الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلنا: ولفظ النَّسائي المشار إِليه، من روايته عن علي بن حُجْر:"لا يَتَوارَثُ أَهلُ مِلَّتَينِ".
وقال النَّسائي: وهذا هو الصَّواب من حديث هُشَيم، وهُشَيم لم يُتَابعْ على قوله:"لا يَتَوَارَث أَهلُ مِلَّتَينِ". "تحفة الأَشراف".
- قال عَبد الله بن أَحمد: سمعتُ أَبي يقول: لم يسمع هُشَيم، من الزُّهْري، حديث علي بن حُسين، عن عَمرو بن عُثمان، عن أُسامة بن زَيد، عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ "لا يتوارث أَهلُ ملتين شتى"، قال أَبي: وقد حَدثنا به هُشَيم. "العلل ومعرفة الرجال"(2202).
- وقال النَّسائي، عقب حديث هُشيم: هذا خطأ. "تحفة الأشراف"(113).
- وقال ابن عَبد البَرِّ: ورواه هُشَيم بن بَشير الواسطي، عن ابن شِهاب، بإِسناده فيه، فقال فيه:"لا يتوارث أَهل ملتين"، وهُشَيم ليس في ابن شِهاب بحجة. "التمهيد" 9/ 171.
أهمية "المسنَد المصنَّف المعلَّل
":
1 -
من المعلوم عندَ أهلِ المَعْرفة بالسُّنَّة النَّبوية وتاريخها "أنَّ العالمَ الإسلاميَّ قد شَهِدَ في المئتين الثانية والثالثة نَهضةً لا مثيلَ لها في جَمْع السُّنة النبوية الشريفة وتَتَبُّعها وتَدْوينها وتبويبها على أنحاءٍ شَتَّى من التَّنْظيم والتَّبْويب مما لم تعرفه أمةٌ من الأمم، فكان ذلك خصيصًا بهذه الأُمة الإسلامية. وهيأ الله سبحانه مئات الحُفَّاظ الجَهَابذة الذين حفظوا ودَوَّنوا مئات أُلوفٍ من طُرُق الأحاديث، ورحلُوا من أجلها إلى البُلدان النائية، وطَوَّفوا في البلدان شَرْقًا وغَرْبًا ليصدروا عن خِبْرة وعِيان، وسألوا عن الرُّواة واطَّلَعوا على مَرْوياتهم ومُدَوَّناتهم ومحفوظاتهم، فجُمِعتِ السُّنَّة في صُدور الحُفَّاظ وفي كتاباتهم. ثم غَرْبلوا ما كتبوا من مئات الألوف وانتقوا منه ما يمكن أن يكون صحيحًا أو حَسَنًا أو ضعيفًا، أو يحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كلٌّ بحسب اجتهاده ومَنْهجه، فتوسع البعضُ واقتصرَ الآخر على أنواع مُعينةٍ، ودُوِّن كلُّ ذلك في المُصَنَّفات والجوامع والمسانيد والسُّنن، فإن كان فات بعضهم الشيء منها فما كان ليخفى على مجموعهم، وهم يتذاكرون المُتُون والأسانيد بينهم.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ الطُّرق التَّالفة والواهية، أو التي وقعَ فيها الغَلَطُ الفاحش، أو الشُّذوذ البَيِّن، أو النَّكارة الشديدة، أو الأسانيد المركبة على أحاديثَ صحيحةٍ، أو الأسانيد المركَّبة على متون مُنْكرة، أو الموضوعات من أحاديث الكذَّابين والمتروكين والهَلْكى قد أُهْمِلت من قبلهم، ولم يَدْخل معظمها في كُتُبهم المصنَّفة أو مجاميعهم المُبَوَّبة، سواء أكانت مُصَنَّفات أم مسانيد، أم جوامع، أم سُننًا. وللقارئ أن يتصوَّرَ الجُهْد الهائل الذي بذلَهُ هؤلاء الأئمة الجهابذة في تَصْفيَة هذه الطُّرق والمتون، حينما يعلم مثلًا أنَّ الإمامَ أحمد أخرجَ مُسْنَده من جملةِ سَبْع مئة ألف حديث (1)، وأنَّ مُسْنَده بحدود الثلاثين ألف طريق فقط، وأنَّ البخاري أخرجَ كتابَه "الصَّحيح" من زُهاء ست مئة ألف حديث (2)، وأحاديثه بالمكرر بحدود السبعة آلاف وخمس مئة حديث فقط، وذكر مسلم بن الحجاج أنه صَنَّف "صحيحَهُ" من ثلاث مئة ألف حديث مسموعة (3)، وكتب يحيى بن مَعِين ست مئة ألف حديث (4)، والرِّوايات في هذا الأمر معروفةٌ متواترةٌ.
على أنَّ الفَرْقَ بين المُتَقدمين والمتأخرين أنَّ المتقدمين كَتَبوا عن بعض الكَذَّابين والهَلْكى، والضُّعفاء، والمتروكين، فوجدوا أحاديثهم مما لا يجوز تدوينُها في الكُتُب، إما لمعرفتهم بأنَّ هذا ليس من كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم، أو لأنَّ فيها من الغَلَط الفاحش في الأسانيد أو المتون ما يتعين أن يُرْمى بها، فكان ذلك الانتقاء وكانت تلك الغَرْبلة الواسعة التي عَبَّر عن بعضها الإمام يحيى بن معين بقوله:"كَتَبنا عن الكَذَّابين وسَجَرنا به التنور، وأخرجنا به خبزًا نضيجًا"(5).
وهكذا يتضحُ أنَّ المتقدمين قَلَّما تركوا حديثًا صَحيحًا أو حَسَنًا أو ضعيفًا يمكن أن يُوضعَ في الكتب المؤلَّفة في هذه المُدَّة إلا ودَوَّنوه، واستنادًا إلى ذلك فإنَّ الموارد المكوِّنة لهذا "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل" قد احتوت على الأحاديث التي ارتضاها
(1) ابن رجب: الذيل 1/ 130.
(2)
تاريخ الخطيب 2/ 327.
(3)
نفسه 15/ 122.
(4)
نفسه 16/ 270.
(5)
نفسه 16/ 273، وتنظر مقدمة تاريخ الخطيب 1/ 168 - 169.
المتقدِّمون. أمّا الحديث الذي لا يُوجد فيها وظهرَ في الكُتُب المتأخرة فهو لا يَعْدُو أن يكون مما تركه المتقدِّمون أو هو مما وضعَهُ الوَضَّاعون الكَذَّابون إلا القليل النَّادر، فالسُّنَّة لا تذهبُ عن عامة هؤلاء الأئمة الأعلام وهم من خير القرون، ومن ثم صارَ هذا "المُسند" موسوعةً شاملةً للسنة النَّبوية الشَّريفة.
2 -
ومما يزيدُ في قيمة هذا العَمَل العلمي الرَّصين ويُعْليه الخطة الموضوعة في تَصْنيفه وتحقيقه كما وَضَّحناه في المَنْهج الذي قامَ عليه؛ تخريجٌ مستوعبٌ دقيقٌ يُظْهِرُ المتابعات ويُعَيّن المَدَارَ، وسياقةٌ لجميع المُتُون المختلفة للحديثِ الواحد، وإيرادٌ للروايات المُخْتَلفة إسنادًا ومَتْنًا، ثم مجموعةٌ من الفوائد من بيانٍ للعِلَل الظاهرة والخَفِيّة، وآراء الجَهَابذة في هذا الحديث إسنادًا ومَتْنًا، جَرْحًا وتعديلًا، تَصْحيحًا وتَضْعيفًا، فضلًا عن عنايةٍ بتوضيح كُلِّ مُبْهَمٍ ومُجْمَلٍ، وبتصريح المُدَلِّسين بالسَّماع ونحو ذلك من الفوائد المذكورة.
3 -
لقد كان الباحثونَ في السُّنة النبوية يَلْقون نَصَبًا في تَتَبُّع عِلل الحديث في كُتُب العِلل وأحوال الرِّجال، وهي بالغةُ الكَثْرة، كثيرةُ التَّعْقيد، وربما يَفُوت على البارعِ المتمكِّن الشيءُ يعد الشيءِ، على الرُّغم من معرفته وتمكنه من هذا العلم الدَّقيق، كما وقعَ لنا ولغيرنا في تحقيقاتنا وحُكْمِنا على الأحاديث، بَلْه أولئك الذين لا يُعْنون العنايةَ التامةَ بالعِلَل الخَفِية فيغفُلون عنها ويَحْكمون على ظاهرِ الأسَانيد من غير تدقيقٍ في الشُّذوذ والعِلَل التي تقعَ عند الثقات.
أما اليوم، وبفضلِ الله أولًا وتأييدِه وتَسْديده، ثم بفضلِ هذا "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل"، فإنَّ الأمرَ صارَ مَيْسورًا ومُتاحًا لكلِّ مُشتغلٍ بالحديث النَّبوي الشَّريف، قد جُمِعت له هذه المادة من بُطون العديد في الكُتُب المطوَّلة، والتُقِطَت بكُلِّ دقةٍ من كُتُب السُّؤالات، وكُتُب الرِّجال العامة، وتلكَ المعنية بالثِّقات والضُّعفاء وغيرها مما كانَ الوقوف عليه في الغاية من العُسْر، فأُلْحِقت إثر كُلّ طريق من طُرُق الحديث، فصارت دراسة الحديث إسنادًا ومتنًا يسيرة إن شاءَ اللهُ تعالى.
وإيرادُ جميع ما وُجِدَ عن كُلِّ حديث من عِلَلٍ وفَوَائدَ أُخرى هو وحدَه غايةٌ طالما تمنيناها ورجوناها في خِدْمتنا لسُنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فحَقَّقَ اللهُ سبحانه هذا الرَّجاء
وأصبحَ حقيقةً مُدَوَّنةً في هذا الكتاب الذي لو لم يكن فيه إلا هذا لكانَ وحده كافيًا لتميُّزه عن بابته من الكُتُب، ويكون حَسْرةً على من لم يقتنه.
4 -
ومع أنَّنا أوردنا أقوال العُلماء وآراءَهُم في الأحاديث وتركنا الحُكم للقارئ الباحث الذي هُيِّئت له هذه المادة قَبُولًا وَرَدًّا، بيانًا وتَوْضيحًا، فإننا وجدنا في بعض الأحيان ضرورة تَوْضيح بعضِ العِلَل التي قد يُظن أنها تَطْعن في صحة الحديث، ذلك أن الكثير من العِلل مما لا يَقْدح في صحة الحديث، كان تكون العِلّة في راوٍ ضعيف، لكنه قد تابعَ الثقات الذين رووا الحديثَ سَنَدًا ومتنًا، فيكون ذلك من صحيح حديثه بحيث لو حُذف هذا الرَّاوي لبقي الحديث صحيحًا من الطُّرق الأخرى. وقد كان البخاريُّ رحمه الله يَنْتَقِي الشيءَ بعد الشيء من أحاديث رجال مُتَكلَّم فيهم بما تابَعُوا الثقات عليه سَنَدًا ومتنًا.
ومن ذلك أيضًا أنّنا ردَدْنا في الشيءِ بعد الشيء على بعض مَن ساق عِلَلًا غيرَ قادحة، إما بإيراد أقوال العلماء الذين ردُّوا هذه العلة، أو من عندنا نحن، ومن ذلك تعقبات على كبار الأئمة من مثل يحيى بن مَعِين، وأبي داود، وأبي حاتِم الرَّازي، والدَّارَقُطني وغيرهم، ولم يكن من وُكْدنا الاستقصاء، لكننا قدمنا نماذج تُحْتَذَى لمن تطلّع إلى مثل هذا الأمر.
فمن أمثلةِ ذلك قول عباس الدُّوري: حدثنا يحيى، قال: حدثنا عبد الوَهّاب الثَّقفيّ، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قِلَابة، عن أنس؛ أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بلالًا أن يشفع الأذَان، ويُوتر الإقامة.
قال يَحيَى: لم يرفعه غير عَبد الوَهَّاب، وقد رواه إسماعيل، ووُهَيب، فلم يرفعاه.
"تاريخه"(4320).
فقلنا: قول ابن معين هذا فيه نظر، فقد رفعه غير عبد الوهاب، عن أيوب، عن أبي قِلَابة، عن أنس، منهم: سِمَاك بن عَطية، وعَبد الوارث بن سَعيد. بل رواه إسماعيل بن إبراهيم، ووهيب، عن أيوب، مرفوعًا، كما هو في مصادر تخريج الحديث (1).
ومنه ما عَلَّقنا عليه من حديث يحيى بن يَعْمَر، عن عائشة زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنها أخبرته أنَّها سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الطَّاعون
…
الحديثَ، بعد نَقْلِنا قولَ الدُّوري:
(1) المسند المصنف المعلل 1/ 582 حديث رقم (418).
سمعتُ يحيى بن مَعِين قال: يحيى بن يَعْمَر لم يَسْمَع من عائشة (تاريخه 4026)، وقول الآجُرِّي: قلت لأبي داودَ: يحيى بن يَعْمَر سمعَ من عائشة؟ قال: لا (سؤالاته 716).
فقلنا: كلام يحيى بن مَعِين وأبي داود فيه نَظَرٌ، فقد صَرَّح يحيى بن يَعْمَر بالسَّماع من عائشة عند البُخاري نفسِه (5734) و (6619) وأحمد (24862) و (25727)(1).
ومنه تعليقنا على حديث طَلْحة بن مُصَرِّف، عن أَنس بن مالك قال:"كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرَى التَّمْرة، فلولا أنّه يَخْشَى أن تكون صدقةً لأكلها"؛ فقد نقلنا في الفوائد قول إسحاق بن منصور: عن يحيى بن مَعِين، قلتُ له: سَمِعَ طلحة بن مُصَرِّف من أَنس؟ قال: لا، يَرْوي عن خَيْثمة، عن أَنس. قال ابن أبي حاتِم: سمعتُ أبي يقول: طلحة بن مُصَرِّف أدرك أنسًا، وما أُثبت له السَّمَاع، يَروي عن خَيْثَمة، عن أَنس، وعن يَحيى بن سَعِيد، عن أَنس. "المراسيل"(361).
فقلنا: قولهما فيه نَظَر، فقد صَرَّح طَلْحةُ بنُ مُصَرِّف بالتحديث عن أَنس عند مُسلم 3/ 118 (2).
ومن ذلك حديث موسى بن أَنس، عن أَنس بن مالك، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس
…
الحديث.
قال ابن أَبي حاتم: سَمِعتُ أَبي، ورأَى في كتابي حديثًا، حَدثنا بهِ يحيى بن أَبي طالب، عَن أَزهر السمان، عَن ابن عون، قال: أَنبأَني موسى بن أَنس، عَن أَنس بن مالك، أَن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس
…
فسَمِعتُ أَبي يقول: الناس لَا يروون عَن ابن عون، عَن موسى بن أَنس، عَن أَنس، إنما يروون عَن موسى؛ أَن ثابتًا، لَا يقولون: أَنس. "علل الحديث"(2644).
فقلنا: هذا الحديث من رواية أَزهر بن سعد السمان، عن عبد الله بن عون، وقد قال ابن أَبي خَيثَمة: سَمِعتُ يَحيَى بن مَعين يقول: أروى النَّاس عن ابن عَون، وأعرفهم به أَزهَر. "الجرح والتعديل" 2/ 315.
(1) المسند المصنف المعلل، حديث (18584).
(2)
المسند المصنف المعلل، حديث (668).
وقال ابن مَعين في رواية الغَلَابي: لم يكن أحد أثبت في ابن عَون من أَزهَر، وبعده سُلَيم بن أَخضَر. "تهذيب التهذيب" 1/ 105، و"موسوعة أَقوال يحيى بن معين" ترجمة أَزهر (1).
ومنه حديث عَلْقَمة بن قَيْس النَّخَعي، عن عبد الله بن مَسْعود، قال: كُنّا نُسَلِّم على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يُصَلِّي
…
الحديثَ، فنقلنا في الفوائد:
قال ابن أَبي حاتم: سأَلتُ أَبي عَن حَديث؛ رواه ابن فُضَيل، عَن الأَعمش، عَن إِبراهيم، عَن عَلقَمة، عَن عَبد الله، قال: سَلَّمتُ على النَّبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصَّلاة، فَرَدَّ عَلَيَّ، فَلما قَدِمتُ من الحبشة
…
وذكر الحَدِيث.
قال أَبي: هذا خطأٌ، إِنما يَروي الأَعمَش، عَن إِبراهيم، عَن عَبد الله، عَن النَّبي صلى الله عليه وسلم مُرسَلًا، لَا يقول فيه: عَلقَمة. "علل الحَدِيث"(274).
وقلنا: هذا الحديث لم يتفرد محمد بن فضيل بروايته عن الأعمش، بل تابعه هُرَيْم بن سُفيان، وأَبو عَوانة الوَضَّاح، عَن سُلَيمان الأَعمَش، عَن إِبراهيم بن يَزيد النَّخَعي، عَن عَلقَمة بن قَيس، فانتفى الخطأ (2).
ومنه حديث سالم بن عبد الله بن عُمر: أنَّ عبدَ الله بن عُمر قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الناسُ كالإبل المِئة، لا تكادُ تجد فيها راحلة"، وهو حديثٌ في الصحيحين وغيرهما من رواية الزُّهريّ عن سالم، به. وقد نقلنا في الفوائد قول الدَّارَقُطْنِي: يرويه الزُّهريّ عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه نافِع، فرواه عَن ابن عُمر، عَن عُمر، قَولَهُ؛ حَدَّثَ به ابن عَجلَان، عَن نافِع كذلك، وقيل: هو الصَّحيح. "العِلل"(3022).
فقلنا: ليس الأمر كما قال الدَّارقُطني، وابن عَجلان لا يُحكم له بالصحة إِذا خالف الزُّهرِي مطلقًا، فكيف إِذا رَوَى ابن عَجلان عَن نافِع؟!
قال عَبد الله بن أَحمد بن حَنبل: حَدَّثني ابن خلَّاد، قال: سَمِعت يَحيَى، يَعني ابن سَعيد القَطَّان، يقول: كان ابن عَجلان مضطربًا في حَدِيث نافِع، ولم يكن له تلك القيمة عنده. "العِلل"(4945)، و"الضُّعفاء" للعقيلي 5/ 354 (3).
(1) المسند المصنف المعلل، حديث (1638).
(2)
المسند المصنف المعلل، حديث (8411).
(3)
المسند المصنف المعلل، حديث (7577).
ونقلنا في الفوائد للحديث الذي أخرجه البخاري 4/ 120 (3166) و 9/ 16 (6914) عن قَيْس بن حَفْص، عن عبد الواحد بن زياد، عن الحَسَن بن عَمْرو، عن مُجاهد، عن عبد الله بن عَمْرو، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قتلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا، لم يَرَحِ رائحةَ الجنةِ
…
" الحديثَ، ما تتبَّعهُ الدَّارَقُطْني عليه بقوله: وأَخرَج البُخاريُّ؛ حَديث عَبد الواحد بن زياد، عَن الحسن بن عَمرو، عَن مجاهد، عَن عَبد الله بن عَمرو، عَن النبي صلى الله عليه وسلم؛ "مَن قَتل مُعاهَدًا، لم يَرَح رائحةَ الجنة، وريحُها يوجد من أَربعين
…
".
قال: خالفه مَروانُ بن مُعاوية، فرواه عَن الحَسن بن عَمرو، عَن مُجاهد، عَن جُنادَة بن أَبي أُمَية، عَن عَبد الله بن عَمرو، وهو الصَّواب. "التتبع"(29).
فقلنا: لم يتفرد عَبد الواحد بن زياد، بروايته عَن الحسن بن عَمرو، عَن مجاهد، عَن عَبد الله بن عَمرو، فقد تابعه أَبو معاوية محمد بن خازم، كما هو مبينٌ في التخريج، فأصبحت روايتهما راجحة على رواية مروان (1).
ومنه تتبعه على البُخاريّ حيث قال: أَخرج البُخاري أَيضًا حَدِيث ابن عُيَينة، عَن عَمرو بن دينار، عَن سالم بن أبي الجَعد، عَن عَبد الله بن عَمرو، قال: كان عَلى ثِقَل النَّبي صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، يُقال له: كَرْكَرة (2).
وسالم يَروي، عَن أَخيه، عَن عَبد الله بن عَمرو، حديثًا، يرويه عَمار الدُّهني، عنه.
وحديث ابن عُيَينة لَيس فيه سماعُ سالم بن أَبي الجَعد، من عَبد الله بن عَمرو، والله أَعلم. "التتبع" 1/ 153 (30).
فقلنا: لم يذكر أَحدٌ من جهابذة هذا الفن أَن سالم بن أَبي الجَعد لم يسمع من عَبد الله بن عَمرو، ولا حتى المنتقدُ الدَّارقطنيّ، والمحفوظ أن البخاري يراعي في مثل هذا الحال ثبوت اللقاء (3).
ومنه أيضًا: ما تَتَبَّع على البُخاريّ يرحمه الله إذ قال: أَخرج البُخاري، عَن سُليمان بن حَرب، عَن حَماد، عَن ثابت، عَن ابن الزُّبَير قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "مَن لَبِس الحَرِير في الدُّنيا لم يلبسه في الآخرة"(4).
(1) المسند المصنف المعلل، حديث (8091).
(2)
البخاري 4/ 91 (3074).
(3)
المسند المصنف المعلل، حديث (8305).
(4)
البخاري 7/ 193 (5833).
قلتُ: لم يسمعه ابن الزُّبير مِن النَّبي صلى الله عليه وسلم، إِنما سمع من عُمر، قاله أَبو ذِبيَان، وأُم عَمرو، عنه. "التتبع"(154).
فقلنا: وَهَبْهُ لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فإِنه صحابي، وقد أَرسل عن صحابي، فكان ماذا؟! وكثير من أَحاديث صغار الصحابة على هذا النحو، فضلًا عن أن البخاري ساق حديث ابن الزبير، عن عُمر، بعده (1).
ومنه: تتبعه حديثًا أخرجه البُخاري فقال: أَخرَج البُخاريُّ حَديثَ العَوَّام بن حَوشب، عَن إِبراهيم السَّكسَكي، عَن أَبي بُردَة، عَن أَبي مُوسى، عَن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِذا مَرض العَبد، أَو سافر، كَتَب الله له مثل ما كان يعمل، صَحيحًا مُقيمًا"(2).
قال: لم يُسْنِده غير العوام.
وخَالَفَهُ مسعر، رواه عَن إِبراهيم السَّكسَكي، عَن أَبي بُردَة قَوْلَه، ولم يذكر أَبا مُوسَى، ولا النَّبي صلى الله عليه وسلم، والله أَعلَم. "التتبع"(39)(3).
ثم نقلنا قول ابن حَجَر: مِسعر أَحفظ من العوام بلا شك، إلا أن مثل هذا لا يُقال من قِبل الرأي، فهو في حكم المرفوع، وفي السياق قصة تدل على أن العوام حفظه، فإن فيه: اصطحب يزيد بن أبي كبشة، وأَبو بردة، في سفر فكان يزيد يصوم في السفر، فقال له أبو بردة: أَفطر، فإني سمعت أبا موسى مرارًا يقول، فذكره. وقد قال أحمد بن حنبل: إذا كان في الحديث قصة، دل على أن راويَه حَفِظه، والله أعلم. "هدي الساري" 1/ 363.
وقلنا: بل الصواب مع العوام في رفعه، فقد رواه مسعر مرفوعًا، كما عند ابن حبان (2929)، وموقوفًا كما ذكر الدارقطني، فيكون المرفوع أَصح (4).
وربما أشرنا في بعض الأحيان إلى ما يقعُ عند أحدِ عُلماء العِلَل من تناقض في الأقوال لعل مردّه إلى تَغَيّر الآراء في الحُكْم على حديث ما. فقد قالَ الدَّارَقُطْني في
(1) المسند المصنف المعلل، حديث (10122).
(2)
البخاري 4/ 70 (2996).
(3)
وكنا قبل ذلك قد نقلنا في الفوائد ما ذكره عن هذا الحديث في كتابه "العلل"(1290).
(4)
المسند المصنف المعلل، حديث (13596).
حديث أبي سعيد المَقْبُري، عن أبي هُريرة: إنه سَمِعهُ يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا زَنَت أمة أحدكم
…
" الحديثَ في كتابه "العلل": يرويه عُبيد الله بن عُمر، واختُلف عنه؛
فرواه مُعتَمِر بن سُليمان، وأَبو أُسامة، وعَبد الله بن نُمَير، عَن عُبيد الله، عَن سَعيد، عَن أَبي هُريرة.
واختُلِف عَن مُحمد بن عُبيد الطَّنافِسي؛
فرَواه عَنه جَماعَة، فقالُوا: عَن عُبيد الله، عَن سَعيد، عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة، بِمُتابَعَة الأُمَويِّ.
ورَواه آخَرون عَنه بِمُتابَعَة مُعتَمِر ومَن وافَقَه، لَم يَذكُروا فيه أَبا سَعيد المَقبُريَّ.
وكذلك رَواه عَبد العَزيز بن جُرَيج، وأَيوب بن مُوسَى، وإِسماعيل بن أُمَية، وأُسامة بن زَيد، وعَبد الرَّحمَن بن إِسحاق، وابن أَبي ذِئب، ومحُمد بن عَجلَان، وعَبد الله بن عُمر العُمري، وأَبو مَعْشَر، عَن المَقبُريِّ.
وخالَفهُم اللَّيث بن سَعد، وهو أَحفَظ الجَماعَة، عَن المَقبُريِّ، ورَواه عَن المَقبُري، عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة، وهو المَحفُوظ، لأَن لَيث بن سَعد ضبط عَن المَقبُري، ما رَواه عَن أَبي هُريرة، وما رَواه عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة. "العِلل"(2063).
ثم قال في "التتبع": وأَخرجا جميعًا (يعني البُخاري ومُسلمًا) حَدِيث اللَّيث، عَن سَعيد، عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة، أَنه سمعه يقول: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "إِذا زنت أَمَة أَحدكم، فتبين زناها، فليجلدها الحَدَّ ولا يُثَرِّب".
قال: وقد رواه جماعةٌ، عَن سَعيد، منهم عُبيد الله بن عُمر، واختُلِفَ عنه؛
فقال يَحيى الأُمَوي، ومُحمد بن عُبيد: عَن عُبيد الله، عَن سَعيد، عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة، كقول لَيث.
وخالفهما مُعتَمِر، وأَبو أُسامة، وابن نُمير، وابن المبارك، وعَبدَة بن سُليمان، وعُقبة بن خالد، رَوَوْه عَن عُبيد الله، عَن سَعيد، عَن أَبي هُريرة.
واختُلِفَ، عَن ابن إِسحاق، فقال عَبدَة، عنه: عَن سَعيد، عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة، كقول لَيث، وخَالَفَهُ غير واحدٍ.
ورَواه أَيوب بن مُوسى، وإِسماعيل بن أُمية، وأُسامة بن زَيد، وَغيرهم، عَن سَعيد، عَن أبي هُريرة، ولم يذكروا أَباه.
ورَواه هِشام بن حَسان، وابن عُيينة، عَن أَيوب بن مُوسى.
ورَواه الثَّوري، وغيره، عَن أُسامة بن زَيد.
وأَخرجَهما مُسلِم على اختلافهما، وأَما البُخاري فأَخرج حَدِيث لَيث وحده.
"التتبع"(15).
فقلنا: تتبع الدارقطني لهذا الحديث مناقضٌ لصنيعه في "العلل"، حيث قال: وخالَفهُم اللَّيث بن سَعد، وهو أَحفَظ الجَماعَة، عَن المَقبُريِّ، ورَواه عَن المَقبُري، عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة، وهو المَحفُوظ، لأَن لَيث بن سَعد ضبط عَن المَقبُري، ما رَواه عَن أَبي هُريرة، وما رَواه عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة. "العِلل"(2063)، فضلًا عما قال إمام علل الحديث علي بن المديني: والحَديث عِندي حَدِيث سَعيد، عَن أَبيه، عَن أَبي هُريرة. "العِلل"(160)(1).
وقد كُنّا حريصين أبدًا على أن لا نَنْقل تخطئةً أو استدراكًا لعالم على آخر من غير إنعامِ نَظَرٍ فيه وتدقيقٍ وتحقيق، فقد قال ابن حَجَر مثلًا مُوَهّمًا أبا الحجاج المِزّي في حديث سعيد المَقْبُري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:"ليأتينَ على النَّاسِ زمانٌ لا يبالي المرء بما أخذَ المالَ بحلال أو حَرَام": "أورده النَّسائي من طريق محمد بن عبد الرحمن عن الشَّعبي عن أبي هريرة، ووهم المِزّي في "الأطراف" فظنَّ أنَّ محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ذِئْب، فترجمَ به للنَّسائي عن ابن أبي ذِئْب، وليسَ كما ظَنَّ فإني لم أَقِف عليه في جَمِيع النُّسخ التي وقفتُ عليها من النَّسائي إلا عن الشَّعْبِي، لا عن سَعِيد، ومحمد بن عبد الرحمن المذكور عنه أظنُّه ابنَ أبي ليلى لا ابنَ أبي ذِئْب، لأني لا أعرفُ لابن أبي ذِئْب رواية عن الشَّعْبي"(2).
فتعقبناه بقولنا: إن الذي في أطراف المزي "تُحفة الأشراف" هو ابن أبي ليلى، فقد قال المزي في "التحفة" (3):"النَّسائي في البيوع عن القاسم بن زكريا بن دينار، عن أبي داود الحَفَري، عن سُفيان، عن محمد بن عبد الرحمن، وهو ابن أبي ليلى، عن الشَّعْبي به"(4).
(1) كذا قد نقلنا قول ابن المديني في أول الفوائد، وينظر المسند المصنف المعلل، حديث (14900).
(2)
فتح الباري 4/ 296.
(3)
تحفة الأشراف، حديث (13545).
(4)
ينظر التعليق على المسند المصنف المعلل، حديث (14740).
ومن أمثلة ذلك حديث أبي صالح عن أبي هُريرة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكفُ في كل رَمَضان عشَرة أيام، فلما كانَ العام الذي قُبضَ فيه اعتكفَ عشرينَ يومًا"(1)، وسُقنا فيه قول أبي حاتم الرَّازي الذي قالَ فيه: إنَّ الصحيحَ ما رواه الثَّوريُّ، عن أبي حَصِين، عن أبي صالح، قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعتكف، مُرْسلًا (2)؛ رَدَدْنا عليه بقول الدَّارَقُطني الذي دَرَسَ الحديثَ وتوصَّل في كتابه "العِلَل"(3) إلى أنَّ الصَّحيح هو المتصل (4).
هذه أمثلةٌ يسيرةٌ كانت غايتها التَّنبيه على أن ليسَ كل ما جاءَ في كُتُب العلل وأقوال الأئمة يتعين التَّسْليم به، فكلُّ إنسان يؤخذ من قوله ويُتْرك إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. ولم يكن من وُكْدنا تتبع كل ما نقلناه في "الفوائد" دراسته، فهذا أمر يطولُ إذ لو فعلنا ذلك لجاء هذا الكتاب في مئة مجلد أو تزيد، وحَسْبُنا أننا قدَّمنا مادةً أولية لإخواننا أهل العلم من الدَّارسين والباحثين لتكون في متناول أيديهم من غير تَعَب ولا نَصَب.
وقد عُنينا عناية خاصةً بالتنبيه على بعضِ ما وقعَ من زيادات الرُّواة أو النُّساخ في أسانيد أو مُتون وقعت في بعض الكُتُب المكوِّنة لهذا "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل"، ولم تكن معرفة ذلك بالأمر الهَيِّن السَّهْل المُيَسَّر؛ ذلك أننا كُنّا، مع توفّر عدد من النُّسخ الخَطِّية والطبعات المتَنوّعة للكتاب الواحد، نعمدُ إلى استكمالِ الأدلّة القاطعة التي تثبت كون الإسناد أو المَتْن فيه زيادة من الرُّواة أو النُّساخ أو غيرهم، كما يظهر في الأمثلة الكثيرة التي عَلَّقنا عليها في حواشي هذا الكتاب، فمن ذلك مثلًا لا حَصْرًا: الكثير من الأحاديث التي نُسِبت إلى "جامع التِّرمذي" وهي ليست منه والتي حَوَّلها الدكتور بشار عواد معروف محقق الكتاب إلى حاشية النُّسخة وكان مُحقًا في أكثرها إلا في القليل النَّادر الذي تراجعَ عنه بعد مقابلة طبعته بنُسخة الكَرُوخي، وقد أشرنا إلى كثير منها في تَعْليقاتنا.
ومنه أيضًا: بعض ما زاده أبو أحمد الجُلُودي عن إبراهيم بن محمد بن سُفيان النَّيْسابوري راوي "الصحيح" عن مُسلم.
(1) البخاري 3/ 67 (2044) و 6/ 229 (4998).
(2)
علل الحديث (673).
(3)
علل الدارقطني (1986).
(4)
المسند المصنف المعلل، حديث (14609).
5 -
وصَحَّحَ "المسندُ المُصَنَّف المُعَلَّل" عشرات الكُتُب المطبوعة، نتيجة للبحث والتحري والدِّقة المُتَناهية في العَمَل ومراجعة طبعات الكُتُب المختلفة والمقابلة بينها، فضلًا عن مراجعة العديد من المخطوطات، ولم يُستثنَ من ذلك الطبعاتُ الدقيقة مثل:"صحيح البُخاريّ" و"صحيح مُسلم" و"جامع التِّرْمذيّ" وغيرها، فانظر مثلًا: تعليقنا على الحديث (8843) وما جاء في "صحيح مُسلم 7/ 109 (6249) قوله: "حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثني سُفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله (ح). وحدثنا عَبْد بن حُمَيْد، قال: أخبرنا جعفر بن عَمْرو، قال: أخبرنا أبو عُمَيْس، عن ابن أبي مُليكة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنتُ متخذًا خليلًا لاتّخذت ابن أبي قُحافة خليلًا". قلنا: وزيادة " (ح) وحدثنا عَبْد بن حُميد، قال: أخبرنا جعفر بن عَوْن، قال: أخبرنا أبو عُمير، عن ابن أبي مُليكة، عن عبد الله" ليست من "صحيح مسلم"، إذ لم ترد في "تحفة الأشراف"، ولم يستدركْها ابن حَجَر في "النكت الظراف"، ولم يذكر المزِّي في "تهذيب الكمال" 15/ 256 لابن أبي مُليكة روايةً عن ابن مسعود في الكُتُب الستة. كما لم ترد في نسخة ابن خَيْر الإشبيلي الخَطيّة لصحيح مُسلم، الورقة (252)، وهي نسخة نفيسة اعتنى بها أبو عليّ الغسّاني.
ومنه: حديث حَفْص بن عاصم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بالمرء إثمًا أن يحدِّثَ بكل ما سَمِعَ" حيث جاء هذا الحديث في مقدمة صحيح مسلم 1/ 8 من الطبعة التركية، وطبعة محمد فؤاد عبد الباقي، وطبعة دار المُغْني:"عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فبيّنا خطأ ذلك وأنَّ الصوابَ إسقاط أبي هريرة من الإسناد، كما في تحفة الأشراف (12268)، وطبعة دار طيبة (5) والمكنز (7) واستنادًا إلى قول أبي عليّ الجَيَّاني، وهو الخبير بصحيح مُسلم، إذ يذكر أن مما جاءَ في مُقدمة صحيح مُسلم هذا الحديث ثم قال: "رواه شُعبة عن خُبيب بن عبد الرحمن، عن حَفْص بن عاصم، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأتَى به مُرْسلًا، لم يذكر فيه أبا هريرة، هكذا رُوي من حديث مُعاذ بن مُعاذ، وغُنْدَر، وعبد الرحمن بن مَهْدي، عن شُعبة. وفي نسخة أبي العباس الرَّازي وحده في هذا الإسناد: عن شُعبة، عن خُبيب، عن حَفْص، عن أبي هُريرة مُسندًا، ولا يثبت هذا. وقد أسندَهُ مُسلم بعد ذلك من
طريق عليّ بن حَفْص المدائني عن شُعبة. وقال الدَّارقطني: والصواب مُرسل عن شعبة، كما رواه مُعاذ وغُنْدَر وابن مهدي". "تقييد المهمل" 3/ 765 (1).
ومن ذلك أيضًا حديث عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حين تزوجَ أمَّ سَلَمة وأصبحت عنده قال لها: "ليسَ بكِ على أهلك هوان
…
" الحديث. بَيَّنا أنَّ "عن أبيه" في هذا الإسناد لم تَرِد في طبعة الأستانة لصحيح مُسلم (3612)، وهو على الصواب في نسخة ابن خير الخطية، الورقة (213)، وتحفة الأشراف (18229) ورواية مالك في الموطإ (1511)
…
وجاء على الصواب في طبعات المكنز 1/ 604، ودار السلام بالرياض (3622) والهندية المطبوعة بدلهي سنة 1349 هـ
…
إلخ (2).
ومنه ما وقع في الطبعة التركية من "صحيح مسلم" وجميع الطبعات التي طُبعت عنها في سَنَد حديث أبي التَّيَّاح، عن أنس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي في مَرَابض الغَنَم قبل أن تُبنَى المساجد حيث جاء فيها (2/ 65): "وحدثناهُ يحيى بن يحيى، قال: حدثنا خالد، يعني ابن الحارث"، فأبدلناه بالصواب وهو "يحيى بن حَبيب" بدلًا من يحيى بن يحيى وقلنا معلقين:
في الطبعة التركية، وجميع الطبعات التي طُبعت عنها:"يحيى بن يحيى"، وعلى الحاشية:"يحيى بن حبيب"، وإِشارة إِلى نسخة.
قلنا: والصواب: "يحيى بن حبيب"، كما جاء في "تحفة الأَشراف"(1693)، منسوبًا:"يحيى بن حبيب بن عَرَبي". ويُؤيده أَنه لا توجد رواية في الكتب الستة، وليس في مسلم فقط، ليحيى بن يحيى، عن خالد بن الحارث، بل لم يذكره المزي، في الرواة عنه، وذكر يحيى بن حبيب بن عربي، ورمز له برمز مسلم، وأَبي داوُد، والتِّرمِذي، والنَّسائي. "تهذيب الكمال" 8/ 36 (3).
(1) ينظر المسند المصنف المعلل، حديث (15722).
(2)
المسند المصنف المعلل، حديث (19304).
(3)
المسند المصنف المعلل، حديث (340).
6 -
ولم نكن نُصحح ما نُصحح إلا بالأدلّةِ التي لا تقبلُ الشَّكَّ وتؤدِّي إلى اليقين التام، وبالبناء والتَّشييد لا بالتَّقليد، فإذا أردنا مثلًا تصحيحَ ما وقع في "مُصَنَّف" عبد الرزاق مثلًا قابلنا أولًا بين طَبْعتيه، ثم عَرَضنا الأمرَ عند الاختلاف على النُّسخ الخطية، ثم انتقلنا إلى مَن أخرجَ الحديثَ من طريق إسحاق بن إبراهيم الدَّبَري - راوي مُصَنَّف عبد الرزاق عنه - ثم إلى مَن صَرّحَ بالنَّقْل عن عبد الرزاق، فمن ذلك مثلًا حديث عبد الرزاق:"مَن ماتَ مريضًا مات شهيدًا" إذ جاءَ في المُصَنَّف (9622): "عبد الرزاق، عن إبراهيم بن محمد، عن موسى بن وَرْدان عن أبي هُريرة"، فبيَّنا أنَّ الصواب: "عبد الرزاق، عن ابن جُرَيْجٍ، عن إبراهيم بن محمد
…
إلخ" وقُلنا: "أثبتناه عن "مُوضِّح أوهام الجمع والتفريق" للخطيب 1/ 366 إِذ أخرجه من طريق إِسحاق بن إبراهيم الدَّبَرَي، عن عبد الرزاق، والدَّبَري هو راوي المصنّف عن عبد الرزاق. وأثبتناه أيضًا عن سُنن ابن ماجة (1615)، وتصحيفات المُحدِّثين 1/ 134، والكامل لابن عَدِي 1/ 360، وتاريخ دمشق 61/ 226، واللآلئ المَصْنُوعة 2/ 344 إِذ أخرجوه من طريق عبد الرزاق" (1).
ومن ذلك مثلًا ما جاءَ في مُسْند أبي يَعْلَى (6553) حديث سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري عن أبي هريرة، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"بُعِثْتُ من خير قُرون بني آدمَ" حيث جاء فيه الإسناد: "حدثنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا إسماعيل، قال: أخبرني عَمْرو، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة". فبيَّنا أنَّ الصواب في هذا الإِسناد: "عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة" مع أنه جاءَ هكذا في النسخة الخطية التُّركية وطبعتي دار المأمون ودار القبلة، واستندنا في ذلك إلى النُّسخة الخطية الأزهرية، وبيّنا أنَّ الذينَ خَرَّجوا الحديثَ من طريق إسماعيل بن جعفر جاؤوا به كما أثبتنا وهم: ابن سَعْد في طبقاته 1/ 9، وأَحمد في مسنده 2/ 373 (8844)، وابنُ أبي خَيْثَمة في تاريخه 2/ 2/ 279، وأبو نُعيم في معرفة الصحابة 1/ 13، والبيهقي في دلائل النبوة 1/ 175، والبغوي في شرح السنة (3614)(2).
(1) ينظر المسند المصنف المعلل، حديث (15782).
(2)
ينظر تعليقنا على الحديث (15951) من المسند المصنف المعلل.
ومن ذلك أيضًا ما جاءَ في مُسند أبي يَعْلَى (6670) حديث سعيد بن جُبير، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لو كان في هذا المسجد مئة ألف أو يزيدونَ" الحديثَ. قُلنا: "في المطبوع: مئة أو يزيدون. والمثبت عن البداية والنهاية 20/ 131، وإِتحاف الخيرة المَهَرة، والمطالب العالية، ثلاثتهم نقلًا عن مُسند أبي يَعْلَى. وأخرجه ابن أبي الدُّنيا في صفة النار (146)، والبَزَّارُ (9623)، وأبو نُعيم في الحِلْية 4/ 307، والبَيْهقيُّ في البعث والنشور (636) من طريق هشام بن حَسَّان (وهو طريق أبي يَعْلَى) على الصواب"(1).
وقد وقعَ في بعض الطبعات من التَّحْريف ما لم يتنبّه إليه إلا مَن آتاهُ الله دقةً في التحقيق والتَّدقيق والتَّدْنيق، فمن ذلك مثلًا لا حصرًا ما وقع في طبعة مُصَنّف ابن أبي شَيْبة من أخطاء أشرنا إلى الكثير منها، منها مثلًا ما في حديث حرب بن عبيد الله بن عُمير الثقفي عن جده أبي أمِّه، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما العشور على اليهود والنصارى
…
" الحديث، وقد أخرجه ابن أبي شَيْبة في مُصَنَّفه 3/ 197 (10677) وأبو داود (3046) من طريق أبي الأحوص، قال: حدثنا عطاء بن السَّائب عن حَرْب بن عُبيد الله عن جَدِّه أبي أمِّه، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقط قوله: "عن أبيه" من المطبوع من مصنّف ابن أبي شيبة، مع أنَّ أبا الأحوص في روايته ذكرَها، وذكر البُوصيري في "إِتحاف الخِيرَة المَهَرة" (2094) رواية ابن أبي شيبة على الصَّواب وفيها زيادة "عن أبيه". وقال أبو جعفر الأصبهاني: ولم يقل "عن أبيه" غير هذا، يعني غير أبي الأحوص، كما في تاريخ ابن أبي خَيْثَمة 2/ 2/ 279. وأخرجه أبو داود (3046)، وابنُ أبي خَيْثَمة في تاريخه 2/ 2/ 279، والحَرْبي في غريب الحديث 1/ 153، وابن قانع في مُعجم الصحابة 1/ 287 من طريق أبي الأحوص وفيه "عن أبيه" على الصواب (2).
ومن أمثلة التحريف في المتون ما وقع من تصحيف وتحريف في مصنف ابن أبي شيبة طبعة دار القبلة (31978)، ودار الرشد (29570) في حديث عبد الله بن عُبيد بن عُمير، قال:"كتبَ إليَّ أخٌ من بني زُريق"، فبينا أنَّ الصوابَ ما جاء في طبعة دار الفاروق
(1) المسند المصنف المعلل، حديث (16633).
(2)
المسند المصنف المعلل، حديث (16715).
(29675)
وهو: "كتبتُ إلى أخٍ لي في بني زُرَيْق"، ثم تحرفت بعد ذلك في الطبعتين نتيجة للتحريف الأول:"فكُتب إليه" إلى: "فكتب إليَّ"(1).
ومنه: حديث محمد بن سيرين عن أَنس في مُصَنَّف ابن أبي شيبة 1/ 208 (2174): "قال أَنس: من السُّنّة أن يقول في صلاة الفجر: الصلاة خيرٌ من النَّوم" حيث قلنا معلقين:
تحرف في الطبعات الثلاث: دار القبلة، والرُّشد (2172)، ودار الفاروق (2178) إلى:"عن محمد، قال: ليس من السنة"، فتحرف هنا:"أَنس"، إلى:"ليس".
والحديث؛ أخرجه ابن المنذر، في "الأوسط"(1171)، من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أَبو أُسامة، عَن ابن عَون، عَن محمد، قال: قال أَنس: من السنة أَن يقول في صلَاة الفجر: الصلاة خير من النوم.
وأَخرجه ابن خُزَيْمَة (386)، والدارقطني (944)، والبيهقي 1/ 423، من طريق أَبي أُسَامة، عن ابن عَوْن، عن مُحَمد بن سِيرِين، عن أَنس، قال: من السُّنَّة إِذا قال المؤذن، في أَذان الفجر: حي على الفلاح، قال: الصَّلاة خير من النوم.
وقال أَبو الحَسن الدَّارَقُطني: رواه أَبو أُسامة، عن ابن عَون، عن مُحمد، عن أَنس، قال: مِنَ السُّنَّةِ. "العلل"(2629)(2). فانظر إلى هذا التحريف الذي قلب المعنى رأسًا على عقب! ومثل هذه عشراتُ نظائر.
ومن ذلك مثلًا ما جاء في بعض النسخ المطبوعة من "سنن" ابن ماجة لحديث عطية الكَلَاعي، عن أُبيّ بن كَعْب، قال: عَلّمتُ رجلًا القرآن
…
الحديثَ، حيث جاء في إسناده: "
…
عن ثَوْر بن يزيد، قال: حدثنا خالد بن مَعْدان، قال: حدثني عبد الرحمن بن سَلْم عن عطية (3)، فقلنا معلقين بعد أن حذفنا من الإسناد "خالد بن مَعْدان" (4):
(1) ينظر تعليقنا على المسند المصنف المعلل، حديث (16838).
(2)
المسند المصنف المعلل، حديث (419).
(3)
ابن ماجة (2158)، وينظر تعليق الدكتور بشار عليه.
(4)
المسند المصنف المعلل، حديث (56).
في بعض النُّسخ: "عن ثَوْر بن يزيد، قال: حَدثنا خالد بن مَعْدان، قَال: حَدثني عَبد الرَّحمَن بن سَلْم"، وكذلك أثبت المِزِّي الإِسناد في "تحفة الأشراف" بزيادة "خالد بن معدان"، وخالف المِزِّي ذلك في "تهذيب الكمال" 17/ 148، إِذ قال: عَبد الرَّحمَن بن سَلْم، شاميٌّ، عن عَطية بن قَيس الكَلَاعِي (ق)، وهو رمز ابن ماجة، عن أُبَي بن كَعب؛ عَلَّمتُ رَجُلًا القُرآنَ، فَأَهدَى إِلَيَّ قَوسًا، روى عنه ثَوْر بن يزيد (ق)، وفي إِسناد حديثه اختلافٌ كَثير، روى له ابن ماجة هذا الحديث الواحد.
وقال ابن كثير: قال ابن ماجة، في التجارات: حَدثنا سهل بن أَبي سهل، قال: حَدثنا يحيى بن سعيد، قال: حَدثنا ثور بن يزيد، قال: حَدثني عبد الرَّحمَن بن سَلْم، عن عطية الكلاعي، عن أَبي بن كعب، قال: فذكر الحديث.
قال ابن كثير: كذا رأَيتُه في "السُّنن"، وفي "الأَطراف" بين ثور، وعبد الرحمن:"خالد بن معدان"، والظاهر لا يُحتاج إِليه في إِسناد هذا الحديث، فقد رواه بُندار، عن يحيى القطان، عن ثَور، عن عبد الرحمن بن سَلم، عن عطية بن قيس، أَنَّ أُبيًّا علّم رجلًا، فذكره. "جامع المسانيد والسنن" 1/ 138.
وقال ابن حَجَر: لم أقف في النسخ التي عن ابن ماجة على ذكر خالد بن مَعْدان، بين ثَوْر، وعَبد الرَّحمَن، فيه، وكذا أخرجه الرُّويانِي في "مسنده"، عن بُندار، عن يَحيى بن سَعيد، بدونه، ولم يذكره ابن عساكر، وهو سَلَف المِزِّي، وكذا لم يرقم المِزِّي في "التهذيب" لخالد بن مَعْدان، في الرواة عن عَبد الرَّحمَن بن سَلْم. "النكت الظراف".
وجاء على حاشية "تحفة الأشراف"، بخط ابن عَبد الهادي: خالد بن مَعْدان في هذا الإِسناد، فَضْلَةٌ لا يُحتاج إِليه، ولم يذكره الحافظ أَبو القاسِم، يعني ابن عساكر. وينظر تعليق الدكتور بشار على التحفة 1/ 147.
ومن ذلك ما جاء في جامع الترمذي عَقِيب حديث رقم (2933) قوله: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأُمية بن خالد ثقة، وأبو الجارية العَبْدي شيخٌ مجهول ولا يُعرف اسمه" حيث قلنا معلقين (1):
(1) المسند المصنف المعلل، حديث (54).
"في طبعة الرسالة (3161): "شيخ مجهول، لا يُدرى من هو، ولا يعرف اسمه". وقوله:"لا يُدرى من هو" لم يرد في نسخة الكَرُوخي الخطية، الورقة (190) و"تحفة الأشراف"(42)، وطبعة دار الغرب".
ومنه تعليقنا على حديث زِر بن حُبيش، عن أَبي بن كَعْب "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القُرآن، فقرأ عليه:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقرأ فيها: إن ذاتَ الدين عند الله
…
الحديثَ (1)، حيثُ علقنا على:"إنَّ ذات الدِّين" بقولنا:
"في طبعة الرسالة (4236): "إِن الدِّين" وأثبتناه عن طبعتي دار الغرب والمكنز و"الأحكام الكبرى" 4/ 422 إِذ أورده من طريق التِّرمذي، وأَبي نُعيم 4/ 187، والضياء، في المختارة 3/ 368، إِذ أخرجوه من رواية أبي داود، عن شعبة (2)(وهي طريق الترمذي).
ومن ذلك الأخطاء الكثيرة التي وقعت في طبعتي الأعظمي والميمان لكتاب "مختصر المختصر" لابن خُزيمة الذي أخرج حديث ثابت، عن أَنس "أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يطوفُ على نسائِهِ في غُسْلٍ واحدٍ" حيث رواه عن محمد بن مَيْمون، عن سُفيان بن عُيينة، عن مَعْمَر، عن ثابت (3) فقلنا:
"تحرف في طبعَتَي الأَعظمي والميمان، إلى: "حَدثنا مُحمد بن مَيمون، قال: أَخبَرنا يَحيى، قال: حَدثنا سُفيان"، بزيادة: "أَخبَرنا يَحيى"، وهو على الصواب، في "إتحاف المهرة" لابن حَجَر (730)، إذ نقله عن "صحيح ابن خزيمة"، وظن محقق الميمان أَن قوله: "أَخبَرنا يَحيى" سقط من "الإتحاف"، وليس ذلك بصحيح، والصواب ما جاء في "الإتحاف"، فالحديث؛ أَخرجه الطبراني، في "الأوسط" (483)، من طريق محمد بن ميمون، عن سفيان، على الصواب"(4).
بل تعقبنا في هذا الكتاب بعضَ ما وقعَ لأصحابِ هذه الكتب من أوهام نَبّه العلماءُ على بعضها، ولم ينبِّهوا على بعض آخر، فمن ذلك مثلًا: ما وقع في حديث
(1) الجامع الكبير للترمذي (3898).
(2)
المسند المصنف المعلل، حديث (70).
(3)
ابن خزيمة (229).
(4)
المسند الصنف المعلل، حديث (308).
أُسامة بن زيد الذي أخرجه ابنُ ماجةَ (1588) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكَى وهو يحملُ ابنًا لبعض بناته وهو يحتضر، فقال له عُبادة بن الصَّامت: ما هذا يا رسول الله؟ قال: "الرحمة التي جعلَها الله في بني آدم، وإنما يَرْحمُ اللهُ من عباده الرُّحماء"، فتعقبناه أنَّ الصواب في القائل هو سَعْد بن عُبادة وليسَ عُبادة بن الصامت، كما جاء في طُرُق الحديث، وقد رواه موسى بن إسماعيل عن عبد الواحد بن زياد عند البُخاري (9/ 164 ح 7448) وفيه القائل سَعْد بن عُبادة على الصواب (1).
إنَّ آلاف التَّصْويبات التي أجريناها على أسانيدِ الكُتُب المكوِّنة لهذا "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل" ومُتونها لتنبئُ عن الجُهد المُتَميِّز الذي بُذِلَ فيه، ولم نَسْتَثن من ذلك النَّشرات التي قامَ بها المشاركون في تصنيف هذا "المُسْنَد" وتحقيقه، كما في طبعة عالم الكتب من مُسند الإمام أحمد التي حققها محمود خليل ورفاقه (2)، أو طبعة دار الغرب الإسلامي لجامع التِّرمذي التي حققها بشار عواد معروف (3)، أو طبعة دار الجيل لسنن ابن ماجة التي حققها بشار عواد معروف أيضًا (4)، فإنَّ الصوابَ كان دائمًا وأبدًا هاجسنا، مع إيمانٍ تامٍّ بأن الحَقَّ أحقُّ أن يُتَّبَع، وأنَّ تصحيحَ ما وقعنا فيه من خطأ نحن أولى بتَصحيحه قبل غيرنا، ومن ثم صارَ هذا "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل" يمثِّلُ أصح طبعة لكل كتاب من كتبه الثلاثة والعشرين المكوِّنة له إن شاء الله تعالى، فالحمدُ له على ما تفضَّلَ وأنْعَمَ.
ونَرَى من المفيد أن نُقَدِّمَ نموذجًا واحدًا يمثِّل ما أشرنا إليه من تَصْحيح وتَحْقيق وتَدْقيق هو: النسخة التي اشتمل عليها هذا الكتاب من "مسند" الإمام أحمد بن حنبل، فقد كانت بين أيدينا كل الطبعات التي بُذِلَ فيها جُهد ما، فقابلنا بينها وثَبَّتنا الاختلافات، وهي طبعات: الميمنية (1869 م)، وعالم الكتب بتحقيق محمود خليل والسيد أبو المعاطي النُّوري يرحمه الله (1419 هـ / 1998 م)، والرسالة بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط
(1) المسند المصنف المعلل 1/ 227، حديث (110).
(2)
ينظر مثلًا المسند المصنف المعلل، الأحاديث (2699) و (2872) و (3028) و (3826) و (3831) و (5497) وغيرها.
(3)
تنظر مثلًا الأحاديث: (2882) و (4017) و (5406) و (5449) وغيرها.
(4)
تنظر مثلًا الأحاديث: (3448) و (5381) و (5996) وغيرها.
ورفاقه (1421 هـ/ 2001 م)، وطبعة جمعية المكنز الإسلامي بتحقيق مكتب البحوث بجمعية المكنز بالقاهرة (1431 هـ/ 2010 م)، ومجموعة كبيرة من النسخ الخطية، فضلًا عن "أطراف المسند"، و"غاية المَقْصد في زوائد المسند"، و"جامع المسانيد والسُّنن"، و"إتحاف المَهَرة" وغيرها من الكُتُب المعنية بمسند أحمد والناقلة عنه.
وفيما يأتي نماذج يسيرة من التصحيحات في طبعات مسند الإمام أحمد لها مئات نظائر مما يقف عليه القارئ في هذا "المُسْنَد المصنف المعلل":
ففي حديث أحمد في "المسند": حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا سعيد، عن قَتَادة، عن عَزْرة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبْزَى، عن أبيه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}
…
الحديثَ عَلَّقنا على اسم "سعيد" بما يأتي:
"في طبعَتَي الرسالة (15359)، والمكنز (15595): "شعبة"، وفي "جامع المسانيد والسنن" 3/ الورقة (105)، وفي المطبوع 8/ 259 (5918)، و"أطراف المسند" 2/ الورقة 3، والمطبوع منه: 4/ (5832)، و"إِتحاف المَهَرة" لابن حَجَر (13463)، وطبعة عالم الكتب: "سعيد"، وهو الصواب، وذلك لتمييز ابن حَجَر بينهما بقوله: "كلاهما"، إِذ قال: "وعن أَبي داوُد، عن شعبة، وعن مُحمد بن جعفر، عن سعيد، كلاهما، عن قتادة، عن عزرة بن ثابت، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أَبيه، به. "أطراف المسند"، و"إِتحاف المَهَرة"" (1).
ومن ذلك حديث عبد الله بن أحمد الذي قال فيه: حدثني سُويد بن سعيد في سنة ست وعشرين ومئتين، قال: حدثنا عبد الله بن مُسْهِر
…
الحديثَ (2) حيث علقنا عليه بقولنا:
"ورد هذا الحديث في طبعة الرسالة (3)، على أَنه من رواية أَحمد بن حنبل، عن سويد بن سعيد، والصواب أن هذا الحديث من زيادات عبد الله بن أَحمد على "المسند"، قال ابن حَجَر: قال عبد الله (يعني ابن أَحمد بن حنبل): حَدثني سُويد بن سعيد، سنة ست وعشرين ومئتين. "أطراف المسند" (72).
(1) ينظر تعليقنا على الحديث (25) من المسند المصنف المعلل.
(2)
مسند أحمد 5/ 113 (21402).
(3)
مسند أحمد 35/ 12 (21086).
وقال ابن عساكر: أخبرنا أَبو القاسم بن الحصين، أَخبَرنا أَبو علي بن المُذْهِب، أَخبَرنا أَبو بكر القَطِيعي، قال: حَدثنا عبد الله بن أَحمد، قال: حَدثني سُويد بن سعيد، في سنة ست وعشرين ومئتين، قال: حَدثنا علي بن مسهر،
…
وساق الحديث. "تاريخ دمشق" 42/ 402. وهو على الصواب في طبعَتَيْ عالم الكتب، والمكنز" (1).
وفي حديث أبي المَلِيح بن أُسامة عن أبيه: أصابَ النَّاس في يوم جُمُعة، يعني مَطَرًا
…
الحديثَ، قلنا:
"في النسخ الخطية، وطبعَتَيِ الرسالة، والمكنز، ورد هذا الحديث من رواية أَحمد بن حنبل، عن داود بن عَمرو، وفي "جامع المسانيد والسنن" 1/ الورقة 61، و"أَطراف المسند" (125)، و"إِتحاف المَهَرة" لابن حَجَر: وطبعة عالم الكتب، ورد من رواية عبد الله بن أحمد: عن داود، فصار من زيادات عبد الله بن أَحمد على "المسند".
قال ابن حَجَر: قال عبد الله: حدثني داود بن عمرو الضبي، فذكر الحديث.
"أَطراف المسند".
وقال ابن حَجَر: رَواه عَبد الله، في زِياداتِه؛ حَدثني داوُد بن عَمرو الضَّبِّي.
"إِتحاف المَهَرة"" (2)،
وفي الحديث الذي أخرجه أحمد 3/ 265 (13834)، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرَّازي، قال: حدثنا سَلَمة بن الفَضْل، قال: حدثني محمد بن إسحاق، عن عبد العزيز بن مُسلم، عن إبراهيم بن عُبيد بن رِفَاعة، عن أَنس بن مالك، قال: مَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأبي عَيّاش
…
الحديثَ، حيث عَلَّقنا في الحاشية بما يأتي:
"في الميمنية، ونُسختي الموصل والقادرية، الخطيتين للمسند، و"جامع المسانيد" 7/ الورقة 185 و"أَطراف المسند" (156): "عن عَبد العَزيز بن مُسلم، عن عاصم، عن إِبراهيم بن عُبيد بن رِفاعة".
وقال الضياء: رَواه الإِمام أَحمد، عن إِسحاق بن إِبراهيم الرازي، عن سلمة بن الفضل، عن محمد بن إِسحاق، عن عَبد العزيز بن مسلم، عن عاصم، عن إِبراهيم بن عبيد، بنحوه، بزيادة:"عاصم". "المختارة"(1514).
(1) المسند المصنف المعلل 1/ 194، حديث (84).
(2)
المسند المصنف المعلل، حديث (166).
وقوله: "عن عاصم"، لم يرد في نسخة الظاهرية الخطية للمسند، و"غاية المقصد في زوائد المسند" الورقة 387، و"إِتحاف المَهَرة" لابن حَجَر 1/ الورقة 37، ولكن أَثبته المحقق في المطبوع (290).
والظاهر أَنه خطأٌ قديم في نسخ "المسند"، فقد أَثبته ابن حَجَر في "أَطراف المسند"، ولم يذكره في "إِتحاف المَهَرة"" (1).
هذه أمثلةٌ يسيرةٌ مما جاءَ في المُجلد الأول من هذا "المُسْنَد المُصَنَّف المُعَلَّل"، فيما يتصل بمسند الإمام أحمد، لها مئات نظائر، فضلًا عما استدركناه من أحاديث سَقَطت من بعض الطبعات، ومنها سبعة عشر حديثًا من طبعة الرسالة، فصار هذا الكتاب محتويًا على أصح نسخة لمسند أحمد يرحمه الله وأكثرها استيعابًا وإتقانًا، وهو فضلٌ من الله، واللهُ يؤتي الفضلَ مَن يشاء.
وبعد،
فهذا هو "المُسْند المُصَنَّف المُعَلَّل" نُقَدِّمه لإخواننا طَلَبة العلم النَّبَوي، ونحنُ منهم إن شاءَ الله تعالى، لينتفعوا به، قد بَذَلنا فيه الطاقة واستَنْفَدنا الوسع، موظفين كُلَّ ما رزقنا اللهُ سُبحانه من عِلْم ومعرفةٍ، راجين منه جَلّ في عُلاه أن يتقبَّلَ مِنا وممن ساعدَ في إخراجه وهم السادة المشايخ الفضلاء: الدكتور محمد بَشّار عَوّاد معروف (بُنْدار)، وعادل عبد العزيز منصور، وإبراهيم محمد أحمد النوري، وأحمد قاسم عبد الراضي، وأحمد عبد الرؤوف حسين، وعلي حسن السيد قنيش، ومحمد حسن السيد قنيش، ويحيى محمود خليل، وأشرف منصور عبد الرحمن، ومروة السيد أبو زهرة، وأم أسامة أنور عيد، وجهاد محمود خليل. جزاهم اللهُ خيرَ ما يُجازي عبادَه الصالحينَ العاملين على صيانةِ سُنَّة المصطفَى المبعوثِ رحمةً للعالمين من تحريفِ الغالينَ وانتحالِ المُبْطلينَ وتأويل الجاهلينَ، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
محرم الحرام سنة 1434 هـ
المصنفون المحققون
(1) المسند المصنف المعلل، حديث (450).