الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
65 - باب عوامل الجزم
وهي قسمان: ما يجزم فعلاً واحداً، وما يجزم فعلين، كما سيأتي ذكره.
(منها لام الطلب) - ولا تجزم إلا فعلاً واحداً، ويسميها الأكثرون لام الأمر. لكثرة ورودها فيه، وهو الأصل فيها نحو: ليقم زيد، والطلب أعم لدخول الدعاء نحو: ليغفر الله لزيد.
(مكسورة) - حملاً على مقابل عملها وهو الجر؛ وقيل: أصلها السكون مشاكلة لعملها، كما فعل في باب الجر، لكن منع من سكونها الابتداء بها، فكسرت.
(وفتحها لغة) - حكاها الفراء عن بني سليم؛ وقيد بعضهم النقل عن الفراء، بأن فتحها إذا كان بعدها مفتوح، وعلى هذا لا تفتح في: لتكرم زيداً، ولا في: لتئذن له.
(وقد تسكن بعد الواو والفاء وثم) - نحو: "وليوفوا نذورهم"، "فلينظر"، "ثم ليقطع"؛ ثم قيل: سكنت
مع الواو والفاء، لأنها معهما ومع الحرف الذي بعدها بمنزلة كتف، فكما سكنوا التاء، سكنوا اللام؛ وأما التسكين بعد ثم فرده بعض، وضعفه بعض، وقلله بعض؛ وقيل: سكنت رجوعاً إلى ما وضعت عليه من السكون، وهذا يطرد في ثم أيضاً، فهو أولى، لأن ما ثبت في السبعة، لا يصح رده، ولا وصفه بضعف أو قلة، وتسكين اللام بعد ثم ثابت فيها؛ ثم تعليل السكون بالأولى فيه إجراء المنفصل مجرى المتصل، وهو قليل، لا يكاد يوجد إلا في ضرورة؛ وتسكين اللام بعد الواو والفاء أكثر من التحريك.
(وتلزم في النثر، في فعل غير الفاعل المخاطب) - وهو فعل ما لم يسم فاعله، غائباً نحو: ليضرب زيد، ومخاطباً نحو: لتضرب يا زيد، ومتكلماً نحو: لأعن بحاجتك؛ وفعل الفاعل الغائب نحو: ليضرب زيد عمراً، والمتكلم نحو:"ولنحمل خطاياكم"؛ وفي الخبر: "قوموا فلأصل لكم"؛ ودخول اللام على فعل المتكلم ضرب من التجوز. واحترز بقوله: "في النثر" من النظم، فقد جاء فيه حذف اللام، وإبقاء عملها؛ أنشد سيبويه:
(25)
محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من أمر تبالا
وقال:
(53)
فلا تستطل مني بقائي ومدتي ولكن يكن للخير منك نصيب
وثبت بعد هذا، في نسخة عليها خطه:
(مطلقاً، خلافاً لمن أجاز حذفها في نحو: قل له ليفعل) - وهو الكسائي، واحتج بقوله تعالى: "قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة)، أي ليقموا، وخرجه الأكثرون على الحذف للشرط، والتقدير: إن تقل لهم يقيموا؛ وقيل: يقيموا مبنى، واختار المصنف في شرح الكافية الشافية هذا القول، وزاد فقال: حذف لام الأمر، وإبقاء عملها كثير مطرد، وذلك بعد أمر بقول، ومثل بالآية؛ وقليل جائز في الاختيار، وهو الحذف بعد قول غير أمر نحو:
(54)
قلت لبواب لديه دارها تيذن، فإني حموها وجارها
أي لتيذن؛ وقيل مخصوص بالاضطرار نحو: فلا تستطل مني بقائي .. البيت انتهى.
والصحيح أن حذف لام الأمر وإبقاء عملها لا يجوز مطلقاً إلى في الشعر؛ وقال ابن عصفور مرة: يجوز حذف اللام وإبقاء عملها، ومرة: إلا في الشعر، وهو قليل لا يقاس عليه.
(والغالب في أمر الفاعل المخاطب خلوه منها ومن حرف المضارعة) - استظهر بقوله: غالباً، على لغة من لا يخليه منهما، فتقول: لتقم يا زيد، وعن زيد وأبي وغيرهما، أنهم قرأوا:"فبذلك فلتفرحوا"، وفي الخبر:"ولتزره بشوكة"، "ولتأخذوا مصافكم" وقال الشاعر:
(55)
لتقم أنت يا بن خير قريش فتقضي حوائج المسلمينا
والأكثر على أنها لغة رديئة قليلة؛ وقال الزجاجي: هي لغة جيدة، ورد عليه بأنه لا يكاد يوجد من هذا أزيد مما ذكر، واللغة الجيدة الفصيحة خلوه منهما نحو: اضرب وأقبل واذهب.
(وهو موقوف) - وهذا قول جمهور البصريين، وهو عندهم
مبني، لأن الأصل في الأفعال البناء، وسبب الإعراب شبه الاسم، وهذا لا يشبه الاسم.
(لا مجزوم بلام محذوفة، خلافاً للكوفيين) - واختاره أبو علي الحسين بن أبي الأحوص، من تلاميذ الشلوبين، وقد رد هذا القول بأنه لا يجوز: اضرب زيد، واشتم خالد، ولم يسمع من كلامهم؛ ولو كان كما زعموا، لم يمتنع، وفيه بحث؛ قالوا: وأما الحذف في: اغز ونحوه، فلا دليل فيه على الإعراب، كما زعموا، نظراً إلى أن الحذف ليس من علامات البناء، لأن الحذف يشبه المعرب، فاغز في معنى لتغز، فعومل المبني معاملة المعرب، كما فعلوا ذلك في: يا زيد الظريف، بالرفع.
(ولا بمعنى الأمر، خلافاً للأخفش، في أحد قوليه) - ووجه هذا القول، أنه جرى مجرى المعرب، فسكن آخره صحيحاً كاضرب وحذف معتلاً كاغز، وحذفت نونه كما في الأمثلة نحو: اضربا، فهو معرب، وموجب إعرابه كونه أمراً، إذ لم نر عاملاً لفظياً دخل عليه، فكان جازمه كرافع المبتدأ؛ والقول الآخر للأخفش، البناء كقول غيره من البصريين.
(ويلزم آخره، ما يلزم آخر المجزوم) - فتقول: اضرب واضربا
واضربوا واضربي، واغز وارم واخش، كما تقول: لم يضرب ولم يضربا ولم يضربوا ولم تضربي، ولم يغز ولم يرم ولم يخش.
(ومنها لا الطلبية) - ولا تجزم إلا واحداً، واحترز بالطلبية من النافية، فلا تعمل هذا العمل؛ ودخل في الطلبية الناهية نحو: لا تضرب زيداً، والتي للدعاء:"ربنا لا تؤاخذنا"؛ ومن شاذ ما قيل، أن لا الطلبية هي لام الطلب، زيدت عليها الألف، فرقاً بين الإيجاب والنفي، وفتحت اللام لأجل الألف؛ ومنه أيضاً قول السهيلي: إن لا هذه هي النافية، وأن الجزم بلام محذوفة، ولا زائدة بين الجازم والمجزوم لقصد النفي، كما زيدت بين الجار والمجرور في: جئت بلا زاد، وبين الجازم والمجزوم في: إن لا تضرب زيداً يأتك؛ على أن من النحويين من زعم أن لا هذه ناهية، ولكن ألغيت وعملت إن.
(وقد يليها معمول مجزومها) - نحو:
(56)
وقالوا: أخانا، لا تخشع لظالم عزيز، ولا ذا حق قومك تظلم
أي ولا تظلم ذا حق قومك؛ وكلامه هنا يقتضي أن ذلك قليل، وليس مخصوصاً بالضرورة، وقال في شرح الكافية الشافية: وقد فصل بين لا ومجزومها ضرورة، وأنشد البيت، قال: وهذا رديء.
(وجزم فعل المتكلم بها أقل من جزمه باللام) - ومنه:
(57)
إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد لها أبداً ما دام فيها الجراضم
وقضية كلامه أنه لا فرق بين المبني للفاعل وغيره، والذي ذكره غيره، أن لا الناهية تدخل على المني للمفعول، غائباً كان أو مخاطباً أو متكلماً نحو: لا يضرب زيد، ولا تضرب يا زيد، ولا أضرب أنا؛ وأما المبني للفاعل، فالأكثر دخولها فيه على ما هو للمخاطب، ويضعف للغائب والمتكلم؛ وما ذكره من التفرقة بين لا ولام الأمر في القلة، كلام غيره على خلافه، إذ سووا بينهما في القلة، ولعل ما ذكره أولى، ففي القرآن:"ولنحمل خطاياكم".
(ومنها: لم ولما أختها) - وتجزم كل منهما فعلاً واحداً؛ والمراد أختها في الدلالة على النفي؛ واحترز بذلك من لما بمعنى إلا نحو: أنشدك الله لما فعلت، أي إلا فعلت، ومن لما التي هي حرف وجوب لوجوب عند سيبويه، وظرف عند الفارسي نحو: لما جاء زيد جاء عمرو، فإنهما لا يجزمان، لأنهما لا تدخلان على مضارع. ولما النافية عند الأكثرين مركبة من لم وما، وعند بعضهم هي بسيطة.
ولم ولما تفيدان نفي الماضي، على ما سيبين؛ ثم قيل: أثرت لم ولما في الصيغة، فدخلتا على الماضي فصير مضارعاً؛ وقيل: بل دخلتا على المضارع فقلبتا معناه إلى المضي؛ والأول مذهب سيبويه، والثاني مذهب المبرد؛ والصحيح قول سيبويه، لأن صرف التغيير إلى جانب اللفظ أولى من صرفه إلى المعنى، والمحافظة على المعاني أولى، لأن الألفاظ خدم للمعاني؛ وأما: إن قام زيد، قام عمرو، فالفرق بينه وبين: لم يقم، ولما يقم، أن إن تدخل على الماضي كما تدخل على المضارع، فلا يمكن القول بأن التغيير وقع في اللفظ، لأنه يكون عن غير سبب، ولم ولما لا تدخلان إلى على المضارع، فاستند تغيير اللفظ إلى سبب.
(وتنفرد لم بمصاحبة أدوات الشرط) - نحو: إن لم يقم زيد، قام عمر، ولو لم يقم زيد، لقام عمرو، ولا يمتنع منها أداة شرط؛ وأورد عليه لولا، فإنه جعلها أداة شرط في قوله في أواخر البابا: أو كان الشرط لو أو لولا، ولا ترد، لأنها إنما تدخل على المبتدأ؛ ولا تصحب لما شيئاً من أدوات الشرط، لأنها لنفي قد فعل، وقد فعل لا يكون شرطاً؛ لأن قد تقرب الماضي من الحال، وإن تخلصه للاستقبال، فتعارضا؛ وأما لم فلنفي فعل، وفعل يكون شرطاً؛ هكذا قالوا؛ وفي بحث.
(وجواز انفصال نفيها عن الحال) - أي وبجواز ذلك؛ فلم
موضوعة لمطلق الانتفاء، فيجوز أن يكون نفيها منقطعاً عن زمان الحال، أي عن زمان الإخبار عن نفي ذلك الفعل، ويجوز كونه متصلاً بزمان الحال؛ فالأول نحو:"لم يكن شيئاً مذكوراً"، لانقطاع انتفاء كونه شيئاً مذكوراً، عن زمان الإخبار، لأنه حينئذ شيء مذكور؛ ولذا يحسن: لم يكن ثم كان؛ والثاني نحو: "ولم أكن بدعائك رب شقياً" فنفي الشقاء متصل بزمان النطق.
(ولما، بوجوب اتصال نفيها بالحال) - أي وتنفرد لما لذلك؛ فمعنى: لما يقم زيد، انتفاء قيامه إلى زمان النطق، ولذا لا يحسن: لما يقم زيد ثم قام، وإنما يحسن: لما يقم زيد، وقد يقوم، وقد لا يقومن؛ وذلك لأن لما يقم نفي قد قام، وقد قام إخبار عن الماضي المتصل أو القريب من الحال، فكذا نفيه؛ وكون نفيها متصلاً بالحال، هو الذي ذكره كثيرون؛ وبعض المغاربة يقول: هي لنفي الماضي القريب من الحال؛ وقال المصنف في شرح الكافية الشافية، لا يشترط كون نفيها قريباً من الحال، بل الغالب كونه قريباً، وقال بعض المغاربة، وقد ذكر أن لم لنفي الماضي المنقطع، ولما لنفي المتصل بزمان الحال: هذا هو المعنى الذي لهما بحق الأصالة. وقد توضع لم موضع ما فينفى بها الحال، وأنشد:
(58)
أجدك لم تغتمض ساعة فترقدها مع رقادها
أي ما تغتمض؛ قال: ويبينه أن أجدك يتضمن معنى القسم، ولا يقال: والله لم يقم زيد، بل ما يقوم أو ما قام.
(وجواز الاستغناء بها في الاختيار، عن المنفي، إن دل عليه دليل) - أي وبجواز ذلك نحو: قاربت المدينة، ولما؛ أي ولما أدخلها؛ وندم زيد ونفعه الندم، وندم عمرو، ولما؛ أي ولما ينفعه الندم؛ وزيد قام وعمرو لما؛ أي لما يقم؛ وجاز ذلك، لأنها لنفي قد فعل، ويجوز حذف الفعل مع قد، إذا دل عليه دليل، فلذلك جاز الحذف مع لما، ومنه مع قد:
(59)
أفد الترحل، غير أن ركابنا لما تزل برحالنا، وكأن قد
ولا يجوز حذف مجزوم لم للدليل، إلا في الضرورة نحو:
(60)
احفظ وديعتك التي استودعتها يوم الأعازب، إن وصلت، وإن لم
أي وإن لم تصل.
(وقد يلي لم معمول مجزومها اضطراراً) - كقول ذي الرمة:
(61)
فأضحت مغانيها قفاراً رسومها كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهل
أي كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش؟ . قال ابن عصفور: وهو أقبح الضرائر، فلا يقاس عليه في سعة ولا غيرها. انتهى.
وكما لا يفصل بين أجزاء فعل، ولا بين قد والفعل، لا يفصل بين لم والفعل، ولا بين لما والفعل؛ ولحملهما على الفعل، جاز تقديم معمول معمولهما عليهما نحو: زيداً لم أضرب، أو لما أضرب. قال بعض المغاربة: ولامتناع الفصل، لم يجز: لم يقم زيد، ولا يجلس عمرو.
(وقد لا يجزم بها حملاً على لا) - أنشد الأخفش:
(62)
لولا فوارس من جرم وأسرتهم يوم الصليفاء، لم يوفون بالجار
وليس في قوله: وقد، دليل على أن ذلك ضرورة، كما قال الناس؛ وكذا قوله: على لا، مخالف لقول الناس: على ما، وهو أولى، لأن ما تنفي الماضي كثيراً، ويغلب في لا عدم نفي الماضي.
(ومنها) - أي من عوامل الجزم.
(أدوات الشرط) - وهي كلم وضعت للدلالة على تعليق بين جملتين من غير وقوع الثانية منهما متسببة عن الأولى عند الوقوع.
فخرج بغير وقوع لو ولولا ولما، فإن المقصود تعريف ما يجزم من أدوات الشرط؛ على أن المغاربة يخصون الشرط بالمستقبل، وابن مالك لا يخصه بذلك، ولذلك يطلق على لو ولولا اسم أداة الشرط،
كما ستراه في كلامه؛ وفي كلام الجزولي أيضاً، إدخال لو في أدوات الشرط؛ والأمر في ذلك قريب.
(وهي: إن) - وهي تقتضي الربط من غير إشعار بزمن ولا شخص ولا مكان ولا حال؛ وبدأ بها، لأنها أم الباب.
(ومن) - وهي لتعميم أولى العلم؛ فتقع على الملك والإنسان والشيطان.
(وما) - وهي لتعميم من يعقل وغيره، أو تعميم من لا يعقل.
(ومهما) - وهي مثل ما، وقيل: هي أعم منها؛ ومعناها: لا أصغر عن كبير فعلك، ولا أكبر عن صغيره؛ ورد بأنه لا يتأتى في:"مهما تأتنا به من آية".
(وأي) - وهي عامة في ذوي العلم وغيرهم؛ وهذه الأربعة وهي: من وما ومهما وأي أسماء، تكون مبتدأ ومفعولة ومجرورة بالحرف وبالإضافة، إلا مهما، فلا تجر بحرف ولا إضافة، بل تكون مبتدأة، وهو أحسن الإعرابين في:"مهما تأتنا به من آية"؛ ومفعولة كقوله:
(63)
* وأنك مهما تأمري القلب يفعل *
فمهما مفعول ثان لتأمري؛ ويجوز في الآية الكريمة كون مهما مفعولاً، والمسألة من الاشتغال؛ ووقع في كلام ابن عصفور، أن العرب تقول: بمهما تمرر أمرر بزيد، وهو غلط منه، فنص الناس على خلافه، فلا يقال ما ذكر ونحوه؛ ولا يضاف إليها نحو: جهة مهما تقصد أقصد.
(وأنى) - وعدها الناس في الظروف؛ فهي إذا كانت شرطاً بمعنى أين، وقال بعضهم: هي لتعميم الأحوال، ومن الجزم بها قوله:
(64)
خليلي أنى تأتياني تأتيا أخاً، غير ما يرضيكما، لا يحاول
وتكون أنى أيضاً للاستفهام؛ قال الأعلم في المخترع: بمعنى متى وأين وكيف؛ وقيل في قوله تعالى: "أنى شئتم" إنه بمعنى كيف، وقيل: بمعنى متى؛ وقال بعض المغاربة: وتقول: أنى زيد؟ تريد: كيف زيد؟
(ومتى وأيان، وهما ظرفا زمان) - فلا يستعملان لغير الظرفية المذكورة، ثم قيل: متى وأيان لتعميم الأوقات، وقيل: تستعمل أيان في أوقات الأزمنة التي تقع فيها الأمور العظام، والأول هو المشهور. ومن المجازاة بمتى قوله:
(65)
متى تأته، تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار، عندها خير موقد
(وكسر همزة أيان لغة سليم) - حكاها الفراء، وبها قرأ السلمي:"إيان يبعثون".
(وقلما يجازى بها) - ولم يحفظ سيبويه المجازاة بها؛ وقال بعض المغاربة: إنه غير محفوظ؛ والقياس يقتضي الجواز، لأن معنى متى وأيان واحد. انتهى. وقد حفظه غيره، ومنه:
(66)
أيان نؤمنك تأمن غيرنا، وإذا لم تدرك الأمن منا، لم تزل حذرا
(وتختص في الاستفهام بالمستقبل، بخلاف متى) - فإذا كانت متى استفهاماً، وليها الماضي نحو قوله:
(67)
متى كان الخيام بذي طلوح سقيت الغيث أيتها الخيام
والمستقبل نحو: متى تقوم؟ وإذا كانت أيان استفهاماً فإنما يستفهم بها عن المستقبل نحو: أيان تخرج؟ ولا يجوز: أيان خرجت؟ ويقعان في الاستفهام خبرين أيضاً نحو: متى القتال؟ ، و"أيان مرساها".
(وربما استفهم بمهما) - وهو نادر؛ أنشد أبو علي:
(68)
مهما لي الليلة، مهما ليه أودى بنعلي وسرباليه
ومهما اسم عند الأكثرين، وقال السهيلي: إن عاد عليها الضمير، فاسم نحو:"مهما تأتنا به"، وإلا، فحرف، كقول زهير:
(69)
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم
فمهما حرف للشرط كإن، لأن من خليقة اسم تكن، ومن زائدة، أي وإن تكن عند امرئ خليقة؛ وإلى زيادة من في البيت ذهب أيضاً ابن السيد؛ ولا يتعين ذلك، لجواز كون اسم تكن ضميراً يعود على مهما. نظراً إلى المعنى، لأنها واقعة على الخليقة، وعند امرئ خبر تكن، ومن خليقة تفسير؛ ومن فيه كمن في قوله تعالى:"ما يفتح الله للناس من رحمة".
ومهما عند الخليل مركبة من ما الشرطية، زيدت عليها ما؛ وقلبت الألف الأولى هاء كراهية الأمثال، كما قالوا في: دهدهت الحجر: دهديت، وكان القلب هاء كقولهم في الوقف: أنه، وفي الأولى، تنبيهاً على أنها هي المعتمدة؛ وجوز سيبويه تركيبها من: مه وما؛ وقال الأخفش والزجاج والبغداديون: هي مركبة من مه وما الشرطية؛ وقيل: هي بسيطة، ووزنها: فعلى، والألف للإلحاق، وزال التنوين للبناء، أو الألف للتأنيث.
(وجوزي بكيف معنى) - فإذا تعلقت بجملتين لم تعمل
شيئاً، بل يرتفع الفعلان، فتقول: كيف تكون أكون؛ فجرى الفعلان بعدها، كما جريا بعد الاستفهامية.
(لا عملاً) - فلا يجزم بها، وإنما قصرت عن أسماء الشرط، لأنها في الاستفهام إنما تجاب بالنكرة دون المعرفة، فيقال: كيف زيد؟ فتقول: صحيح، ولا تقول: الصحيح؛ وأما أسماء الشرط فتجاب في الاستفهام بهما؛ يقال: م عندك؟ فتقول: خير، أو الخير؛ وأي الناس عندك؟ فتقول: رجل يعجبك، أو زيد؛ ولأن الفعلين بعدها إنما يكونان متفقين نحو: كيف تصنع أصنع؛ ولا يكونان مختلفين، نحو: كيف تقوم أخرج، بخلاف أسماء الشرط، فتقول: ما تصنع أصنع، وقال تعالى:"ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها".
وتلحقها ما جوازاً لقصد التأكيد، لضعف الارتباط بها نحو: كيفما تكون أكون؛ وقال ابن العلج: الارتباط فيها قليل، نحو: كيف تكون أكون؛ والأكثر عدم الارتباط.
(خلافاً للكوفيين) - في إثباتهم المجازاة بها معنى وعملاً، فيجزمون بها، نحو: كيف تكن أكن؛ وقال به من البصريين
قطرب؛ وقال بعض النحويين، تجزم إذا كان معها ما، كحيث، نحو: كيفما تكن أكن؛ فليس في الجزم بها سماع، ومن أجازه صرح بأنه إنما أجازه قياساً.
(ومن أدوات الشرط: إذ ما) - ومن استعمالها للشرط، قول العباس بن مرداس السلمي:
(70)
إذ ما أتيت على الرسول فقل له حقاً عليك، إذا اطمأن المجلس
يا خير من ركب المطى، ومن مشى فوق التراب، إذا تعد الأنفس
قيل: ومن الجرم بها قول عبد الله بن همام السلولي:
(71)
فإذما تريني اليوم مزجى مطيتي أصعد سيراً في البلاد وأفرع
فإني من قوم سواكم، وإنما رجالي فهم بالحجاز وأشجع
واستشهدوا أيضاً بقوله:
(72)
وإنك إذما تأت ما أنت آمر به، لا تجد من أنت تأمر فاعلا
وقال بعض النحويين، : ليست إذما من أدوات الشرط، وإنما ورد الجزم بها في الشعر كإذا، ومعناها؛ إذ ذاك معناها ورد بأن الفعل الواعق بعد إذما، ومعناها الاستقبال، لم يرد إلا مجزوماً، ولا يحفظ من لسانهم: إذما تقوم أقوم، كما قالوا: إذا تقوم أقوم.
(وحيثما) - نحو:
(73)
حيثما تستقم، يقدر لك اللـ ـه نجاحاً، في غابر الأزمان
(وأين) - نحو:
(74)
أين تضرب بنا العداة تجدنا نصرف العيس نحوها للتلاقي
(وهما ظرفا مكان) - يعني حينما وأين؛ وهما لتعميم الأمكنة، ويلزمان الظرفية، وتكون أين شرطاً واستفهاماً، ولا تكون حينما إلا شرطاً.
(وما سوى إن أسماء) - ولا خلاف في ذلك إلا ما سيأتي في إذما، وما سبق في مهما.
(متضمنة معناها) - أي معنى الشرطية، ولذلك أعطيت من الربط والسببية ما تعطيه إن.
(فلذلك بنيت) - أي لتضمنها معنى الحرف، وهو إن الشرطية، وما كان منها على حرفين كمن وما، فيه أيضاً شبه الحرف في الوضع، إلا أن المستمر فيها كلها، تضمن معنى الحرف، فلذلك اقتصر عليه المصنف.
(إلا أياً) - فإنها لا تبنى، وإن تضمنت في الشرط معنى الحرف الشرطي، لما سبق من المعارضة في أول الكتاب.
(وفي اسمية إذما خلاف) - فمذهب سيبويه، أنها حرف كإن، فأخرجت عنده عما كان لها من الظرفية الماضية، إلى الحرفية واقتضاء الشرطية في الاستقبال. ومذهب المبرد وابن السراج والفارسي أنها اسم ظرف زمان، إلا أنها كانت لما مضى، فزيدت عليها ما وجوباً فصارت للاستقبال، لتضمن معنى الشرط.
(وقد ترد ما ومهما ظرفي زمان) قال المصنف في شرح الكافية الشافية: جميع النحويين يجعلون ما ومهما مثل من في لزوم التجرد عن
الظرفين، مع أن استعمالهما ظرفين ثابت في أشعار الفصحاء؛ وأنشد أبياتاً منها قول الفرزدق:
(75)
فما تحى لا أرهب، وإن كنت جارماً وإن عد أعدائي علي لهم ذحلا
وقول حاتم الطائي:
(76)
وإنك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك، نالا منتهى الذم أجمعا
وما ذكره غير متعين، بل يحتمل المصدرية؛ أي: أي حياة تحى، لا أرهب، وأي عطاء تعط؛ قال ابن المصنف: وهذا متعين، لأن في كونهما ظرفين شذوذاً وقولاً لا يعرفه جميع النحويين، بخلاف كونهما مصدرين، فلا مانع من أن يكنى بهما عن مصدر فعل الشرط، كما
لا مانع من أن يكنى بهما عن المفعول به، إذ لا فرق. قال شيخنا: ويحتمل بيت حاتم كون مهما مفعولاً ثانياً لتعط، وفرجك الأول، وسؤله بدل من فرجك.
(وأي بحسب ما تضاف إليه) - فإن أضيفت إلى ظرف مكان، فظرف مكان نحو: أي جهة تجلس، أجلس معك؛ أو إلى زمان فظرف زمان نحو: أي يوم تخرج، أخرج؛ أو مفعول، فمفعول. وتزاد معها ما؛ والأجود زيادتها بين المضاف إليه وبينها نحو:"أيما الأجلين قضيت"، وقرأ ابن مسعود:"أي الأجلين ما قضيت"؛ وتزاد ما أيضاً، وإن حذف ما تضاف إليه نحو:"أياً ما تدعو"؛ وهي متصرفة بوجوه الإعراب.
(وكلها تقتضي جملتين) - نحو: إن جئتني أكرمتك، أو أكرمك؛ وإن تجيء فأنت مكرم.
(تسمى أولاهما شرطاً) - والشرط في اللغة العلامة، فسميت الجملة الأولى من الجملتين المذكورتين بذلك، لأنها علامة على ترتب الثانية عليها نحو: إن أسلمت، دخلت الجنة.
(وتصدر بفعل ظاهر) - وهو الأكثر؛ ويكون ماضياً ومضارعاً، كما سبق تمثيله، ولا يكون أمراً ولا جامداً ولا مقروناً بقد ولا دعاء ولا منفياً إلا بلا أو لم.
(أو مضمر مفسر بعد معموله بفعل) - وهذا هو الأكثر في الإضمار نحو: "وإن أحد من المشركين استجارك"، أي وإن
استجارك أحد من المشركين استجارك؛ فاستجارك المتأخر، مفسر للأول المضمر، وأحد مرفوع بالمضمر؛ وقد جاء الإضمار على غير هذا نحو:"الناس مجزيون بأعمالهم؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر"؛ وقد سبقت المسألة بباب كان.
(يشذ كونه مضارعاً دون لم) - كقوله:
(77)
يثنى عليك وأنت أهل ثنائه ولديك، إن هو يستزدك، مزيد
وما ذكره من الشذوذ، هو المعروف من كلام الناس؛ إلا أن في كتاب سيبويه ما يشعر ظاهره بخلافه؛ قال: وتقول: إن زيداً تره تضرب، ومثاله بلم قوله:
(78)
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل
(ولا يتقدم فيها الاسم مع غير إن، إلا اضطراراً) - كقوله:
(79)
فمن نحن نؤمنه، يبت وهو آمن ومن لا نجره يمس منا مفزعا
(وكذا بعد استفهام بغير الهمزة) - فلا يقال: هل زيد قام؟ إلا في الضرورة؛ قال:
(80)
* أم هل كثير بكى لم يقض عبرته *؟ البيت
ولا يجوز في هذا كون المرفوع مبتدأ، وإنما هو على إضمار فعل؛ لأن هل في الجملة الفعلية كقد؛ وأجاز الكسائي: هل زيد قام؟ جوازاً حسناً؛ قال: لقولهم: هل زيد قائم؟ فكذا يجوز الابتداء بعدها، وولايتها الأسماء مع وجود الفعل؛ هذا حكم غير الهمزة؛ وأما الهمزة، فيجوز ذلك معها نحو: أزيد قام؟ والاختيار والأفصح حمله على فعل يفسره ما بعده؛ ويجوز كونه مبتدأ خبره الجملة بعده، وذلك لأن الهمزة أم الباب.
(وتسمى الجملة الثانية جزاء وجواباً) - فالجزاء، لأنه مترتب على ما قبله، فأشبه الجزاء على الفعل من ثواب أو عقاب، والجواب لأنه لما لزم عن الأول، صار كالجواب الآتي بعد كلام السائل؛ وهذه الجملة تكون طلبية وخبرية وشرطية وغيرها، اسمية وغيرها؛ والأصل كونها جملة تصلح لأداة الشرط.
(وتلزمه الفاء في غير الضرورة، إن لم يصح تقديره شرطاً) - نحو: "إن تبدوا الصدقات، فنعما هي"، "إن كنتم تحبون الله فاتبعوني"، "فإما يأتينكم مني هدى، فمن تباع هداي، فلا خوف عليهم"، "إن يسرق، فقد سرق أخ له من قبل"، "إن كان قميصه قد من قبل، فصدقت"، إن قام زيد فما يقوم عمرو، أو فلن، أو فإن [عمراً] قام، إن قائم زيد، فقد يقوم عمرو، "ومن يرتد منكم عن دينه، فسوف يأتي الله" وإن أقبل زيد، فما أحسنه، أو فهو أحسن من كذا، وإن تكرمني، فوالله، لأكرمنك.
واحترز بقوله: في غير الضرورة، من قوله:
(81)
من يفعل الحسنات، الله يشكرها والشر بالشر، عند الله مثلان
أي: فالله يشكرها؛ وهذا مذهب سيبويه؛ قال الخضراوي: وأبو العباس يجيز حذف الفاء في الكلام؛ ومن الحذف للضرورة:
(82)
فإن يك قوم سرهم ما صنعتم ستحتلبوها لاقحاً غير باهل
أي فستحتلبونها، وفيه حذف النون من دون ناصب ولا جازم ولا ملاقاة مثل.
(وإن صدر بمضارع صالح للشرطية، جزم في غير الضرورة، وجوباً، إن كان الشرط مضارعاً) - نحو: "إن تمسسكم حسنة تسؤهم، وإن تصبكم سيئة، يفرحوا بها". واحترز بالضرورة من قوله:
(83)
يا أقرع بن حابس، يا أقرع إنك إن يصرع أخوك تصرع
فرفع تصرع، مع أن الشرط مضارع؛ ويجوز عند سيبويه في هذا، أن يكون على نية التقديم، فيكون تصرع خبر إن؛ وأن يكون على حذف الفاء، أي فتصرع؛ والوجه الأول عندي، في هذا ونحوه أولى؛ فإن قلت: إن تأتني آتيك، فلم يكن قبل إن ما يمكن أن يطلب الفعل المرفوع، جاء أيضاً عند سيبويه الوجهان، إلا أن الثاني عنده في هذا أولى.
وذهب المبرد إلى أنه على إضمار الفاء في الموضعين معاً؛ وفصل بعضهم بين اسم الشرط وغيره؛ فأجاز التقديم تقديراً في الحرف، وعين في الاسم حذف الفاء.
(وجواراً إن كان ماضياً) - نحو: إن جئتني أكرمك، بالجزم، وهو الفصيح المختار عند المعظم؛ وقيل: إنه لا يجيء في الكلام الفصيح، وإنما يجيء مع كان، لأنها أصل الأفعال، قال
تعالى: "من كان يريد حرث الآخرة، نزد له في حرثه": قال صاحب هذه المقالة: ولا يجوز في غيرها. انتهى. وكلام سيبويه وغيره على أن ذلك لا يختص بكان، وأنشد سيبويه للفرزدق:
(84)
دست رسولاً، بأن القوم إن قدروا عليك، يشفوا صدوراً ذات توغير
وقال:
(85)
تعش، فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من، يا ذئب، يصطبحان
والرفع مسموع من كلام العرب، وقال بعض المغاربة إنه أحسن من الجزم، ومنه قول زهير:
(86)
وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول: لا غائب مالي ولا حرم
وكذا:
(87)
فإن كان لا يرضيك حتى تردني إلى قطري، لا إخالك راضيا
وهو كثير، وقال بعض المغاربة: إن الرفع ضرورة، قال: ولا أعلم منه شيئاً جاء في الكلام. انتهى.
قيل: ومذهب سيبويه، أنه على نية التقديم، وجواب الشرط محذوف؛ وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه هو الجواب، والفاء محذوفة؛ وقيل: هو الجواب، ولا إضمار للفاء، ولا هو مقدم نية، وثبت بخط ابن المصنف في أصل التسهيل:
(وإن صدر بمضارع، صالح للشرطية، جزم، وقد يرفع بكثرة، إن كان الشرط ماضي اللفظ، أو منفياً بلم، وبقلة إن كان غيرهما) - وفي هذا زيادة مسألة المنفي بلم، نحو: إن لم تأتني
أكرمك، بالرفع؛ وهي مسألة مشهورة، ويمكن دخولها في قول المنصف في تلك النسخة: إن كان ماضياً، على تفسير الماضي بما يشمل الماضي لفظاً، والماضي معنى؛ فإن المنفي بلم ماض معنى، ففعل فيه حرف الشرط من الصرف إلى الاستقبال، مع فعله في لفظ الماضي؛ وفي الذي أثبته ابن المصنف، وصف الرفع بالقلة، إن كان الشرط غير الماضي لفظاً، والمنفي بلم؛ وفي تلك النسخة، جعله ضرورة؛ وقال المصنف في شرح الكافية الشافية: وقد يجيء الجواب مرفوعاً، والشرط مضارع مجزوم، ومنه قراءة طلحة بن سليمان:"أينما تكونوا، يدرككم الموت".
وقد سبق أن من النحويين من قال: إن الجزم لا يجيء في الكلام الفصيح، إلا مع كان؛ ومنهم من قال: إن الرفع أحسن منه؛ وقال صاحب الواضح: الاختيار الجزم، ويحسن الرفع، إذا تقدم ما يطلب الجواب، نحو طعامك، إن تزرنا، نأكل؛ وقول زهير: لا غائب مالي
…
حسن الرفع فيه تقدم الواو على إن. انتهى.
(وإن قرن بالفاء رفع مطلقاً) - أي سواء أكان الشرط بلفظ الماضي أو المضارع المنفي بلم، أو المضارع بخلاف ذلك، نحو:"ومن عاد، فينتقم الله منه"، "فمن يؤمن بربه فلا يخاف"؛
وإنما رفع، لأنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي فهو ينتقم، فهو لا يخاف؛ هكذا قالوا؛ ويمكن جعل الفاء رابطة، كهي في الجملة الاسمية، ولا حذف، بل المقترن بالفاء هو الجواب.
(وجزم الجواب بفعل الشرط) - وهذا قول الأخفش؛ وذلك لأنه مستعد له، بما أحدثت فيه الأداة من المعنى والاستلزام.
(لا بالأداة وحدها) - لأن الجزم نظير الجر، والجار وهو أقوى لا يعمل عملين، فالجازم أولى؛ وهذا قول المحققين من البصريين، وعزاه السيرافي إلى سيبويه، واختاره الجزولي وابن عصفور والأبدي؛ ووجهه أن الأداة اقتضتهما، فعملت فيهما كان وظن، وما ذكر في رده، جوابه أن الجازم اقتضى معمولين، والجار لا يقتضيهما.
(ولا بهما) - أي فعل الشرط والأداة؛ وذلك لأن العامل المركب من شيئين، لا يجوز انفصال جزئه، ولا حذف أحدهما كحيثما، وأنت تقول: إن زيداً تكرم يكرمك.
(88)
وقال: * وإلا يعل مفرقك الحسام *
فدل على أن العامل ليس ما ذكر؛ وهذا القول ينسب إلى
سيبويه والخليل، لأن في كلامهما ما يدل ظاهره عليه؛ ونسب إلى الأخفش أيضاً.
(ولا على الجوار) - وهذا مذهب الكوفيين، قالوا: الجر يكون للجوار، وكذلك الجزم؛ وحكى بعض المغاربة الاتفاق على أن فعل الشرط مجزوم بالأداة؛ وحكى بعضهم عن المازني أنه مبني؛ وعن المازني أيضاً أن فعل الشرط معرب، وفعل الجزاء مبني؛ واحتج للبناء فيهما، بأن الفعل لا يقع موقع الاسم في المحلين؛ واحتج لبناء الجزاء فقط فقد العامل، فما سبق لا يصلح لما سبق؛ ولأن الفعل لا يعمل في الفعل، فالنوع لا يعمل [في نوعه]؛ إذ ليس أحدهما أولى من الآخر، وإنما يعمل لمزية، كأن يضمن العامل من غير النوع، فلما فقد العامل ولم يمكن الفرع، لأنه لا يقع موقع الاسم، تعين البناء؛ وما ذهب إليه من البناء، مخالف لجميع النحويين.
(خلافاً لزاعمي ذلك) - وقد سبق ذكرهم.
(فصل) - (قد يجزم بإذا الاستقبالية، حملاً على متى) - احترز بالاستقبالية من التي للمفاجأة؛ ونقل بعض المغاربة الاتفاق على أن إذا ظرف لما يستقبل؛ وأثبت بعض النحويين أنها تأتي للحال؛ وجعل منه: "والنجم إذا هوى"، "والليل إذا يغشى"
ونحوهما؛ والصواب أن الظرف للاستقبال، وهي حال مقدرة، والتقدير: أقسم بالليل كائناً إذا يغشى، نحو: مررت برجل معه صقر صائداً به غداً؛ وقد سبق في الظروف ذكر المصنف أن إذا تقع موقع إذ؛ وعن أبي عبيدة معمر بن المثنى، أن إذا تأتي زائدة، وأنشد في ذلك:
(89)
فإذا، وذلك لا انتهاء لذكره والدهر يعقب صالحاً بفساد
وهذا كله يخرج بقوله: الاستقبالية؛ على أن البيت يحتمل أن يخرج على حذف المبتدأ، أي: فإذا ما نحن فيه؛ وتكون إذا فيه للمفاجأة؛ ولو قال: الاستقبالية المضمنة معنى الشرط، لتخرج التي لمجرد الظرفية نحو:"وإذا ما غضبوا، هم يغفرون" ولذا لم تدخل الفاء نحو: "فهم"، لكان أوضح في المقصود، فإن التي يجزم بها هي المضمنة لا المجردة، وكأنه اتكل على قوله: حملاً على متى، ومتى تجزم إذا كانت شرطية؛ ومن الجزم بإذا، ما أنشده سيبويه من قول الفرزدق:
(90)
تفرع لي خندف، والله يرفع لي ناراً، إذا خمدت نيرانهم، تقد
وأنشد الفراء:
(91)
استغن، ما أغناك ربك، بالغنى وإذا تصبك خصاصة فتجمل
وكلام المصنف يقتضي أن الجزم بها قليل، لا مخصوص بالشعر، والمشهورون من النحاة على خلاف ذلك؛ قال سيبويه: جازوا بها في الشعر مضطرين، شبهوها بإن، حيث رأوها لما يستقبل، وأنه لا بد لها من جواب. انتهى.
وذهب بعض النحاة إلى أنها إذا زيد عليها ما، جاز أن يجازى بها في الكلام، وإذا استعملت إذا شرطاً، فقيل: هي مضافة لما بعدها؛ وقيل: غير مضافة، وهي معمولة للفعل الذي بعدها؛ وعلى الأول العامل فيها الجزاء؛ وإذا قلت: إذا جاء زيد، جاء عمرو، هل يقتضي تكراراً، فتكون مثل كلما، أو لا؛ المشهور أنها لا تقتضيه، ومنهم من قال: تقتضيه؛ قال ابن عصفور: وهو الصحيح. فالمراد بها العموم كسائر أسماء الشرط؛ ويدل عليه:
(92)
إذا وجدت أوار الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد
فالمعنى في البيت على العموم، كأنه قال: متى وجدت.
(وتهمل متى، حملاً على إذا) - وهذا غريب، واستدل له المصنف بما في الحديث:"إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقوم مقامك، لا يسمع الناس".
(وقد تهمل إن، حملاً على لو) - نحو ما في الحديث: "فإنك إن لا تراه، فإنه يراك"، وهو محتمل للتأويل؛ وقرأ طلحة:"فإما ترين من البشر أحداً". بياء ساكنة، ونون مفتوحة هي علامة الرفع.
(والأصح امتناع حمل لو على إن) - أي في الجزم بها، خلافاً لجماعة، منهم هبة الله بن الشجري، في إجازتهم الجزم بلو في الشعر، واستشهدوا بقوله:
(93)
لو يشأ طار به ذو ميعة لاحق الآطال نهد ذو خصل
قال المصنف: ولا حجة فيه، لأن من العرب من يقول: شا يشا، وجا يجي، بلا همز؛ فيجوز كون قائل البيت ممن لغته ترك همز شا فقال: يشا بلا همز، ثم أبدل الألف همزة، كما قيل في عالم: عألم، وكما فعل ابن ذكوان في:"تأكل منسأته" حين قرأ بهمزة ساكنة؛ والأصل: منسأة مفعلة، من نسأته أي زجرته بالعصا، فأبدلت الهمزة ألفاً، ثم أبدلت الألف همزة ساكنة.
(وقد يجزم مسبب عن صلة الذي، تشبيهاً بجواب الشرط)
- وهذا مذهب الكوفيين، أجازوا: الذي يأتيني، أحسن إليه؛ بجزم أحسن، وأنشد ابن الأعرابي:
(94)
لا تحفرن بئراً، تريد أخاً بها فإنك فيها أنت من دونه تقع
كذاك الذي يبغي على الناس ظالماً تصبه، على رغم، عواقب ما صنع
وهذا عند البصريين من الضرورة بحيث لا يقاس عليه؛ وجاء أيضاً الجزم في مسبب عن نكرة موصوفة بما يصلح أن يكون شرطاً؛ أنشد المرزباني:
(94)
م وكل امرئ يبغي على الناس ظالماً تصبه، على رغم، عواقب ما صنع
وجاء ذلك فيها مع إن أيضاً، قال:
(95)
وإن امرأ لا يرتجى الخير عنده يكن شيئاً ثقيلاً على من يصاحبه
وتحتمل هذه الشواهد كونها من تسكين ضمة الإعراب تخفيفاً، كما قرأ أبو عمرو:"ينصركم، ويأمركم، ويشعركم".
(ويجوز نحو: إن تفعل، زيد يفعل، وفاقاً لسيبويه) - إذا صدر الجزاء باسم أسند إلى ضميره فعل، فالوجه ذكر الفاء ورفع الفعل، فتقول: إن تفعل، فزيد يفعل؛ وأجاز سيبويه ترك الفاء والجزم؛ ووجهه رفع الاسم بفعل يفسره الفعل الظاهر بعده؛ ومنع ذلك الفراء، لمنعه عمل الجواب المجزوم فيما قبله، فلا يصلح هذا أن يكون مفسراً لعامل فيما قبله؛ ومنعها أيضاً الكسائي، وإن أجاز عمل الجواب المجزوم في ما قبله؛ ولعل وجهه أنه لا مقتضى لهذا الإضار، كما لا مقتضى له في نحو: زيد قام، على طريق الجمهور؛ وقال المصنف في غير هذا الكتاب: أجاز سيبويه ذلك دون سماع، ومنعه الكسائي والفراء، وبقولهما أقول. انتهى.
(ونحو: إن تنطلق، خيراً تصب، خلافاً للفراء) - فيجوز تقديم المعمول المنصوب بالجزاء المجزوم، عليه، كما مثل؛ ونقل الصفار في المسألة ثلاثة أقوال: المنع مطلقاً، والجواز مطلقاً، وهو قول الكسائي، والتفصيل. فيجوز إن كان جراً ومجروراً نحو: إن تنطلق بزيد تمر؛ ويمنع إن كان مفعولاً صريحاً، كالمثال السابق، وهو قول الفراء؛ قال الصفار: والصحيح الجواز، ونص سيبويه على ذلك في باب الجزاء مع المجرور، ونص على غير المجرور في أبواب الاشتغال، حيث أجاز: إن يقم زيد، عمراً يكرمه؛ واستهد الكسائي لمذهبه بقول طفيل الغنوي:
(96)
وللخير أيام، فمن يصطبر لها ويعرف لها أيامها، الخير تعقب
وخرجه الفراء على أن الخير صفة لأيام، أي أيامها الصالحة.
وأنشد المصنف بيتاً آخر معه، شاهداً في المسألة، وليس مما نحن فيه، وهو:
(97)
هل أنت بائعتي دمي بغلائه إن كنت زفرة عاشق لم ترحم
وزفرة معمول ترحم، وليس جواب الشرط، بل هو خير كنت، والجواب محذوف، يدل عليه أول البيت. واختار المصنف مرة أخرى مذهب الفراء في المنع، وعليه يتعين رفع الفعل، على أنه دليل الجواب؛ وقيل: على إضمار الفاء؛ ورد بأن تقدير الفاء كوجودها، فكما لا يجوز مع وجودها في المثال: خيراً فتصيب؛ كذا لا يجوز مع تقديرها، إلا أني قدر أنها داخلة على المفعول، والأصل: فخيراً تصيب، ثم حذفت، فيجوز.
واعلم أن قوله: (فصل): (قد يجزم بإذا
…
إلى هنا، ثبت في نسخة شرحها ابن المنصف؛ وثبت في نسخة أخرى، بدله، بعد قوله: خلافاً لزاعمي ذلك:
(ولا يمنع جزمه تقديم معموله عليه، ولا يعمل فيما قبل الأداة إلا وهو غير مجزوم، خلافاً للكوفيين في المسألتين) - والمسألة الأولى مسألة: إن تنطلق، خيراً تصب؛ ونسب المنع في هذه النسخة للكوفيين، وفي تلك للفراء، وهو الصحيح؛ فالكسائي رأس الكوفيين، وهو قائل فيها بالجواز؛ ومثال المسألة الثانية: خيراً، إن انطلقت، تصيب، بالرفع، فهذا جائز، إلا أن تصيب ليس الجزاء حينئذ، بل الجزاء محذوف، يدل عليه هذا المذكور، فإن جزمت، أجاز الكسائي ذلك والفراء، ومنعه البصريون؛ ونقل بعض المصنفين عن الأخفش، ما يقتضي الجواز، وفي تقديم معمول فعل الشرط على أداة الشرط، خلاف؛ فمذهب البصريين والفراء المنع، ومذهب الكسائي الجواز نحو: خيراً إن تفعل، يثبك الله؛ ويحتاج الجواز إلى سماع.
(وقد تنوب بعد إن، إذا المفاجأة، عن الفاء، في الجملة الإسمية غير الطلبية) - وفي بعض النسخ: (وقد تناوب بعد إن إذا) - ونصوص النحويين متضافرة على إطلاق القول بأن إذا يربط بها
في جواب الشرط مع الجملة الإسمية، لكن السماع في الجواز مع إن، قال تعالى:"وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم، إذا هم يقنطون"، وجاء أيضاً في إذا، قال تعالى:"فإذا أصاب به من يشاء من عباده، إذا هم يستبشرون".
واحترز بالاسمية من الفعلية، فلا تدخل إذ هذه عليها؛ لا يجوز: إن قام زيد، إذا يقوم عمر؛ وبغير الطلبية من الطلبية، فلا يجوز: إن عصى زيد إذا ويل له، وإن أطاع، إذا سلام عليه؛ بل تتعين الفاء، كما تتعين إذا كانت الاسمية منفية، نحو: إن يقم زيد، فما عمرو قائم؛ لا يجوز: إذا ما
…
، وكذا إذا صحبتها إن نحو: إن تقم، فإن عمراً قائم؛ لا يجوز: إذا إن، وإن جاز مع غير الشرط نحو:
(98)
* إذا إنه عبد القفا واللهازم *
كما لا يجوز: إن يقم، فإذا زيد قائم؛ وإن جاز: خرجت، فإذا زيد قائم؛ وكون الربط بإذا هو قول الخليل وسيبويه؛ وقال الأخفش: هو على تقدير الفاء، وتقدير الآية:"فإذا هم يقنطون"؛ ورد بأن حذف الفاء فيما تلزمه الفاء مخصوص بالشعر، ولا بد في الربط بها، من المحافظة على ما تعطيه من المفاجأة كالآية؛ ونحو: إن تصل إلى زيد، إذا هو يصل، بخلاف: إن تأتني، إذا أنا أكرمك؛ فإن قصدت المفاجأة جاز؛ وبهذا يفرق بين الربط بها والربط بالفاء.
(فصل) - (لأداة الشرط صدر الكلام) - كأداة الاستفهام وما النافية؛ وهذا مذهب البصريين، فلا يجوز عندهم تقديم شيء من معمول فعل الشرط أو فعل الجزاء على الأداة، كما تقدم.
(فإن تقدم عليها شبيه بالجواب معنى، فهو دليل عليه، وليس إياه، خلافاً للكوفيين والمبرد وأبي زيد) - ونقل أيضاً عن الأخفش؛ فإذا قلت: أكرمك إن جئتني، فأكرمك ليس جواب الشرط عند جمهور البصريين، لأنه لا يجوز جزمه ولا دخول الفاء عليه، وإنما هو دليل على الجواب المحذوف؛ وشبهة من جعله جواباً، أن المقصود حاصل به، فلا حاجة إلى دعوى حذف؛ وتخلف بعض الآثار، إنما هو للتقديم؛ وقيل بالمنع إن كان الجزاء ماضياً،
فلا يجوز: قمت، إن قام زيد أو إن يقم؛ والجواز إن كان مضارعاً، فتقول: أقوم، إن قام زيد أو إن يقم وهو قول المازني، ويوجه بأن في تقديمه ماضياً كثرة مخالفة الأصل، فيخرج الماضي عن ظاهره إلى الاستقبال، ويخرج الجزاء عن أصله بالتقديم؛ قيل: وثمرة الخلاف إذا قلت: إن يقم زيد، يقوم عمرو، بالرفع؛ فالمانع من التقديم يقول: لا يجوز إلا في ضرورة، لأنه على حذف الفاء؛ ومجيزه يقول: هو فصيح.
(ولا يكون الشرط حينئذ غير ماض إلا في الشعر) - فلا تقول: أقوم، إن يقم؛ ويجوز: إن قمت، أو لم تقم؛ قال تعالى:"لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا"؛ ومن الأول، ومحله الشعر كما قال، قوله:
(99)
لئن تك قد ضاقت عليكم بيوتكم ليعلم ربي أن بيت واسع
وقوله:
(77)
مكرر يثني عليك وأنت أهل ثنائه ولديك إن هو يستزدك مزيد
وأجاز الكوفيون: أنت ظالم إن تفعل.
(فإن كان غير ماض مع ما أو من أو أي، وجب لها في السعة حكم الذي) - فتزول عن تقدم ما هو دليل الجواب أو الجواب على هذه، والفعل الذي يليها مضارع غير مجزوم بما الشرطية وبأي الموصولة، ويصير الفعل صلة، نحو: آتي من يأتي زيداً، وأحب ما يحبه، وأكرم أيهم يحبك؛ وتعطى حكم الموصول من استحقاق الصلة والعائد وجواز عمل ما قبلها فيها؛ هذا في الكلام، أما في الشعر فيجوز الجزم والبقاء على الشرطية؛ وفي رؤوس المسائل: لا خلاف في جواز: آتيك إن تأتني، على قبحه؛ واختلف في من وما وأي ومهما ومتى وحينما، فأجازه سيبويه في الشعر، ومنعه عامة الكوفيين.
(وكذا إن أضيف إليهن حين) - أي اسم زمان نحو: أتذكر إذ من يأتينا نأتيه؟ فلا يجوز الجزم في السعة، لأن أسماء الزمان لا تضاف إلى جملة مصدرة بإن، فكذا لا تضاف إلى ما يصدر بما هو في معناها؛ وهذا مذهب سيبويه والجرمي والمازني، وذهب الزيادي إلى جواز الجزم، ونسب إلى المبرد أيضاً.
(ويجب ذلك مطلقاً لهن إثر هل) - والمعنى بقوله: مطلقاً، السعة والضرورة، فتعطى حكم الموصول، ويرفع ما بعدها حينئذ في النثر والنظم نحو: هل من يأتيك تأتيه؟ فيتعين الرفع، لأن هل لا يستفهم بها عن الجملة الشرطية، لا يجوز: هل إن قام زيد، قام عمرو؟ وأما الهمزة، فيجوز ذلك فيها نحو: أإن قام زيد، قام [عمرو]؟ فيجوز: أمن يأتنا نأته؟ بالجزم.
(أو ما النافية) - نحو: ما من يأتينا نطيعه؛ وما أيها تشاء، أعطيك؛ فالموصولة متعينة بعد ما، فيتعين الرفع في الفعل، لأن ما لا تنفي الجملة الشرطية؛ لا يجوز: ما إن تأتنا نأتك؛ فإن كان النفي بلا، جازت الموصولية فترفع، والشرطية فتجزم، لأن "لا" تدخل على الشرطية نحو: لا إن نأتك، تحسن إلينا، ولا إن لم نأتك تذكرنا، قال ابن مقبل:
(101)
وقدر ككف القرد، لا مستعيرها يعار، ولا من يأتها يتدسم
(أو إن أو كان أو إحدى أخواتهما) - فتقول: إن من يأتينا، لا يخيب وليت ما تقول، أقول، بالرفع، وكذا ترفع في: كان من يأتينا نكرمه؛ وأصبح من يعطينا نعطيه؛ وذلك لأن اسم الشرط لا يعمل فيه ما قبله إلا إن كان حرف جر أو اسماً مضافاً إليه نحو: بمن تمرر أمرر، وغلام من تضرب أضرب.
ويجوز في إن وأخواتها الجزم في الشعر، نحو قول الأعشى:
(102)
إن من يدخل الكنيسة يوماً يلق فيها جآذراً وظباء
وهو على حذف ضمير الشأن. وقال أمية بن أبي الصلت:
(103)
ولكن من لا يلق أمراً ينوبه بعدته، ينزل به وهو أعزل
وإذا أضمرت في كان وأخواتها ضمير الشأن، جاز الجزم.
(أو لكن) - أي المخففة، لدخول المثقلة في أخوات إن؛ فتقول: لكن من يزورني أزوره.
(أو إذا المفاجأة) - نحو: مررت بزيد، فإذا من يزوره يحسن إليه.
(غير مضمر بعدهما مبتدأ) - فإن أضمرته بعدهما، جاز مجيء الشرط فتجزم، ومنه قول طرفة:
(104)
ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترفد القوم أرفد
جزم، فدل على إضمار المبتدأ، أي ولكن أنا، فدل على جواز: لكن من يأتنا نحسن إليه، على تقدير: لكن نحن من
…
وتقول: مررت بزيد، فإذا من يأته يكرمه، على تقدير: فإذا هو من يأته؛ وإضمار المبتدأ بعد لكن وإذا سائغ نحو: ما زيد بقائم، ولكن قاعد، أي ولكن هو قاعد؛ ومررت بزيد فإذا أكرم الناس، أي فإذا هو.
(ويحذف الجواب كثيراً لقرينة) - نحو: "وإن كان كبر عليك إعراضهم، فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض، أو سلماً في السماء، فتأتيهم بآية" أي فافعل؛ ونحو: إن ذكرتم، أي تطيرتم.
(وكذا الشرط) - ولكنه أقل من حذف الجواب؛ وكذا قال المصنف في شرح الكافية؛ وثبت في نسخة عليها خطه:
(وكذا الشرط المنفي بلا تالية إن) - وهو يعطي أن الشرط إذا لم يكن كذلك لا يحذف؛ ونحوه قول ابن عصفور والأبدي: إنه لا يجوز حذف فعل الشرط في الكلام، إلا بشرط تعويض لا من الفعل المحذوف نحو: اضرب زيداً إن أساء، وإلا، فلا تضربه؛ ومقصودهم الحذف بلا مفسر، فلا يرد عليهم:"وإن أحد من المشركين استجارك"، لكن يرد:"إن خيراً فخير، وإن شراً فشر"، أي إن كان عملهم؛ ومن الحذف قوله:
(88)
مكرر فطلقها، فلست لها بكفء وإلا، يعل مفرقك الحسام
أي وإلا تطلقها.
وكلامه يقتضي أن حذف الجواب يكثر للقرينة مع إن دون غيرها من أدوات الشرط، ولم يسمع إلا مع إن، وكذا كلامه في حذف الشرط، بالنسبة إلى النسخة الأولى؛ والمعروف ذلك مع إن، وجاء مع متى في بيت أنشده المصنف في شرح الكافية الشافية.
(105)
وهو: متى تؤخذوا قسراً
…
البيت.
(ويحذفان بعد إن) - نحو:
(106)
قالت بنات العم: يا سلمى، وإن كان فقيراً معدماً؟ قالت: وإن
أي وإن كان كذلك، رضيته؛ ولا يعرف ذلك مع غير إن.
وما تقدم من شرط التعويض. عند حذف الشرط، عن ابن عصفور والأبدي، ذكر أيضاً فيه: إذا حذف الجواب معه، نحو: اضرب زيداً إن أساء، وإلا فلا؛ أي وإن لا يسئ فلا تضربه.
(في الضرورة) - هذا يقتضي أن حذفهما مع إن، مخصوص بالضرورة، وجدت لا، أو لم توجد؛ وابن عصفور ومن تبعه على أن الحذف فيهما بدون لا، مخصوص بالضرورة، كالرجز، ومع لا، يجوز في الكلام؛ وكلام غيرهم يقتضي جوازه في الكلام مع إن مطلقاً، قال ابن الأنباري: تقول: لا أقصد فلاناً، لأنه لا يعرف حق من يقصده؛ فيقال: ذره وإن، أي وإن كان كذلك فذره؛ وكلام غيره مثله؛ ولا تحذف إن ولا غيرها عند الجمهور؛ وأجاز بعض الناس حذف إن، قال: فيرتفع الفعل صفة، قال تعالى:"تحبسونهما من بعد الصلاة"، فالفعل صفة "آخران"، أو يرتفع، على إلغاء إن، كقول ذي الرمة:
(107)
وإنسان عيني، يحسر الماء تارة فيبدو، وتارات يجم فيغرق
والمشعر بالشرطية فيهما الفاء، وهو قول ضعيف؛ وما ذكر من الآية والبيت، حملهما على خلاف ذلك أوضح.
(وقد يسد مسد الجواب خبر ما قبل الشرط) - نحو: "وإنا إن شاء الله لمهتدون"، وقال القطامي:
(108)
والناس، من يلق خيراً، قائلون له ما يشتهي، ولأم المخطئ الهبل
"فقائلون" يحتمل كونه خبر "الناس"، وكونه خبر مبتدأ محذوف، أي فهم قائلون؛ وهو في الثاني نظير:
(109)
* بني ثعل، من ينكع العنز ظالم *
أي فهو ظالم.
(وإن توالى شرطان، أو قسم وشرط، استغنى بجواب سابقهما) -
ولا يخص ذلك بالشرطين، بل ما كان أزيد من شرطين، فحكمه كذلك؛ فإن قلت: إن جئتني، إن وعدتني، أحسنت إليك؛ فأحسنت إليك جواب إن جئتني، واستغنى به عن جواب إن وعدتني. وزعم المصنف أن الشرط الثاني مقيد للأول بمثابة الحال، وكأنه قال: إن جئتني في حال [وعدك لي]؛ والصحيح في مسألة توالي الشروط، أن الجواب للأول، وجواب الثاني محذوف، لدلالة الشرط الأول وجوابه عليه، وجواب الثالث محذوف، لدلالة الشرط الثاني وجوابه عليه؛ فإذا قلت: إن دخلت الدار، إن كلمت زيداً، إن جاء إليك، فأنت حر؛ فأنت حر جواب إن دخلت، وإن دخلت وجوابه، دليل جواب إن كلمت، وإن كلمت وجوابه دليل جواب إن جاء؛ والدليل على الجواب جواب في المعنى، والجواب متأخر، فالشرط الثالث مقدم؛ وكذا الباقي؛ وكأنه قيل: إن جاء، فإن كلمت، فإن دخلت، فأنت حر؛ فلا يعتق إلا إذا وقعت هكذا: مجيء ثم كلام ثم دخول؛ والسماع يشهد لهذا القول، قال:
(110)
إن تستغيثوا بنا، إن تذعروا، تجدوا منا معاقل عز، زانها كرم
وعليه عمل فصحاء المولدين، قال ابن دريد:
(111)
فإن عثرت بعدها، إن وألت نفسي من هاتان فقولا: لالعا
وقال بعض الفقهاء: الجواب للأخير، والشرط الأخير وجوابه جواب الثاني، والشرط الثاني وجوابه جواب الأول، وعلى هذا لا يعتق حتى يوجد كذلك: دخول، ثم كلام، ثم مجيء؛ وقال بعضهم: إذا اجتمعت، حصل العتق، تقدم المتأخر أو لا؛ وعلى تقدير حذف الجواب، يجب كون الشرط ماضياً أو مضارعاً مجزوماً بلم، إلا في الشعر، كالبيت السابق: إن تستغيثوا بنا إن تذعروا
…
وما ذكر المصنف، محمول على ما إذا كان التوالي بلا عاطف؛ فإن عطفت أحد الشرطين على الآخر، فإن كان العطف بأو، فالجواب لأحدهما من الأول والثاني دون تعيين نحو: إن جئتني أو إن أكرمت زيداً، أحسن إليك؛ وقالوا فيما إذا دخلت الفاء على أداة شرط بعد أخرى نحو: إن جئتني، فإن أحسنت إلي، جئتك؛ إن الجواب للثاني، وما دخلت عليه الفاء من الشرط وجوابه جواب الأول؛ وهذا فيه إخراج الفاء عن العطف، وجعلها لربط جملة الجزاء بالشرط.
وقال المصنف في شرح الكافية: إنه إذا اجتمع شرطان بعطف فالجواب لهما، ومثل بقوله تعالى:"وإن تؤمنوا وتتقوا، يؤتكم أجوركم، ولا يسألكم أموالكم. إن يسألكموها، فيحفكم، تبخلوا، ويخرج أضغانكم".
وهذا على مقتضى ما سبق، فيما إذا كان العطف بالواو، وإن تكررت أداة الشرط، وفيما إذا كان العطف بالفاء، وإنما تكرر الشرط بلا أداة في المكرر، وأما المعطوف بأو، فلا يدخل في هذا، لما علم من أن أو لأحد الشيئين أو الأشياء، فليس المقصود مجموع الشرطين، بل أحدهما، وهذا بخلاف ما نحن فيه، فإن المقصود المجموع، فالتوالي على الجواب لم يتحقق في العطف؛ ومثال توالي القسم الملفوظ به، كما مثل، والمقدر نحو:"ولئن لم يفعل"، وتحقق في العطف بالواو والفاء؛ ومثال توالي القسم والشرط: والله إن جاء زيد لأكرمنه، وإن جاء زيد، والله، أكرمه؛ ولا فرق بين القسم الملفوظ به، كما مقل، والمقدر نحو:"ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن"
وثبت بعد هذا، في نسخة عليها خطه:
(وثاني الشرطين لفظاً، أولهما معنى في نحو: إن تتب، إن تذنب ترحم) - وظاهر هذا الكلام يقتضي أنه إنما يرى تقديم المؤخر، فيما كان نحو هذا، وهو ما يكون فيه الأول مرتباً على الثاني وقوعاً عادةً؛ فهو موافق للقول الأول الصحيح من وجه، ومخالفه من وجه؛ فالموافقة
في اعتقاد التقديم من تأخير، والمخالفة في الإشعار بالتفصيل؛ إذ قضيته أنهما إذا لم يكونا كذلك، فكل منهما واقع موقعه نحو: إن جئتني، إن أحسنت إلي، أكرمتك؛ وأصحاب القول الأول لا يفرقون بين المرتبة وغيرها؛ فالمتأخر عندهم متقدم مطلقاً، وفي تمثيل المصنف بالمضارع في الشرط الثاني، مع زعمه أن جوابه محذوف، مخالفة لما تقرر من أن شرط جواز الحذف في الكلام، كون الشرط ماضياً أو مضارعاً مجزوماً بلم، والتمثيل المذكور نظير ما بابه الشعر من قوله: إن تستغيثوا بنا، إن تذعروا ..
(وربما استغنى بجواب الشرط عن جواب قسم سابق) - وهذا قول بعض الكوفيين، منهم الفراء، ومنه:
(112)
لئن كان ما حدثته اليوم صادقاً أصم في نهار القيظ للشمس ضاحياً
والبصريون يمنعون هذا، ويؤولون البيت على زيادة اللام، كهي في:
(113)
* أم الحليس لعجوز شهربه *
ونحوه. وجرى الزمخشري على طريق المجوزين في قوله تعالى: "ما أنا بباسط يدي إليك"، فجعله جواب الشرط في:"لئن بسطت"، وفي قوله تعالى:"ما تبعوا قبلتك"، قال: هو جواب قسم محذوف، سد مسد جواب الشرط.
(ويتعين ذلك) - أي الاستغناء بجواب الشرط عن جواب القسم، وإن تقدم القسم.
(إن تقدمهما ذو خبر) - نحو: زيد، والله، إن يقم عمرو يأت؛ وزيد إن يقم عمرو والله يأت. ويدخل في ذي الخبر، الاسم في بابي كان وإن، والمفعول الأول في باب ظننت، والثاني في باب أعلمت، والجملة الشرطية هي الخبر، والقسم تأكيد، وجوابه محذوف.
وقال ابن عصفور مرة: الجواب للمتقدم من القسم والشرط، ولم يراع تقدم ذي خبر، وقال مرة: إن تقدمهما ذو خبر، جاز أن يجاب الشرط في فصيح الكلام، نحو: زيد، والله، إن يقم، يقم عمرو؛ وكلام المصنف في غير هذا الكتاب على ترجيح إجابة الشرط.
وقال الصفار في شرح الكتاب في: أنا والله إن تأتني آتك: إنه يجوز أن يجعل الفعل المتأخر خبر المبتدأ، ويحذف جواب القسم والشرط، فتقول: آتيك؛ وأن تجعله جواب القسم، فتقول: لآتينك، والجملة من القسم والشرط خبر أنا، وأن تجعله جواب الشرط، فتقول: آتك، والشرط وجوابه خبر المبتدأ.
(أو كان حرف الشرط لو أو لولا) -فيكون الجواب حينئذ للشرط وإن تأخر، نحو: والله لو قام زيد لقمت؛ والله لولا زيد لأتيتك؛ وجواب القسم محذوف، لدلالة جواب لو ولولا عليه؛ قال:
(114)
فأقسم، أن لو التقينا وأنتم لكان لكم يوم من الشر مظلم
وقالت امرأة:
(115)
فوالله لولا الله تخشى عواقبه لزعزع من هذا السرير جوانبه
وجرى ابن عصفور في اجتماع القسم مع لو أو لولا، على قاعدة اجتماع القسم والشرط، فجعل الجواب للمتقدم، فقال في: والله لو قام زيد لقمت، أو لولا زيد لفعلت: إن الجواب للقسم، وجواب لو ولولا محذوف، لدلالة جواب القسم عليه؛ فإن سمع في الكلام: والله لو قام زيد، لم يقم عمرو، أو والله لولا زيد لم أقم؛ فهو حجة لما قال المصنف.
(وإن توسط بين الشرط والجزاء مضارع جائز الحذف، غير صفة، أبدل منا لشرط، إن وافقه معنى) - احترز بجائز الحذف، من الخبر، نحو خبر كان وثاني مفعولي ظننت، نحو: إن تكن تحسن إلى أكرمك؛ وإن تظنني أكرمك، لم يخب ظنك؛ وقال:
(116)
ومن لا يزل يستحمل الناس نفسه ولا يغنها يوماً من الدهر، يسأم
وبغير صفة، من نحو: إن يأتني رجل يأمر بالمعروف أكرمه. ويدخل في الموافق معنى، المرادف، نحو: من يقصدني يتعمدني أكرمه. يقال: عمدت للشيء أعمد عمداً، قصدت له؛ قال:
(117)
متى تأتنا، تلمم بنا، في ديارنا تجد حطباً جزلاً، وناراً تأججا
وأتيت زيداً، وألممت بزيد، مترادفان؛ ويدخل فيه ما كان نوعاً من الأول نحو: إن تأتني تمش أحسن إليك؛ فالمشي نوع من الإتيان، لأن الإتيان يكون مشياً وغير مشي؛ فهذان القسمان يبدلان من الفعل السابق، فيجزم المضارع من ذلك لفظاً، والماضي محلاً نحو: إن أتيتني مشيت أكرمك: إذا
جعلت مشيت فيه بدلاً، كان في محل جزم؛ وإنما ذكر المنصف المضارع، لأن الجزم يظهر فيه؛ وما ذكر من البدلية هو على بدل الشيء أو الاشتمال، بحسب القسمين.
(وإلا رفع، وكان في موضع الحال) -أي وإلا يوافق معنى، نحو: من يأتي يضحك أحسن إليه؛ فيضحك في موضع الحال، أي من يأتني ضاحكاً، ومنه:
(65)
مكرر متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
وقضية كلامه أنه يجب جزم الموافق لجزمه بالبدل فيه، وتخصيصه الرفع بغيره؛ والأمر ليس كذلك، فيجوز في الموافق الرفع، ويكون في موضع الحال، إلا أن الجزم هو الوجه؛ والماضي في الحالية كالمضارع، نحو: من يأتني قد مشى، أو قد ضحك، أحسن إليه؛ وفي لزوم قد ما عرف من الخلاف.
(واتصال ما الزائدة بإن وأي وأين وأيان وكيف ومتى جائز) - نحو: "وإما تعرضن"، "وإما ينزغنك" وجاء في كلام العرب كثيراً بدون النون نحو:
(118)
زعمت تماضر أنني إما أمت يسدد أبينوها الأصاغر خلتي
ونحو: "أيا ما تدعوا"، "أينما تكونوا يدرككم الموت"، ونحو:
(119)
"فأيان ما تعدل بها الريح تنزل"
وزعم بعض المغاربة أن ما لا تلحق أيان، وليس بجيد؛ ونحو:
(120)
متى ما تلقني، فردين، ترجف روانف أليتيك وتستطارا
وكيفما تكون أكون؛ وما في هذه كلها زائدة للتوكيد، كهي في:"فبما رحمة من الله"، خلافاً لأبي موسى في زعمه في أي، أنها عوض من الإضافة؛ وقوله:"أيما الأجلين قضيت" يرد عليه؛ وما عدا ما ذكر من أدوات الشرط، منه ما لا يجوز لحاق ما له، وهو: من وما ومهما وأي، خلافاً للكوفيين في غير مهما، فأجازوا الزيادة معها، نحو: من ما يأتني أكرمه؛ ومنه ما تلزمه ما، وهو: حيثما وإذما، خلافاً للفراء في إجازته الجزم بإذ وحيث دون ما.
(وكون فعلي الشرط ماضيين وضعاً) - أي الفعلين المتعلقين بأداة الشرط وهما: الشرط والجزاء، نحو:"إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم".
(أو بمصاحبة لم أحدهما) - نحو: إن لم تأتني ضربتك، وإن أتيتني لم أضربك.
(أو كليهما) - نحو: إن لم تفعل لم أفعل.
(أو مضارعين دون لم) - نحو: "إن تصبك حسنة تسؤهم".
(أولى من سوى ذلك) - للمشاكلة؛ وأولاها المضارعان، ثم الماضيان، وغير هذه الصور الخمس أربع: إن جئتني أكرمك، إن لم يقم زيد، يقم عمرو، إن يقم زيد قام عمرو، إن يقم زيد، لم يقم عمرو؛ وأولاها أولها. هكذا قيل.
(ولا يختص نحو: إن تفعل فعلت، بالشعر) - وفاقاً للفراء، فإنه أجازه في الاختيار، قال المصنف: ومنه قوله عليه السلام: "من يقم ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه"، خلافاً لبعضهم، وهم الأكثرون، نصوا على أنه مخصوص بالشعر، وأنشدوا أبياتاً منها:
(121)
إن تصرمونا وصلناكم، وإن تصلوا ملأتم أنفس الأعداء إرهابا
وكلام سيبويه يقتضي عدم اختصاصه بالشعر، قال في أواخر باب ما يرتفع بين الجزمين:
"فإذا قلت: إن تفعل، فأحسن الكلام أن يكون الجواب: أفعل، لأنه نظيره من الفعل؛ وإذا قال: إن فعلت، فأحسن الكلام أن تقول: فعلت، لأنه مثله؛ فكما ضعف فعلت مع أفعل، وأفعل مع فعلت، قبح لم أفعل مع يفعل، لأن لم أفعل نفي فعلت وقبح لا أفعل مع فعل، لأنها نفي أفعل. انتهى.
وهذا الكلام يخرج منه أن نحو: إن تفعل فعلت، وإن فعلت أفعل، وإن تفعل لم أفعل، وإن فعلت لا أفعل، ضعيف؛ وفي أول كلامه أشعار بحسن، حيث قال: فأحسن الكلام، وفي آخره تصريح بقبح، إذ قال: قبح لم أفعل، وقبح لا أفعل؛ وليس المراد بالقبح الامتناع، إذ لم يذهب أحد إليه مطلقاً؛ وكيف يحمل على ذلك، ومن جملة الصور: إن فعلت أفعل، والتعليل يرشد إلى عدم الامتناع؛ وتعيين القبح بلم أفعل مع يفعل، وبلا أفعل مع فعل بخصوصهما، لا وجه له، فلا فارق بين هذا وبين ما قبله، ولا قائل بالفرق على هذا الوجه، بل سوى الأكثرون بين: إن يقم، قام زيد، وبين إن يقم، لم أقم، فخصوهما بالشعر، ولم يمنعوا الثاني دون الأول.
(وإن حذف الجواب، لم يكن الشرط مضارعاً غير منفي بلم إلا قليلاً) - وهذا نحو قوله فيما تقدم، عند ذكر سبق دليل الجواب:"ولا يكون الشرط حينئذ غير ماض إلا في الشعر"؛ وحاصل
الكلامين، أن الجواب إذا حذف للدلالة، نحو: آتيك إن أتيت، ووالله إن أتيت لأتينك، وجب كون الشرط ماضياً، لفظاً أو تأويلاً، لكن قال هناك: إن خلاف ذلك مخصوص بالشعر، وقال هنا: إنه قليل، فلا يقتضي الاختصاص بالشعر، والصحيح اختصاصه بالشعر، قال سيبويه في: إن تأتني آتيك، إنه جائز على التقديم والتأخير؛ وقال في: إن تأتك هند آتيك، إنه قبيح، لأن الجواب لا يحذف مع عمل إن، إلا ضرورة؛ وسوى المبرد بين الموضعين، وقد سبق أن الكوفيين أجازوا: إنه ظالم إن يفعل.
(ولا يكون الشرط غير مستقبل المعنى، بلفظ كان أو غيرها، إلا مؤولاً) - ففعل الشرط مستقبل في المعنى، لأن هذه الأدوات تقتضي الاستقبال، ومثال ما ظاهره خلاف ذلك بلفظ كان:"إن كنت قلته، فقد علمته"، "إن كان قميصه قد"، وبغير ذلك:"إن صدوكم عن المسجد الحرام" في قراءة أبي عمرو وابن كثير، بكسر الهمزة، والصد متقدم عام الحديبية؛ وأول ما قيل على تقدير: إن أكن كنت قلته، وإن يكن كان قميصه قد؛ وأول الثاني على معنى: إن يكن صد غير ما تقدم، يكن هذا الحكم؛ وزعم
المبرد أن كان تبقى على مدلولها من المضي، من حيث جردت للدلالة على الزمان الماضي، قال: فلا تغير أداة الشرط دلالتها عليه؛ واحتج بتلك الظواهر؛ وأجيب بأنها استعملت للمستقبل بلفظ الماضي في قوله تعالى: "وإن كنتم جنباً فاطهروا"، وبما سبق من التأويل.
(وقد يكون الجواب ماضي اللفظ والمعنى، مقروناً بالفاء مع قد ظاهرة) - نحو: "إن يسرق، فقد سرق"، "وإن يكذبوك فقد كذبت".
(أو مقدرة) - نحو: "إن كان قميصه قد من قبل فصدقت"، "وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت".
وكلام المصنف والجزولي وغيرهما ظاهر في أن الجواب هو الماضي لفظاً ومعنى، ولا بد من تأوله، فكيف يتسبب الماضي عن المستقبل، والجواب كما علم يتسبب عن الشرط، وقد سبق ذكر هذا في تعريف هذه الأدوات؛ وينبغي تأوله على أن الجواب مستقبل محذوف، دل هذا عليه، فسمى الدليل جواباً، باعتبار دلالته على الجواب؛ وقال الخضراوي في قوله تعالى:"إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله"، كان الأستاذ ابن خروف يقول في هذا: الجواب محذوف
واستغنى عنه بالمسبب؛ والمعنى في: إن يهنك فقد أهنته، فلا ينكر ذلك، فقد أهنته. انتهى.
(ولا برد إن بمعنى إذ، خلافاً للكوفيين) - وما احتجوا به من قوله: "وإن كنتم في ريب"، وقوله:"وذروا ما بقي من الربا، إن كنتم مؤمنين"، "لتدخلن المسجد الحرام، إن شاء الله" لا يتعين فيه ما ذكروا، بل إقرار إن على ما استقر لها من الشرطية في ذلك واضح.
(فصل): (لو حرف شرط، يقتضي امتناع ما يليه، واستلزامه لتاليه) - فتدل على امتناع ما دخلت عليه، ويستلزم امتناعه امتناع التالي، نحو: لو أكلت لشبعت؛ فامتنع الأكل، ولزم منه امتناع الشبع؛ هكذا قيل في تقرير كلام المصنف؛ وعبارة سيبويه: لو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره؛ والعبارة المشهورة في لو: أنها حرف يدل على امتناع الثاني لامتناع الأول؛ وقال المصنف في شرح الكافية الشافية: العبارة الجيدة في لو أن يقال: حرف يدل على امتناع تال، يلزم لثبوته ثبوت تاليه؛ وهذه العبارة هي التي يظهر تنزيل كلامه في التسهيل عليها؛ والمعنى حرف يقتضي امتناع ما يليه، ويقتضي استلزام وجوده، وجود تاليه.
وتحقيق القول في ذلك وتقريره ليس من وظيفة هذا التصنيف،
وإنما أقرر هنا معنى العبارة التي ذكرها على الوجه الذي ذكرته؛ فقوله: حرف تقتضي امتناع ما يليه إلى آخره، معناه أنك إذا قلت: لو جئتني أكرمتك، اقتضى ذلك نفي المجيء، واستلزام ثبوته ثبوت الإكرام، ولا يقتضي نفي الإكرام ولا بد، فقد يكون الجواب مساوياً للشرط، فيمتنع لامتناعه، نحو: لو كانت الشمس طالعة، لكان النهار موجوداً؛ وقد يكون أعم من الشرط، فلا يكون ممتنعاً في نفس الأمر، لجواز أن يكون لازماً لأمر ثابت، فيكون ثابتاً لثبوت ملزومه، نحو: لو ترك العبد سؤال ربه لأعطاه؛ فأن تركه السؤال محكوم بكونه ممتنعاً، والعطاء محكوم بثبوته، والمعنى أن العطاء ثابت مع ترك السؤال، فكيف مع السؤال؟ وهذا هو معنى قول سيبويه: حرف لما كان سيقع .. إلى آخره. فأخذ في الملازمة جانب الثبوت، ولم يتعرض للانتفاء عند الانتفاء.
(واستعمالها في المضي غالباً) - هذا قول قوم من النحويين؛ وأكثر المحققين، كما قال ابن المصنف، على أنها لا تستعمل في غير المضي؛ ومن مجيئها للشرط في المستقبل:"وليخش الذين لو تركوا"، "أعطوا السائل، ولو جاء على فرس"؛ وقال ثوبة:
(122)
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت علي، ودون جندل وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا إليها صدى من جانب القبر صائح
(فلذا لم يجزم بها إلا اضطراراً) - أي لكونها للمضي غالباً؛ وقد سبق له أن الأصح امتناع ذلك، وسبق ذكر تأويل ما أنشد من أثبته.
(وزعم اطراد ذلك على لغة) - وإذا ضم هذا إلى ما سبق من كلامه كان في لو ثلاثة آراء:
أحدها: أنه لا يجزم بها، فلا في الكلام ولا في الشعر.
الثاني: أن الجزم بها ضرورة.
الثالث: أن الجزم بها على اطراده لغة.
(وإن وليها اسم، فهو معمول فعل مضمر مفسر بظاهر بعد الاسم) - نحو المثل: لو ذات سوار لطمتني! أي لو لطمتني ذات سوار؛ وقول عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ وقوله:
(123)
أخلاي لو غير الحمام أصابكم عتبت، ولكن ما على الدهر معتب
وكلام المصنف يقتضي أن لو مثل إن، وصرح بذلك في شرح الكافية الشافية وغيره، فقال: لو في الاختصاص بالفعل كإن؛ وكذا قال غيره: إنها لا يليها إلا الفعل، ظاهراً أو مضمراً، وكلام المغاربة على خلاف ذلك، وهو المنسوب للبصريين، قال ابن الضائع: البصريون يصرحون بامتناع: لو زيد قام لأكرمته، على الفصيح، ويجيزونه شاذاً نحو: لو ذات سوار
…
، وهو عندهم على فعل مضمر. انتهى؛ وقوله تعالى:"قل لو أنتم تملكون" ظاهره يقتضي الجواز، وقد خرج على إضمار كان؛ أي لو كنتم أنتم، فانفصل لإضمارها الضمير، وهي تحذف لكثرة الاستعمال؛ قال بعضهم: ويقاس على هذا ما هو مثله، ولا يقاس عليه: لو زيد قام، لأنه ليس مثله؛ وقالوا: ائتني بدابة ولو حماراً، وألا ماء ولو بارداً؛ بإضمار كان؛ أي ولو كان حماراً، ولو كان بارداً؛ وهو مقيس.
(وربما وليها اسمان مرفوعان) - يعني أنه قد يليها مبتدأ، واستشهد هو وغيره، ممن ذكر ذلك بقوله:
(124)
* لو بغير الماء حلقي شرق *
لكن خصه غيره بالضرورة، كما وقع المبتدأ بعد هلا في قوله:
(125)
* فهلا نفس ليلى شفيعها *؟
وبعضهم لم ير هذا، بل سلك التخريج، فقال الفارسي: حلقي فاعل فعل مضمر، يفسره شرق، أي لو شرق حلقي؛ وشرق خبر مبتدأ محذوف، أي هو شرق؛ وكذا قيل في: هلا نفس ليلى .. أي هلا شفعت نفس ليلى هي شفيعها المقبول؛ وقال ابن خروف: هو على إضمار كان الشأنية، أي لو كان هو، أي الشأن، بغير الماء حلقي شرق، ومما حمل على وقوع المبتدأ بعد لو قوله:
(126)
* لو في طهية أحلام، لما عرضوا *
ويحتمل كونه على إضمار كان، أي لو كان في طهية أحلام.
(وإن وليها أن، لم يلزم كون خيرها فعلاً) - ومن غير الفعل: "ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام"؛ وقال امرؤ القيس:
(127)
* ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة *
وقال الشاعر:
(128)
ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم
(خلافاً لزاعم ذلك) - وهو السيرافي، وغلط فيه؛ وكذلك قاله الزمخشري، فمنع الاسم، ولو كان بمعنى فعل، نحو: لو أن زيداً حاضر؛ والسماع يرد ذلك. واختلف في أن بعد لو؛
فمذهب سيبويه أنها في موضع رفع بالابتداء، ولا تحتاج إلى خبر، لانتظام الخبر والمخبر عنه بعدها، كما لا يحتاج إلى ثان في: ظننت أن زيداً قائم، وذهب المبرد إلى أنها في موضع رفع بفعل مضمر، فيقدر [في]:"ولو أنهم صبروا": ولو ثبت أنهم صبروا.
(وجوابها في الغالب فعل مجزوم بلم) - نحو:
(129)
فلو كان حمد يخلد الناس لم تمت ولكن حمد الناس ليس بمخلد
(أو ماض منفي بما) - نحو: "لو كان خيراً، ما سبقونا إليه".
(أو مثبت مقرون غالباً بلام مفتوحة) - وأكثر ما جاء في القرآن كذلك: "ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم".
(ولا تحذف غالباً إلا في صلة) - نحو: "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم"؛ فلو
وما دخلت عليه، صلة الذين؛ وسقط هذا من نسخة عليها خط المصنف، وتصحيحه وحذفه هو الصواب؛ فقد نص الناس على أن المثبت الواقع جوباً للو، يجوز دخول اللام عليه وحذفها، والحذف في كلام العرب كثير، ونطق به القرآن: قال تعالى: "لو نشاء جعلناه"، "لو نشاء أصبناهم"، "لو شئت أهلكتهم".
واحترز بقوله أولاً: في الغالب، من مجيئه جملة اسمية في قوله تعالى:"ولو أنهم آمنوا واتقوا، لمثوبة من عند الله خير" خرجه الزجاج على أنه جواب لو، لأنه في معنى: لأثيبوا.
(وقد تصحب) - أي اللام.
(ما النافية) - وهو قليل، قال:
(130)
لو أن بالعلم تعطى ما تعيش به لما ظفرت من الدنيا بثفروق
وثبت في بعض النسخ بعد هذا:
(وإن ولي الفعل الذي وليَها جملة اسميَّة، فهي جواب قسم مغن عن جوابها) - هذا قاله قوم في قوله تعالى: "لمثوبة من عند الله خير"، واللام على هذا لام جواب القسم، لا جواب لو؛ وعلى هذا يكون قوله: في الغالب، أولاً: احترازاً من كون جوابها جملة اسمية مقرونة بالفاء، وأنشد المصنف شاهداً على ذلك:
(131)
قالت سلامة: لم يكن لك عادة
…
أن تترك الأعداء حتى تُعذرا
لو كان قتل يا سلام، فراحة
…
لكن فررت مخافة أن أوسرا
فراحة خبر مبتدأ محذوف، أي فهو راحة، والجملة جواب لو، وكان تامة، أي لو وقع قتل استرحت؛ قال ابن المصنف: ويجوز كون الفاء عاطفة على قتل، وجواب لو محذوف، كما حذف في مواضع كثيرة. انتهى.
وحذف جواب لو للدلالة كثير، ومنه "ولو أن قرآنا [سيرت به الجبال] "، "وما أنت بمؤمن لنا، ولو كنا صادقين"، "ولو افتدى به"، وإلا ماء ولو بارداً، أي لكان هذا القرآن، وما صدَّقتنا، ولم يُقبل منه، ولو كان بارداً لقبلتُه، فمطلوبه الحار عدل عنه إلى البارد، واللازم في لو في مثل هذا أن يكون ما بعدها دون المطلوب، نحو: ائتني بدابة، ولو حماراً.
(فصل): (إذا ولي لما فعل ماض لفظاً ومعنى، فهي ظرف بمعنى إذ، فيه معنى الشرط) - احترز بماضٍ لفظاً من لما النافية، فلا يليها إلى المضارع لفظاً، كما تقدم؛ وبقوله: ومعنى، من لما. إلا في القسم، فلا يليها إلا ماضٍ لفظاً، مستقبل معنى؛ وكون لما بمعنى اسماً مراداً به الظرفية الماضية، هو قول أبي علي وابن جني وأبي بكر الفارسي، واستشهد لهذا القول بقوله:
(132)
إني لأرجو محرزاً أن ينفعا
…
إياي، لما صرت شيخاً قلعا
قال المصنف في شرح الكافية: هذا يقوي قول أبي علي، لأنها قد جاءت لمجرد الظرفية. انتهى. ويحتمل كون جواب لما محذوفاً لفهم المعنى، أي لما صرت شيخاً قلعا، حصل لي هذا الرجاء.
(أو حرف يقتضي فيما مضى وجوباً لوجوب) - والحرفية فيها مذهب سيبويه والمحققين، فإذا قلت: لما قام زيد قام عمر، أفادت لما ربط الجملة بالجملة، كما تفيده لو، إلا أن لو تدل على عدم الوقوع، بالنسبة إلى عدم وقوع الملزوم، ولما تدل على ربط واقع بواقع، وعن هذا قيل: هي حرف وجوب لوجوب؛ وقال بعضهم: حرف وجود شيء لوجود غيره؛ وبعضهم يقول: إذا كانت الجملتان مثبتتين، كانت حرف وجوب لوجوب، أو منفيتين نحو: لما لم يقم لم أقم، كانت حرف امتناع لامتناع؛ وإن كانت الأولى مثبتة فقط نحو: لما قمت لم أقم، كانت حرف امتناع لوجوب، وفي عكسه عكسه؛ وفي الحقيقة يرجع كله لما سبق، من أنها حرف وجوب لوجوب، فتأمله. واستدل لسيبويه بمجيء جوابها منفياً بما، ومصدراً بإذا الفجائية، وما بعدهما لا يعمل فيما قبلهما، قال تعالى: "فلما قضينا عليه الموت، ما دلهم
على موته"، وقال: "فلما نجاهم إلى البر، إذا هم يشركون".
وقول المصنف: فهي كذا وكذا، يشعر بثبوت الأمرين لها، وقد عرفت أنهما قولان، قائل أحدهما لا يقول بالآخر؛ وكأنه رأى أنها قد تتجرد للظرفية، بناء على ظاهر ذلك الشاهد، وتأتي للربط مع امتناع عمل الجواب فيها، كما في صورتي ما وإذا، فأثبت لذلك لها الأمرين؛ وقد عرفت ما في الشاهدين من الاحتمال، فتعين المصير إلى الحرفية أو ظهر.
(وجوابها فعل ماض لفظاً ومعنى) - نحو: "فلما أن جاء البشير، ألقاه على وجهه".
(أو جملة اسمية، مع إذا المفاجأة) - نحو: "فلما أحسوا بأسنا، إذا هم منها يركضون"؛ وجاء أيضاً بإذا مع ليس، قال كعب بن زهير:
(133)
حديث أناسي، فلما سمعته إذا ليس فيه ما أبين فأعقل
(أو الفاء) - مثل له المصنف بقوله تعالى: "فلما نجاهم إلى البر، فمنهم مقتصد"؛ ويحتمل حذف الجواب، وهو يحذف لدلالة المعنى، والتقدير: انقسموا قسمين، فمنهم مقتصد، ومنهم غير مقتصد؛ فحذف الجواب والمعطوف عليه، ودل على المعطوف:"وما يجحد بآياتنا"؛ ومن حذف الجواب: "فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب"؛ وقال الكوفيون: الواو زائدة.
(وربما كان ماضياً مقروناً بالفاء) - مثله المصنف بقوله:
(134)
فلما رأي الرحمن أن ليس فيكم
…
رشيد ولا ناه أخاه عن الغدر
فصب عليكم تغلب ابنة وائل
…
فكانوا عليكم مثل راغية البكر
أى صبَّ عليكم، أو فهو صبَّ عليكم، فيكون نحو:" فمنهم مقتصد "، ويجوز كون الجواب محذوفاً، أى انتقم منكم، فصبَّ عليكم.
(وقد يكون مضارعاً) - مثل له بقوله تعالى: {فلما ذهبَ عن إبراهيمَ الرَّوعُ وجاءته البشرى يُجادلنا} ، فيجادلنا الجواب، ويحتمل الحذف، أى أخذ يجادلنا.
* * *