الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
66 - باب تتميم الكلام على كلمات مفتقرة إلى ذلك
لكثرة دورانها، وتشعُّب أحكامها، وعدم تعلقها بتمام معناها، واستعمالها بباب من الأبواب السابقة، أفردت بالذكر، وكان التعبير: بتتميم الكلمات، لأنه سبق في الأبواب ذكر شئ من أحكامها، نحو كون الاستفهام له صدر الكلام، إلى غير ذلك، مما سبق من شئ من حكم الكلمات المقصودة بهذا الباب.
(يستفهم بكيف عن الحال، قبل ما يستغنى به) - نحو: كيف جاء زيدٌ؟ فجاء زيدٌ، تمَّم كلاماً دون كيف، فهو مستغنى به عنها، فى كونه كلاماً، ومعناها فيه، السؤال عن هيئة المجئ.
(وعن الخبر قبل ما لا يستغنى به) - نحو: كيف زيد؟ فزيد وحدَه لا يستغنى به كلاماً؛ ودخل في الخبر: كيف كان زيدٌ؟ إذا جعلتها ناقصة؛ وكيف ظننتَ زيداً؟ وكيف أعلمتَ زيداً فرسَك؟
(ومعناها: على أى حال؟ فلذا تسمى ظرفاً) - فإذا قلت: كيف جاء زيدٌ؟ أو كيف زيدٌ؟ رجع المعنى إلى تقدير:
على أي حال جاء زيدٌ؟ وعلى أى حال زيد؟ وبمقتضى هذا سميت ظرفاً، لأنها في تأويل جار ومجرور؛ كما أنك إذا قلت: جلست خلفك، أو زيدٌ خلفك، كان الظرف في تأويل: جلست في مكان وراءك؛ وهذا تفسير معنى تقريباً؛ وحقيقة وضعها: السؤال عن وصف لموصوف؛ ولهذا يبدل منها ما يدل على الصفة والموصوف، نحو: كيف جاء زيدٌ؟ أراكباً أم ماشياً؟ وكيف زيدٌ؟ أصحيح أم سقيم؟ ويجاب بمثل ذلك، نحو: راكب أو صحيح؛ ولو كان ما ذكر حقيقة معناها، لجئ في البدل والجواب بالمصدر؛ وهذا ظاهر كلام سيبويه؛ وبعضهم يقول: مذهب سيبويه أن كيف ظرف، ولذا قدَّرها بعلَى أي حالٍ؟ فشبهت كيف باسم المكان، لأنها سؤال عن حال، وهم يقولون: زيدٌ في حالٍ حسنة، وعلى حال حسنة؛ فإذا قلت: كيف جلس زيدٌ؟ فكيف عنده منصوبة بجلس نصبَ الظروف؛ وإذا قلت: كيف زيدٌ؟ فكيف ظرف واقع موقع خبر زيد.
وقضية هذا، أنك إذا أجبت على لفظ كيف، تقول في جواب: كيف زيد؟ : على صحة أو على خير، ونحو ذلك؛ وقد أجازه ابن الضائع وغيره، واستشهد ابن الضائع بقول رؤبة، وهو معدود في الفصحاء، وقد قيل له: كيف أنت؟ أو كيف أصبحت؟ : خيرٍ، عافاك الله؛ بخفض خير، على تقدير حرف الجرّ؛ قال:
وحرف الجرّ لا يحذف ويبقى عمله، إلَّا حيث يكثر استعماله، كحذفه من اسم الله في القسم، وحذف مِنْ في باب كم؛ فلولا كثرة مجئ على خير ونحوه في جواب كيف، لم يحذف الحرف، لاسيما في كلام رؤبة، وسيأتي زيادة على هذا.
وقال الأخفش والسيرافي: كيف في تقدير اسم، وليست ظرفاً، والتقدير في قولك: كيف زيد؟ أصحيح زيدٌ أم غير صحيح؟ وفي: كيف جاء زيدٌ؟ أراكبا جاء أم غيرُ راكب؟ فكيف في الأول في موضع رفع خبر زيد، وفي الثاني اسمٌ في موضع نصب على الحال؛ ورفع البدل أو نصبه، وكذا الجواب، يشهد بذلك؛ وقد رجح قول سيبويه بما سبق عن رؤبة في الجواب، فإنه يدل على تضمين السؤال معنى ما ذكره سيبويه؛ ويقال على هذا إن أجيب على اللفظ، قيل: على كذا أو بكذا؛ وإن نظر إلى المقصود، نصب الجواب أو رفع، على حسب الحالين، وكذا البدل.
والحاصل أنها ظرف على وجه التشبيه، بدليل الجواب بالجارِّ والمجرور، وأصلها عدم الظرفية، وهي للسؤال عن صفة لموصوف؛ فإن نظرنا إلى ما عرض من الظرفية، أتينا بالجواب على حسب ذلك،
فيكون مجروراً، لأن النصب على الظرفية لا يتأتى في الاسم المجاب به؛ وإن نظرنا إلى الموضوع الأصليّ من غير نظر إلى ما عرض من التشبيه، طابقنا، فأتينا بما يدل على صفةٍ لموصوف، وراعينا محل المجاب من رفع أو نصب.
وقال الخضراوى: كيف عند سيبويه ظرف، وجوابه في خبر ونحوه، وقولهم صحيح، محمول عنده على المعنى، وهو ظرف مستعار، جعل الحال كالمكان؛ وغيرُه يعكس، فيجعله غير ظرف، وصحيح على ما يجب، وفي عافية محمول على المعنى.
(وربما صحبتْها علَى) - روى من كلامهم: علَى كيف تتبع الأحمرَين؟ وجُرَّتْ بإلى أيضا، قالوا: انظر إلى كيف تصنع؟ وبعن، قال:
(135)
* عن كيف ضيعتنا؟ ذهل بن شيبانا *
لكن هذا كله شاذ؛ ولا يدخل عليها حرف الجرِّ فصيحاً، فقوله تعالى:{كيف خُلقَتْ} ، و {كيف مدَّ الظل} من باب التعليق، وليس كيف بدلا من الإِبل وربّك؛ لأن البدل على نية تكرار العامل، وكيف لا تجرّ فصيحاً، فلا يخرج القرآن على ذلك.
(ولجوابها وللبدل منها النصبُ في الأول) - وهو كونها قبل ما يستغنى به؛ فيقال: كيف جاء زيدٌ؟ فتقول: راكباً ونحوه؛ وفي البدل: كيف جاء زيدٌ؟ أراكباً أم غيرَ راكب؟
(والرفع في الثاني، إن عدمت نواسخ الابتداء) - وذلك إذا كانت قبل ما لا يستغنى به؛ فيقال: كيف زيد؟ فتقول: صحيحٌ، ونحوه؛ وتقول في البدل: كيف زيدٌ؟ أصحيح أم سقيم؟ وقد سبق عن ابن الضائع والخضراويّ، أنه يقال في الجواب أيضا: على خير، ونحوه.
(وإلَّا، فالنصب) - أي وإلَّا تعدم النواسخ، فالنصب متعيّن، نحو: كيف أصبح زيدٌ؟ فتقول: صحيحاً؛ وكيف أصبح؟ أصحيحاً أم سقيماً؟
(ولا يجازى بها قياساً، خلافاً للكوفيين) - وقد سبق قوله في عوامل الجزم: وجوزى بكيف. بمعنى لا عملاً، خلافا للكوفيين؛ وبمقتضى هذا يكون المراد بلا يجازى: لا يجزم بها، وهو قول الكوفيين؛ وقوله: قياساً، إشارة إلى أنَّ مَن قال بالمجازاة بها، على هذا الوجه، إنما قاله قياساً لا سماعاً، وقد سبق ذكر ذلك؛ وإطلاق كلامه، يقتضى أنه لا يجازَى بها، ولو كانت معها ما، نحو: كيفما تكن أكن، وقد أجازه بعضهم، كما سبق.
وثبت في نسخة عليها خطه، بعد قوله: خلافا للكوفيين، قوله:
(ومن وافقهم؛ وأنَّى مرادفة لها أو لأين أو متى) - فأما من وافقهم فهو قطرب، كما سبق؛ وأما محامل أنَّى، فقد سبق ذكرها، وأنها تكون في الاستفهام بمعنى كيف وأين ومتى.
(فصل): (تكون قد اسماً لكفى، فتستعمل استعمال أسماء الأفعال) - وقد ذكر في أسماء الأفعال، أن قد اسم لاكتفى في أحد الوجهين؛ ويعنى بالوجهين، اللذين ذكرهما هنا، على تقدير اسميتها؛ وأحدهما كونها اسم فعل، فتعامل معاملة أسماء الأفعال، من تحمُّل الضمير، ولزوم نون الوقاية مع ياء المتكلم، نحو: قَدْنى؛ وحكى الكوفيون: قد عبدَ الله درهم، بنصب عبد الله، وعلى هذا يكون معناها: كفى أو يكفى، وقيل: المعنى: ليكف عبدَ الله؛ وهذا لا يكون تفسيراً لما ناب الاسم عنه.
(وترادف حَسْباً، فتوافقها في الإِضافة) - وهذا هو الوجه الثاني؛ فتقول: قد عبدِ الله درهم، بجرِّ عبد الله بالإِضافة، كما تقول: حَسْبُ عبد الله درهم، إلَاّ أَن قد اسم مبنى على السكون، لكونه على حرفين لا ثالثَ لهما مقدَّرٌ، فأَشبه الحرفَ، وحسبُ معربٌ،
وكلاهما مبتدأ، خبره درهم؛ والبناء قول البصريين، وقال الكوفيون: إذا رادفَ قد حسْبَ أعرب، ورفع على الابتداء؛ وحكوا أن العرب تقول: قَدُ عبدِ الله درهم، برفع قد، يجعلونها بمنزلة حَسْب.
(إلى غير ياء المتكلم) - فأما ياء المتكلم فلا تكون قد معها موافقة لحسب في الإِضافة، بل تضاف حسْبُ إليها بلا نون، نحو: حسبى درهمٌ، ولا تضاف قد إليها إلَّا بالنون، فلا يقال: قَدِى درهمٌ، بل قَدْنى؛ وقد سبق له في أول الكتاب أن الثبوت مع قد بمعنى حَسْب، أعرف من الحذف، فَقَدْنى أعرف من قَدِى، على هذا التقدير، ومن الحذف:
(136)
مكرر * قَدْنى من نصر الخُبيبَيْن قَدِى *
والذي يظهر أن يقال: إنَّ قدنى بالنون اسم فعل، وقدى بلا نون بمعنى حَسْب؛ وقدى في البيت، يحتمل كونها اسم فعل، حذف منها النون شذوذاً كما في:
(137)
* إذ ذهب القومُ الكرامُ لَيْسِي *
وكونها بمعنى حَسْب، ولم تصحب النون كحسْب، وهى تأكيد بالموافق بالمعنى.
(وتكون حرفاً، فتدخل على فعل ماضٍ متوقَّع، لا يشبه الحرف) - نحو: قد قامت الصلاة، فقامت الصلاة فعل متوقع، أى منتظر؛ وخرج بلا يشبه الحرف، الفعل الذى لا يتصرف نحو: نعم وعسى وأفعل في التعجب، فلا تصحبها قد.
(لتقريبه من الحال) - فقد إذا دخلت على الماضى تقربه من الحال، أى من زمن الحال، فيقال إذا كان الماضى المثبت قريبا من زمن الحال، أى غير بعيد منه: والله لقد قام زيد؛ والمغاربة يقولون: إن قد مع الماضى حرف تحقيق، ومع المضارع للتوقع، والمعنىَ بالتوقع، على هذا، أنه متوقع، أى أنه منتظر حصوله فيما يأتى، وبالمتوقع، على ما ذكره المصنف، أنه كان قبل وقوعه فيما مضى، منتظراً.
(أو على مضارع مجرد من جازم وناصب وحرف تنفيس، لتقليل معناه) - نحو: قد يجود البخيل، وقد يصدق الكذوب، وهذا قد يبطل به قول من زعم أنها مع المضارع للتوقع، إلَّا أن يدعى أن ذلك لا يقال إلَّا عند توقع جود وصدق، وقتاً ما؛ ويجوز أن يقال: إنَّ قد لم تُفد التقليل، بل إنما أفادته قرينة الاسم والحال.
(وعليهما للتحقيق) - فتصحب الماضى والمضارع، لتحقيق الوقوع.
(ولا تُفصل من أحدهما) - فلا يقال: قد زيداً ضربتُ، ولا قد زيداً أضربُ: كما لا يفصل بين الْ وما دخلت عليه، ولذلك جعل سيبويه: قد زيداً رأيت، من المستقيم القبيح، أى المستقيم معنى، الممنوع تركيباً، لأنك وضعت اللفظ في غير موضعه.
(138)
(بغير قسم) - نحو: أخالدُ قد والله أَوْطَاتَ
…
البيت؛ وإنما امتازت قد عن الْ بذلك، لأنها تُفرد من الفعل، ويُوقَفُ عليها فصيحاً، بخلال الْ.
(وقد يغنى عنه دليل فيوقف عليها) - كقول النابغة:
(59)
مكرر أَفِدَ الترحُّل
…
البيت، أى وكأن قد زالت.
(ويسوِّغُ اقترانها بالمضارع، تأوّلُه بالماضى كثيراً) - نحو: {قد نرى تقلُّب وجهك في السماء} ، {قد نعلم إنه ليحزنك} ، {قد يعلم ما أنتم عليه} ؛ أي قد رأينا، وقد علمنا، وقد علم؛ وضرب المصنف على هذا في نسخة.
(وترادفها هل) - نحو: {هل أتى على الإِنسان حينٌ من الدهر} قال المفسرون: المعنى: قد أتى؛ وقال ابن هشام الخضراوى: ذكر جماعة من النحويين وأهل اللغة أن هل تكون بمعنى قد، مجردة من الاستفهام، وبها فسروا:{هل أتى على الإِنسان} ؛ وممن ذكره الكسائي والفراء والمبرد.
(وتساوى همزة الاستفهام، فيما لم يصحب نافياً، ولم يُطلَب به تعيين) - فتدخل على الجملة الفعلية نحو: هل قام زيدٌ؟ والاسمية نحو: هل زيدٌ قائم؟ فإن وجد النفي، دخلت الهمزة دون هل نحو:{ألم نشرح لك صدرك} ؛ فإن كان النفي بإِنْ، نحو: إنْ زيدٌ قائم، فلا يحفظ من لسانهم: أَإِنْ زيدٌ قائم؟ ولا: هل إنْ زيدٌ قائم؛ ويقال في: زيدٌ غيرُ قائم: أزيدٌ غير قائم؟ وهل زيدٌ غير قائم؟
ونبَّه بقوله: "ولم يُطلَب
…
" على موضع استعمال الهمزة، وهو طلب التعيين، نحو: أزيدٌ قام، أم خالد؟ وأعمراً ضربت أم جعفرا؟ وأقمتَ أم قعدتَ؟ وتختصُّ الهمزة أيضا بتضمين التوبيخ، نحو:
(139)
* أطرَاباً؟ وأنت قِنّسرِيُّ *
ولا يجوز: هل تطرب؟ وأنت شيخ؟ على التوبيخ؛ وكذا تضمن الإِنكار والتعجب؛ وتختص هل بأن يراد بالاستفهام بها
الجحد، ويعينه دخول إلَاّ، نحو: هل زيدٌ إلَّا قائمٌ؟ ، {وهل نُجازِي إلَّا الكفور؟ }؛ ولا يجوز: أيقوم إلَّا زيدٌ؟ وأزيدٌ إلَّا قائم؟ ويمتنع أيضا: ألم يكن زيدٌ إلَّا قائماً؟ وأليس زيدٌ إلَّا قائماً؟
ويجوز: هل يكون زيدٌ إلَّا قائماً؟
قال ابن المصنف: ويُستفهم أيضا بمتى وأين وكيف، مراداً بذلك الجحد، تقول: متى قلت هذا؛ أي ما قلت.
وحكى الكسائي: أين كنت لتنجوَ منِّي؛ أي ما كنت.
وقال تعالى: {كيف يكون للمشركين عهدٌ} أي ما يكون.
(ويكثر قيامُ مَنْ، مقرونةً بالواو، مقام النَّافي) - نحو: {ومَنْ يغفرُ الذنوبَ إلَّا الله} ، {ومن يَقْنَطُ من رحمةِ ربِّه إلَّا الضَّالُّون} ؛ أي ما يغفر الذنوبَ إلَّا الله، وما يقنَطُ من رحمة ربِّه إلَّا الضَّالُّون.
والمصنف إن كان ذكر الواو لأجل الكثرة، فلا اعتراض عليه، أو لقصد الاشتراط، فيعترض بأنه لا يمتنع أن يقال: مَن يغلبُ الرجالَ إلَّا زيدٌ؛ أي ما يغلبهم إلَّا هو، لأن الواو لا مدخل لها في إرادة هذا المعنى.
(فيجاء غالباً بإِلَّا، قصداً للإِيجاب) - أي أن هذا الاستعمال يغلب مع قصد الإِيجاب بحَصْرٍ، فيجاء بإِلَّا لذلك، فلو لم يقصد ذلك لم يُؤتَ بما يدل على الإِيجاب، نحو: ومن يجترئ على الملوك؟ أى ما يجترئ عليهم أحد؛ ولا يتعين إلَّا عند قصد الإِيجاب، فلو قيل: ومن يضرب زيداً غير عمرو؟ لجاز، ويرتفع غير بدلاً من المستكن في يضرب، ويجوز نصبُه استثناءً، ورفعُه صفةً، والأول أفصح.
(وقد يقصد بأيّ نفيٌ، فيعطف على ما فى حيِّزِها بِوَلَا) - كقوله:
(140)
فاذهب، فأىُّ فتىً في الناس أحرزَه
…
من حتفِه ظُلَمٌ دُعجٌ ولا جَبلُ
أى ما فَتىً في الناس أحرزَه ظُلَمٌ ولا جبَلُ.
وأجاز المصنف فى باب الاستثناء، من شرح هذا الكتاب، قياساً على هذا: أيُّ الناس يُبطرهُ الغِنَى، إلَّا الجاهلون؟ على جعل الجاهلين بدلا من ضمير يبطر.
(ولأصالة الهمزة، استأثرت بتمام التصدير) - ووجه أصالتها، أنها لم تخرج عن الاستفهام إلى معنى قد أو النفى، كما فعل في هل؛ ولذلك اختصت بتمام التصدير، فكانت فيه على التمام دون هل، فإنها شاركت الهمزة في أصل التصدير، ولم تنته إلى تمامه كالهمزة.
(فدخلت على الواو) - نحو: {أولا يرون أنهم يُفتنون} ، {أوكلما عاهدوا} .
(والفاء) - {أفلم يسيروا} ، {أفلا يشكرون} ؟
(وثُمَّ) - {أثُمَّ إذا ما وقع} ؛ والذي ذهب إليه سيبويه وغيره من النحويين، أن هذه الحروف مؤخَّرةَ من تقديم، للمحافظة على ما تستحقُّه الهمزة من تمام التصدير؛ والحروف عاطفة لجملة الاستفهام على ما قبله، وحرف العطف، وإن كان يتصدر، فيتقدم على الجملة، نحو: قام زيدٌ، وقد خرج عمرو، ولا يجوز: قد وخرج، فالهمزة أولى منه بذلك، لأنه قد لا يتقدم على الجملة، وذلك
حين يدخل على المفرد نحو: قام زيدٌ وعمروٌ، وهكذا قيل في تقرير هذه الدعوى، ونقض بتقدم العاطفة على ما يستحق التصدير غير الهمزة، من أدوات التحضيض، ولام الابتداء، وأدوات الشرط؛ وذهب الزمخشري مرة إلى أن العطف في هذا على جملة مقدَّرة بين الهمزة والعاطف، ويقدَّر في كل مكان ما يليق به نحو: أَمكَثُوا، فلم يسيروا؟ واعترض بأن فيه دعوى حذف جملة، لم ينطق بها قط، ولا دليل يعين المحذوف؛ وذهب مرة إلى موافقة الجماعة.
(ولم يدخلن عليها) - يعنى الواو والفاء وثم؛ فيقال: قد قام زيد، أفقام عمرو؟ ولا يقال: فأقام عمرو، كما يقال: فهل قام عمرو؟
(ولم تُعَدْ بعد أم) - فلا يقال: أزيدٌ عندك أم أعمرو؟ ولا: أقمتَ أم أقعدتَ؟ كما يقال توكيداً: أعلى عمرو غضبت أم على زيد؟ بحذف الهمزة؛ وذلك لأن الهمزة لم تقع بعد العاطف تأسيساً، فكيف تقع بعده توكيداً؟
(بخلاف هل وسائر أخواتها) - فإنها تعاد، فتقول: هل قام زيدٌ؟ أم هل قدم بكر؟ ومَن يضربُ عمراً؟ أم مَنْ يضرب خالداً؟
وأيهم شتم بكراً؟ أم أيهم ضربه؟ وتقع أيضا بعد الواو والفاء وثم؛ وقد سبق تمثيل هل، وتقول: قد فعلت كذا، فمن يقدر على ذلك؟
(ويجوز أن لا تعاد هل، لشبهها بالهمزة في الحرفية، وأن تعاد لشبهها بأخواتها الاسمية في عدم الأصالة) - فعوملت بمقتضى الشبهين، فلم تُعَدْ للأول، وأعيدت للثاني؛ وقد اجتمعا في قوله تعالى: {قل هل يستوي الأعمى والبصير
…
} الآية، وقال علقمة:
(140)
هل ما علمتَ وما استُودِعْتَ مكتوم
…
أم حبلُها إذ نأَتْكَ اليومَ مصرومُ
(80)
مكرر أم هل كبيرٌ بكىَ، لم يَقض عَبْرتَه
…
إثرَ الأحبةِ يومَ البَيْنِ مَشكومُ
فلم يُعِدْ أولا، وأعاد ثانياً، عكس الآية، وكلاهما جائز.
(وقد تدخل عليها الهمزة، فتتعينُ مرادَفةُ قد) - وفي نسخة: فتترجح، كقوله:
(141)
سائل فوارسَ يَرْبوعٍ بشَدَّتنا
…
أهَلْ رأونا بوادى القُفِّ ذى الأكم؟
ويحتمل كون هل للاستفهام كالهمزة، وجمع بينهما توكيداً، كما جاء:
(142)
* ولا للما بهم ..... *
(143)
و: * .... عن بما به .... *
ولعل المصنف لهذا قال: فيترجَّح، وإنما قال: يترجَّح، لأن التأسيس خير من التأكيد، وقد ثبت كون هل بمعنى قد، فالحمل عليه أولى من الحمل على ما ندر؛ وقد تقرر التضمين بأن الحمل على ما عرف وحمل عليه القرآن ممكن، فلا يجوز العدول إلى غيره، ما لم يثبت في هذا الباب بوجه.
(وربما أبدلت هاؤها همزة) - فيقال: أَلْ قام زيدٌ؟ أي هل قام؟ حكى ذلك قطرب عن أبي عبيدة.
(فصل): (حروف التحضيض هلَّا وألَا ولولا ولوما) - يقال: حضَّ على الشئ إذا طلبه وحث على فعله؛ والتحضيض مبالغة، ضعّف الفعل للتكثير؛ وهذه الحروف تحتمل التركيب، ويكون أصل ألا هلا، وأبدلت الهاء همزة.
(ولا يليهِنَّ غالباً إلَّا فعلٌ ظاهر) - نحو: {فلولا نفَرَ} ، {لولا أخَّرتني}؛ واستظهر بالغالب على:
(124)
مكرر * فهلَّا نفسُ ليلى شفيعُها؟ *
إذ ظاهره وقوع المبتدأ والخبر بعد هلَّا؛ وذكر الأبَّدِيّ أنَّ من النحويين من أجاز ذلك؛ مُستدِلّاً بهذا، وهو متأوَّل، إمَّا على إضمار كان الشأنية، أو على إضمار فعل يفسره شفيعها، أى هلَّا شفعت نفسُ ليلى؟ وشفيعُها خبر مبتدأ محذوف، أى هي شفيعُها، أى نفسُها؛ ويدخل في كلامه ما وليهُنَّ من الفعل الظاهر نيَّةً نحو: هلَّا زيداً ضربتَ؟ قال تعالى: {فلولا إذ جاءهم بأسُنا تضرَّعوا} ، فتضرَّعوا عامل في إذْ، فهو مقدَّمٌ نيَّةً.
(أو معمول فعل مضمر، مدلول عليه) - بما بعده نحو: هلَّا زيداً أكرمتَه؟ أى هلَّا أكرمتَ زيداً أكرمتَه؟ أو بما قبله نحو:
(144)
تَعُدُّون عَقْرَ النِّيبِ أفضلَ مجدِكم
…
بنى ضَوْ طرَى، لولا الكمىَّ المقنَّعا
أى لولا تعدون الكمىَّ، أو لولا تعقرون الكمى؛ أو بقرينة حالية، كأن تقول لمن جرَّد سيفاً: هلَّا زيداً؟ أى هلَّا تقتل زيداً؟
وثبت في نسخة البهاء الرَّقىِّ، ونسخة عليها خطه، بعد هذا:
(بلفظ أو معنى) - ومثال المعنى: هلَّا زيداً مررتَ به؟ أى هلَّا جاوزْتَ زيداً مررتَ به؟
(وقلَّما يخلو مصحوبُها من توبيخ) - نحو: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} ، {ولولا إذ سمعتموه قلتم}؛ وبعضهم يقول: تدخل على المضارع إذا كانت تحضيضاً، نحو:{لوما تأتينا بالملائكة} ؛ وعلى الماضى إذا كانت توبيخاً.
(وإذا خلا منه) - نحو: {لولا آخَّرتنى إلى أجل قريب} ، ومثَّل أيضا بقوله:{فلولا نَفَر من كل فرقة منهم طائفة} .
(فقد يغنى عنهنَّ لو) - نحو: لو تأتيني، فتحدِّثَنى؟
(وأَلا) - وهي مخففة نحو: ألَا تَنزلُ، فتصيبَ خيراً؟
(وتدلُّ أيضاً لولا ولوما على امتناع لوجوب) - والمغاربة يقولون بالدال، والمعنى قريب، والمقصود أنها تدل على امتناع شئ لتحقيق غيره، فهو واجب، أى ثابت أو واقع، وهو موجود.
(فيختصَّان بالأسماء) - أى بالجملة الاسمية، نحو: لولا زيدٌ، أو لوما زيدٌ، لأتيتك؛ وقد عرف ذلك في باب المبتدأ، وسبق فيه ذكر الخلاف في الاسم المرفوع، أهو مبتدأ؟ أو مرفوع بفعل، أو بلولا، وعلى هذا قولان.
(ويقتضيان جواباً كجواب لو) - وقد سبق ذكر جواب لو قريباً؛ فالمجزوم بلم:
(145)
* ولولاك، لم يَعرِضْ لأحسابنا حسَنْ *
والماضي المنفيّ بما: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته
ما زكى منكم من أحد}، قيل: وفي هذه الآية ردٌّ على ابن عصفور، في زعمه أن الأحسن دخول اللام، ويجوز حذفها؛ والماضى المثبت:{ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمَّتْ طائفة} ، ولم يجئ في القرآن بغير اللام؛ وقال ابن عصفور مرة: إن حذفها من هذا ضرورة، ومرة: إنه جائز في قليل من الكلام، قال:
(146)
* لولا الحياءُ، وباقى الدِّين، عِبْتُكما *
وهذا إذا لم يتقدم القسم، فإن تقدم فلا بد من اللام، نحو:
(115)
مكرر فوالله، لولا الله، تُخشَى عواقبُهْ
…
لزُحزح من هذا السرير جوانبُهْ
وجاء الجواب مع لولا مقروناً بقد، قال:
(147)
لولا الأمير، ولولا حقُّ طاعته
…
لقد شربت دماً أحلى من العسل
ولا يبعد جواز ذلك في لو، قياساً على هذا، نحو: لو جئتني لقد أكرمتك. ويحذف جواب لولا للدلالة، كما يحذف جواب لو،
قال تعالى: {ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم} ، أي لواخَذكم ونحوه.
(وقد يلي الفعلُ لولا، غيرَ مفهمةٍ تحضيضاً، فتؤول بلو لم، أو تجعل المختصة بالأسماء والفعل صلة أنْ مقدَّرة) - يشير بهذا إلى تأويل ما استشهد به الكسائي، على ما ذهب إليه، من أن المرفوع بعد لولا الامتناعية، مرفوع بفعل مضمر، لظهوره في قوله:
(148)
ألا زعمت أسماءُ أنْ لا أحبُّها
…
فقلت: بلى، لولا ينازعنى شغلي
وقوله:
(149)
لا دَرَّ دَرُّكِ، إنى قد رَميتُهُم
…
لولا حُدِدْتُ، ولا عُذْرَى لمحدودِ
والتأويل هو أن لو حرف امتناع لامتناع، ولا نافية بمعنى لم، أى لو لم ينازعنى، ولو لم أُحَدّ؛ ولا قد نفى بها الماضى، نحو:{فلا صدَّق ولا صلَّى} ، أى لم يتصدق ولم يُصَلِّ؛ أو لولا حرف امتناع لوجود، وما بعدها مبتدأ، بإضمار أنْ، أى لولا أنْ ينازعنى، ولولا أنْ حُدِدْتُ؛ ولما حذفت، بطل عملها في ينازعنى، فارتفع، كما بطل في: تسمع بالمعيدىّ، خيرٌ من أن تراه. وخرج من كلام المصنف، أن لولا لها معنيان: التحضيض وامتناع الشئ لوجوب غيره؛ وزعم على بن عيسى والنحاس، أن لولا تأتي بمعنى ما النافية، وحملا عليه:{فلولا كانت قرية آمنت} ، أي ما كانت.
(فصل): (ها ويا حرفا تنبيه) - ولا خلاف في هاَ، وأما ياَ فقيل: إنما تكون للنداء، وفي قوله:
(150)
يا ليت زوجَكِ قد غدا
…
متقلداً سيفاً ورمحا
المنادى محذوف، أي يا امرأة؛ وكذلك ما كان نحوه؛ مما لا يصلح للنداء؛ وقيل: هى في ذلك للتنبيه، لاستعمالها حيث لا منادى، نحو:{يا ليتني متُّ قبل هذا} ، ولكثرة الحذف لو قدر منادى، فقد حذف الفعل.
(وأكثر استعمال ها، مع ضمير رفع منفصل) - يُشترط كونُه مبتدأ، نحو:{ها أنتم أولاء تحبونهم} ؛ فلو كان غير مبتدأ، لم يَجُز، نحو: ما قام إلَّا هأنا، وما ضُرب إلَّا هأنا؛ والمعروف أن يخبر عنه باسم الإِشارة كالآية، وشذَّ الإِخبار بغيره، أنشد ثعلب، قال:
أنشد الفراء:
(151)
* أبا حكمٍ، ها أنت نجمٌ، فجالد *
(أو اسم إشارة) - نحو: هذا زيدٌ؛ وقد سبق بباب اسم الإِشارة شئٌ من أحكام هاء التنبيه؛ قيل: وتلزم هاء التنبيه مع اسم الإِشارة، إذا وقع صفة لأىّ، نحو: يأيهذا الرجل. واستظهر بقوله: وأكثر
…
على قلة استعمالها مع غيرهما، نحو قول النابغة:
(152)
ها إنَّ ذى عِذْرَةٌ إنْ لا تكن نفعت
…
فإن صاحبَها مشاركُ النكد
(وأكثر ما يلي يا نداءٌ) - أى منادى نحو: يا زيدُ.
(أو أمر) - كقراءة الكسائى: {ألا يا اسجدوا} ، وقوله:
(153)
ألا يا اسلمى، ثم اسلمى، ثُمَّتَ اسلمى
…
ثلاث تحياتٍ، وإن لم تكلمي
(أو تَمنٍّ) - وإنما جاء بليت نحو: {يا ليت بيني وبينكَ بُعْدَ المشْرقَيْن} ، لا بوَدَّ وألَا ولَوْ.
(أو تقليل) - وجاء برُبَّ، نحو:
(154)
* يا رُبَّ سارٍ باتَ ما توَسَّداَ *
(وقد يُعْزَى التنبيه إلى ألَا وأماَ، وهما للاستفتاح مطلقاً) - يعني أن الأكثر كونُهما للاستفتاح مطلقا، سواء أقصد تنبيه أم لم يقصد.
(وكثر ألَا قبل النداء) - نحو:
(155)
* ألا يا قيسُ والضحاكُ سيرَا *
(وأَمَا قبل القسم) - نحو:
(156)
* أما والله أنْ لو كنتُ حُراً *
(وتُبدل همزتُها هاء) - فيقال: هَما والله لقد كان كذا؛ وقالوا أيضا في ألا: هَلَا؛ وذكر الزمخشرى أن بعضهم قرأ: {هَلَا يا اسجدوا} .
(أو عيناً) - فيقال: عَما والله.
(وقد تحذف ألفها في الأحوال الثلاث، وهي إقرار الهمزة، وإبدالها هاء، وإبدالها عيناً، فيقال: أَمَ والله، وهَمَ والله، وعَمَ والله.
(فصل): (من حروف الجواب نعم) - وحروف الجواب نعم وأى وأجل وإنَّ وبلَى، ويجاب بجَيْر، فقيل: اسم، وقيل: حرف.
(وكسرُ عينها لغة كنانية) - قال أبو عمرو: لغة كنانة نِعِم، بكسر العين؛ وذكر الكسائى أن أشياخ قريش يتكلمون بها مكسورة؛ والفتح والكسر لغتان فصيحتان، إلَّا أنَّ الفتح أشهر، وجاء الكسر محكيا عن كلام رسول الله? ، وكلام عمر وعلي والزبير وابن مسعود؛ وقرأ معظم السبعة: نعَم بالفتح، وقرأ الكسائي بالكسر.
(وقد تُبدلُ حاءً) - فيقال: نَحَمْ، رواه النضر بن شميل.
(وحاءُ حتَّى عيناً) - وهي لغة هذيل، يقولون في حتى: عَتَّى، وقرأ ابن مسعود:{عَتىَّ حين} ؛ وقد سبق له ذكر هذا بباب حروف الجرّ.
(وهي لتصديق مُخبر) - كأن يقال: جاء زيدٌ؛ فيقال: نعم.
(أو إعلام مستخْبر) - يقال: هل جاء زيدٌ؟ فتقول: نعم.
(أو وعد طالب) - نحو: اضرب زيداً؛ فتقول: نعم.
وقال سيبويه: نعم: عِدَةٌ وتصديق؛ قالوا: فالعدة للمستقبل، والتصديق للماضى؛ ويدخل فيه الموجَبُ والسؤالُ عنه، نحو: قام زيدٌ، وأقام؟ والنفي والسؤال عنه نحو: ما قام زيدٌ، وأما قام؟ في الأول هي تصديق للثبوت، وفي الثاني تصديق للنفي؛ وفي جعلها للسؤال تصديقاً تجَوُّز؛ وقيل إنها تأتي حرف تذكير لما بعدها نحو: نعم، هذه أطلالُهم؛ ورد بأنها تصديق لما بعدها وقُدِّمت.
(وإِي بمعناها) - فتكون لتصديق مخبر، أو إعلام مستخبر، أو وعد طالب.
(مختصة بالقسم) - نحو: {ويستنبئونك أحقٌّ هُوَ قل إي وربِّي} .
(وإن وليها الله، حذفت ياؤها) - فنقول: إِ الله؛ وحذفت لالتقاء الساكنين.
(أو فُتحت) - نحو: إِىَ الله، كما فُتحت نون مِنْ مع لام التعريف نحو: مِنَ الرجل.
(أو سكنت) - نحو: إى الله، تشبيها بالتقاء الساكنين، على الحد؛ وإن وليها حرف القسم، وجب ثبوت الياء ساكنة.
(وأجل لتصديق الخبر) - ماضياً أو غيرَه، مُوجَباً أو غيره، نحو: قام أو سيقوم زيدٌ، وما قام وما يقوم زيدٌ، فتقول: أجل؛ ولا تجئ بعد الاستفهام، وعن الأخفش: تجئ، قال: إلَّا أنَّ أجل في الخبر أحسن من نعم، ونعم في الاستفهام أحسن منها.
(وبلَى لإِثبات نفي مجرد) - فإذا قيل: ما قام زيدٌ، وأردت الثبوت خلاف ما قال، قلت: بلى، وإن أردت النفي كما قال، قلت: نعم. ويجرى النهي مجرى النفي، فإذا قيل: لا تضربْ زيداً، وقلت: بلى، فالمقصود: بلى أضربُه؛ ذلك لأن النهى فيه معنى النفي.
(أو مقرون باستفهام) - سواء أريد الاستفهام عن النفي أو التقرير، فيقال في: ألم تضربْ زيداً؟ على المعنيين: بلى، إن أريد الثبوت، ونعم، إن أريد النفي؛ قال الله تعالى:{ألستُ بربكم قالوا بلى} ، قال ابن عباس: لو قالوا: نعم، لكفروا.
(وقد توافقها نعم بعد المقرون) - واستعمال بلى فيه هو المشهور؛ وبعض المغاربة قالوا: إنه أكثر من استعمال نعم، ومن استعمال نعم، قول جَحْدَر:
(157)
أليس الليلُ يجمع أمَّ عمرو
…
وإيانا، فذاك بنا تَدانِى
نَعمْ، وأرى الهلال كما تراه
…
ويعلوها النهارُ كَما علانى
ووقع في عبارة سيبويه، في موضعين متقاربين، استعمال نعم بعد أليس؛ ذكر ذلك في باب ما يجرى عليه صفة ما كان من سببه، وصفة ما التبس به؛ ولحنه فيه ابن الطراوة، حيث استعمل نعم مكان بلى، وهو جار على قول قوم: إن الاستفهام إذا دخل على النفي، كان الجواب في النفي بنعم، وفي الإِيجاب ببلى، وتأولوا قول جحدر على أنه جواب: وترى الهلال، فقدم، أو جواب مقدّر في نفسه وهو اعتقاد أن الليل يجمعهما، وقيل: هو جواب " فذاك بنا تدانى ".
وبلى حرف مرتجل، وقيل: أصلها بل العاطفة بعد النفي؛ وقال بعض الكوفيين: الألف داخلة للإِيجاب؛ وقال الفراء: دخلت للتأنيث.
(فصل): (كلَّا حرف ردع وزجر) - وهو مذهب الخليل وسيبويه وعامة البصريين.
(وقد تؤوّل بحقّاً) - وهو مذهب مقابل للأول، قال به الكسائيّ وابن الأنباريّ وغيرهما، وكأن المصنف رأى استعمالها للمعنيين، فجعلها لهما، على حسب ما ذكر.
(وقد تساوى إى معنى واستعمالاً) - فتكون حرف تصديق، وإنما تستعمل مع القسم نحو: كلَّا، والله، بمعنى: إى والله؛ وهذا قاله عبد الله بن محمد الباهليّ، ونحوه قول النضر ابن شميل: إنها تكون بمعنى نعم.
(ولا تكون لمجرد الاستفتاح، خلافاً لبعضهم) - قال أبو حاتم: كلَّا ردٌّ للكلام الأول، وتكون بمعنى ألا الاستفتاحية؛ قال ذلك الزجاج وغيره، وقال أبو على بن أبي الأحوص: تكون كلّا بمنزلة لا، ردّاً لما قبلها، ويُبتدأ بما بعدها، ويوقف عليها، نحو قوله تعالى:{أم اتخذ عند الرحمن عهداً كلَّا} ؛ قال: وعدتها أربعة عشر موضعا في القرآن؛ أعني التي تكون كذلك؛ وهذا قول الأكثرين من أهل الأدب والعربية، وأهل المعاني والتفسير؛ قال: وأجاز أبو حاتم أن تكون في تلك المواضع كلها بمعنى ألا، وبمعنى حقا؛ فيكون الوقف على ما قبل كلا، والابتداء بها؛ وهو قول غيره من المفسرين.
(وأمَّا: حرف تفصيل) - نحو: {فأمَّا مَنْ أعطى واتقى} ثم قال: {وأمَّا من بخل .... } وهو كثير؛ لكن لا يلزمها
التفصيل، إذ يصح: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ؛ مقتصراً عليه.
(مُؤوَّلٌ بمهما يكن من شئ) - فهى حرف ضُمِّن معنى أداة الشرط وفعل الشرط؛ فإذا قيل: أما زيدٌ فمنطلق، فالمعنى المطلق: إن أردت معرفة حال زيد، فزيد منطلق؛ فحذف الحرف والفعل، ونابت أمَّا منابَهما؛ وتأويلها بمهما يكن من شئ، للإِعلام بأن ذلك واقع لا محالة؛ إذ قوة الكلام تشعر، بمقتضى الاستعمال، بأن زيداً منطلق؛ انطلق غيره أو لم ينطلق، فمهما كان من انطلاق غيره وعدمه، فانطلاقه واقع.
(فلذا تلزم الفاء بعد ما يليها) - أى لتأوّلها بمهما يكن من شئ، فتقول: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ؛ وهذا القدر من التعليل، لا يقضى بلزوم الفاء، فإن مهما لا تلزم الفاء في جوابها، إلَّا حيث تلزم في جواب الشرط، على حسب ما تقدَّم، فلابد من زيادة على ذلك.
(ولا يليها فعلٌ) - فلا يقال: أمَّا ضربتُ فزيداً.
(بل معموله) - نحو: {فأما اليتيم فلا تقهر} .
(أو معمول ما أشبهه) - كقول العرب: أما العسل فأنا شرَّاب.
(أو خبر) - نحو: أمَّا في الدار فزيدٌ.
(أو مخبر عنه) - نحو: أمَّا زيدٌ فمنطلقٌ - وقال الصفَّار،
في شرح كتاب سيبويه: كلام العرب أن تقدم مع أمَّا المبتدأ، ولا تقول: أمَّا قائمٌ فزيدٌ، إلَّا قليلاً.
(أو أداة شرط) - نحو: {فأما إن كان من المقرَّبين فرَوْحٌ} .
(يغنى عن جوابها جوابُ أمَّا) - كما هو قاعدة اجتماع طالِبَىْ جواب، فقوله تعالى:{فروح} جوابُ أمَّا، لتقدمها؛ وجوابُ إنْ محذوف لدلالة جواب أمَّا عليه، والتقدير: مهما يكن من شئ، فروح وريحان، إن كان من المقرَّبين؛ ويدل على ذلك التزامهم معنى فعل الشرط، فلا يجوز: أمَّا إنْ يقم زيدٌ، فعمرو منطلقٌ؛ وهذا الذي اختاره هو قول سيبويه؛ وقال الأخفش: الجواب لهما؛ وقال الفارسيّ مرة بقول سيبويه، ومرة: الجواب للشرط، وجواب أمَّا محذوف؛ واحتج بأنه لا يفصل في أمَّا إلَّا بمفرد.
(ولا تُفصل الفاءُ بجملة تامة) - فلا تقول: أمَّا زيدٌ منطلق فعندي. وخرج بتامة الفصل بأداة الشرط والشرط؛ ويرد عليه جملة الدعاء، فشرط أن يفصل بين أمَّا وجملة الدعاء معمول أمَّا نحو: أما اليوم - رحمك الله - فلأَفعلنَّ كذا؛ أو معمول جوابها نحو: أما زيداً - رحمك الله - فأكرِمْ؛ ولا يجوز: أمَّا - رحمك الله - زيداً فاضرب، ولا: فاضرب زيداً.
(ولا تحذف، في السعة، إلَّا مع قول يغنى عنه محكيُّه) - نحو: {أكفرتم بعد إيمانكم} ؟ أي فيقال لهم؛ وخرج بالسعة الضرورة نحو:
(158)
* فأمَّا القتالُ، لا قتالَ لديكمُ *
أى فلا قتال؛ وسبق له نحو هذا في آخر باب الابتداء.
(ولا يمتنع أن يلي أمَّا معمولُ خبر إنَّ، خلافاً للمازنيّ) - نحو: أمَّا زيداً، فإني ضاربٌ؛ وهذا قول المبرد أولاً، وقول ابن درستويه والفراء؛ وله زيادة أذكرها.
وتوجيهه أن هذا الموضع للزوم الفصل بين أمَّا والفاء، اغتفر فيه وقوع مالا يتقدَّم مع غير أمَّا، فكما جاز: أمَّا زيداً فاضرب، مع امتناع: إنْ أقم زيداً فاضربْ، جاز هذا، وإن امتنع: زيداً إنى ضاربٌ.
ومذهب سيبويه والمازني والجمهور المنع، فلا يُقدَّم عندهم إلَّا ما تقدَّم لو سقطت أمَّا، فيجوز: أمَّا زيداً فاضرب، لجواز: زيداً اضربْ؛ ويمتنع: أمَّا زيداً فإني ضاربٌ.
وأجاز الفراء التقديم مع ليت ولعل، وهو لازم لما ذكر المبرد وابن درستويه مع التعليل. وحكى ابن ولَّاد عن المبرد أنه رجع، وقال الزجاج: رجوعه عندي مكتوب بخطه.
وثبت بعد هذا في نسخة البهاء الرقى وغيرها، وسقط من بعض النسخ:(وقد تبدل ميمها الأولى ياء) - أنشد الفراء:
(159)
* وأَيْما العَجزُ منها فلا يجرى *
(وقد يليها مصدر متلو بما اشتمل على مثله) - نحو: أمَّا علماً فذو علم.
(أو مشتق منه) - نحو: أمَّا علماً فعالم.
(فينصبه الحجازيون مطلقاً) - أى معرفة ونكرة؛ فيقولون: أمَّا العلمَ، أو أمَّا علْماً، فزيدٌ عالم؛ بالنصب فيهما؛ وقد ذكر المسألة في باب الحال، وقال: إن للحجازيين في المعرف الرفع والنصب، وهذا مخالف لما ذكره هنا من النصب مطلقاً. وقضية مفهوم كلامه في الحال، ومنطوق كلامه هنا، أنهم يلتزمون نصب النكرة، وهو كذلك، وصرح به في الشرح في باب الحال.
(ويرفعه التميميون معرفةً، وينصبونه نكرة، وقد يرفعونه) - أى المنكر؛ وكذا حكى عنهم في باب الحال.
(والنصب على تقدير: إذ ذكرتَ، والرفع على تقدير: إذ ذُكر) - أى مهما ذكرتَ العلمَ، أو علماً؛ أو مهما ذُكر العلمُ، أو علمٌ؛ وما ذكر من التقدير تفسير معنوى، وهذا قول الكوفيين، حكاه عنهم الخضراوى، ونقله المصنف أيضا بباب الحال، عن بعض النحويين واختاره، وقال في الكتاب، في باب الحال، وهو يعني المعرف في النصب: مفعول له عند سيبويه، وهو المنكر مفعول مطلق عند الأخفش، وقد سبق شرحه.
(واستعمال العلَم بالوجهين موضع هذا المصدر، جائزٌ على رأى) - هذا آخر ما ثبت مما سبق ذكره، وهذا الرأى هو رأى الكوفيين، ولا يخصون ذلك بالعلَم، بل يُجيزون نصبَ العلَم وغيره
من المعارف الواقعة بعد أمَّا ورفعَه، وحكوا من كلام العرب: أمَّا النصرةَ، فلا نصرة لك، وأمَّا أباك، فلا أب لك؛ وأجازوا: أمَّا العبيدَ فلا عبيدَ لك، يريد عبيداً بأعيانهم؛ ولا يجوز النصب في شئ من هذا عند سيبويه.
واعلم أنه يجوز عند سيبويه والجماعة، أن تعمل أمَّا بما فيها من معنى الفعل، في الظرف والحال والجار والمجرور والمفعول له، ولا تعمل في غير ذلك، خلافاً للكوفيين؛ ومنع بعض النحويين عملها في المفعول له.
(فصل) - (قد يقوم مقام: ما يفعلُ أحدٌ: أقلُّ) - نحو: أقلُّ رجل يقول ذلك إلَّا زيدٌ؛ ويدل على إجرائه مجرى النفي، دخول إلَّا؛ قال سيبويه: لأنه صار في معنى: ما أحدٌ.
(ملازماً للابتداء) - فلا يقع أقلُّ إلَّا صدراً، لأنها نابت مناب النفي بما، وله صدر الكلام، فلا يجوز: كان أقل رجل يقول ذلك، إلَّا على إضمار الشأن.
(والإضافة إلى نكرة) - إمَّا قابلة لَالْ كرجل، أو غير قابلة كمَنْ، فتقول: أقلُّ مَنْ يقول ذلك؛ قال سيبويه: حدثنا بذلك
يونس عن العرب، يجعلونه نكرة، وإنما جُعل نكرة، لأن المقصود العموم، والنكرة في سياق النفي تَعُمُّ.
(موصوفة بصفة مغنية عن الخبر) - فإذا قلت: أقلُّ رجل يقول ذلك، مريداً به النفي العام، فأقلُّ مبتدأ، ويقول ذلك صفة لرجل، فهو في موضع جرّ، وقيل: الجملة خبر المبتدأ؛ وعزى كلٌّ من القولين للأخفش؛ والمرجح الأول، لثبوت المطابقة في ضمير الفعل للمضاف إليه، نحو: أقل امرأة تقول ذلك، وأقلُّ رجلين يقولان ذلك، وأقل رجال يقولون، وأقل امرأتين تقولان، وأقل نساء يقُلْن؛ ولو كان المذكور خبراً لطابق المبتدأ، وهو أقلُّ، فكان يقال: أقل رجلين يقول ذلك؛ ولا يقال. والجملة صفة لاخبر، والخبر محذوف، والتقدير: موجود ونحوه. هكذا قدروه، والبحث فيه لا يخفى، وسيأتي شئ منه.
واحترزت بقولى: النفي العام، مما إذا أريد التقليل نحو: أقلُّ يوم لا أصوم فيه، فإنه لا يعنى بهذا: ما يومٌ من الأيام إلَّا أصوم فيه، فيوما العيد لا يُصام فيهما، وإنما المعنى على تقليل انتفاء الصوم، أى هو كثير الصوم؛ فأقلُّ في هذا لا يلزمه الابتداء، بل يجوز نصبه على الاشتغال، والجملة المذكورة خبر عنه. نصَّ على ذلك سيبويه.
(لازم كونها فعلاً) - كما سبق تمثيله.
(أو ظرفاً) - نحو: أقل رجل فيها، أو عندك، إلَّا زيد.
(وقد تجعل خبراً) - وقد سبق نقله عن الأخفش. ووجهه وإن طابق الضمير المضاف إليه، هو محط الفائدة، والمطابقة جاءت نظراً إلى المعنى، فمعنى: أقل رجلين يقولان ذلك: ما رجلان يقولان ذلك؛ فنظر في الكلام إلى جانب المعنى، لا إلى جانب اللفظ، ونظيره: غير قائم الزيدان، فسدَّ مسدّ الخبر ما ليس معمولاً للمبتدأ، لأنه في معنى: ما قائم الزيدان؛ فروعى في هذا المضاف إليه في العمل، والمبتدأ في المعنى، كما روعى فيما نحن فيه المضاف إليه في المطابقة، والخبر للمضاف، نظراً إلى المعنى.
(ولا بد من مطابقة فاعلها للنكرة المضاف إليها) - وإن جعلت خبراً، كما سبق تقريره.
(ويساوى أقلّ المذكور، قلّ رافعاً مثل المجرور) - نحو: قلَّ رجلٌ يقول ذلك؛ والْ في المجرور للعهد؛ والمراد ما سبق في: أقلّ رجل
…
والمراد بالمِثْليَّة كونه نكرة موصوفة بمثل ما سبق؛ فالفعل كما تقدَّم، والظرف نحو: قلَّ رجلٌ في الدار، أو عندك؛ ودخل في النكرة: قلَّ مَنْ يقول ذلك، كما سبق؛ والجملة هنا أو الظرف، صفة لا غير؛ ولا خبر له، إذ لا مبتدأ؛ والمطابقة لازمة، كما سبق، نحو: قلَّ رجلان يقولان ذلك، وكذا الباقي. ويراد بقلَّ من النفي العام،
ما يراد بأقلّ؛ وسبق أن أقلّ تستعمل للتقليل، وكذا تستعمل أيضا قلَّ؛ وسيأتى ذكره لهذا.
(ويتصل بقلَّ، ما كافة عن طلب فاعل، فيلزم في غير ضرورة مباشرتُها الأفعال) - نحو: قلَّما يقوم زيدُ، أى ما يقوم؛ فما كافة لقلَّ عن عملها، كما تكف رُبَّ نحو:{ربما يود} ؛ إلَّا أنَّ ربما للماضى، وقلَّما للاستقبال. قاله ابن العلج.
واحترز بكافة من المصدرية نحو: قلَّما أضرب زيداً؛ واحترز بضرورة من قوله:
(161)
صدِدْتِ فأطْولْتِ الصدّودَ وقلَّما
…
وصالٌ على طول الصّدودِ يدوم
وفيه تأويلان:
أحدهما أن وصالا فاعل تقدَّم ضرورة.
والثاني أنه مرفوع فعل مضمر يفسره يدوم، أى وقلما يدوم وصال يدوم نحو:{وإن أحدٌ من المشركين استجارك} .
(وقد يُرادُ بها حينئذ التقليلُ حقيقةً) - فإذا استعملت قلَّ استعمالَ أقلّ، فتارة يراد بها النفي المحض كأقلّ؛ وتارة يراد بها تقليل الشئ ونزارته، وهو أصلُ وضعها، كما يراد ذلك بأقل، حين هي أفعلُ تفضيل.
(وقد يُدلُّ على النفى بقليل وقليلة) - نحو: قليلٌ من الرجال يقول ذلك، وقليلة من النساء تقولُ ذلك؛ أى ما يقول ذلك رجل، وما تقول ذلك امرأة.
(فصل): (منعت التصرف أفعال) - والتصرف ومنعه يكونان في الأسماء والأفعال؛ والتصرف في الأسماء أن تستعمل بوجوه الإِعراب، فتكون مبتدأة ومفعولة ومضافا إليها، ومنعه أن يقتصر بها على بعض الإِعراب، كاقتصار ايمن على الرفع على الابتلاء، وسبحان على النصب على المصدرية؛ والتصرف في الأفعال أن تختلف أبنية الفعل لاختلاف الزمان نحو: ضرب يضرب اضربْ، ومنعهُ أن يلزم صيغة واحدة مثلا.
(منها المثبتة في نواسخ الابتداء) - وهي ليس وعسى ودام،
في المشهور، وهَبْ وغيرها مما سبق.
(وباب الاستثناء) - وهى عدا وخلا وحاشا في النصب، ولا يكون.
(والتعجب) - وهى صيغه الثلاث: ما أحسنه وأحسن به، وحَسُنَ بمعنى ما أحسنه، فلا تستعمل إلَّا هكذا، ولا تكون بالمضارع.
(وما يليه) - أى ما يليه بابُ التعجب، وهو نعم وبئس وحبذا، فلا يجوز: يُحب ذا زيد، مراداً به ما يراد بحبَّذا.
(ومنها: قلَّ النافية) - وقد سبق ذكرها، ولا تتصرف حينئذ، بل تلزم صيغة المضىّ. واحترز بالنافية من المراد بها التقليل، فإنها تتصرف نحو: قلَّ وُدُّ فلان، ويقل ودُّه.
(وتبارك) - هو من البركة، ولا يستعمل إلّا كذلك، قال تعالى:{فتبارك الله} .
وبارك متصرف نحو: اللهم بارِكْ فيه، والله يباركُ لك ويُعدَّى بفي واللام وعلى، ومنه: وبارك على محمد.
(وسُقِط في يده) - يقال: سقط الشئ، بمعنى وقع، وقد تستعمل حيث لا تستعمل وقع؛ قال الخليل: يقال: سقط الولد من
بطن أمه، ولا يقال: وقع، ويقال: سُقِط في يده، مبنيا للمفعول، أى ندم، ومنه:{ولما سُقط في أيديهم} ، قال الأخفش: وقرأ بعضهم: سقَط، كأنه أضمر الندم، وجوَّز: أُسقِط في يده؛ وقال أبو عمرو وغيره: لا يقال: أُسقِط، بالألف، على ما لم يُسمَّ فاعله.
(وهَدَّكَ من رجل) - يقال: مررت برجل، هدَّك من رجل، أى أثقلك وَصْفُ محاسنِه، هذا أصله؛ ويفسَّر أيضا بحَسْبك من رجل، أى يُحسبُك، يقال: أحسبنى كتابي. وفيه لغتان:
إحداهما: إجراؤه مُجرى المصادر، فيوصف به المفرد وغيره بلفظ واحد، تابعاً ما قبله في الإِعراب، ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث، فتقول: مررت برجلين هدَّك من رجلين.
والثانية جعله فعلاً، يؤتى فيه بعلامة التأنيث للمؤنث، ويبرز فيه ضمير الاثنين والجماعة، فتقول: مررت بامرأة، هدَّتك من امرأة، وبرجلين هدّاكِ من رجلين، وكذا الباقى، وهو فعل
لا يتصرف؛ وقول المغاربة: إن العرب لم تستعمل منه فعلاً، ليس بصواب؛ فقد نقل فعليته سيبويه وغيره؛ قال سيبويه: وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول: مررت برجل هدَّك من رجل، ومررت بامرأة هدَّتك من امرأة؛ فجعله فعلا بمنزلة كفاك وكفَتْك.
(وعَمْرتُكَ الله) - قال:
(162)
عَمَّرتُكِ الله إلَّا ما ذكرْتِ لنا
…
هل كنتِ جارتَنا أيامَ ذى سلَمِ
والمعنى: أسألكِ الله؛ وقد سبق تقريره بباب القسم.
(وكذَبَ في الإِغراء) - روى عن عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، أنه قال: كذبَ عليكم الحج، كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد؛ ثلاثة أسفار كذبن عليكم. فقيل: كذب بمعنى وجب، والحج مرفوع، وكذا الباقي؛ وقال الأخفش: الحج مرفوع بكذب، ومعناه نصب، لأنه يريد أن يأمر بالحج، كما يقال: أمكنك الصيد فارْمِه؛ وقال في بيت عنترة:
(163)
كذَبَ العتيقُ وماءُ شَنٍّ باردٌ
…
إن كنتِ سائلتى غَبُوقاً فاذهبى
إنه يقول: عليكِ العتيقَ؛ فكذب، وإن كان بصيغة الخبر، فيه معنى الإِغراء، ولا يتصرَّف حينئذ، وإن كان متصرِّفاً فيما عدا ذلك، لا يقال: يكذب عليكم الحج، ولا كاذِب؛ وقد نصَّ جماعة على استعمال كذب للإِغراء، قال الأعلم: وأصل الكذب الإِمكان، وقولك للرجل: كذبتَ معناه: أمكنت من نفسك؛ فلذا اتسع فيه، فأُغرى به، لأن من أغرى بشئ، فقد جعل المغرَى به ممكناً مستطاعاً، إنْ رامَهُ المغرَى؛ وهو يرجع إلى ما سبق عن الأخفش من قوله: كما يقال: أمكنك الصيدُ. واختلف في الاسم المذكور بعدُ؛ فقال بعض النحويين: يجب رفعه، ولا يجوز نصبه، لأن كذب فعل، لابد له من فاعل، والجملة في معنى الأمر؛ وقال بعضهم: يجوز نصبُه، واستدلَّ بما روى أبو عُبيد عن أبي عُبيدة عن أعرابى نظر إلى ناقة نِضْو لرجل، فقال: كذب عليكم البزرَ والنوى، أى الزمهما، فنصب البزرَ والنوى؛ وحكى نحوَه يونس بالنصب
في البزر والنوى أيضا؛ لكن قال أبو عبيد: لم يسمع النصب مع كذب في الإِغراء إلّا في هذا الحرف. انتهى. وهو ضعيف: وقد حكى الأعلم أن مضر تنصب، والرفع لليمن؛ وروى بيت عنترة بالرفع والنصب؛ ويُخرَّج النصب على تضمين كذب معنى الأَمر، فمعنى كذب العتيقَ أى الزم العتيق؛ والعتيق هنا هو التمر البالي؛ ويجوز في: كذب عليكم الحجَّ، على الإِغراء، الحملُ في النصب على التنازع، ويجوز إجراء الرفع عليه، وحذف مفعول عليك اختصاراً.
(وينبغى) - وذكر غيره أنه يتصرف، ومنهم ابن فارس، قال فى المجمل: ما ينبغى لك أن تفعل كذا؛ هذا من أفعال المطاوعة، تقول: بغيته فانبغى، كما تقول: كسرته فانكسر.
(ويهيطُ) - قال ابن طريف: يقال: ما زال يَهيط مرة ويَميط أخرى؛ ولا ماضى ليهيط، والهياط الصياح، والمِياط الدفاع. انتهى. يقال: ما زال في هَيْط ومَيْط، وهِياط ومِياط، أى في ضجاج وشر وجلبة، وقيل: في هياط: في دُنُوّ، وفي مياط: في تباعد، يقال: تهايط القومُ اجتمعوا وأصلحوا أمرهم بينهم، وتمايطوا تباعدوا وفسد ما بينهم.
(وأهَلُمُّ) - يقال هَلُمَّ، فتقول: إلى مَ أهَلُمُّ؟ فدخول همزة المتكلم دليل الفعلية، ولم يستعملوا منه ماضياً، ولا أكثر العرب أمراً، فلذا قيل: إنه غير متصرف.
(وأَهاءُ وأُهاءُ بمعنى آخذ وأعطى) - يقال: هاءِ، بمعنى خذ، فتقول: ما أَهاءُ، أى ما آخذ، وما أُهاءُ، أى ما أعطى؛ ولا يستعمل من الذي بمعنى آخذ، غير المضارع، إلَّا في لغة؛ فإنهم استعملوها فعلاً للأمر، كما سيأتى؛ وقالوا: هاءِ: كُفّ، كخُفّ، وهائى وهاءا وهاءوا وهاؤنَّ؛ وعلى هذا يكون معنى عدم التصرف في أهاء، أنه لم يتصرف تمام التصرف، بل استعمل المضارع والأمر، دون الماضى واسم الفاعل واسم المفعول؛ فيكون هاءِ وأُهاءُ نظير دع ويدع، وذَرْ ويذر، في الأكثر؛ وأما أُهاءُ بمعنى أعطى فلم يتصرف مطلقا، لا يقال: أَهاءَ بمعنى أعطىَ، ولا هَا بمعنى أَعطِ.
(وهَلُمَّ التميمية) - واحترز من لغة غيرهم؛ فإنها عندهم اسم فعل؛ وقد سبق ذكر هلم بأسماء الأفعال، ولم تستعمل تميم من هلم إلَّا الأمر، وأما المضارع فكما سبق ذكره.
(وهَأ وهاءِ بمعنى خذ) - ولم يتعرض المصنف فى أسماء الأفعال الفعلية هاءِ، وقد سبق الكلام عليها.
(وعِمْ صباحاً) - فذهب المصنف إلى أنه لم يستعمل هذا الفعل إلَّا بصيغة الأمر؛ وقال يونس: وعِمْتُ الدارَ أَعِمُ، أى قلت لها: انعمِى، وقال الأصمعى: عم في كلام العرب أكثر مِن انعم؛ وقال الأعلم: ويقال وعمَ يَعِمُ في معنى: نعم ينعم، وعِمْ ويَعِمُ، كعِدْ ويَعِدُ؛ وكلام الأعلم يدل على أنه يستعمل المضارع أيضا؛ وقد استند إليه وإلى كلام يونس في إثبات تصرفه، فقيل: ثبت بنقل يونس والأعلم تصرُّفه متعدِّياً ولازما. انتهى. وكلام يونس يحتمل البحث، لاحتمال كونه مأخوذاً من لفظها مثل: سبَّح، قال: سبحان الله؛ وسلَّم، قال: سلام عليك؛ وقيل إن قولهم: عِمْ صباحاً، كلمة تحية، كأنه محذوف من نَعِم ينعِم، بالكسر، كما تقول: كل من أكل يأكل، فحذفت الألف والنون استخفافا، وقيل في قول عنترة:
(164)
* وعِمي صباحاً، دارَ عبلة، واسلمي *
هو أمر من عَميى المطرُ يَعْمى عميا، والمراد الدعاء بكثرة السقيا؛ ورُدَّ بأن قياسه حينئذ: أعمى كأرمى.
(وتعلَّمْ بمعنى اعلَمْ) - نحو:
(165)
تعلَّمْ شفاءَ النفس قهرَ عدوِّها
…
فبالغ بلطف في التحيُّل والمكرِ
أى اعلم؛ وقد سبق له ذكر هذا بباب ظنَّ. واحترز بمعنى اعلَم، من تعلَّمْ، أمراً بالتعلُّم، فإنه يتصرف، فيستعمل المضارع نحو: يتعلَّمُ، والماضى نحو: تعلَّمَ؛ وذكر بعضهم أن الذى بمعنى اعلم، يتصرف أيضا.
(وفى زجر الخيل: أَقدِمْ واقدُمْ) - وزجر الخيل: بعثها على السير، وكذا غيرها؛ يقال: زجر البعيرَ ساقه، وضبط ابن دريد وغيره، أَقدِمْ، بقطع الألف وكسر الدال؛ وهى كلمة زجر للفرس معلومة فى كلامهم، كأنه يؤمَرُ بالإِقدام، وهو السرعة، وجاء في حديث المغازى: اقدُمْ حيزوم؛ وضبط بضم الدال، يقال: قدَمَ يَقْدُم قدماً أى تقدَّم، قال تعالى:{يَقْدُمُ قومه يوم القيامة} ؛ فاقدُم بالضم: أمرٌ بالتقدُّم؛ وجاء في: اقدم، كسر الهمزة؛ وحيزوم اسم فرس من خيل الملائكة.
(وهَبْ) - هذا أيضا مما يستعمل فى زجر الخيل، وهو لا يتصرف؛ ولم يذكر هَبْ بمعنى ظُن هنا، لأنه ذكره فى باب ظن، وقال: إنه لا يتصرف؛ وكان ينبغى له أن لا يذكر تعلَّمْ بمعنى اعلم هنا، لسبقه أيضا هناك.
(وأرْحِبْ) - قال الجوهرىّ: يقال أرحبتُ الشئ وسَّعْتُه؛ قال الحجاج، حين قتل ابن القِرِّيَّة: أرْحِبْ ياغلامُ جُرحَه؛ ويقال أيضا فى زجر الخيل: أَرْحب وأَرْحِبى، أىِ توسَّعى وتباعدى؛ قال الشاعر:
(166)
* نعلِّمها هَبِى وهَلاً وأَرْحِبْ *
وقال قطرب: إذا كان البعير باركاً قيل له: أَرْحِبى أَرْحِبى، ليقوم. ومعنى كون هذا ونحوه لا يتصرف، أنه إذا استعمل للزجر، لا يكون إلَّا بصيغة الأمر.
(وهِجِدْ) - ضبطت هذه اللفظة بكسر الهاء والجيم وسكون
الدال المهملة، وقال قطرب: إنه يقال فى زجر الفرس: إجد إجد وهجد هجد، واجدم؛ بزيادة الميم، وقالوا: أجدمت الفرس إجداماً: قلت له ذلك؛ قال ابن الرقاع: هُنَّ عُجم، وقد عرفن من القول: هَبِى وأجدمى. انتهى. ولا بد من رد هجد إلى وزن الأفعال؛ ويجوز أن يقال: أصله: أجِد، بفتح الهمزة، فقلبت الهمزة هاء، كما قيل فى: أراق: هراق، ثم كسرت الهاء إتباعاً لكسرة الجيم؛ وكذا يقال فى إجد، بكسر الهمزة: إن ذلك للإِتباع. وحكى الجوهرى أنه يقال: إِجِدِ، بالكسر، يعنى في الهمزة والدال، لما ذكر غيره زجراً للإِبل، وذكره فى الدال المهملة؛ وقال ابن دريد: هو من زجر الخيل؛ وقيل فى رد هجد لوزن الفعل: إن أصله: إجدم بالميم، وقد قالوه كما تقدَّم، وهو فعل كقولهم: إجدمى، والميم من نفس الكلمة، وهى لام الفعل، ثم حذفت شذوذاً، ثم نقلت حركة الدال إلى الجيم الساكنة، ولم يعتدوا بتحريك الجيم لعروضه، فأبقوا الهمزة، كما قالوا فى: سَلْ: اسأل، فلما صار إجد، أبدلوا الهمزة هاء، فقالوا: هِجِد. انتهى. وبقى عليه الإِتباع لكسر الهاء والهمزة، وهذا تكلف كثير، ومخالف لما سبق من قول قطرب: إنه يقال: إجدم، بزيادة الميم، إلَّا أن يحمل على إرادة معنى بالميم، والمراد أن ذلك زائد على المذكور، قيل: من إجِد وهِجد.
وفي الصحاح، فى الذال المعجمة، أنه يقال: أجذم البعير فى سيره: أسْرَع، والميم فى هذا أصلية، إلَّا أنه بالمعجمة، وما سبق ذكره هو بالمهملة.
(وليست أصواتاً ولا أسماء أفعال، لرفعها الضمائر البارزة) - نحو: أرْحِبى، وهذا من خواص الأفعال، كما سبق أول الكتاب.
(واستغنى غالبا بتركَ عن: وذَر وودَع، وبالتَّرْك عن الوَذْر والوَدْع) - استظهر بغالباً، على ما نقل من أنه نطق بمصدر يذَرُ ويدَعُ، وبالماضى فيهما؛ وكلام سيبويه يدل على أنه لم يُحفظ مصدر ليذر، أو لم يُعبأ به، لندوره أو غير ذلك؛ وكلام غيره على أن المصدر من هذين والماضى واسم الفاعل والمفعول ممات؛ وقد قُرئ شذوذاً:{ما ودَعَك ربُّك} بالتخفيف؛ وفي الحديث: "ذَروا الحبشةَ ما وَذرَتكم"، وفيه أيضا: "لينتهيَنَّ أَقوام عن
وَدْعهِم الجمعةَ"؛ وفى الصحاح: وربما جاء فى ضرورة الشعر: ودَعه فهو مودوع، قال:
(167)
ليت شعرى عن خليلى ما الذى
…
غاله فى الحبِّ حتى ودَعَهْ؟
وقال خفاف بن ندبة:
(168)
إذا ما استحمَّتْ أرضُه من سمائه
…
جرى وهو مودوعٌ وواعدُ مَصْدَقِ
انتهى. والبيت الأول قيل: إنه لأبى الأسود، وقيل لغيره من العرب؛ ومعنى البيت الثانى أنه إذا ابتلَّتْ أسافلُ جواده من عَرق أعاليه، جرى وهو متروك، لا يُضْرَب ولا يُزْجَرُ، ويَصْدُقك فى وعده البلوغَ إلى الغاية؛ يقال للرجل الشجاع، والفرس الجواد: إنه لذو مَصْدَق، بالفتح، أى صادق فى الحملة، وصادق فى الجرى، كأنه ذو صدق فيما يَعدُك من ذلك؛ وفى الصحاح أيضا تقول: ذَره، أى دَعْه، وهو يذَرُه أى يَدَعُهُ، وأصله: وذِرَه يذَرُه، مثل: وَسعَه يَسَعُه، قال: وقد أميت مصدره فلا يقال: وَذْرُهُ ولا واذر، ولكن تَرْكُه وهو تارك. انتهى. وما ذكر من الإِماتة هو المعروف، كما تقدم، وإنما
أردت التنبيه على وزن الماضى الممات، فالمنطوق به إن ثبت، كذلك يكون.
* * *