المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌67 - باب الحكاية - المساعد على تسهيل الفوائد - جـ ٣

[ابن عقيل]

الفصل: ‌67 - باب الحكاية

‌67 - باب الحكاية

وهى إيرادُ لفظ المتكلِّم على حسب ما أورده؛ ثم المحكىُّ إما أن يكون بعد القول أو لا؛ أما الذى بعد القول فقد سبق، وأما غيره فهو المقصود هنا؛ والباب معقود للحكاية بغير القول، بأى وبمن.

(إنْ سُئل بأىّ عن مذكور منكّر عاقل أو غيره، حكى فيها مطلقا ما يستحقُّه من إعراب) - فَعُلم بتعليق أى بالسؤال، أن المستعملة هنا هى أى الاستفهامية، لا الشرطية ولا غيرها؛ واحترز بمذكور، عن ابتداء السؤال بأى، فإنه لا يحكى فيها شئ، إذ لم يسبق ما يُحكى، وإنما يكون بحسب العامل فى كلامك، نحو: أيُّهم قام؟ وأىَّ الناس ضربْتَ؟ وبأىِّ الناس مررتَ؟ بخلاف ما إذا ذكر شئ فى كلام غيرك، فاستَثْبتَّ بأىّ، فإنك تحكى ما سبق؛ وبمنكور عن المعرفة، فلا يحكى بأى، بل تبطل الحكاية حينئذ؛ ولا فرق فى الحكاية بين العاقل وغيره، فهما سواء فى الحكم. ويحكى بأى فى الوصل والوقف، وإليه الإِشارة بقوله: مطلقاً؛

ص: 258

وهذا بخلاف مَنْ، كما سيأتى. ويجعل فى أى ما كان للاسم المحكىّ من مستحق إعراب، فتقول لمن قال: قام رجل: أىٌّ؟ ورأيت رجلاً: أيّاً؟ ومررت برجل: أىٍّ.

(وتأنيث) - نحو: قامت امرأة؛ فتقول: أيَّةٌ؟

(وتثنية) - نحو: قام رجلان أو امرأتان؛ فتقول: أيَّانِ؟ أو أيَّتانِ؟ .

(وجمع تصحيح موجود فيه) - نحو: قام بنون؛ فتقول: أَيُّون؟ .

(أو صالح لوصفه) - نحو: قام رجال؛ فتقول: أَيُّون؟ لصلاحية رجال للوصف بما فيه الواو والنون، نحو: رجال مسلمون؛ وكذا إذا قيل: نساء؛ فتقول: أَيَّات؟ لصلاحية وصف نساء بما فيه الألف والتاء، نحو: نساء مسلمات؛ وما ذكر من مطابقة أىّ فى الحكاية على الوجه المذكور، هو الأفصح؛ ومنهم من يطابق فى الإِعراب والتذكير والتأنيث لا غير، وسيأتى؛ وأما أىّ فى ابتداء السؤال، فالأفصح إفرادها وتذكيرها؛ ومنهم من يثنى ويجمع ويؤنث، وهو قليل، لا يكاد يوجد إلَّا في شعر، نحو:

(169)

* بأىِّ كتابٍ أم بأيَّةِ سُنَّةٍ؟ * البيت

ص: 259

واختلف فى حركة أىّ فى الحكاية؛ فقيل: إعراب، وقيل: إتباع للفظ المتكلم، وهى فى موضع رفع على الابتداء أو الخبرية، وعلى طريق البصريين؛ والقول بالإِعراب يكون فى الرفع مبتدأ، فتقدير قولك: أىّ؟ فى استثبات: قام رجل؛ أىٌّ قام؟ ويقدر فى النصب العامل متأخّراً، ففى: أيّاً؟ التقدير: أيّاً رأيتَ؟ وإذا قدرتَ فى الجرِّ قلت: بأىٍّ مررتَ؟ ومنهم من التزم فى الحكاية أن يقال: بأىٍّ؟ حتى لا يحذف حرف الجرّ مع بقاء عمله؛ ويجوز أن يقول: أيّاً ضربت؟ وبأىٍّ مررت؟ فيظهر العاملُ توكيداً، بشرط تأخّره؛ وعلى طريق الكوفيين يجوز تقديم العوامل، لأن الاستفهام للاستثبات يجوز عندهم تقديم العامل فيه مع أىٍّ وما ومَنْ، وأجازوا أيضا إظهار العامل هنا، فتقول: قام أىٌّ؟ ورأيتَ أيّاً؟ ومررتَ بأىٍّ؛ ويجوز عند بعضهم أن لا يُحكى، قال فى الإِفصاح: من النحاة مَنْ أجاز ترك الحكاية بأىّ، وأجاز الاستئناف على الابتداء والخبر؛ وشرط أىّ فى الاستثبات أن لا تكون مضافة.

(وإن سُئل عنه فى الوقف بمَنْ، فكذلك) - أى عن المذكور المنكَّر، فيجرى فى الحكاية بمن، مجرى الحكاية بأي.

ص: 260

(ولكن تشبع الحركاتُ فى نونها حال الإِفراد) - فإذا قيل: قام رجل، قلت: مَنوُ؟ ورأيت رجلاً، قلت: مَناً؟ ومررت برجل، قلت: مَنِى؟

(ويُسكّن قبل تاء التأنيث حالَ التثنية) - فتقول: مَنْتانِ؟ فى الرفع، ومَنْتَيْن؟ فى النصب والجرّ.

(وربما سكنت فى الإِفراد، وحركت فى التثنية) - أى قبل تاء التأنيث؛ وفى تثنية المؤنث، حكى ابن كيسان، فى المختار له، أن من العرب من يقول: مَنْتْ؟ بسكون النون والتاء، رفعا ونصبا وجرّاً؛ والفصيح منه بتحريك النون بالفتح، وإسكان الهاء المبدلة من هاء التأنيث، والحكاية فى مَنَت؟ ومَنَه؟ مقدرة فى التاء والهاء، رفعا ونصبا وجرّاً؛ ومنهم من يقول فى تثنية المؤنث: مَنَتان؟ ومَنَتين؟ بتحريك النون قبل التاء، وهو القياس، لأن الفصيح فى المفرد منه بتحريك النون، والتثنية فرع الإِفراد؛ وتقول فى: قام مسلمات: مَناتْ؟ بسكون التاء، وكذا فى: رأيت مسلمات، ومررت بمسلمات، والحكاية مقدرة فى التاء، رفعا ونصبا وجرّاً.

(وقد يستعملان مع غير المفرد المذكر استعمالهما معه) - فيحكى فى أيّ الإِعراب فقط، ولا يثنى ولا يجمع فى تأنيث ولا

ص: 261

تذكير، ويأتي فى المؤنث بالتاء، فتقول لمن قال: قام رجل، أو رجلان، أو رجال: أيٌّ؟ ولمن قال: رأيت رجلا، أو رجلين، أو رجالاً: أيّاً؟ ولمن قال: مررت برجل أو رجلين أو رجال: أىٍّ؟ أو بأىٍّ؟ وتقول فى المؤنث: أيَّة، برفع إن رُفع، ونصب أو جَرٍّ إن نُصب أو جُرَّ؛ واللفظ هكذا إفراداً وتثنية وجمعاً؛ وتلحق مَنْ واوٌ، رفعاً إن رُفع، وألفٌ، نصباً إن نُصب، وياءٌ جرّاً إن جُرَّ، فتقول: مَنُو، مَنا، مَنى، فى التذكير والتأنيث مطلقاً، حكاه يونس عن قوم من العرب؛ وقال سيبويه فى هذا الباب: وسنبين وجه هذه الواو والياء والألف، فى غير هذا الموضع، إن شاء الله تعالى؛ ولم يوجد ذلك فى كتابه.

وعدَّ بعضُ المصنفين، مع الأسماء الستة، فى الرفع بالواو، والنصب بالألف، والجرّ بالياء، مَنْ فى الحكاية.

وذهب المبرد وأبو علىّ، إلى أن هذه الحروف زيدتْ أولاً، ولزمت عنها الحركات؛ وقيل إن هذه الحروف عوض من لام العهد، لأن النكرة متى أعيدت كانت باللام؛ وقال أبو سعيد: الحركات وقعت بها الحكاية، ثم أشبعت فتولدت الحروف.

ص: 262

(ولا يُحكى غالباً معرفةٌ إلَّا معرفةٌ إلَّا العلَم، غير المتيقَّن نفى الاشتراك فيه) - استظهر بقوله: غالباً، على ما حُكى من قولهم: مع مَنين؟ استثباتاً لمن قال: ذهبت معهم؛ وخرج بغير المتيقَّن، قريش ونحوه، ودخل زيدٌ وآدم علَمين ونحوهما.

(فيحكيه الحجازيون) - أى فيجيز الحجازيون حكايته، مع كونهم يجيزون رفعه بكل حال؛ وأما بنو تميم فيوجبون رفعه بكل حال، ولا يُجيزون الحكاية أصلاً.

(مقدَّراً إعرابُه بعد مَنْ) - فتقول لمن قال: رأيتُ زيداً: مَنْ زيداً؟ بالنصب؛ ولمن قال: مررتُ بزيدٍ: مَنْ زيدٍ؟ بالجرّ؛ فمن فيهما مبتدأ، والاسم بعدها خبر؛ ويجوز عكسُه، وعلامة الرفع مقدَّرة، منع من ظهورها اشتغال الآخِر بحركة الحكاية؛ وإذا قلت: مَنْ زيدٌ؟ فهو أيضا على تقدير الحركة للعلة المذكورة. ونقل ابن عذرة أن من النحويين من يقول: إن الرفع الموجود إعرابٌ لا حكاية، إذ لا ضرورة فى تكلف التقدير؛ وظاهر كلام المصنف على الأول، وما ذكر من التقدير فى الأحوال الثلاثة، هو قول جمهور البصريين؛ وقال الفارسىّ فى: مَنْ زيداً؟ بالنصب، ومَنْ زيدٍ؟ بالجرّ: إنَّ مَنْ مبتدأ، خبره جملة، والتقدير: مَنْ ذكرته زيداً، ومَن مررت به زيدٍ؛ وهذا التقدير يقتضى كون زيد بدلاً من المضمر المنصوب، أو من المجرور؛ وصرح بأن زيداً، حالة الرفع لا يصلح أن يكون خبراً لمن، كحالة النصب

ص: 263

والجرّ، لأن الخبر المفرد يكون المبتدأ فى الأصل، أو منزَّلاً منزلته، والمسؤول عنه اسمه زيدٌ لا زيداً، بالنصب ولا غيره، ولم يبين الخبر المقدَّر حالة الرفع، وقياس ما ذكره أن يكون التقدير: مَن يُذكر زيدٌ، بالبناء للمفعول، ويكون زيدٌ بدلاً من الضمير فى يُذكر؛ وقال كثير من الكوفيين: الاسم المحكيّ فيه الإِعراب، بدل مِنْ مَنْ، ومَنْ محمولة على عامل مضمر، يدل عليه المذكور فى كلام الأول؛ ويجوز عندهم أن يقدر العامل قبل مَنْ، فى هذا الباب؛ فإذا قيل: قام زيدٌ، فقلت: مَنْ زيدٌ؟ فالتقدير عندهم: قام مَنْ؟ أو مَنْ قام؟ وزيد بدل من مَنْ، وكذا الباقى.

(غير مقرونة بعاطف) - فإذا قيل: قام زيدٌ، فقلت: ومَنْ زيدٌ؟ بطلت الحكاية، ووجب رفع زيد فى الأحوال الثلاثة؛ وفى البسيط أنه إذا قيل: ضربت زيداً وعمراً، جاز أن تقول: مَنْ زيداً؟ ومَن عمراً؟ بالحكاية، وأنه إنما تبطل الحكاية إذا دخل حرف العطف على الأول.

(ولا يقاس عليه سائر المعارف، ولا يُحكى فى الوصل بمَنْ خلافاً ليونس فى المسألتين) - أما المسألة الأولى، وهى حكاية غير العلم من المعارف، فالذى أجمع عليه الرواة، وهو مذهب الحجازيين،

ص: 264

حكاية العلَم، اسماً وكنيةً ولقباً، وأما غيره، فإن كان مُحلّى باَلْ، وهو وصف منسوب، فإنك تأتى بمَنْ بألْ وياءَى النسب، فتقول لمن قال: قام زيد القرشىّ، إذا استثبتَّ عن القرشىّ: الْمَنِىّ؟ ويعرب ويؤنث ويثنى ويجمع بالواو والنون، والألف والتاء وصلاً ووقفاً؛ وفى البسيط يقال: ضربت زيداً، فتقول: اَلْمَنِىّ؟ تحكيه على كلامه، مرفوعاً ومنصوباً ومجروراً؛ ويأتى الخلاف: أهذا إعراب؟ أم لا؟ وكأنك قلت: أهو القرشىّ؟ انتهى.

وأطلق سيبويه أنك تقول: اَلْمَنِىّ؟ فى السؤال عن نسب إلى بلد أو صفة أو قبيلة أو أب، فتقول: اَلْمَنِىّ؟ فيقول: القرشىّ أو المكى أو الخياط أو العلوىّ؛ واختاره الزجاج، وخصَّه السيرافىّ بالنسب إلى الأب أو القبيلة.

وقال المبرد وغيره: إنما يقال: اَلْمَنِىّ؟ فى مَنْ يعقل، وأما غيره فيقال: المائىّ؟ والماوىّ؟ فإذا قال: رأيت الحمار، وأردت نسبته، قلت كذلك، لا اَلْمَنِىّ؟ والصحيح ما أطلقه سيبويه، ولم يُسمع منهم ما ذكر المبرد، وإنما قاله قياساً.

ولا يجوز الاستثبات عن نسب النكرة، وأما غير ذلك من المعارف، فلا يجوز فيه الحكاية، على المختار؛ وأجاز بعضهم فيه الحكاية، وهو ما حكاه المصنف عن يونس، فتقول لمن قال: رأيت

ص: 265

أخاك: مَنْ أخاك؟ ومررت بأخيك: مَنْ أخيك؟ وجاء زيدٌ بهذين: مَنْ هذين؟ ومررت بالزيدين: مَن الزيدين؟

وحكى الأخفش أن منهم من يحكى الاسم مطلقاً، اسماً كان أو صفةً؛ وسمع سيبويه: دعنا من تمرتان، حكاية لمن قال: عنده تمرتان؛ وسمع قول: ليس بِقُريشِيّاً، حكاية لمن قال: أليس قريشيّاً؟ وإنما يحكى هذا النوع بعد القول أو ما يجرى مجراه؛ وشذَّ هذا فى حذف القول، والأصل: دعنا من قولك: ما عنده تمرتان، وليس بالذى يقال فيه: أليس قريشيا؟

وأما المسألة الثانية، وهى الحكاية بمَنْ فى الوصل: فأجاز ذلك يونس، وحكاه لغةً عن بعض العرب، ولشذوذها قال يونس: لا يصدق بهذه اللغة كل أحد؛ فتثبت على هذه اللغة الزيادةُ وصلاً، كما تثبت وقفاً، فتقول: مَنُو يافتى؟ ومَنا يا هذا؟ ومَنِى يا هذا؟ بلا تنوين؛ وتقول فى المؤنث: مَنت يا فتى؟ رفعا ونصبا وجرّاً؛ يشير إلى الحركة ولا ينون، وفى التثنية: مَنانِ ومَنتانِ يافتى؟ ومَنينِ ومَنتينِ يافتى؟ بكسر النون، ومَنُونَ ومَنينَ يافتى؟ بفتحها، ومَناتٌ يافتى؟ فتضَم التاء وتنوّن، رفعاً، وتكسرها وتنون نصباً وجرّاً.

(وفى حكاية العلم، معطوفاً أو معطوفاً عليه خلاف:

ص: 266

منعه يونس، وجوَّزه غيره، واستحسنه سيبويه) - فذهب يونس وجماعة إلى أن عطف أحد الاسمين على الآخر يبطل الحكاية، وذهب غيرهم إلى خلافه، فيحكيان إذا كانا مما يحكى، فتقول: مَنْ زيداً وعمراً؟ لمن قال: ضربت زيداً وعمراً؛ وإن كان أحدهما فقط مما يحكى، بنيت على ما تقدَّم، وأتبعته الآخر، فإذا قيل: رأيت صاحبَ عمرو وزيداً، قلت: مَنْ صاحبُ عمرو وزيدٌ؟ بلا حكاية، وإن عكس حكيتَ، وكذا لحكم لو قال: رأيت رجلاً وزيداً، وزيداً ورجلاً، فلا يُحكى فى الأول، ويحكى فى الثاني؛ قال سيبويه: وأما ناس فقاسوا، فقالوا: تقول: مَنْ أخو زيدٍ وعمرو؟ ومَنْ عمراً وأخا زيد؟ فيتبع الكلامُ بعضُه بعضا، وهذا حسن. انتهى.

وفى البسيط: إن كان أحدهما مما يحكى، فأعدت مَنْ، حكيت العلم دون الثانى، وإلَّا لم تحك واحداً منهما؛ وفيه أيضا: إذا قيل: ضربت زيداً ورجلاً، قلت: مَنْ زيداً ومَنا؟ فلو قدمت النكرة قلت: مَنْ ومَنِ زيداً؟ .

(ولا يُحكى موصوفٌ بغير ابن، مضافٍ إلى العلَم) -

ص: 267

فإذا قلت: رأيت زيدَ بنَ عمرو، جاز أن يُحكى، فيقال: مَن زيدَ ابنَ عمرو؟ لأنهما صارا بمنزلة زيد؛ ولو قيل: رأيت زيداً الظريف، لم تجز الحكاية، وتعيَّن الرفع، فيقال: مَنْ زيدٌ الظريفُ؟ وحكم بقية التوابع، عدم الحكاية أيضا، فيقال: مَنْ زيدٌ نفسُه؟ ومن زيدٌ أخو عمرو؟ ومَنْ زيدٌ أبو حفص، بالرفع فى الجميع، لمن قال: رأيت زيداً نفسَه، أو أخا عمرو، أو أبا حفص؛ وكذا فى الجرِّ؛ وأجاز الفارسىّ الحكاية فى الوصف والموصوف، وزعم أنه أخذه من كلام سيبويه، وهو مردود عليه.

(وربما حكى الاسم دون سؤال) - مثل هذا بقوله تعالى: {يقال له إبراهيم} واختلف فى حكاية المفرد، مراداً به مجرد اللفظ بعد القول؛ والصحيح جوازه عند المصنف، وصحح غيره المنع؛ واختلف أيضا فى تخريج الآية، فقيل: إبراهيم مرفوع

ص: 268

بيُقال، فيكون من حكاية المفرد، أى يطلق عليه هذا اللفظ؛ وقيل: حذف منه حرف النداء، أى يا إبراهيم؛ وقيل: خبر مبتدأ محذوف، أى أنت إبراهيم، وعلى هذين يكون من حكاية الجمل؛ وقال الأعلم: رفع بالإِهمال، إذ لم يسبقه ما يؤثر فيه، والقول لا يصلح لذلك، فلا يقع بعده إلَّا جملة أو مفرد يؤدى معناها كحق وباطل، والمهمل إذا ضم إلى غيره رفع نحو: واحد واثنان؛ ويجوز أن يمثل هذا بما سبق من قولهم: دعنا من تمرتان، وليس بقرشياً.

(وربما حكى العلم والمضمر بمَنْ، حكاية المنكَّر) - فإذا قدر جهل الاسم المعرفة الذى جرى ذكره فى كلام المخاطب، فلم يُدْرَ ما هو، حكى كما يحكى النكرة؛ ولا يختص ذلك بالعلم والمضمر، بل كل معرفة كذلك حينئذ، ولا بمَنْ، بل يحكى إذ ذاك بمَنْ أو بأىّ، وعليه ما سبق من قولهم: مَنين؟ استثباتاً لمن قال: ذهبت معهم.

(وربما قيل: ضرَبَ مَن منَه؟ ومَنُو منَا؟ لمن قال: ضرب رجلٌ امرأة، ورجلٌ رجلاً) - رجلٌ امرأة، يرجع إلى: مَن مَنه؟ ورجلٌ رجلاً، يرجع إلى: مَنو منَا؟ والمراد بالأول أن منهم من يعرب مَنْ، قال يونس والكسائى: بعض العرب يعرب مَنْ، ويحكى بها النكرات، كما يحكى بأى، ومن كلامهم: ضرب مَنٌ مَناً؛ وحكى الكسائى: ضرب غلام من منَا، بإِعراب الأول بالخفض وتنوينها،

ص: 269

وبترك الإِعراب فيها وتسكينها؛ والمراد بالثانى إثبات الزيادة فى الوصل؛ وأشار بربما إلى قلة هذا العمل.

(ويقال فى حكاية التمييز، لمن قال: عندى عشرون: عشرون ماذا؟ وعشرون أيّاً؟ على رأى) - المراد بالحكاية هنا، إيراد الكلام مورد الاستثبات، كما سبق أنك تقول لمن قال: ضربت زيداً: اَلْمَنِى؟ على معنى الاستثبات عن نسبه، كأنك قلت: أهو القرشىّ؟ فإذا قيل: عندى عشرون، فأردت الاستثبات عن حقيقتها، قلت: عشرون ماذا؟ أو عشرون أيّاً؟ وهذا إنما هو على رأى من يعتقد فى استفهام الاستثبات، أنه يجوز تقديم العامل عليه، وهو رأى الكوفيين، وجرى عليه ابن عصفور، وحكى الكوفيون من كلام العرب: يفعلَ ماذا؟ يصنعَ ماذا؟ بنصب يفعل ويصنع، على تقدير: يريد أن يفعلَ ماذا؟ ويريد أن يصنعَ ماذا؟

(ويُحكى المفردُ المنسوبُ إليه حكمٌ هو للفظه) - نحو: ضربَ فعلٌ ماضٍ، ومِنْ حرفُ جرٍّ؛ ويجوز أن يقال: ضربتُ زيداً فتقول: زيداً مفعولٌ بنصب زيد.

(أو يجرى بوجوه الإِعراب) - إن كان قابلاً للإِعراب، فإن كان مبنيا حُكى ولم يُعرب، نحو: مَنْ موصولٌ، وهَلْ حرفُ استفهام، واضربْ فعلُ أمرٍ؛ وحكم الإِسناد اللفظى أن يُنسبَ

ص: 270

للمسند إليه، ما يستحقه من إعراب وبناء، لو أسند إلى معناه، فلذا يبنى ما ذكر، ويُعرب فى قولك: زيدٌ ثلاثىٌّ ونحوه.

(فصل): (إن سألَ بالهمزة عن مذكور، مُنكِرٌ اعتقادَ كونه على ما ذُكر، أو بخلافه، حكاه غالباً، ووصل منتهاه، ولو كان صفةً أو معطوفاً، فى الوقف، جوازاً، بمدَّةٍ تجانسُ حركته، إن كان متحركاً) - والمراد بهذا الفصل، ذكر حرف الإِنكار، ويأتى فى الفصل بعده ذكر حرف التذكر، وقد سبق ذكر الحرف اللاحق فى الحكاية، فهذه الأحرف تلحق أواخر الكلم، لقصد هذه المعانى، وهى متناسبة، ولذلك جمعها بباب واحد.

وقوله: بالهمزة، يدل على أن حرف الإِنكار لابد أن تتقدمه الهمزة دون غيرها؛ لكن حكى أبو زيد الأنصاريّ، عن الكلابيين، أنهم قالوا في: رأيت زيداً: زيدا انيه؟ بغير همزة استفهام، فيحذفون لدلالة قرينة الحال على الاستفهام، مع علامة الإِنكار.

وقوله: مذكور، يخرج مالم يسبق ذكره؛ فلو أنكرت ابتداءً ضرب عمرو مثلا، لقلت: أضربت عمراً؟ ولا تقول: أضربت عمرنيه؟ بإلحاق حرف الإِنكار.

وقوله: منكرٌ أو بخلافه، إشارة إلى ضربَىْ الإِنكار؛ فالأول كأن يقال: قام زيدٌ، فتقول: أزيدَ نيه؟ منكراً لقيامه؛ والثانى كقول بعضهم، وقد قيل له: أتخرج إن أخصبت الباديةُ؟ :

ص: 271

أأنا إنيه؟ منكراً أن يكون على خلاف الخروج، فأنكر على المتكلِّم استفهامه عن شئ لا ينبغى أن يستفهم عنه، لأنه لا بد من وقوعه، وأنا فى ذلك مرفوع أخرج.

ونبه بقوله: غالباً، على أن حكاية لفظ المتكلم لا تلزم؛ فإذا قال: قام زيدٌ، كان لك أن تقول: أقائم زيدٌ؟ ونحوه.

ومثال الصفة أن يقال: قام زيدٌ الفاضل؛ فتقول: أزيدٌ الفاضلوه؟ والمعطوف أن يقال: قام زيدٌ وعمرو؛ فتقول: أزيدٌ وعمرنيه؟

ونبه بقوله: منتهاه، على أن زيادة الإِنكار إنما تكون آخِراً، فإن أنكرت الجملة جميعها، كانت فى آخر لفظ منها؛ وإن أُنكر جزءٌ، ففى آخره.

وإنما تلحق مدة الإِنكار فى الوقف، لا فى الوصل؛ وهى جائزة لا لازمة؛ فإن لم تُلحقها وأنت منكر، قلت: أزيدٌ؟ وأزيداً؟ وأزيدٍ؟ وتكون المدة مجانسة للحركة، إن ضمة فضمة، نحو: قام أحمد، فتقول: أحْمدوه؟ وإن فتحة ففتحة، نحو: ضربتُ أحمدَ، فتقول: أحْمداه؟ وإن كسرة فكسرة، نحو: مررت بحذامِ، فتقول: أحذاميه؟ ولا فرق بين حركة الإِعراب وحركة البناء، فى ظاهر أو مضمر.

ص: 272

(أو بياء ساكنة بعد كسرة، إن كان تنويناً) - فتقول: أزيدُنيه؟ وأزيدَنيه؟ وأزيدِنيه؟ وإنما كسر التنوين لالتقاء الساكنين.

وكلامه يقتضى أن تقول فى: رام: أرامَنيه؟ وفى: عصا: أعصنيه؟ وأما موسى والقاضى، رفعاً وجرّاً ونحوه، فقيل: يأتى بمدة الإِنكار مناسبة للحرف الساكن، فيحذف الحرف لالتقاء الساكنين، كما حذف فى:{موسَى الكتاب} ويرمى الرجل، فتقول: أموساه؟ واَلقاضيه؟ وقيل: يفصل بين الاسم وحرف الإِنكار بإِنْ، فتلتقى النون مع المدّ، فيرجع حرف المدّ ياءً فتقول: أموسى إنيه؟ واَلقاضى إنيه، وهو الصحيح، لقولهم: أأنا إنيه؟ ولو جاء على الأول لقيل: أأناه؟ هكذا قيل، وفيه بحث. وتقول فى غلامى، فى لغة من سكن الياء: أغلاميه؟ تحذف كما تحذفها فى الندبة حين قلت: واغلاماه!

(أو نون إنْ، تلى المحكىَّ توكيداً للبيان) - أو عاطفةً على قوله: تنويناً؛ ويجوز لك فى الإِنكار أن تأتى بإنْ توكيداً للبيان

ص: 273

فتكسر نونها قبل حرف الإِنكار، كما تكسر التنوين، فتقول فى: قام أحمد: أأحمدانيه؟ فإن كان آخر الاسم منوَّناً، وأثبت بإنْ، فثلاثة أوجه: إقرار التنوين ساكناً وتحقيق الهمزة نحو: أزيدٌ إنيه؟ ؛ ونقل كسرة الهمزة إلى التنوين وحذفها نحو: أزيد ننيه؟ وإدغام التنوين فى نون إن المكسورة بعد حذف الهمزة نحو: أزيد نِّيه؟

(وربما وليت، دون حكاية، ما يصح به المعنى، كقول من قيل له: أتفعل؟ : أأنا إنيه؟ ) - أشار بهذا إلى ما سبق من قول بعض العرب، وقد قيل له: أتخرج إلى البادية إن أخصبت؟ : أأنا إنيه؟ فوليت إنْ دون حكاية، ضمير المتكلم، وهو فى معنى ضمير المخاطب فى كلام القائل: أتخرج؟ وبه يصح المعنى الذى قصده، وهو الإِنكار.

(وقد يقال: أَذَهبتُوه؟ لمن قال: ذهبتُ) - كان القياس أن لا يحكى اللفظ، لأن المقصود فى كلام المستثبت المخاطب، فكان حقه أن يقول: أأنت إنيه؟ فيأتى بضمير مخاطب منفصل، ثم يأتى بإن، ولكن قصد حكاية كلام المتكلم بعينه، فقال: أذَهَبتوه؟ وكانت المدة واواً، لأن التاء مضمومة.

وبعض العرب حكى اللفظ ورجع إلى الخطاب، فقال: أذهبتاه؟

ص: 274

(وأأنا إنيه؟ لمن قال: أنا فاعل) - وهذا أيضا من حكاية اللفظ، ولو جاء على القياس لقال: أأنت إنيه؟ قال سيبويه: ومن قال: أذَهَبتوه؟ قال: أأناه. انتهى. وقد يستدل بهذا لما سبق من أنه يقال: أموساه؟ ولكنه لا يتم.

(فإن فصل بين الهمزة والمذكور بقول أو نحوه، أو كان السائل واصلاً أو غير منكر ولا متعجب، لم تلحق هذه الزوائد) - فإذا قيل: قام زيدٌ؛ فقلت: أتقول: زيد؟ أو اليومَ زيدٌ؟ لم تلحق علامة الإِنكار؛ لأنَك زدتَ على ما ذكر المتكلم، فكان نظير سبق الواو لمن فى باب الحكاية؛ وكذا إذا وصلت فقلت: أزيدٌ يا فتى؟ أو لم تنكر ولا تعجبت، وكأنه يُشير بنفى التعجب إلى المعنى الثانى المشار إليه أول الفصل بقوله: أو بخلافه؛ فإن قائل: أأنا إنيه؟ لمن قال: أتخرج؟ تعطى تعجباً من سؤاله عن خروجه؛ مع أنه لا بد منه.

وقال ابن أبي الربيع: الإِنكار إما لبُعْد وقوع ذلك، أو لأنه معلوم، أو لكون الأمر فى نفسك بعيداً، وهذا شبيه بالإِنكار. انتهى.

فيجوز أن يكون المصنف أراد هذا الثالث بما ذكره هنا من التعجب.

ويحصل من كلامه أن الهمزة تساق هنا لثلاثة معان؛ والأقرب الأول، ولا يخفى رد هذا الثالث إلى أحد القسمين الأولين.

ص: 275

(فصل): (إذا نطق بكلمة متذكرٌ غير قاصد الوقف، وصل آخرها بمدة تجانس حركته إن كان متحركا) - فإذا عرض للمتكلم قطع اللفظ عن تمامه، بسبب عدم ذكره، توقف؛ فجعلوا مدةً هناك ليتذكر، وتسمى مدة التذكر؛ وهى مثل مدة الإِنكار؛ فيقول فى: قال: قالا؛ وفى: تقولُ: تقولوا؛ وفى: من العام: من العامى؛ وهذا إن لم تكن الكلمة على حرف واحد، فإن كانت فإنما تلحق بما يصح الوقف عليه؛ ولو قصد الوقف، لم تلحق مدة التذكر، بل يقف عليه، كما سيذكر فى باب الوقف.

(وبياء ساكنة بعد كسرة، إن كان ساكناً صحيحاً) - فيقول فى قد: قدى، وفى الْ، لو تذكر فى الحارث ونحوه: الِى؛ وإن قلنا: إن اللام وحدها هى حرف التعريف، وذلك للزوم ألف الوصل، فصارت بها كقد؛ ودخل فى التصحيح ما جرى مجراه، من واو وياء، فى قبول الحركة؛ فيقول فى لو واخشَوا: لَوِى واخشوِى؛ وفى كى واسعَىْ: كَيِى واسعَيِى، فتلحق العلامة، ويكسر الساكن الذى قبلها، لالتقاء الساكنين، فتصير العلامة ياءً ساكنة.

وخرج المعتل نحو: موسى وعيسى، فلا تلحقه، بل يمكن المدُّ عند التذكر، وفى ذلك غنية عن إلحاق شيء.

ص: 276

وفى البسيط، مع هذا، تجويز أن يؤتى بالمدة، فيقول: موسا، وهذه هي مدَّة التذكر، لأنها دخلت لمعنى، وحذفت التى قبلها للساكنين.

(ولا تلى هذه الزيادة هاءُ السكت، بخلاف زيادة الإِنكار) - لأن المنكر قاصد الوقف، والمتذكر لا يقصده.

* * *

ص: 277