إبن عمير: ثم وجه بها ألقيت في الرقاع بين يدي القاضي فلما رآها ضحك وقال: إن كانت رسولاً فلا بأس. وقال إبن عائشة في خبره فجاءني برقعة فيها هذه الأبيات وقال لي أدفعها إلى أبيك فأوصلتها إليه ووضعتها بين يديه، فلما قرأها ضحك وقال: قل له أني لا أتعرض للشعراء.

ص: 35

حدثني علي بن سليمان الأخفش قال: حدثنا محمد بن يزيد قال: كان أبو عثمان أخا مولى جنان، وكان مولاها أبو أمية زوج عمارة وهي مولاتها وكانت له يحكمان ضيعة كان ينزلها هو وإبن عم له يقال له أبو مية، فقال أبو نواس فيه قوله:

أسأل القادمين من حكمان

كيف خلفتما أبا عثمان

وأبا مية المهذب والما

جد والمرتجى لريب الزمان

فيقولان لي جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان

ما لهم لا يبارك الله فيهم

كيف لم يغن عندهم كتمان

فأخبرني إبن عمار قال: حدثني محمد بن القاسم بن مهرويه قال: حدثني محمد ن عبد املك إبن مروان الكاتب قال: كنت جالساً بسرّ من رأى في شارع أبي أحمد فأنشدني قول أبي نواس:

أسأل المقبلين من كمان

كيف خلفتما أبا عثمان

وإلى جانبي شيخ جالس فضحك، فقلت له: لقد ضحكت من أمر، فقال: أنا أبو عثمان قال أبو نواس فيه هذا الشعر، وأبو مية إبن عمي وجنان جارية أخي، ولم تكن في موضع عشق ولا كان مذهب أبي نواس النساء ولكنه عبث خرج منه.

أخبرني علي بن سليمان قال: قال لي أبو العباس محمد بن يزيد، قال النابغة الجعدي:

أكنى بغير إسمها، وقد علم الله خفيات كل مكتتم.

وهو سبق الناس إلى هذا المعنى وأخذوه جميعاً منه، وأحسن من أخذه أبو نواس حيث يقول:

أسأل المقبلين من حكمان

كيف حلفتما أبا عثمان

فيقولان لي جنان كما سرك في حالها فسل عن جنان

ما لهم لا يبارك الله فيهم

كيف لم يغن عندهم كتمان

أخبرني أحمد بن عبيد الله بن عمارة قال: أنشدني أحمد بن صدقة الأنباري لأبي نواس يذكر ماتماً بالبصرة وحضرته جنان:

يا منسي المأتم أشجنه

لما أتاهم في المعزينا

سرت قناع الوشى عن صورة

ألبسها الله التحاسينا

فاستفتنتهن بتمثالها

فهن للتكليف يبكينا

حق لذاك الوجه أن يزدهي

عن حزنه من كان محزونا

أخبرني مي قال: حدثني إسحق بن محمد النخعي قال: حدثنا عبد الملك ن عمر بن أبان النخعي وكان صديقاً لأبي نواس أشرف من دار على منزل عبد الوهاب الثقفي وقد مات بعض أهله وعندهم مأتم وجنان واقفة مع النساء تلطم وجهها وفي يدها خضاب، فقال:

يا قمر أبرزه مأتم

يندب شجواً بين أتراب

يبكي فيذري الدر من عينه

ويلطم الورد بعناب

لا تبك ميتاً حل في حفرة

وأبكِ قتيلاً لك بالباب

أبرزه المأتم لي كارهاً

برغم آيات وحجاب

لا زال موتاً دأب أحبابه

ولا تزال رؤيته دابي

فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار قال: حدثني محمد بن عائشة قال: قال لي سفيان بن عيينة لقد أحسن ببصركم هذا أبو نواس حيث يقول: وشدد الواو وفتح النون:

يا قمراً أبصرت في مأتم

يندب شجواً

يبكي فيذري الدر من عينه

ويلطم الورد بعناب

قال: وجعل يعجب من قوله ويلطم الورد بعناب.

وأخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثني محمد بن محمد قال حدثني حسين بن الضحاك قال: أنشد إبن عيينة قول أبي نواس:

يبكي فيذري الدر من طرفه

ويلطم الورد بعناب

فعجبت منه وقال آمنت الذي خلقه. وقد قيل أن أبا نواس قال هذا الشعر في غير جنان والله أعلم. أخبرني بذلك الحسن بن علي قال: حدثنا محمد بن القاسم بن مهرويه قال حدثني بعض الصيارف بالكرخ وسماه قال: كان حارس درب عون يقال له المبارك، وكان يلبس ثياباً نظيفة سرية ويركب حماراً فيطوف عليه السوق بالليل ويكريه بالنهار، فإذا رآه لا يعرفه ظن أنه من بعض تجار، وكان يصل إليه في كل شهر من السوق ما يسعه ويفضل عنه، وكانت له بنت من أحمل النساء. فمات مبارك وحضره الناس، فلما أخرجت جنازته خرجت بنته هذه حاسرة بين يديه، فقال أبو نواس فيها:

يا قمراً أبرزه مأتم

يندب شجواً بين أتراب

وذكر الأبيات كلها.

ص: 36

أخبرني محمد بن جعفر قال: حدثني أحمد بن القاسم عن أبي هفان عن الجمازو واليويو وأصحاب أبي نواس أن جنان وجهت إليه قد شهرتني فأقطع زيارتك عني أياماً لينقطع بعض القالة، ففعل وكتب إليها:

إنا إهتجرنا للناس إذ فطنوا

وبيننا حين نلتقي حسن

ندافع الأمر وهو مقتبل

فشب حتى عليه قد مرنوا

فليس يقذي عيناً معاينة

له وما أن تمجه إذن

ويح ثقيف ماذا يضرهم

إن كان لي في ديارهم سكن

أريب ما بيننا الحديث فإن

زدنا فزيد واوِ ما لذا ثمن

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثنا إبن مهرويه قال حدثني إبن أبي سعد قال: بلغني أن أبا نواس كتب إلى جنان من بغداد:

كفا حزناً أن لا أرى وجه حيلة

أزور بها الأحباب في حكمان

وأقسم لولا أن تنال معاشر

جناناً بما لا أشتهي لجنان

لأصبحت منها داني الدار لاصقاً

ولكن ما أخشى فديت عداني

فوا حزناً حزناً يؤدي إلى الردى

فأصبح مأثوراً بكل لسان

أراني أنقضت أيام وصلي منكم

وآذن فيكم بالوداع زماني

أخبرني الحسن قال: حدثنا إبن مهرويه عن يحيى بن محمد عن الخزيمي قال: بلغ أبا نواس أن إمرأة ذكرت لجنان عشقه لها فشتمته جنان وتنقصته وذكرته لأقبح الذكر، فقال:

وباب من إذا ذكرت له

وطول وجدي به تنقصني

لو سألوه عن وجه حجته

في سبه لي لقال يعشقني

نعم إلى الحشر والتناد نعم

أعشقه أو ألفّ في كفني

أصبح جهراً لا أستسرّ به

عنقي فيه من يعنفني

يا معشر الناس فأسمعوه وعوا

أن جناناً صديقة الحسن

فبلغها ذلك فهجرته وأطالت هجره، فرآها ليلة في منامه وأنها قد صالحته فكتب إليها:

إذا إلتقى في النوم طيفانا

عاد الوصل كما كانا

يا قرة العين فما بالنا

نشقى ويلتذ خيالانا

لو شئت إذ أحسنت لي في الكرى

أتممت إحسانك يقظانا

يا عاشقين إصطلحا في الكرى

وأصبحا غضبى وغضبانا

كذلك الأحلام غدّارة

وربما تصدق أحيانا

الغناء في هذه الأبيات لإبن جامع ثقيل أول بالوسطى عن عمر وقال الخزيمي ورآها يوماً في ديار ثقيف فجبهته بما كره فغضب وهجرها مدة، فأرسلت إليه رسولاً تصالحه فردّه ولم يصالحها، ورآها في النوم تطلب صلحه فقال:

دست له طيفها كيما تصالحه

في النوم حين تأبى الصلح يقظانا

فلم يجد عند طيفي طيفها فرجاً

ولا رنى لتشكيه ولا لنا

حسبت أن خيالي لا يكون لما

أكون من أجله غضبان غضبانا

جنان لا تسأليني الصلح سرعة ذا

فلم يكن هيناً منك الذي كانا

وأنشدني علي بن سليمان الأخفش لأبي نواس في جنان:

أما يفنى حديثك عن جان

ولا تبقى على هذا اللسان

أكل الدهر قلت لها وقالت

فكم هذا أما هذا بفان

جعلت الناس كلهم سواء

إذا حدثت عنها في البيان

عدوك كالصديق وذا كهذا

سواء والأباعد كالأداني

إذا حدثت عن شأن توالت

عجائبه أتيتهم بشأن

فلو موّهت عنها بإسم أخرى

علمنا إذ كنيت من أنت عان

أخبرني الحسن بن علي قال: حدثني يحيى بن محمد السلمي قال: حدثني أبو عكرمة الضبي أن رجلاً قدم البصرة فأشترى جنان مواليها ورحل بها، فقال أبو نواس في ذلك:

أما الديار فقلّ ما لبثوا بها

بين إستباق العيس والركبان

وضعوا سياط الشوق في أعناقها

حتى أطلعن بهم على الأوطان

أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق قال: حدثني محمد بن سعد الكراتي قال حدثني أبو عثمان الأشتانذاني قال: كتب أبو نواس إلى جنان:

أكثري المحو في كتابك وأمحيه إذا ما محوته باللسان

ص: 37

وأمرري بالمحاء بين ثنايا

ك العذاب المفلجات الحسان

إنني كلما مررت بسطر

فيه محو لطعته بلساني

تلك تقبيلة لكم من بعيد

أهديت لي وما برحت مكاني

وقال:

تجنى علينا آل مكتومة الذنبا

وكانوا لنا سلماً فأضحوا لنا حربا

يقولون عز القلب بعد ذهابه

فقلت ألا طوباي لو أن لي قلبا

عروضه من الطويل الشعر لإبن أبي عيينة والغناء لسليمان أخي جحظة رمل بالوسطى من عمرو بن بانة.

نسب إبن عيينة وأخباره // أبو عيينة فيما أخبرنا به علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد إسمه وكنيته أبو المنهال قال وكل من يدعي أبا عيينة من آل المهلب، فأبو عيينة إسمه وكنيته أبو المنهال وكل من يدعي أبارهم من بني سدوس فكنيته أبو محمد وإبن أبي عيينة هو محمد بن أبي عيينة إبن المهلب بن أبي صفرة وقال: أبو خالد الأسلمي هو أبو عيينة بن المنجاب بن أبي عيينة وهو الذي كان يهجو إبن عمه خالداً وإسم أبي صفرة ظالم بن سراق وقيل غالب بن سراق بن صبح بن كندي بن عمرو بن عدي بن وائل بن الحرث بن العتيك بن الأسد بن عمران بن الوضاح بن عمرو بن مزيقاء إبن حارسة الغطريف إبن أمريء القيس البطريق بن ثعلبة البهلول بن مازن زاد الركب بن الأزد، وهو شاعر مطبوع ظريف غزل هجاء وأنقد أكثر أشعاره في هجاء إبن عمه خالد وأخبارهما تذكر على أثر هذا الكلام وما يصلح تصدير أخباره به، وكان من شعراء الدولة العباسية من ساكني البصرة.

حدثني عمي والصولي قالا: حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثني أبي قال أبو عيينة إسمه وكنيته وهو إبن محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة.

وأخبرني محمد بن عمران الصيرفي قال حدثني العنزي قال حدثني أبو خالد الأسلمي قال: أبو عيينة الشاعر هو أبو عيينة بن المنجاب إبن أبي عيينة بن المهلب وكان محمد بن أبي عيينة أبو أبي عيينة الشاعر يتولى الري لأبي جعفر المنصور ثم قبض عليه وحبسه وغرمه. وأخبرني محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثني يزيد بن محمد المهلبي قال: قال وهب بن جرير رأيت في منامي كأن قائلاً يقول لي:

ما يلقى أبو حرب

تعالى الله من كرب

فلم ألبث أن أخذ المنصور أبا حرب محمد بن أبي عيينة المهلبي فحبسه وكان ولاه الري فأقام بها سنين.

أخبرني عيسى بن الحسين الوراق ومحمد بن يحيى الصولي وعمي قالوا: حدثنا الحزنبل الأصبهاني قال حدثني الفيض بن مخلد مولي أبي عيينة بن المهلب قال: كان أبو عيينة بن المهلب قال: كان أبو عيينة يهوى فاطمة بنت عمر بن حفص الملقب هزارمرد، وكانت امرأة نبيلة شريفة وكان يخاف أهلها أن يذكرها تصريحاً ويرهب زوجها عيسى بن سليمان فكان يقول الشعر في جارية لها يقال لها دنيا وكانت قيمة دارها ووالية أمورها كلها وأنشدنا لإبن أبي عيينة فيها ويكنى بإسم دنيا هذه:

ما لقلبي أرق من كل قلب

ولحبي أشد من كل حب

ولدنيا على جنوني بدنيا

أشتهي قربها وتكره قربي

نزلت بي بلية من هواها

والبلايا تكون من كل ضرب

قل لدينا إن لم تجبك لما بي

رطبة من دموع عيني كتبي

فعلام إنتهرت بالله رسلي

وتهددتهم بحبس وضرب

أي ذنب أذنبته ليت شعري

كان هذا جزاءه أي ذنب

ص: 38

أخبرني علي بن سليمان قال: حدثني محمد بن يزيد قال: كان أبو عيينة من أطيع الناس وأقربهم مأخذاً من غير أدب موصوف ولا رواية كثيرة وكان يقرب البعيد ويحذف الفضول ويقل التكلف، وكان أصغر من أخيه عبد الله ومات قبله. وقيل لعبد الله أنت أشعر أم أخوك فقال: لو كان له علمي لكان أشعر مني. وكان يتعشق فاطمة بنت عمر بن حفص هزارمرد التي تزوجها علي بن سليمان ويسر عشقها ويلقبها دنيا كتماناً لأمرها، وكانت امرأة جليلة نبيلة سرية من النساء، وكان أبوها من أشد الفرسان وشجعانهم، فذكر عيسى بن جعفر أن عيسى بن موسى قال لمهلب بن المغيرة بن المهلب أكان يزيد بن خالد أشجع أم عمر بن حفص هزامرد، فقال المهلب لم أشهد من يزيد ما شهدته من عمر بن حفص وذلك أني رأيته يركض في طلب حمار وحشي حتى إذا حاذاه جمع جراميزه وقفز فصار على ظهره فقمص الحمار وجعل عمر بن حفص يحز معرفته إما بسيف وأما بسكين معه حتى قتله. قال محمد بن يزيد: وحدثت عن محمد بن المهلب أنه أنكر أن يكون أبو عيينة يهوى فاطمة وقال إنما كان جندياً في عداد الشطّار وكانت فاطمة من أنبل النساء وأسراهن، وإنما كان يتعشق جارية لها، وهذه الأبيات التي فيها الغناء قصيدة له جيدة مشهورة من شعره يقولها في فاطمة هذه أو جاريتها ويكني عنها بدنيا، فما أختير منها قوله:

وقالوا تجنينا فقلت أبعدما

غلبتم على قلبي بسلطانكم غصبا

غضاب وقد ملوا وقوفي ببابهم

ولكن دنيا لا ملولا ولا غضبى

وقد أرسلت في السراني برية

ولم ترَ لي فيما ترى منهم ذنبا

وقالت لك العتبى وعندي لك الرضا

وما أن لهم عندي وضاء ولا عتبى

ونبتها تلهو إذا إشتد شوقها

بشعري كما تلهو المغنية الشربى

فأحببتها حباً يقرّ بعينها

وحبي إذا أحببت لا يشبه الحبا

فيا حسرتا نغصت قرب دبارها

فلا رلفة منها أرجى ولا قربا

لقد شمت الأعداء أن حيل بينها

وبيني ألا للشامتين بنا العتبى

ومما قاله فيها وغنى فيه:

ضيعت عهد فتى لعهد حافظ

في حفظه عجب وفي تضييعك

ونأيت عنه فما له حيلة

إلا الوقوف إلى أوان رجوعك

متخشعاً يذري عليك دموعه

أسفاً ويعجب من جمود دموعك

إن تقتليه وتذهبي بفؤاده

فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك

عروضه من الكامل الغناء في هذه الأبيات من الثقيل الأول بالوسطى ذكر عمرو بن بانة أنه له وذكر الهاشمي أنه لمحمد بن الحرث بن بشخير وذكر عبد الله بن موسى بن محمد بن إبراهيم الإمام أنه لإبراهيم الموصلي فذكر العتابي ومحمد بن احسن جميعاً أن محمد بن أحمد بن يحيى المكي حدثهما قال: حدثني عمرو بن بانة قال: ركبت يوماً إلى دار صالح بن الرشيد فأجتزت بمحمد بن جعفر بن موسى الهادي وكان معاقراً للصبوح فألفيته في ذلك اليوم خالياً منه، فسألته عن السبب فقال: نيران عليّ غضبى، يعني جارية لبعض النخاسين ببغداد وكانت إحدى المحسنات، وكانت بارعة الجمال ظريفة اللسان، وكان قد افرط في حبها حتى عرف به فقلت له فما تحب قال: تجعل طريقك على مولاها فإنه يستخرجها إليك، فإذا دفعت رقعتي هذه إليها ودفع إليّ رقعة فيها:

ضيعت عهد فتى لعهدك حافظ

في حفظه عجب وفي تضييعك

إن سمعته أن تذهبي بفؤاده

فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك

قلت له: نعم أنا أتحمل هذه الرسالة وكرامة على ما فيها حفظاً لروحك عليك، فإني لا آمن أن يتمادى بك هذا الأمر. فأخذت الرقعة وجعلت طريقي على منزل النخاس فبعثت إلى الجارية أخرجي خرجت، فدفعت إليها الرقعة وأخبرتها بخبري فضحكت ورجعت إلى الموضع الذي أقبلت منه فجلست جلسة خفيفة ثم إذا قد وافتني ومعها رقعة فيها:

وما زلت تعطيني وتغري بي الردى

وتهجرني حتى مرنت على الهجر

وتقطع أسبابي وتنسى مودتي

فكيف ترى يا مالكي في الهوى صبري

فأصبحت لا أدري أيأساً تصبري

علىالهجر أم جدّ البصيرة لا أدري

ص: 39