المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌62 - باب منع الصرف - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٣

[ابن عقيل]

الفصل: ‌62 - باب منع الصرف

بسم الله الرحمن الرحيم

‌62 - باب منع الصرف

(يمنع صرف الاسم ألف التأنيث مطلقاً) - أي مقصورة كانت كحبلى، أو ممدودةً كحمراء.

(أو موازنة مفاعل أو مفاعيل) - كمساجد ومصابيح، وهو المعبر عنه بالجمع الذي لا نظير له في الآحاد؛ وأما حضاجر علماً للضبع فمنقول، ومفرده قبل النقل: حِضَجْرٌ.

(في الهيئة) - أي المعتبر كونه على هذه الهيئة، سواء كان أوله ميماً أم لا، كدراهم ودنانير؛ ولا بد من تحرك ما بعد الألف لفظاً أو تقديراً كدواب، ولذا كان عبال في جمع عبالة، على حد تمرة وتمر مصروفاً، لأن الساكن بعد الألف فيه لا حظ له في الحركة.

ص: 5

(لا بعروض الكسرة) - نحو: توانٍ وتعاز، الأصل: توانى وتعازى، لأن مصدر تفاعل التفاعل.

(أو ياءي النسب) - كحواري، لأن الياء المشددة بزيادتها وعدمها قبل الألف أشبهت تاء التأنيث، فصُرف ما هي فيه، فإن وجدت الياء قبل ألف الجمع مُنع، نحو: كراسي وبخاتي، الواحد كرسي وبختي.

(أو الألف المعوضة من إحداهما تحقيقاً) - نحو: يمانٍ، فالألف عوض من إحدى ياءَيه؛ والأصل: يمني، وكذلك شآم.

(أو تقديراً) - نحو شناح للطويل، ورباع، فيقدر أن الأصل: ربعي وشنَحي بياء النسب، ثم حصل التحويل إلى ذلك، ويدل على ذلك الصرف، قالوا: رأيت شَناحِيَّاً وربَاعِياً، فهما ونحوهما

ص: 6

على مراعاة النسب، والياء فيهما كهي في أحمري؛ ولو كان هذا كأراطٍ لمنع، لشبهه بما لا ينصرف معرفة ولا نكرة، كما منع سراويل.

وخرج بقوله: موازنة كذا نحو: صياقلة وموازجة، مما دخلت التاء فيه من هذا الجمع، فيصرف لشبهه حينئذٍ المفرد نحو: كراهية.

(ويمنع صرفه أيضاً عدله صفة) - العدلُ صرفُ لفظ أولى بالمسمَّى إلى آخر، ومثال ما منع للعدل والصفة: مثنى وثُلاث؛ وهذا قول الخليل وسيبويه، وقال الفراء: منع للعدل والتعريف بنية ال، فبامتناعها من الإضافة، صارت كأنها بال، وامتنعت من آل، لأن فيها تأويل الإضافة وإن لم تضف. ورد بجريانها صفة للنكرات:

ص: 7

"أولي أجنحة مثنى وثلاث"؛ وقد ثبتت إضافتها، قال امرؤ القيس:

(2)

* بمثنى الزقاق المترعات، وبالجزر *

(أو كصفة أو كعلم) - نحو: مررت بالهندات جمع، وكذلك أخواتها، فمانعها العدل وشبه العلمية أو شبه الصفة، وسيأتي بيان هذا.

(أو كونه صفة على فعلان ذا فعلى بإجماع) - نحو: سكران وريان للمذكر، وسكرى وريا للمؤنث، فلا خلاف في منع هذا؛ ثم قيل: منع للصفة وشبه الألف والنون بألفي التأنيث، لعدم دخول التاء؛ ولذا لما دخلت صرف نحو: سيفان

ص: 8

وسيفانة؛ وقيل: منع لأن النون بدل من الهمزة المبدلة من ألف التأنيث، لقول العرب في النسبة إلى صنعاء صنعاني، وقولهم في جمع سكران سكارى، كما قالوا في عذراء عذارى. ورد بأن إبدال النون من الهمزة شاذ، وبأن فعلان فعلى مطرد، وأيضاً فسكران للمذكر، فلا تكون نونه بدل همزة تكون للمؤنث.

(ولازم التذكير بخلف) - نحو: رجل لحيان، فمن صرف فلعدم شبه زيادته بألفي التأنيث، إذ لا مؤنث له، ومن منع فلتقدير فعلى، فلو فرضت امرأة لها لحية كبيرة لكان الإلحاق بباب سكران أولى من الإلحاق بباب سيفان، لقلة هذا وسعة ذاك.

(وصرف سكران وشبهه للاستغناء فيه بفعلانة عن فعلى لغة أسدية) - فتقول بنو أسد: سكرانة وريانة وغضبانة، ويصرفون مذكر هذه، وكذا يفعلون فيما أشبهها، لأنها صارت عندهم كندمان وندمانة، ونصران ونصرانة ونحوهما. مما لحقت فيه التاء النون، والعرب مجمعون على صرف ما كان كذلك، وإن لم يكن على فعلان بفتح الفاء، كخمصان، وخمصانة بضم الخاء.

ص: 9

(ويمنع صرف الاسم أيضاً وفاقه الفعل فيما يخصه) - كما لو سميت بانطلق واستخرج وضرب، غير مسندة إلى ظاهر أو مضمر. والمراد بما يخص الفعل، ما لا يوجد في الاسم إلا أن نقل من الفعل.

(أو هو به أولى) - وهو المعبر عنه بالوزن الغالب، وهو ما يوجد في الاسم والفعل، وأوله زيادة من زيادة المضارع نحو: يشكر وأفكل؛ وإنما جعل غالباً في الفعل، لدلالة تلك الزيادة على معنى فيه، بخلاف الاسم.

(من وزن لازم) - احترز من امرئ إذا سمى به على لغة من يتبع، فيصرف، لأن وزنه الذي يحصل بالاتباع غير لازم، فلم يستقر على شبه الفعل، لأن تلك الحركة تغير صفة الزوال للاتباع، فلو سمي به، على لغة من يلتزم فتح عينه، منع، لكون الوزن لازماً حينئذ، وتقطع همزته، وكذا الكلام في ابنم، على اللغتين.

(لم يخرجه إلى شبه الاسم سكون تخفيف) - احترز من رد وقيل، علمين فيصرفان، لكونهما بالإعلال صارا كمد وقيل.

ص: 10

(مع وصفية) - كأحمر وأصفر.

(أصلية) - كما مثل، لا عارضة نحو: مررت برجل أرنب، أي ذليل، فيصرف هذا ونحو: كأربع في: نسوة أربع، لعروض الوصفية، وأصالة الاسمية.

(باقية) - كما سبق.

(أو مغلوية) - نحو: مررت بأبطح وأجرع، وأصلهما الوصف، ثم غلبت الاسمية.

(فيما لا تلحقه هاء التأنيث) - كأحمر وآلي وألحى وأفعل التفضيل.

وخرج ما تلحق التاء، فيصرف كرجل أدابر، وهو الذي يقطع رحمه، وكذلك أباتر، لأنه تدخله التاء، فيقولون: امرأة أدابرة وأباترة، وكذلك أرمل؛ فمذهب الجمهور الصرف لقولهم: أرملة، وقال الأخفش: لا يصرف كأحمر.

وقوله: مع وصفية، متعلق بالوزن الغالب لا المختص، فليس

ص: 11

في لسانهم ما منع للوزن المختص والصفة، بل لم يوجد في كل وزن غالب، وإنما وجد في أفعل خاصة.

(أو مع العلمية) - أي مع وصفية، أو مع العلمية، كما لو سميت بضرب ونحوه مما سبق، وغيره مما يخص الفعل كضرب أو ضورب، غير متحمل ضميراً، فيمتنع للوزن المختص والعلمية؛ وأما دئل، فيمكن كونه منقولاً من الفعل، يقال: دأل أي مشى مشية فيها عجلة وضعف، والعرب قد تنقل أسماء الأجناس من الفعل نحو: تنوط لطائر يعلق عشه تعليقاً محكماً يتعجب منه، وبقم للصبغ المعروف، أعجمي، وأبطح اسم مكان منقول من الفعل.

ص: 12

(أو شبهها) - نحو: أجمع وأخواته من ألفاظ التأكيد، فهي غير منصرفة عنده لوزن الفعل وشبه العلمية.

(وعارض سكون التخفيف كلازمه) - كما لو سميت رجلاً بضرب، ثم خففته بسكون الراء، فيصرف عند سيبويه، كما يصرف قفل، علماً لرجل، لأن الأصل الصرف.

(خلافاً لقوم) - في منعه لعروض التخفيف، ومنهم المازني والمبرد وابن السراج.

(وفي يعفر مضموم الياء، وألبب علماً، خلاف) - فمنعه الأخفش للعلمية ووزن الفعل، فهو يعفر بفتح الياء كيقتل، ومنعه حينئذ اتفاق، وإنما ضمت الياء إتباعاً، وهو عارض، فلا يعتد به؛ وصرفه غيره لذهاب وزن الفعل، وهو قياس قول سيبويه في ضرب مخففاً؛ وحكى أبو زيد أن من قال: يعفر بضم الياء صرف، وعلى هذا قد يقال: يشعف قول المنع أو يسقط؛ لكن حكى الفارسي في التذكرة أن الأخفش زعم أن من ضم ياء يعفر ويعصر لم يصرف؛ وأما ألبب علماً فممنوع عند سيبويه للعلمية ووزن الفعل، فوزنه أفعل ومعناه من ألب، ومذهب الأخفش صرفه لمباينته الفعل بالفك؛ ورد بوجود الفك في الفعل نحو: اردد ولححت عينه لصقت من الرمص؛ وكما لا يؤثر تصحيح استحوذ اتفاقاً، لا يؤثر فك ألبب.

ص: 13

(ولا يؤثر وزن مستوى فيه، وإن نقل من فعل، خلافاً لعيسى) - وهو عيسى بن عمر الثقفي شيخ سيبويه، وشيخ شيخه الخليل، فيمنع صرف المنقول من الفعلية إلى العلمية، وإن كان الوزن لا يغلب في الفعل، بل يستوي فيه هو والاسم كحجر وجمل، واستدل بالسماع؛ قال سحيم اليربوعي:

(4)

أنا ابن جلا وطلاع الثنيا متى أضع العمامة تعرفوني

ومذهب أبي عمرو ويونس والخليل وسيبويه الصرف، والسماع يشهد له، قال سيبويه، وقد ذكر قول عيسى، وهو خلاف قول العرب: سمعناهم يصرفون الرجل سمى كعسباً وهو فعلل، وهو العدو الشديد مع تداني الخطا. انتهى. وأما جلا، فمنقول من جملة،

ص: 14

وقوله: خلافاً لعيسى، راجع إلى ما نقل من فعل، فلم يخالف عيسى في صرف ما لم ينقل فيه من الوزن المستوي فيه كحجر.

(وربما اعتبر تقدير الوصفية في أجدل وأخيل وأفعى) - فأكثر العرب يصرفها، لأنها أسماء كأفكل، والأجدل: الصقر، والأخيل: اسم نوع من الطير، والأفعى اسم نوع من الحيات، ودليل اسميتها أنها لا تستعمل لغير المذكور، ولا تقع توابع؛ لا يقال: صقر أجدل، ولا طائر أخيل، ولا حية أفعى، وبعض العرب جعلها كالصفات فمنعها لتخيل الوصفية؛ فأجدل في معنى شديد، وأخيل أفعل من الخيلان، وأفعى في معنى خبيث، وهي كصفات خلفت موصوفاتها ووليت العوامل كالأسماء.

(وألغيت أصالتها في أبطح ونحوه) - كأجرع وأبرق من الصفات التي استعملت كالأسماء؛ والأبطح المكان المنبطح من الوادي، والأجرع المكان المستوي، والأبرق المكان الذي فيه لونان؛ فمن راعي الأصل منع، ومن راعى ما عرض من الاستعمال صرف؛ والأول هو الوجه.

(ويمنع أيضاً مع العلمية زيادتا فعلان فيه) - نحو: حمدان وغيلان.

ص: 15

(وفي غيره) - نحو: ذبيان وعثمان. وشرط ابن عصفور لمنع هذا النوع: أن لا يجمع على فعالين، ولا يصغر إلى فعيلين؛ وقد نص سيبويه على أنك إذا سميت بسرحان منعته، وهو يجمع على سراحين ويصغر على سريحين.

(أو ألف الإلحاق المقصورة) - كأرطى علماً، فيمتنع للعلمية وألف الإلحاق المشبهة لألف التأنيث، من جهة أنها زائدة، ليست بدلاً من حرف، ولا تكون في مثال يحصلح لألف التأنيث؛ وأما ألف الإلحاق الممدودة كعلباء فلا تشبه ألف التأنيث، لأن الهمزة بدل من حرف لا يمنع، وهو الياء، بدليل ظهورها في درحاية، ولأنها لا تكون إلا في مثال لا يصلح لألف التأنيث الممدودة؛ وقول ابن عصفور في الممتع إن ألف الإلحاق المقصورة لا تقدر منقلبة عن حرف متحرك مخالف لكلام الناس، وقد وافق على ذلك في غير الممتع.

ص: 16

(أو تركيب يضاهي لحاق هاء التأنيث) - وهو المسمى تركيب المزج، كعلبك علماً، ووجه المضاهاة المنع في المعرفة والصرف في النكرة، وحذف الثاني في الترخيم كما تحذف تاء التأنيث، وتصغير صدره، وبقاء آخره مفتوحاً كما قبلها، نحو: حضرموت كطليحة، وحذف الثاني للنسب كما تحذف التاء.

وخرج تركيب الإسناد كتأبط شراً، وتركيب الإضافة كعبد الله؛ فلا يمنعان مع العلمية ولا دونها.

(أو عدل عن مثال إلى غيره) - وذلك فيما جاء على فُعَلَ من الأعلام ممنوع الصرف، حتما كعمر وزفر، عدلاً عن عامر وزافر، منقولين من الوصفية إلى العلمية، لغلبة النقل في الأعلام أو لزومه، وطريق العلم بالعدل سماعه ممنوعاً حتماً، فأدد غير معدول، لصرفه لزوماً، قال سيبويه: العرب تصرف أدداً، وهو اسم، يقال: معد بن عدنان بن أدد؛ ووقع في كلام بعضهم وهم، إذ نقل عن سيبويه أنه ممنوع؛ وطوى في لغة من منع غير معدول، بل منع للعلمية وتأنيث البقعة، بدليل صرفه في اللغة الأخرى باعتبار المكان، وما منع للعلمية والعدل، لا يجوز صرفه اختياراً.

(أو عن مصاحبة الألف واللام إلى المجرد منهما) -

ص: 17

كأمس في لغة من منع، عدل به عن الأمس الذي هو معرف النكرة، فاجتمع فيه العلمية والعدل فمنع، وكذلك سحر إذا أردته من يوم بعينه، حقه السحر، فعدل به عنه، وصير علماً فامتنع. وقال صدر الأفاضل: هو مبني على الفتح، لتضمنه معنى حرف التعريف، كما بنى أمس في لغة البناء لذلك.

(أو عجمة شخصية، مع الزيادة على ثلاثة أحرف) - نحو: إسماعيل وإسحاق؛ وخرج بالشخصية ذو الجنسية، وهو ما استعملته العرب من لغة غيرها نكرة كديباج، والجمهور على أنه يكفي في المنع كون العرب أول ما استعملته لم تستعمله إلا علماً؛ وشرط أبو الحسن الدباج كونه علماً عند العجم أيضاً، وكلام سيبويه محتمل للوجهين أيضاً، وعليهما يتخرج قالون فعلى الأول يمنع، وعلى الثاني يصرف؛ وقال ابن عصفور: إنه استعمل في لغة العرب نكرة، فيصرف في العلمية فيها قطعاً، ولم يثبت ما ذكره، والمعتبر الزيادة على الثلاثة بغير ياء التصغير، فعزير مصروف، هكذا قيل، وفي بحث.

ص: 18

(أو حركة الوسط على رأي) - نحو: كحل اسم رجل، فمنهم من يمنعه تنزيلاً للحركة في الوسط منزلة الحرف الرابع، كما فعل ذلك في الثلاثي المؤنث كما سيأتي، والأكثر على الصرف فيما نحن فيه.

(فإن تجردت العجمة منهما) - أي من الزيادة، على ما سبق ذكره، ومن حركة الوسط.

(تعين الصرف، خلافاً لمن أجاز الوجهين) - وذلك نحو: نوح ولوط، فالجمهور على تحتم الصرف، وأجاز المنع عيسى بن عمر وابن قتيبة والجرجاني، وهو ضعيف، فلم يحفظ المنع إلا في مثل: جور وماه مما انضم إلى العجمة والعلمية في التأنيث.

(ويمنع مع العلمية أيضاً تأنيث بالهاء) - سواء علم المذكر كطلحة، والمؤنث كعائشة.

(أو بالتعليق على مؤنث) - كسعاد وزينب.

(فإن سمى مذكر بمؤنث مجرد) - أي من الهاء.

ص: 19

(فمنعه مشروط بزيادة على الثلاثة لفظاً) - كسعاد وزينب علمى رجلين، فيمنعان للعلمية والتأنيث، كحالهما علمي مؤنث. وخرج نحو: شمس وقدم علمى رجلين، فلا يمنعان عند البصريين، وخالف فيهما الفراء وثعلب فمنعا، وفي الثاني ابن خروف.

(أو تقديراً كاللفظ) - نحو: جيل في جيأل، وهو علم للضبع، فإذا سميت به مذكراً منعته للعلمية والتأنيث، كما كان علماً للضبع، والحرف الرابع مقدر كالملفوظ به، إذ يجوز النطق به، وهذا بخلاف كتف علم مذكر، فإنه يصرف، وإن كانت تاء التأنيث اللاحقة له في التصغير في معنى الرابع المقدر، ولذا امتنع علم مؤنث، لأن اللفظ بها متعذر عند التكبير، وكذا عند التصغير، بعد تعليقه على المذكر.

(وبعدم سبق تذكير انفرد به) - فإن سبق التأنيث تذكير انفرد به صرف، كدلال اسم رجل، فهو من أسماء النساء، لكن سبق التأنيث فيه تذكير منفرد، إذ هو قبل التسمية به مصدر مذكر،

ص: 20

فإن لم ينفرد التذكير السابق، بل كان في الاسم التذكير والتأنيث كظلوم، فإنه يقع بهذا اللفظ قبل التسمية على المذكر والمؤنث، فلا يحتم صرفه؛ وهذا ليس قول البصريين، وإنما هو للكوفيين، قالوا: إن سميت بظلوم ونحوه، فنويت أنك سميت بوصف المذكر، صرفت؛ وظلوم ونحوه عند البصريين كدلال ونحوه.

(محققاً) - كدلال ووصال، فإن سبق التذكر بانفراد محقق فيهما.

(أو مقدراً) - كحائض وطامث، فيصرف علم مذكر، لسبق التذكير تقديراً، إذ المعنى: شخص حائض أو طامث، بدليل أنهم إذا صغروا لم يأتوا بالتاء، فهما ونحوهما أسماء مذكرة فلا منع، خلافاً للكوفيين.

(وبعدم احتياج مؤنثه إلى تأويل لا يلزم) - فإن احتاج مؤنثه إلى تأويل، فإن كان غير لازم، انصرف نحو: جنوب، فتصرفه علم مذكر، وكذلك دبور وشمال، لأن تأنيثها يحتاج إلى تأويل، وهو أنها أوصاف جرت على الريح، وهي مؤنثة، ولكن هذا التأويل غير لازم، فبعض العرب يجعلها أسماء مؤنثات، ولا يلحظ معنى الصفة، وحينئذ يكون التأويل لازماً، وعلى هذا يمتنع علم مذكر.

والحاصل أن ما كان اسماً على لغة، وصفة على لغة، ففيه الصرف وتركه، علم مذكر، كجنوب ونحوه.

(وبعدم غلبة استعماله قبل العلمية في المذكر) - فإن غلب

ص: 21

قبل العلمية في المذكر صرف، كذراع علم رجل، فهو مؤنث، ولكن غلب في عملية المذكر، ووصف المذكر به، قالوا: ثوب ذراع، أي قصير. قال الخضراوي: ولم يحك أحد في التسمية بذراع عدم الصرف.

(وربما ألغى التأنيث فيما قل استعماله في المذكر) - وذلك نحو: كراع علم مذكر، فهو من الأسماء الغالبة في المؤنث، فالقياس يحتم منعه لقلة استعماله، ولكن من العرب من يصرفه تشبيهاً بذراع؛ وقال المصنف: إن ذراعاً وكراعاً استعملا بالتذكير والتأنيث، ففيهما اسمي مذكر، الصرف وتركه، قال: وهو الأكثر، وكذلك كل شيء استعمل بالتذكير والتأنيث؛ وقد سبق عن ابن هشام الخضراوي ما يخالف بعد هذا، وحكى الأصمعي تذكير الكراع، والذراع.

(فإن كان علم المؤنث ثنائياً) - كيد ودم.

(أو ثلاثياً ساكن الحشو وضعاً) - كهند، وكأن يسمى بفخذ ثم يسكن تخفيفاً.

(أو إعلالاً) - كدار أصله دور، تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً.

ص: 22

(غير مصغر) - فإن صغر وفيه التاء تحتم المنع نحو: يدية وهنيدة في يد وهند، فإن لم توجد التاء لم يتحتم كحرب وناب اسمين لامرأة، يصغران فيقال: حريب ونييب.

(ففيه وجهان) - الصرف وتركه؛ وفي البسيط، في يد ونحوه أنه مصروف بلا خلاف؛ وما ذكره المصنف من جواز الوجهين في المسألة هو قول الجمهور؛ وذهب الزجاج ومن أخذ بقوله إلى أنه لا يجوز الصرف، ونقل عن الأخفش أيضاً؛ ووجه الصرف أن خفة البناء بسكون الوسط قاومت إحدى العلتين؛ وحكى النحويون الصرف عن العرب، قول حاجت بن حبيب الأسدي:

(5)

أعلنت في حب جمل أي إعلان وقد بدا شأنها من بعد كتمان

(أجودهما المنع) - وهذا قول سيبويه والجماعة، وقال الفارسي: الصرف أفصح، قال الخضراوي: لا أعرف أحداً قال هذا قبله، وهو غلط. انتهى. والمنع هو الأكثر في كلام العرب، وهو القياس، لتحقق المانع.

ص: 23

(إلا أن يكون الثلاثي أعجمياً فيتعين منعه) - كحمص وماه فيتحتم المنع عند الجمهور، لمقاومة العجمة خفة الوزن بسكون الوسط، وقال بعض النحويين هو كهند، فيرجح فيه المنع، ويجوز الصرف، ولم يجعل للعجمة أثراً.

(وكذا إن تحرك ثانيه لفظاً) - كقدم اسم امرأة، فيتحتم منعه لتنزل حركة الوسط منزلة الحرف الرابع، بدليل قولهم في جمزى: جمزي، بحذف ألف التأنيث، كحذفها من حبارى، وتجويزهم في حبلى حبلى وحبولى. وخرج بقوله: لفظاً، دار ونحوه، وقد سبق حكمه.

(خلافاً لابن الأنباري في كونه ذا وجهين) - كهند، فلم يعبأ بحركة الوسط، وقال: الثلاثي خفيف، فتقاوم خفته إحدى العلتين، على أن في البسيط أن قدم ممنوع الصرف باتفاق.

(وكذا إن كان مذكر الأصل) - نحو: زيد اسم امرأة، فيتحتم منعه، لخروجه من الباب الأخف إلى الباب الأثقل، وهو التأنيث، وهذا بخلاف تسمية المذكر بشمس ونحوه، وقد سبق حكمه.

(خلافاً لعيسى في تجويز صرفه) - والمنع مذهب سيبويه وجمهور البصريين والفراء وثعلب؛ وفي الشرح المنسوب للصفار، أنه لا خلاف في المنع، وهو وهم، فبالصرف قال مع عيسى أبو زيد

ص: 24

الأنصاري والجرمي والمبرد، وحكى عن يونس. ووجهه النظر إلى أن له حال خفة، وهي تذكيره قبل التأنيث، فإذا صرف شمس لامرأة، وهو مؤنث في الحالين، فهذا أولى.

(ولا اعتداد في منع الصرف بكون العلم مجهول الأصل) - كسبأ في رأي، حكى الرؤاسي عن أبي عمرو، أنه قال: أم أجر سبأ، لأن لست أدري ما هو؟ قال الفراء: قد ذهب مذهباً، لأن العرب إذا سمت بالاسم المجهول، تركت إجراءه؛ سمعت أبا السفاح السلولي يقول: هذا أبو صعرور قد جاء، فلم يجره، لأنه ليس من عادتهم التسمية به. والصعرور شبيه بالصمغ.

(أو مختوماً بنون أصلية تلي ألفاً زائدة) - نحو سنان وبنان.

(خلافاً للفراء في المسألتين) - ومذهب البصريين فيهما تحتم الصرف؛ وما حكى عن أبي عمرو، المشهور عنه غيره، وهو إنما منع صرف سبأ للعملية وتأنيث القبيلة؛ وتوجيه المنع بتشبيه المجهول بالأعجمي، وتشبيه النون الأصلية بعد الألف الزائدة بالنون الزائدة ضعيف.

(ولا اكتراث بإبدال ما لولاه وجب منع الصرف) - فلو أبدلت من همزة أراق هاء، ثم سميت به منعته للعلمية ووزن الفعل، ولم

ص: 25

تبال بإبدال الهمزة؛ وكذا لو قلت: أصيلال باللام بدل النون في أصيلان وسميت به، فيمتنع للعمية وزيادة الألف واللام المبدلة من النون.

وفي نسخة عليها خط المصنف: وجب الصرف، ومثاله أن تسمى بحنان بإبدال النون من الهمزة في حناء، فيصرف كما لو كان بالهمزة، لأن النون غير زائدة فيه.

(فصل): (صرف أسماء القبائل والأرضين والكلم ومنعه مبنيان على المعنى، فإن كان أباً أو حياً أو مكاناً أو لفظاً أو نحوه صرف) - كمعد وقريش وبدر، ونحو: كتب زيداً وأجاده، أي كتب هذا اللفظ، وهذا الصرف إنما هو حيث لا يتحقق مقتض للمنع غير التأنيث المعنوي؛ فمثل تغلب، مراداً به الحي ممنوع للعملية ووزن الفعل.

(وإن كان أماً أو قبيلة أو بقعة أو كلمة أو سورة لم يصرف) - نحو: سلول مما لأب وأم، فإن أردت به الأم منعت؛ ونحو:

ص: 26

مجوس ويهود، مراداً بهما القبيلة؛ ونحو فارس وعمان؛ ونحو: هذا إن كتب زينب أجادها، يعني الكلمة؛ ونحو: قرأت نوح وهود، والمانع فيها كلها التأنيث والعلمية.

(وقد يتعين اعتبار القبيلة أو البقعة أو الحي أو المكان) - كمجوس ويهود علمين، ويستعملان بمعنى الجمع نحو: مجوسي ومجوس، ويهودي ويهود: كرومي وروم؛ ونحو: دمشق، ونحو: أدد، ونحو: بدر.

(وقد تسمى القبيلة باسم الأب) - نحو: تميم هو اسم الأب، سميت به القبيلة.

(والحي باسم الأم) - نحو: باهلة، هو اسم للأم سمي به الحي.

(فيوصفان بابن وبنت) - نحو: تميم بن مر، وبنت مر، وباهلة بن أعصر، وبنت أعصر.

(وقد يؤنث اسم الأب على حذف مضاف مؤنث، فلا يمنع من الصرف). نحو: جاءت تميم، أي قبيلة تميم.

(وكذا قرأن هوداً ونحوه، إن نويت إضافة السورة) - فلا يمنع ((هوداً)) من الصرف حينئذ، لنية إضافة السورة، وإن كان لولا هذه النية ممنوعاً، لأنه يقصد به حينئذ السورة كما سبق.

ص: 27

(فصل): (ما منع صرفه دون علمية منع منها) - كأحمر وسكران وأخر ومثنى ومساجد وحبلى وحمراء؛ فيمنع الأول وزن الفعل والعلمية، والثاني هي وزيادة الألف والنون، والثالث والرابع يأتي الكلام عليهما، ويمنع النوع الخامس، العلمية وشبه العجمة، وأما النوع السادس، فكحاله في أن التأنيث اللازم كاف. ووهم الجزولي في جعله حمراء ممنوعاً للصفة والتأنيث، وحواء، علم امرأة، ممنوعاً للعلمية والتأنيث.

(وبعدها أيضاً، إن لم يكن أفعل تفضيل مجرداً من "من") - أي وبعد العلمية تمنع كلها؛ فإذا نكرت شيئاً مما ذكر بعد التسمية به كان ممنوعاً أيضاً. أما أحمر وبابه، فلوزن الفعل وشبهه أصله، لأنه نكرة مثله، وشبه العلة علة؛ وهذا مذهب سيبويه، والسماع يشهد له؛ قال أبو زيد: قلت للهذلي: كيف تقول للرجل، له عشرون عبداً، كلهم اسمه أحمر؟ فقال: له عشرون أحمر. فقلت: كيف تقول؟ إذا كان يقال لهم: أحمد؟ فقال: له عشرون أحمداً. فأجرى أحمد، ولم يجر أحمر، وسيأتي الخلاف في المسألة.

وأفعل الذي للمفاضلة، إن سميت به خالياً من من، ثم نكرته صرفته، قولاً واحداً، لعدم شبهه أصله، وإن كان بمن، ثم نكرته

ص: 28

منعته، قولاً واحداً؛ وأما باب سكران، فيمتنع بعد التنكير، عند سيبويه، للزيادة وشبهه، خلافاً للأخفش في صرفه؛ وكذا يمنع أخر بعد التنكير عند سيبويه، للعدل وشبهه أصله، ومثنى وبابه كذلك، وسيأتي الخلاف فيه. وأما باب مساجد، فيمتنع لشبهه أصله؛ هذا قول سيبويه، ويأتي الخلاف فيه؛ وأما حبلى وحمراء، فيمنعان لوجود التأنيث اللازم.

(خلافاً للأخفش في مركب تركيب حضرموت، مختوم بمثل مفاعل أو مفاعيل) - كأن يسمى بعبد مساجد أو عبد دنانير، مركباً تركيب مزج، كحضرموت.

(أو بذي ألف التأنيث) - أي أو مختوماً بذي ألف التأنيث نحو: عبد بشرى أو عبد حمراء، علمين مركبين، كحضرموت؛ فإذا سميت بشيء من ذلك منعته للتركيب والعلمية؛ فإذا نكرته صرفته عند الأخفش والجمهور، لزوال العلمية، فلم يبق إلا التركيب، وهو لا يمنع، وما اختاره المصنف من المنع قول ضعيف.

(وله في أحد قوليه، وللمبرد في نحو: هوزان وشراحيل وأحمر)

- فمذهب الأخفش في أحد قوليه الصرف في الثلاثة منكرة بعد التسمية، وهو قول المبرد؛ والصحيح المنع؛ وفي أحمر ونحوه قولان آخران، أحدهما قاله الفارسي في بعض كتبه، أنه يجوز الوجهان،

ص: 29

والثاني قاله الفراء وابن الأنباري، إن سمى رجل أحمر بأحمر لم يجر بعد التنكير، وإلا أجري بعده، وكذا الكلام في أسود ونحوه.

(وما لم يمنع إلا مع العلمية، صرف منكراً بإجماع) - كعثمان آخر، وأحمد آخر، وعمر آخر، وأرطى أخر، ومعدي كرب آخر، وإبراهيم آخر، وطلحة آخر؛ وسبب الصرف زوال إحدى العلتين، وهي العلمية، فلم يبق إلا مال يستقل بالمنع، وقيل: زال في عمر العلتان، لزوال العدل بزوال العلمية، فإنه لم يعدل إلا علماً، وفيه نظر ظاهر.

(فصل): (ينون في غير النصب ما آخره ياء تلي كسرة من الممنوع الصرف) - ثبت هذا الفصل في نسخة البهاء الرقي- وغير النصب الرفع والجر نحو: جاءني جوار، ومررت بجوار، ودخل في كلامه ما كان جمعاً كجوار، أو مصغراً كأعيم، أو فعلاً سمى به نحو: يغز، ولا ينون في النصب، بل يفتح بغير تنوين؛ وإنما قال: من الممنوع، لأن هذا التنوين هو تنوين العوض لا الصرف، كما سبق في فصل التنوين.

(ويحكم للعلم منه عند يونس بحكم الصحيح، إلا في ظهور الرفع) - فإذا سميت بجوار، قلت عند يونس: هذا جواري، بإثبات

ص: 30

الياء وإسقاط التنوين، ومررت بجواري، مفتوح الياء بلا تنوين، كما يقول هو وغيره: رأيت جواري، وهو أيضاً قول أبي زيد وعيسى والكسائي والبغداديين، ومذهب سيبويه وجمهور البصريين أنه يبقى على ما كان قبل العلمية، وكذا الخلاف في أعيم ويغز علمين؛ واحتج يونس لمذهبه بقول الشاعر:

(6)

* قد عجبت مني ومن يعيليا *

ورد بأنه من جعل المعتل كالصحيح للضرورة. وقوله: للعلم منه، يخرج النكرة، فلا يفعل يونس فيها ذلك، بل هو فيها كغيره، وكذا من ذكر معه من القائلين بقوله؛ ووقع للفارسي وهم في ذلك، فنقل عنهم في النكرة أيضاً، ما قالوه في العلم.

(فإن قلبت الياء ألفاً منع التنوين باتفاق) - نحو: صحاري مخففاً من صحاري، ثم تقلب الياء ألفاً، فتقول: صحارى، فيمنع لكونه مثل سكارى.

ص: 31

(فصل): (قد يضاف صدر المركب) - أي الذي سبق في الباب، وهو المركب تركيب مزج.

(فيتأثر بالعوامل) - أي الصدر، فتقول: هذا حضرموت، ورأيت حضرموت، ومررت بحضرموت؛ وفي قوله: قد، إشارة إلى القلة.

(ما لم يعتل) - فإن اعتقل الصدر، لم يتأثر بالعوامل حينئذ، أي لم يظهر تأثره، فتقول على إعراب المتضايفين: هذا معدي كرب، ورأيت معدي كرب، ومررت بمعدي كرب، بسكون الياء، رفعاً ونصباً وجراً، لشبهها بوقوعها لفظاً وخطاباً دردبيس؛ وكذا تسكن الياء إذا ركبت، وإن كان آخر الصدر حقه الفتح؛ وفي البسيط: إن كان آخر الأول ياء، جاز فتحها على الأصل، ومنهم من يسكن، وهو الأكثر؛ وفي شرح سيبويه للصفار، وقد ذكر الإضافة، ذكر الفتح في النصب والتسكين.

(وللعجز حينئذ) - أي حين إذ يضاف.

(ماله لو كان مفرداً) - أي من الصرف وتركه؛ فموت، من حضرموت، مصروف، وهرمز، من رام هرمز، ممنوع.

ص: 32

(وقد لا يصرف كرب، مضافاً إليه معدي) - فإذا ثلث: هذا معدي كرب، فعند سيبويه والفارسي، أن كرب معرب غير منصرف، لكونه علماً مؤنثاً، ويحتمل كون الفتحة للتركيب، وقد أجاز السيرافي الوجهين؛ وفي كل منهما شيء، أما الأول، فلثبوت تنوين كرب، وأما الثاني، فلقلة التركيب في هذا.

(وقد يبنى هذا المركب تشبيهاً بخمسة عشر) - فيقال: هذا بعلبك، بفتح اللام والكاف، وإذا فتحت، لك في معدي كرب فتح الباء، وبقيت الياء ساكنة، وقد سبق ما في البسيط، وفيه أيضاً أن البناء ليس مطرداً في هذا النوع عند عامة النحويين البصريين والكوفيين، وقد قال سيبويه: ونحو ذلك من كلامهم كثير، أشار إلى تركيب البناء، ومن النحويين من يجوز ذلك. انتهى.

(فصل): (العدل المانع مع الوصفية، مقصور على أخر مقابل آخرين) - فإذا قلت: مررت بهند ونساء أخر، فكان حقه من جهة أنه أفعل تفضيل، كما هو قول الأكثرين، أو مشبهاً بأفعل التفضيل، كما هو قول الأخفش، أن يكون بالألف واللام، لأن أفعل التفضيل، إنما يثنى ويجمع عند عدم الإضافة إذا كان بال، فلما عومل معاملة ما فيه ال في التثنية والجمع، ولم يعامل معاملة المجرد في الإفراد، قيل: عدل به عن الألف واللام، فمنع الصرف للصفة والعدل.

ص: 33

واحترز بقوله: مقابل

من أخر مقابل آخرين، بكسر الخاء، وهو جمع أخرى بمعنى آخرة تأنيث آخر، بكسر الخاء، فإنه مصروف، لأنه غير معدول.

(وعلى موازن فعال ومفعل، من عشرة وخمسة، فدونها سماعاً، وما بينهما قياساً، وفاقاً للكوفيين) - وفي بعض النسخ: (والزجاج)، وفي بعضها:(وعلى موازن فعال ومفعل، من عشرة وواحد إلى خمسة، ولا يقاس عليها إلى التسعة، خلافاً للكوفيين) - فوافق الكوفيين في النسخة الأولى، وخالفهم في الثانية؛ ومذهب البصريين عدم القياس في اللفظين، ومذهب الكوفيين القياس فيهما؛ وفصل بعضهم، فقاس على المسموع من فعال، واقتصر في مفعل على السماع لقلته. وقد ثبت السماع في اللفظين من واحد إلى عشرة، حكى الشيباني: موحد إلى معشر، وحكى أبو حاتم وابن السكيت: أحاد إلى عشار.

(ولا يجوز صرفها مذهوباً بها مذهب الأسماء، خلافاً للفراء) - قال الفراء، بناء على مذهبه: إنها امتنعت للعدل والتعريف، بنية ال، ومن جعلها نكرة، وذهب بها إلى الأسماء، أجراها بقول العرب: ادخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثاً ثلاثاً؛ قال: ووجه الكلام أن لا تجري، وأن تجعل معرفة، لأنها مصروفة، أي معدولة. انتهى. ولا يعرف البصريون هذا.

ص: 34

(ولا مسمى بها، خلافاً لأبي علي وابن برهان) - وهو قول الأخفش والجرمي، والجمهور على المنع للعلمية والعدل.

(ولا منكرة، بعد التسمية بها، خلافاً لبعضهم) - هو مروي عن الأخفش، واختلف عن أبي علي، فنقل عنه النحاس الصرف، وغيره المنع، وهو قول الجمهور، لشبهه أصله، لأنه صار نكرة، كما كان قبل التسمية.

(والمانع مع شبه العلمية أو الوصفية في فعل توكيداً) - أي والعدل المانع مع ما ذكر، وذلك في جمع وكتع وبصع وبتع، ثم قيل: عدلت عن فعل، لأن قياس جمع أجمع وجمعاء: جمع، كحمر في أحمر وحمراء، وهو قول الأخفش والسيرافي، واختاره ابن عصفور، وقيل: عن جمعاوات، لأن ما جمع مذكره بالواو والنون، قياس مؤنثه الجمع بالألف والتاء، وهو اختيار المصنف؛ وأما شبه العلمية فيها، فمن حيث جمع مذكرها بالواو والنون، وأن تعريفها بغير أداة لفظية، بل بنية الإضافة، وهو اختيار ابن عصفور والمصنف؛ وقيل: تعريفها بالعلمية؛ ورد بأنها جمع، والجموع لا تكون أعلاماً؛ وأما شبه الصفة فيها، فمن حيث إن المذكر على أفعل والمؤنث على فعلاء، ونظير منع العدل وشبه الصفة ما ذهب إليه الجمهور في مثنى وبابه منكراً

ص: 35

بعد التسمية، من أن المنع للعدل وشبهه أصله.

(ومع العلمية في سحر الملازم للظرفية) - وهو المراد من يوم بعينه، فلا ينصرف، بل يلزم الظرفية، ولا ينصرف للعلمية والعدل؛ وقيل: له ولشبه العلمية، من حيث تعرف بغير أداة ملفوظ بها، بل بنية ال، وهو اختيار ابن عصفور، وقد سبق أنه قيل: إنه مبني.

(وفيما سمي به من المعدولات المذكورة) - وذلك أخر وفعال ومفعل في العدد، وفعل في التوكيد؛ فإذا سميت بشيء من هذه، منع للعلمية والعدل؛ وقد نص سيبويه على منع آخر مسمى به، للعملية وكونه لفظ المعدول. وفي البسيط، عن الأخفش والكوفيين، أنه يصرف لزوال العدل بالعلمية، وقد سبق الخلاف في صرف فعال ومفعل في التسمية بهما، وأن الجمهور على المنع، وأما فعل في التوكيد، فمذهب سيبويه منعه في التسمية به، وفي البسيط صرفه عن الأخفش.

(ومن فعل المخصوص بالنداء) - نحو: فسق وخبث، عدلاً عن فاسق وخبيث، وكذا لكع، عدل فيه عن لاكع، فإن سميت بها منعت للعلمية وبقاء لفظ المعدول؛ ونقل ابن بابشاذ، عن الأخفش الصرف، وإليه ذهب ابن السيد؛ وحكى أبو عبيدة أنه يقال للفرس الذكر: لكع، وللأنثى لكعة، قال ابن السراج والسيرافي: هذا ينصرف في المعرفة، لأنه ليس المعدول الذي يقال فيه للمؤنثة لكاع، بل هو كحطمة.

ص: 36

(وفي فعل المعدول عن فاعل علماً) - أي وفيما سمي به من المعدولات، وفي فعل .. وخرج بالمعدول غيره، كاسم الجنس نحو: صرد، والصفة كحطم، والمصدر كهدى، والجمع كغرف، وبقوله: عن فاعل، المعدول عن غيره، كأخر وجمع، وبعلم، المعدول عن فاعل في النداء كفسق، إلا أنه يرد عليه ثعل فإنه كعمر في المنع للعلمية والعدل، وليس معدولاً عن فاعل بل عن أفعل؛ لكن الغالب فيما سمع من هذا النوع، العدل عن فاعل.

(وطريق العلم به سماعه غير مصروف، عارياً من سائر الموانع) - أي وطريق العلم بفعل المعدول علماً، أن يسمع ممنوع الصرف، وليس فيه ما يمنع مع العلمية، من تأنيث ونحوه؛ فإن سمع مصروفاً، فلا عدل، كأدد، وإن وجد ما يمنع مع العملية غير العدل فكذلك، كطوى في لغة المنع، إذ فيه مع العلمية تأنيث البقعة.

(وفي حكمه عن تميم فعال معدولاً علماً لمؤنث، كرقاش) - فرقاش وبابه كحذام، وهو مقصور على السماع، كباب عمر، ممنوع عند سيبويه للعلمية والعدل، فرقاش عن راقشة، وحذام عن حاذمة، وذلك لأن الغالب في الأعلام أو اللازم فيها النقل، فيقدر

ص: 37

عدول فعال عن فاعل علماً، وفاء بما تستحقه الأعلام، كما فعل في باب عمر؛ وقال المبرد: باب رقاش ممنوع للعلمية والتأنيث فيقتضي الارتجال، وهو خلاف ما استقر أو غلب في الأعلام.

وخرج بمعدول خلافه كالمصدر نحن ذهاب، والصفة كجواد، وما بينه وبين مفرده التاء كسحاب، وغير ذلك من الأسماء كجناح، فهذا كله يصرف علماً مذكراً، إذ ليس فيه غير العلمية.

(ويبنيه الحجازيون كسراً) - فأجروه مجرى فعال، اسم فعل لشبهه به وزناً وعدلاً وتعريفاً وتأنيثاً.

(ويوافقهم أكثر تميم فيما لامه راء) - فيبنونه على الكسر، كما يفعل الحجازيون فيه وفي غيره كسفار لماء، وحضار لكوكب، وهما مؤنثان، كأنهما للماءة والكوكبة؛ وإنما قال: أكثر، لأن بعض تميم تعرفه كحذام، وإنما كسروا الراء ليتوصلوا إلى ما هو مذهبهم، وهو الإمالة.

(واتفقوا على كسر فعال أمراً) - أي اتفق الحجازيون والتميميون على بناء ذلك وما يذكر معه على الكسر نحو: نزال وحذار ودراك، ولم يتفق على ذلك العرب، فبنو أسد يبنون هذا على الفتح كما سيأتي، فيقولون: نزال.

(أو مصدراً) - نحو: حماد ويسار وما حده السماع.

(أو حالاً) - نحو: بداد بمعنى متبددة في قول الجعدي:

ص: 38

(8)

وذكرت من لبن المحلق شربة والخيل تعدو بالصعيد بداد

قال السيرافي: بداد في موضع الحال.

(أو صفة جارية مجرى الأعلام) - نحو: حلاق للمنية، وكرار للخرزة، تأخذ بها النساء أزواجهن، يقلن: يا كرار كريه، إن أقبل فسريه، وإن أدبر فضريه.

(أو ملازمة للنداء) - كقولهم: يا فساق ويا خباث.

(وكلها معدول عن مؤنث) - أي من فعال أمراً إلى الملازم للنداء، وذلك لأنه لم يجئ العدل في فعال عن مذكر، ونص المبرد على أن فعال في الأمر معدول عن فعل الأمر،

ص: 39

وحماد ويسار ونحوهما معدولة عن مصدر مؤنث معرفة، وإن كانوا لم يستعملوا ذلك المصدر في كلامهم، كما أن ملاقيح جمع مفرد لم يستعملوه، وكذا بداد معدول عن مصدر مؤنث معرفة كالبدة أو البادة، وحلاق وبابه معدول عن صفات غلبت فصارت كالنابغة، ولذا لا يتبع شيء منها موصوفها، لأنها بغلبتها أشبهت الأعلام؛ وفساق معدل عن فاسقة؛ قال الخضراوي: إن نزال عند سيبويه علم معرفة على الجنس، وكل ما عدل مبنياً فهو معرفة، قال: ويرى سيبويه أن هذه الأشياء بنيت حملاً على نزال، ونزال بنى حملاً على الفعل.

(فإن سمى ببعضها مذكر فهو كعناق) - فإذا سميت رجلاً بنزال وباقي أخواته إلى فساق قلت: هذا فساق، ومررت بفساق، معرباً إعراب ما لا ينصرف، وكذا الباقي كما تفعل بعناق علم مذكر، ولا تبنيه على الكسر، لأنه مذكر حينئذ، ولا يجيء. فعال معدولاً عن مذكر؛ وأجاز بناءه على الكسر ابن بابشاذ.

(وقد يجعل كصباح) - فيعرب منصرفاً؛ ولعل المصنف ألحق ذلك في نزال وأخواته بما ذكره سيبويه في رقاش، قال سيبويه: ومن العرب من يصرف رقاش، إذا سمى به مذكر، فإنه سمى رجلاً بصباح. انتهى. والمشهور منعه، ولا يبنى على الكسر

ص: 40

(وإن سمى به مؤنق فهو كرقاش على المذهبين، وفتح فعال أمراً، لغة أسدية) - فتبنيه على الكسر على لغة الحجاز، وتعربه كما لا ينصرف عند تميم، وإن كان آخره راء فعلى ما تقدم أيضاً، وذلك نحو: نزال وحذار، وكذا باقي ما سبق من فعال.

(فصل): (يصرف مصغراً ما لا يصرف مكبراً) - وهو ما زال بتصغيره سبب منعه، كعمير تصغير عمر، وسحير مصغر سحر، لزوال العدل، فلم يعدلا إلى مكبرين؛ وكذا سمير وعليق وسريحين وجنيدل، زال بالتصغير سبب منعها.

(إن لم يكن مؤنثاً) - كسعاد ونحوه، فيمنع مصغراً كما يمنع مكبراً، لتحقق السبب في الحالين.

(أو أعجمياً) - كبريهيم وسميعيل، أو أبيره وأسيمع، عند من يرى تصغيرهما كذلك، فيمنعان في التصغير كالتكبير، وكذا ما أشبهها، فهذا في غير مصغر الترخيم، وأما ما فيه كبريه وسميع فالصرف.

(أو مركباً) - كبعلبك ومعد يكرب، فيمنعان هما ونحوهما في الحالين.

ص: 41

(أو مضارعاً لفعلاء مكبراً ومصغراً) - كسكران، فتقول في تصغيره سكيران، كما تقول في تصغير حمراء حميراء، فلا يصرف سكران مصغراً، كما لا يصرف مكبراً. وخرج سرحان ونحوه علماً، فيقال في تصغيره سريحين، فيصرف في التصغير، لعدم المضارعة المذكورة، ويمنع وهو علم في التكبير، للمضارعة إذ لا يدخله حينئذ تاء التأنيث، كما لا يدخل حمراء ونحوه.

(أو ذا شبه بالفعل المضارع، سابق للتصغير) - كتغلب ويشكر، فيمنعان هما وغيرهما في التصغير أيضاً لبقاء علة المنع. واحترز بالمضارع من نحو شمر وضرب مبنياً للمفعول، فيصرفان هما وما أشبههما في التصغير، لزوال وزن الفعل منه.

(أو عارض فيه) - نحو: أخادل علماً، وتصغيره أخيدل، فيمنع مكبراً للعلمية وشبه العجمة، ومصغراً للعلمية ووزن الفعل، إذ صار نحو أبيطر.

(وقد يكمل موجب المنع في التصغير، فيمنع مصغراً ما صرف مكبراً) - نحو: تحلئ علماً، فيصغر على تحيلئ، فيمنع في التصغير فقط، لوجود وزن الفعل فيه مع العلمية، والموجود في التكبير العلمية وحدها؛ وكذا يتحتم منع هند مصغرة، إذ يقال: هنيدة، والتاء تحتم المنع، وفي التكبير لا تاء، فجاز فيه الوجهان. فقوله: فيمنع، محمول على ما تجدد له المنع أو تحتم. والتحلئ بالكسر: ما أفسده السكين من الجلد إذا قشره، تقول منه: حلئ

ص: 42

الأديم حلأ بالتحريك، إذا صار فيه التحلئ.

(فصل): (يصرف ما لا ينصرف للتناسب) - نحو: "سلاسلاً وأغلالاً وسعيراً"، صرف سلاسل لصرف أغلال وسعير.

(أو للضرورة) - كقوله:

(9)

فأتاها أحيمر كأخي السهم بعضب فقال: كوني عقيراً

(وإن كان أفعل تفضيل، خلافاً لمن استثناه) - وهم الكوفيون، قالوا: لا يصرف "أفعل من" للضرورة، لأن منعه من التنوين لأجل من، فلا يجمع بينهما، وأما البصريون فمنعوه للوزن والصفة كأحمر، ولذا لما ذهب الوزن نون، وإن كان معه من نحو: خير من زيد، وشر منه.

(ويمنع صرف المنصرف اضطراراً) - وهو قول الأخفش

ص: 43

والفارسي، وقال به الكوفيون، إلا أبا موسى الحامض، وهو الصحيح، وقد كثر السماع به، ومنه قول العباس بن مرداس:

(10)

فما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع

(خلافاً لأكثر البصريين) - والحامض من شيوخ الكوفيين.

(لا اختياراً، خلافاً لقوم) - منهم أحمد بني يحيى، أنشد شعراً فيه منع ما ينصرف، فقيل له: هذا موضوع، لأن فيه منع المنصرف، فقال: هذا جائز في الكلام، فكيف في الشعر؟

(وزعم قوم أن صرف ما لا ينصرف مطلقاً لغة) - حكى الأخفش أن من العرب من يصرف في الكلام جميع ما لا ينصرف، قال: وكأنها لغة الشعراء، جرت ألسنتهم في الكلام على ما يضطرون إليه في الشعر.

(والأعرف قصر ذلك على نحو: "سلاسل وقوارير") - حكى الأخفش أن بعض العرب يصرف الجمع المتناهي، قال: سمعت ذلك منهم، وسببه جمعهم له جمع سلامة نحو: صواحبات، فأشبه بذلك الآحاد.

ص: 44