المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"التكوين"، وهذا ما يجعلنا نتساءل: لِمَ ذكر أهل الأخبار أبناء - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٢

[جواد علي]

الفصل: "التكوين"، وهذا ما يجعلنا نتساءل: لِمَ ذكر أهل الأخبار أبناء

"التكوين"، وهذا ما يجعلنا نتساءل: لِمَ ذكر أهل الأخبار أبناء "إسماعيل"، وأهملوا أبناء "يقطان"؟ هل هناك تعمد غرض؟ أن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة ليست سهلة في الواقع؛ لأن أهل الأخبار لم يكونوا يسيرون على قواعد ثابتة وأنظمة معينة في أخذ الأنساب، ولهذا نراهم يقعون في الغلط، وذلك يدل على أن علمهم بالأمور الواردة في التوراة لم يكن علمًا راسخًا، وأن علم محدثيهم من أهل الكتاب لم يكن راسخًا أيضًا ولم يكن مستمدًّا من التوراة رأسًا، بل من السماع والرواية في بعض الأحايين، وإلا لما وقعوا في أغلاط شنيعة، وما احتاجوا إلى الوضع والكذب، كالذي نراه من كعب الأخبار ووهب بن منبه وأمثالهما من مسلمة يهود.

ص: 84

‌الإسماعيليون:

و"إسماعيل" هو الجد الأكبر للعرب المستعربة، أي: العرب العدنانيين، وهو "يشمئيل""Ishmael" في التوراة، ومعنى الاسم "إلهي يسمع"، أو "يسمع إلهي"، وهو ابن "إبراهيم" من زوجه "هاجر". وتقول التوراة: إنه "ختن" وهو في الثالثة عشرة من عمره، ورحل إلى بَرِّية "فاران" فتزوج فيها من امرأة مصرية، وعاش فيها راميًا بالسهام حيث اشتهر بالرماية. ولم تذكر التوراة بعد ذلك شيئا عنه، إلا ما ورد من أنه حضر دفن أبيه "إبراهيم"، وأنه عاش "137" سنة1.

هذا مجمل ما ورد في التوراة عنه، أما ما أورده أهل الأخبار عنه، فإنه يستند إلى هذا الوارد في التوراة عنه، إلا ما ذكروه عن امرأته، فقد جعلوها امرأة من "جرهم"، وما أوردوه عنه من أنه هاجر إلى مكة، وأنه عاش هناك، وتعلم العربية فيها، وقبر في "الحجر" عند قبر أمه "هاجر"2، وأمور أخرى صغيرة تختلف باختلاف الروايات.

1 التكوين، الإصحاح السادس عشر، الآية 4 فما بعدها، الإصحاح السابع عشر، الآية 18 فما بعدها، الإصحاح الخامس والعشرون، الآية 7 فما بعدها.

Hastings، P. 392

2 الطبري "1/ 314 فما بعدها".

ص: 84

وقد جعلت التوراة لـ"إسماعيل" ولدًا، عدتهم اثنا عشر ولدًا، هم: نبايوت بكر إسماعيل، وقيدار، وأدبئيل، ومبسام، ومشماع، ودومة، ومسا، وحدار، وتيما، ويطور، ونافيش، وقدمة. ذكرتهم على حسب مواليدهم، كما نص على ذلك فيها1، وهو عدد يظهر أنه من وضع كتاب الأسفار وترتيبهم2. أمهم امرأة مصرية3، وهي كناية عن اتصال الإسماعيليين بالمصريين، وقد أخذ أهل الأخبار هذه الأسماء، وغيروا في نطقها بعض التغيير، فصيَّروها: نابت وقيذر، وأذبل، ومبشا، ومسمعا، وماشي، ودما، وأذر، وطيما، ويطور، ونبش، وقيذما، وما شاكل ذلك. وقد نص الطبري على اختلاف أهل الأخبار في ضبط هذه الأسماء4، ويعود هذا الاختلاف على ما يظهر إلى اختلاف المورد الذي أخذ منه أهل الأخبار.

وقد زعم أهل الأخبار أن إسماعيل تزوج من جرهم، وأن اسم زوجه "رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي"5، أو ما شاكل ذلك من أسماء، وأنها ولدت له اثني عشر رجلًا، هم: نابت وكان أكبرهم، وقيذر، وأذبل، ومبشا، ومسمعا، وماشي، ودما، وأذر، وطيما، ويطور، ونبش، وقيذما6، وأكثر هذه الأسماء ورودًا وتكرارًا في الكتب العربية، نابت وقيذر.

ونرى من عدد هؤلاء الأولاد ومن أسمائهم، أن رواتها أخذوا أولئك الأولاد من التوراة؛ أخذوا العدد وأخذوا الأسماء، ولكنهم حرفوا وصحفوا فيها، ولا ندري أكان هذا التحريف قد وقع من الأخباريين أنفسهم، أجروه تعمدًا ليسهل النطق بها في العربية، أم وقع من الرواة الإسرائيليين أو النصارى الذين

1 التكوين، الإصحاح 25، الآية 12 فما بعدها.

2 ز Hastings، P. 392

3 التكوين، الإصحاح 21، الآية 21.

4 الطبري "1/ 314""طبعة دار المعارف".

5 ابن هشام "1/ 3""طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد"، "السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي"، ابن خلدون "2/ 37"، الطبري "1/ 16"، ابن الأثير، الكامل "1/ 49"، الطبقات "جـ1، ق1، ص25"، تاج العروس "1/ 375"، "1/ 590".

6 ابن هشام "1/ 3"، ابن خلدون "2/ 39"، مع اختلاف في ضبط الأسماء، الطبري "1/ 161"، ابن الأثير، الكامل "1/ 49".

ص: 85

رجع أهل الأخبار إليهم، فأخذوا منهم تلك الأسماء، أم أنه مجرد تحريف وتصحيف، وقع من الجانبين، فظهر على هذا الشكل؟.

أما امرأة "إسماعيل" أم أولاده، فإنها ليست جرهمية عربية في التوراة، وإنما هي امرأة مصرية كما ذكرت، لم تذكر التوراة اسمها. ويذكر أهل الأخبار أن إسماعيل كان قد تزوج بامرأة أخرى من جرهم قبل "رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي"، أو "السيدة بنت مضاض بن عمرو الجرهمي"، كما تعرف في روايات أخرى، إلا أنه طلقها بأمر أبيه، لما جاء إلى مكة زائرًا، فلما جاء للمرة الثانية ورأى زوجته الثانية رضي عنها، وأمر ابنه إسماعيل بإبقائها، فبقيت، ومنها كان نسله المذكورون1.

وقد نص "الطبري" على أن العرب هم من نابت وقيدر2، ولم يذكر شيئا عن بقية الأولاد. والظاهر أن إهمالهم هذا الإهمال يعود إلى عدم وقوف الموارد التي أمدت الأخباريين على شيء عنها، وعدم تمكنهم من تعيينها وتثبيت مواضعها، فإن ذلك يحتاح إلى علم وإلى وقوف على ما جاء في كتب التفاسير والشروح والموارد اليهودية الأخرى عن هذه القبائل. والموارد المذكورة نفسها لا تعرف عن تلك القبائل وعن تلك البلاد شيئا كثيرا يزيد على ما جاء في التوراة؛ فإن كتبة الأسفار لم يهتموا إلا بما يتعلق بإسرائيل. أما ما وراء إسرائيل من شعوب وأرضين، ولا سيما الشعوب التي لا تتاخم الأرضين التي وجد فيها العبرانيون، فإنها لم تكن تُعنَى بها إلا بمقدار ما لها من صلة بإسرائيل.

وقد حددت التوراة المنازل التي أقام بها "الإسماعيليون"، فجعلتها من "حويلة" إلى "شور"3، فكل ما وقع بين المكانين، هو في أرض القبائل الإسماعيلية. وقد ذكرتُ قبل قليل أن آراء العلماء مختلفة في تعيين موقع أرض "حويلة"، وعندي أن هذا الموضع يجب ألا يكون بعيدا عن فلسطين؛ لأن "شاءول" ضرب العماليق من "حويلة" إلى شور4. ولا يعقل أن تكون هذه

1 الطبري "1/ 256، 314".

2 الطبري "1/ 314".

3 التكوين، إصحاح 25، الآية 18.

4 صموئيل الأول، إصحاح 15، الآية 8.

ص: 86

الأرضون بعيدة عن فلسطين؛ لأن "شاءول" لم يكن قويًّا ذا جيوش جرارة حتى تضرب العماليق في منطقة نائية، بعيدة عن فلسطين.

أما "شور"، فموضع يقع على الحدود الشمالية الشرقية لأرض مصر، في البَرِّية المسماة بـ"برية تيه بني إسرائيل" وبـ"برية إيتام"1. ويرى بعض علماء التوراة أن "الطور" الحالية هي أرض "شور"2.

ويلاحظ أن الأرض التي زعم أن "شاءول" قد ضرب بها العماليق، "وضرب شاءول عماليق من حويلة حتى مجيئك إلى شور التي مقابل مصر"3، هي الأرض ذاتها التي جعلتها التوراة أرضا لذرية "يشمعئيل""إسماعيل"، فيظهر من ذلك أن العماليق كانوا قد سكونها أيضا. ولما كان العمالقة قد سكنوا أرضًا، تقع بين كنعان ومصر في برية سيناء وتيه بني إسرائيل4، وجب أن تكون تلك الأرض هي موطن الإسماعيليين.

ويعترف العبرانيون بوجود صلات قربى لهم بالإسماعيليين. ويظهر أن القبائل الإسماعيلية عاشت زمنا طويلا في "طور سيناء" وفي جنوب فلسطين، عاشت عيشة أعرابية5؛ ولهذا كان الإسماعيليون أهل وبر بالقياس إلى اليقطانيين المستقرين. وقد نظر العبرانيون نظرة عداء إلى الإسماعيليين؛ لأنهم كانوا يتحرشون بهم ويغيرون عليهم ويتعرضون لتجاراتهم، وقد ذكروا في أيام "داوود"6. وقد ورد في التوراة أن الله أوحى إلى "هاجر" يبشرها بأن نسل ابنها سيكثر وينمو حتى يكون أمة عظيمة7، وهو كناية عن كثرة عدد أولئك الأعراب في أيام العبرانيين.

هذا، ونحن لا نعرف شيئًا يذكر عن "الإشماعيليين""الإسماعيليين"، ولا

1 قاموس الكتاب المقدس "1/ 641". Musil، hegaz، p. 261، 265

2 hastings، p. 852، enc. Bibli. P. 4498

3 قاموس الكتاب المقدس "1/ 641"

Hastings، p. 8852، enc. Bibli. P. 4498، musil، hegaz، p. 261، 265. ff

4 صموئيل الأول، الإصحاح الخامس عشر، الآية 7، قاموس الكتاب المقدس "2/ 113".

5 التكوين، الإصحاح 21، الآية 13 وما بعدها، قاموس الكتاب المقدس "1/ 98".

6 enc. Bibli. P. 2211، hastings، p. 392

7 التكوين، الإصحاح 21، الآية 13 وما بعدها.

ص: 87

عن لهجاتهم، ويرى بعض العلماء أن لهجاتهم يجب أن تكون من اللهجات العربية الشمالية المتأثرة بلغة بني إرم1. ولعدم وصول نص مدون بلهجة من لهجات هذه القبائل، لا نستطيع أن نبدي في الزمان الحاضر رأيًا علميًّا في شكل هذه اللهجات.

و"نبايوت" هو بكر إسماعيل وأهم القبائل الإسماعيلية في التوراة، وقد أعطاه هذه المنزلة أهل الأخبار أيضا لأخذهم منها. ونحن لا نعرف الأسباب التي جعلت التوراة تعده أحسن أولاد "إسماعيل" أراعت في ذلك بعد القبيلة، أم راعت قربها من العبرانيين، أم ضخامتها وكثرة عددها بالقياس إلى القبائل الإسماعيلية الأخرى، أم أمورًا أخرى جعلت العبرانيين ينظرون إليهم على أنهم أقدم تلك القبائل؟ فليس في التوراة قواعد ثابتة تمشي عليها كتبة العهد القديم في تدوين الأنساب.

ويعرف "نبايوت" بـ"نابت" و"نبت" عند الأخباريين، ومنه ومن قيدر، نشر الله العرب، على رأي أهل الأخبار2. وقد جعل بعض الأخباريين نابتًا والدًا لـ"يشجب"3، مع أن "يشجب" هو ابن "يعرب" عند الأكثرين.

وقد ورد اسم "نبايوت" مع اسم "قيدار" في النصوص الآشورية، ويظهر أنهم كانوا أقوياء كثيري العدد. ويدل ورود اسمهم مع "قيدار" في التوراة في النصوص الآشورية على أنهم كانوا متجاورين، ولم تعين التوراة مواضع سكناهم. ولكن ورود اسمهم في رأس قائمة الإسماعيليين واقترانه بالأدوميين عن طريق المصاهرة ووقوف العبرانيين على أخبارهم، يدل كله على أنهم كانوا يقيمون في المناطق الواقعة في جنوب شرقي فلسطين وفي الأقسام الجنوبية الشرقية من بادية الشام4.

وقد ذهب "كلاسر" إلى أن "نبايوت""مشيخة" أو مملكة حكمت في "القصيم"، وقد كانت معاصرة لمملكة "عريبي"، وكانت لا تزال مستقلة في أيام الفرس5.

1 enc. Brit. Vol. 12، p. 706

2 الطبري "1/ 314".

3 ابن هشام "1/ 5".

4 التكوين، الإصحاح 28، الآية 9.

5 glaser، skizze، 2، s. 266. ff. Schrader، kat، s. 151، hommel، aht، 275

ص: 88

وقد ظن بعض العلماء أنهم "النبط"1، ذهبوا إلى ذلك من تشابه "نبايوت""Nabaiot" ونبط "Nabat"، غير أن هذا رأي يعارضه كثير من علماء التوراة2.

وقد كان بين الأوس قوم يقال لهم "النبيت"، افتخر بهم الشاعر "قيس بن الخطيم" من شعراء الجاهلية -وقد قتل قبل الهجرة- ومدحهم، ووصفهم بالشدة والبأس3، كما كان في "إياد" قوم يقال لهم "النبيت"4.

وكان نبيت الأوس يتألفون من "ظفر" رهط الشاعر قيس بن الخطيم، ومن عبد الأشهل، وحارثة5. وقد وقعت بينها حروب ومعارك، فانضمت حارثة إلى الخزرج، وتحالفت معها، ودخلت فيها. وأما ظفر وبنو عبد الأشهل، فقد اضطروا أخيرًا إلى ترك ديارهم إلى مكة للتحالف معهم، أو مع اليمن، أو الغساسنة أو المناذرة؛ لمساعدتهم على الخزرج، ولاسترداد ملكهم6. والظاهر أنهم كانوا قديما من القبائل القوية، وكانت في الحرار الشرقية، ثم أفل نجمها، وتشتت شملها بسبب الحروب التي وقعت بين بطونها. ولعلها من القبائل التي كانت تقيم في الشمال، في العربية الحجرية أو العربية الصحراوية، ثم اضطرت إلى الهجرة إلى الجنوب والاستيطان في مناطق الحرار. والظاهر أنها كانت على اتصال باليهود، وقد تحالف معها يهود خيبر.

وقد ورد اسم "قيدار" في النصوص الآشورية، ورد على هذه الصورة:"قِدرو""Kidru" و"قَدرو" "7Kadru، كما ورد في المؤلفات

1 النبط، النبيط، الأنباط، نبطي، نبط، قال ابن عباس:

نحن معاشر قريش من النبط ، تاج العروس "5/ 239".

2 enc. Bibli. P. 2213، hastings، p. 648. h.

3

ويثرب تعلم أن النبيتَ

رأسُ بيثرب ميزانُها

وقد علموا أن ما فَلَّهم

حديدُ النَّبيت وأعيانُها

فلا أعرفنكم بعد عِزٍّ وثروةٍ

يقال: ألا تلك النبيتُ عساكرُ

شعر قيس "ص9، 10، 38".

4 شعر قيس "ص9"، "والنيبت أبو حي، وفي الصحاح: حي من اليمن".

اللسان "2/ 402"، تاج العروس "1/ 589".

5 شعر قيس "ص XX"، القسم الألماني.

6 شعر قيس "ص XX II"، القسم الألماني.

7 schrader، kgf. 101، kat. 147، delitzch، wo lag das paradies? S. 299

ص: 89

"الكلاسيكية"، فقال لهم "بلينيوس""Pliny""قدراي""Cedrei"، وذكر أنهم قبيلة عربية تقيم على مقربة من النبط1، وقد حاربهم "آشور بنبال"، وكان ملك "قيدار" في ذلك العهد، ملك عرف باسم "أو أيطع""U Aite" بن "خزاعيل""2Hazael، وقد ذكرهم "آشور بنبال" مع "عريبي" "أريبي"، كما ذكرهم "حزقيال" مع العرب "العرب وكل رؤساء قيدار"3، مما يدل على أن مواطن "قيدار" كانت تجاور العرب، ويراد بالعرب هنا: الأعراب، وهو ما يتفق مع ما جاء في نص "آشور بنبال" كل الاتفاق. وذكروا بعد "نبايوت" في التوراة، مما يدل على أنهم كانوا يقطنون في جوارهم، كما ذكروا مع "ممالك حاصور" التي ضربها "نبوخذ نصر" "بختنصر"4. وقد نكل "بختنصر" بالقيداريين كذلك، وخرب بلادهم وأخذ غنائم كثيرة منهم، واستولى على ما وقع في أيدي جيشه من أموالهم وخيامهم وغنمهم وجمالهم، وقد ورد وصف ذلك في سفر "إرمياء"5.

ويظهر من التوراة أن القيداريين كانوا أعرابًا يعيشون في الخيام عيشة أهل البداوة6، وقد وصفت خيامهم بأنها خيام سود "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، كخيام قيدار، كشقق سليمان"7، والخيام السود هي بيوت أهل الوبر. وكانوا يعتنون بتربية المواشي، وقد اشتهروا بأن فيهم رعاة يملكون ماشية كثيرة8، إلا أن منهم من كان متحضرا سكن القرى والمدن9. ونجد "أشعياء" يتنبأ بإفناء "مجد قيدار، وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار"10، مما يدل على أن القيداريين كانوا قوة وعددًا ضخمًا، فيهم جماعة مهرت برمي السهام. ويتبين من "المزامير" أنهم غزاة، وحياتهم حياة غزو، لا يعرفون السلام

1 pliny، 5، 21، 65، enc. Bibli. P. 2213، forster vol. I، 238 ff

2 musil deserta p. 485

3 حزقيال، إصحاح 27، الآية 21.

4 إرمياء، الإصحاح 49، الآية 28.

5 إرمياء، الإصحاح 49، الآية 28 وما بعدها.

6 قاموس الكتاب المقدس "2/ 230".

7 نشيد الأناشيد، الإصحاح الأول، الآية 5.

8 قاموس الكتاب المقدس "2/ 230".

9 أشعياء، الإصحاح 42، الآية 11، قاموس الكتاب المقدس "2/ 230".

10 أشعياء، الإصحاح 21، الآية 16 وما بعدها، Hastings، P. 512

ص: 90

ولا الاستقرار1.

وقد ذكروا مع العرب في جملة من تاجر مع العبرانيين، تاجروا معهم "بالخرفان والكباش والأعتدة2". وكانوا مثل قبائل العرب الأخرى على احتكاك بالعبرانيين، يتاجرون معهم تارة، ويخاصمونهم تارة أخرى، ويظهر أنهم كانوا على عداء شديد معهم، وخصومة منكرة في أيام "أشعياء" و"إرمياء"، كما يتبين ذلك من الهجوم العنيف الموجه إليهم في سفريهما ومن فرح العبرانيين من النكبات التي حلت بهم، ولا سيما انتقام "بختنصر" منهم. ويظهر أنه غزاهم؛ لأنهم كانوا يتحرشون بالبابليين أثناء مرورهم بالبادية إلى فلسطين، مما حمل "بختنصر" على الانتقام منهم ومن قبائل أخرى كانت ضاربة في البادية وفي الطرق المؤدية إلى بلاد الشام.

وقد ذكر أهل الأخبار اسم رجل دعوه "قدار بن سالف"، زعموا أنه كان يدعى "أحيمر ثمود"3، وأنه هو الذي عقر الناقة، ناقة النبي صالح4، وذكروا أن "قيدار بن إسماعيل" هو أبو العرب، وزعم بعضهم أنه كان نبيا، وزعم أن له قبرًا ومشهدًا يزار قريبًا من السلطانية بالعجم، وأعقب من ولده "حمل بن قيذار"، وله ابن يقال له "سواري". وقد ذكر أهل الأخبار أن "كعب الأحبار" قال:"قال الله لرومية: إني أُقسم بعزتي لأهبن سبيك لبني قاذر، أي: بني إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام يريد العرب"5. وإذا صح أن هذا الكلام هو من كلام "كعب" حقًّا، فإنه يدل على تحريض "كعب" للمسلمين على اكتساح إمبراطورية الروم، وقد كان اليهود يكرهون الروم، لما أوقعوه بهم من ظلم، وأنه كان يعبر عن الحالة التي كانت بين الروم والعرب في ذلك الزمان. وليس الكلام المذكور، كلام الله في التوراة

1 المزامير، المزمور 120، الآية 5 وما بعدها.

2 حزقيال، الإصحاح 27، الآية 21.

3 الطبري "1/ 314""دار المعارف"، "قيذر" منتخبات "ص84" مروج "1/ 394"، ابن خلدون "2/ 298"، تاج العروس "3/ 483 فما بعدها".

4 تاج العروس" 3/ 483".

5 تاج العروس "3/ 485"، عن "قيذار": الطبري "2/ 193"، "قيذر": منتخبات "ص 84"، مروج "1/ 394"، ابن خلدون "2/ 298".

ص: 91

وإنما هو كلام "كعب". ولكعب أمور عديدة من هذا القبيل، إذ يضع كلامًا يزعم أنه من كلام الله المذكور في الكتب المنزلة.

وأما "أدبئيل""Adbeel"، فكناية عن قبيلة عربية أخرى من القبائل الإسماعيلية، يرى بعض علماء التوراة أنها عاشت في جنوب غربي البحر الميت1. ويظن أنها قبيلة "إدب إيلة" "Idibaila" "Dibiila" "إدبئيلة" "إدبعيلة" "دبئيلة" و"بعيلة" المذكورة في كتابة من كتابات الملك "تغلا تبلسر الثالث"2. وقد ذكر هذا الملك أنه عين نائبا عنه، أو "مندوبا ساميا""قيبو""Kepu" على خمسة عشر موضعًا، وكان اسم هذا المندوب "أدب أل""أدب أبل""أدبئيل""Idibiil"، وهو سيد قبيلة عرفت بهذا الاسم. والظاهر أنه فوض إليه أمر حماية الحدود والمحافظة عليها من الغزو، وتقع أرض هذه القبيلة على مقربة من الحدود المصرية وفي الجنوب من غزة3. وكانت هذه القبيلة لا تزال موجودة في أيام المؤرخ اليهودي "يوسف فلافيوس"4.

ويلي "أدبئيل""أدب أل""أدب أيل" في تسلسل أولاد إسماعيل، مبسام "Mibsam"، وقد سُمي في بعض الكتب العربية "ميشا"، ولا نعرف من أمر هذه القبيلة شيئًا5.

وأما "مشماع"، وقد سُمي "منسى" و"منشى" و"مسمع" و"مشماعة" في بعض الكتب العربية، فلا نعرف من أمره شيئًا. ويتصور بعض العلماء أن لهذا الاسم علاقة بقبيلة "بني مسماع" أو "جبل مسماع""جبل مسمع" قرب تيماء6.

ورأى "فورستر" أن "مشماع" هي قبيلة "Masmaos" التي ذكرها "يوسفوس"، على أنها من القبائل العربية التي كانت تعيش في أيامه7. ويرى

1 enc. Babli. P. 2213

2 "تفلاتبليزر الرابع" عند "ألويس موسل"،

Musll، hegaz، p. 291، deserta، p. 278. f. hasttings، p. 12، delitzch، paradies، s. 301، enc. Bibli. P. 65

3 schrader، kat. S. 58

4 forster، I، p.، 266

5 forster، vol. I، p. 273، enc. Bibli. P. 3067، musil، deserta، p. 470

6 قاموس الكتاب المقدس "2/ 344"، enc. Bibli. P. 3154

7 forster، vol. I، p. 274

ص: 92

"فورستر" أيضا أن قبيلة "Masaemanes" التي ذكرها "بطلميوس" هي هذه القبيلة كذلك1. وهذا الاسم قريب من اسم "ماء السماء".

و"دومة" هو "دوما" في بعض الكتب العربية، وهو كناية عن موضع "دومة الجندل"2، وقد عرف بـ"دوماتا""Domatha" عند "بلينيوس"3 وبـ"Doumaetha""Dumaetha" عند "بطلميوس"4، وبـ"Adumu""أدومو" في الكتابات الآشورية5، وهو كناية عن موضع وعن اسم قبيلة عربية؛ فقد ورد أن شعبًا اسمه "Dumathii" كان يقدم قربانًا "ولدًا" في كل سنة إلى آلهته، ويدفن ذلك القربان في معبد الإله، ويراد به شعب "دومة الجندل"6.

وقد ورد اسم "مسا""Massa" في النصوص الآشورية مقرونًا بـ"تيما""تيماء"، ويرى بعض العلماء أنه كناية عن قبيلة كانت منازلها في الشرق والجنوب الشرقي من "موآب"7. ويرى بعض آخر أن مواطنها في الأرضين الجنوبية من وادي السرحان، وفي غرب منازل "عريبي" "أريبي"8.

وجاء في رسالة أرسلها أحد "المقيمين" الآشوريين إلى ملك آشوري لم يرد اسمه في الكتابة أن "ملك قمرو""مالك قمرو"9 بن "عميطع" سيد قبيلة "مسئا""Masa" غزا قبيلة "Nabaati"، وقتل عددًا من أتباعها10. والظاهر أن هذه القبيلة، هي القبيلة المذكورة في التوراة.

1 forster، vol. I، p. 274

2 "ودما، وهو دوما، وبه سميت دومة الجندل"، ابن سعد، طبقات "جـ1 ق1، ص25".

3 pliny، 6، 28، &، 157، forster، vol.، I، p. 281

4 forster، vol. I، p. 281

5 enc. Bibli. P. 1142، 2213، musil، deserta، p.، 480

6 hastings، a dictionary of the bibli، vol. I، p. 630 burckhardt، travels in Syria، 662، ritter، erdkunde von arabien، ii، s. 360 ff

7 hastings، p. 591، enc. Bibli. P. 2213، 2972، musil، hegaz، p. 288

8 musil، deserta، p. 478

9 مالك قمر، ملك قمر، ملك القمر، مالك القمر، ملك أمره، وما شابه ذلك من أسماء.

10 musil، deserta، p. 478، delitzch، paradise، p.، 302، rawlinson، cuneliform inscriptions، vol. 4 P. 1. 54،No.1

ص: 93

وأما "حدد" أو "حدار"، كما دُوِّن في سفر التكوين1، فإنه "أدد" عند بعض أهل الأخبار2. وقد تكون لاسمه علاقة باسم الإله "حدد" أو "أدد" المعبود الشهير الذي تعبد له الآراميون وقبائل عربية كثيرة، وكذلك الآشوريون والبابليون3. ولا نعرف من أمر قبيلة "حدد" هذه شيئًا يذكر في الزمن الحاضر.

وأما "تيما"، فإنه "طما" في الكتب العربية، وهو كناية عن "تيماء"4، وسوف أتحدث عنها. وأما "يطور"، وهو "وطور" وما أشبه ذلك في الكتب العربية، فقبيلة عرفت بـ"Ituraea" في المؤلفات اليونانية واللاتينية5، وقد حاربت العبرانيين، وكانت تقيم شرقي نهر الأردن في أيام الملك "شاءول". ويظهر أنها هاجرت نحو الشمال، فسكنت في الأقسام الجنوبية من لبنان وفي الحافات الشرقية من جبال لبنان، وقد أجبر الملك اليهودي "أرسطوبولس الأول""Aristobulus I""107 قبل الميلاد" قسمًا من اليطوريين على التهود، وكان قد استولى على أرضهم، وكان لهم ملوك. وفي أيام ملكهم "سوهومس""سوحومس""سوخومس""Sohumus" أدخلت أرضهم في مقاطعة "سورية" وذلك في سنة "50" ب. م. وقد كابدت دمشق مصائب شديدة من غزوات اليطوريين6.

وكانت مواطن اليطوريين فيما بين "اللجاة""Trachonitis" و"الجليل"، وعرفت بـ"جدورا"، وبـ"إيطورية"7. وقد عرفوا بمهارتهم في الرماية، وقد ذكرهم "سترابو"8. والظاهر أن مواطنهم الأصلية كانت في البادية، ومنها جاءوا إلى "إيطورية" ثم ذهبوا إلى الأقسام الجنوبية من لبنان وإلى سهل البقاع. وقد ضيق عليهم الرومان في حوالي الميلاد وأجبروا بعضهم على الرجوع إلى البادية

1 الإصحاح 25، الآية 15، قاموس الكتاب المقدس "1/ 360".

2 الطبري "1/ 314".

3 Hastings، P. 323

4 enc. Bibli. P. 2213، foster، vol. I، p. 310

5 enc. Bibli. 2213. josephus، anti. Xiii، ii، 3

6 Enc. Bibli، P. 2213

7 قاموس الكتاب المقدس "2/ 513".

8 strabo، xvl، ii، 10

ص: 94

ويظهر أن سبب ذلك هو عدم خضوعهم للسلطات وغاراتهم على الحضر. وقد قتل "مارقوس أنطونيوس""Marcus Antonius"، ملك اليطوريين في سنة "34" ق. م. وكان يدعى "ليسانياس""1Lysanias، وتوفي "زنودوروس" "Zenodorus" الذي خلفه في سنة "20" ق. م، واستولى "هيرود الكبير" "Herodes the Great" على قسم من أرض اليطوريين. ولما قسمت مملكة "هيرود"، صارت هذه الأرضون من نصيب "فيليب"2.

وفي أيام "لوقا"، كانت "Ituraea" منطقة تقع على ما يظهر في شمال شرقي "بحر الجليل"3، ويخترق الطريق الروماني الذي عمله الرومان من "دمشق" إلى "طبرية""طبريا"4 هذه المنطقة.

وقد كوَّن اليطوريون لهم إمارة أو مملكة في "البقاع"، كان حكامها رجال دين أي: كهانًا وملوكًا في آن واحد. وقد عرفنا منهم رجلًا اسمه "Mennaios" وهو اسم قريب من الأسماء العربية، فلعله "معن"، أما ابنه فقد سمَّى نفسه باسم يوناني، هو "بطلميوس""Ptolemaios". وكان لهذا الملك، أي "بطلميوس" ولدان، هما:"Lysanias"، وقد تولى الملك من بعد والده و"فيليب""Philippion"، وأما "زينودور""Zenodor"، فقد خلف "Lysanias" وأما "Sohaimos""Sohumus"، فإنه اسم قريب من "سحيم" ومن "سهيم" و"سخيم" و"سهم"، وأمثال ذلك، وهي أسماء عربية معروفة5.

ويظهر أن ارتحال "اليطوريين" من الأقسام الشرقية من الأردن نحو الشمال، نحو دمشق، ثم سهل البقاع حتى ساحل البحر الأبيض، كان قبل القرن الثاني قبل الميلاد. ولعلهم هم العرب الذين ذكر أن الإسكندر الكبير كان قد حاربهم بعد حصاره لمدينة "صور" "6Tyros.

1 dio casius، xiix، 32، hastings، p. 418

2 hastings، p. 418، josephus، anti. Xv، x، 3

3 hastings، p. 418

4 the bible dictionary، I، p. 573

5 die araber in der alten welt، I، s. 279، 315، m. lidzbarski ephemeris، I، "1990-1902"، 335.

6 die araber in der alten welt، I، s. 170، 179

ص: 95

وقد كون الرومان فرقًا محاربة من "اليطوريين"، اشتركت معهم في الحروب، وقد امتازت بعض هذه الفرق في حذقها بالرمي. وكون "مارك أنتوني""Marcus Antonius" حرسًا خاصًّا منهم، أشير إليهم في الموارد اليونانية واللاتينية1.

و"نافش""Naphish" هو "نفيس" عند الأخباريين2، ويرى بعض علماء التوراة احتمال كون "بنو نفسيم""Naphisim" المذكورون في سفر "عزرا" هم "نافش" هؤلاء3.

وأما "قدمة" فهو "قيدمان" و"قيذما" وما شاكل ذلك في المؤلفات العربية3، ولا نعرف من أمرهم شيئًا يذكر في الزمان الحاضر، ولعلهم "القدموينين" الذي أدخلت أرضهم في جملة "الأرض الموعودة" المذكورة في التوراة4، وكانت مواطنهم عند "البحر الميت". ومن العلماء من يظن أن لهم صلة بـ"بني قديم""Bene Kedem"، أي:"أبناء الشرق"5. وذهب "فورستر" إلى احتمال كون "قدمة" موضع "رأس كاظمة" على الخليج6. ولما كانت "قدمة"7 من القبائل الإسماعيلية، وقد ذكرت مع القبائل الإسماعيلية في التوراة، ومواطنها كلها لا تبعد كثيرًا عن فلسطين، فإني أرى أن مواطن هذه القبيلة يجب أن تكون أيضًا في هذه المواضع، أي في مكان لا يبعد كثيرًا عن فلسطين.

والغالب على أبناء إسماعيل البداوة، أي: حياة التنقل والغزو والرماية؛ لذلك كانت ملاحظة التوراة عن إسماعيل من أنه سينشأ راميًا، ملاحظة حسنة تدل على تبصر بأمور "الإشماعيليين" الذين كانوا يقومون بالغزو ويرمون بالسهام.

أما المجموعة الثالثة من مجموعات أنساب العرب المذكورة في التوراة، فإنها مجموعة قبائل نسبت إلى "قطورة" زوج "إبراهيم". وقد ذكرت التوراة

1 hastings، a dictionery، ii، p. 521

2 الطبري "1/ 314".

3 عزرا، الإصحاح الثاني، الآية 50، hastings، p. 645، enc. Bibli. P. 3331

4 الطبري، "1/ 161"، "1/ 314"، "دار المعارف" ابن سعد، الطبقات "جـ1، ق1، ص25".

5 التكوين، الإصحاح الخامس عشر، الآية 19.

6 hastings، p. 512، enc. Bibli. P. 3331

7 forster، vol. I، p. 313

ص: 96

أنها ولدت له "زمران، ويقشان، ومدان، ومديان، ويشباق، وشوحًا"1، وولد يقشان: شبا، وددان، وكان بنو ددان: أشوريم، ولطوشيم، ولأميم، وبنو مديان: عيقة، وعفر، وحنوك، وأبيداع، والدعة2. ويبلغ عدد القبائل المنحدرة من "قطورة" ست عشرة قبيلةً3.

فـ "قطورة" إذًا هي مجموعة قبائل مثل الإسماعيليين واليقطانيين، وهي تتفق مع القبائل الإسماعيلية في أنها تنحدر من صلب إبراهيم، وهي من هذه الناحية أقدم عهدًا من القبائل الإسماعيلية؛ لأن والد هذه القبائل هو إبراهيم، أما والد القبائل الإسماعيلية، فهو إسماعيل وهو ابن إبراهيم.

والأسماء المذكورة كناية عن قبائل عربية ألّفت مجموعة خاصة، كان حلفًا على ما يظهر تألف من قبائل رجعت نسبها إلى أصل واحد هو "قطورة"، انتشرت قبائله في الأرضين الواقعة بين القبائل العربية الإشماعيلية وبين القبائل اليقطانية. وتشير قصة زواج "إبراهيم" بقطورة إلى صلة القطوريين بالإشماعيليين، والإشماعيليون من صلب إسماعيل بن إبراهيم، ويؤخذ على أنه كناية عن اختلاط قبائل المجموعتين، أي: الحلفين بتعبير أصح. ووجود أسماء بعض قبائل يقطانية وبعض قبائل كوشية في قائمة أسماء أبناء قطورة، هو أيضا دليل على وجود صلات بين هذه الأحلاف الثلاثة، وعلى تداخل القبائل واختلاطها بعضها ببعض.

أما أولاد "قطورا" عند أهل الأخبار، فهم: يقسان، وزمران، ومديان، ويسبق، وسوح، وبسر على رواية4، ومدن ومدين ويقسان وزمران ويسبق وسوح على رواية أخرى5، ومدن ومدين ويقشان، وزمران، وأشبق، وشوخ6. وقد أخذت هذه الأسماء كما نرى من التوراة، إلا أن من أخذها حرَّف فيها بعض التحريف، وخالف الترتيب الموجود للأسماء في التوراة فقدم وأخر، وأضاف اسما جديدا هو "بسر" على الرواية الأولى، وضعه في مكان "مدان"،

1 التكوين، الإصحاح الخامس والعشرون، الآية1، فما بعدها.

2 التكوين، الإصحاح الخامس والعشرون، الآية1، فما بعدها.

3 Hastings، P. 514

4 الطبري "1/ 159"، "1/ 309"، "دار المعارف".

5 الطبري "1/ 160".

6 ابن سعد، الطبقات "حـ 1، ق 1، ص22".

ص: 97

إلا أن الطابع التوراتي ظل بارزًا واضحًا عليها. فلا حاجة بنا إلى إرجاع كل اسم منها إلى الاسم المقابل له في التوراة.

وزوَّج أهل الأخبار "يقشان""يقسان"، من امرأة سموها "رعوة بنت زمر بن يقطن بن لوذان بن جرهم بن يقطن بن عابر"، وأولدوا لها ولدًا دعوه "البربر"، قالوا عنه: إنه جد "البربر"1. وهو زواج لا تعرف عنه التوراة شيئا، وأما الزوج "رعوة بنت زمر بن يقطن" فليس لها ذكر فيها أيضا، وأما نسبها، فهو نسب اخترعه من اخترعها، وليس له لذلك ذكر في التوراة. وأما "بربر" بن "رعوة" فهو من صنع صانع أخبار أمه، وليس له ذكرٌ ما في التوراة.

ولفظة "بربر" في الكتاب المقدس لفظة تعني "الغريب"، وهي من أصل يوناني، وقد أطلقها اليونان على الغرباء الناطقين بلغة أخرى غير اللغة اليونانية2. ولم تستعمل علما على جنس معين له جد وأب ونسل؛ ولذلك، فإن ربط نسب "البربر"، وهم سكان المناطق المعروفة من شمال إفريقيا، بـ"رعوة" وبقحطان، هو من صنع "أهل الأخبار"، وقد وقع في الإسلام بالطبع وبعد الفتح الإسلامي لتلك المناطق؛ لغايات سياسية، على نحو ما حدث من ربط نسب الفرس واليونان والأكراد بالعرب.

ولم يشر الأخباريون وأهل الأنساب إلى "القطوريين" كطبقة خاصة من العرب، وقد أشار بعضهم إلى قبيلة عربية عرفت بـ"قطورة"، ذكروا أنها عاشت مع "جرهم" بمكة3. ولعل لتشتت شمل القبائل القطورية ودخولها في القبائل الأخرى: قحطانية وعدنانية، وفي جهل أهل الكتاب في ذلك العهد، أي: أيام لجوء أهل الأخبار إليهم يسألونهم عن الأنساب، دخلًا في هذا الإهمال.

ويلاحظ أن بين أسماء قبائل "قطورة" أسماء وردت في جدول أنساب قبائل "يقطان"، وفي جدول أسماء أبناء "كوش". ويفسر بعض العلماء ذلك باتصال القبائل القطورية بالقبائل اليقطانية وبالقبائل الكوشية وباختلاطها بها وتلاحمها

1 الطبري "1/ 309"، "دار المعارف".

2 قاموس الكتاب المقدس "1/ 217". Hastings، P. 84

3 hastings، p. 514، enc. Bibli. P. 2660، ritter، erdkunde، 12، 19

ص: 98

معها، ونزولها بينها، فعد كتبة "أسفار التكوين" ذلك نسبًا، فأدخلوا القسم الذي دخل في اليقطانيين من اليقطانيين، والقسم الذي نزل بين الكوشيين من الكوشيين؛ ومن ثم صار ذلك نسبا ورابطة دم1.

وزوج إبراهيم "قطورة" معروفة عند أهل الأخبار، وقد دعوها بـ"قطوراء" وبـ"قطورا" وبـ"قنطوراء"2، ومعنى اللفظة في اللغة العبرانية:"البخور"، وقد تزوجها إبراهيم بعد وفاة "سارة"3. ولكنهم كعادتهم في معظم الأخبار التي أخذوها من أهل الكتاب، خلطوا في أخبارها وحرفوا فيها، فجعلوا لها نسبًا -ولم يرد له ذكر في التوراة- اختلفوا فيه أيضا، فصار "يقطن" والد "قطورة" في خبر4، وصار "يكفور" أو "مفطور" هو والدها في خبر آخر، وصار "إفراهم بن أرغو بن فالغ" هو والدها في خبر آخر أيضا5، وجُعلت عربية من العرب: تتكلم بهذا اللسان العربي المعروف. وقيل: إن اسمها "أنموتا" أو "أنمتلى"6، وصيرت "قطورا بنت يقطن"، ولكنهم أخرجوها أحيانا من العرب، وأضافوها إلى الكنعانيين7، كما جعلوها "قطورا بنت مقطور" من العرب العاربة8.

ولم يفطن أهل الأخبار إلى خلطهم في هذا النسب وإلى سكوت التوراة عن نسبها، ولا أدري من أين جاءوا بـ"يكفور"، أو "مفطور"؟! وكيف يجوز أن تكون "قطوراء" من نسل "إفراهم بن أرغو بن فالخ"؟! فـ"إفراهم" هو "إبراهيم"، وهو زوج "قطورة" لا والدها أو جدها أو جد جدها أو ما شاكل ذلك! ثم إن نسب "إبراهيم" على هذه الصورة هو نسب مغلوط يدل على جهل، فإنه "إبراهيم" وهو "إبرام" في التوراة، هو ابن "تارح"

1 Musil، Hegaz، P. 287

2 القاموس "2/ 123"، اللسان "6/ 422".

3 التكوين، الإصحاح 25، أخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول، الآية 32.

4 الطبري "1/ 159"، الكامل "1/ 48".

5 الطبري "1/ 59"، الكامل "1/ 48"، ابن سعد، الطبقات "جـ1، ق1، ص22".

6 الطبري "1/ 159".

7 الطبري "1/ 309""دار المعارف".

8 الطبري "1/ 311"، "دار المعارف".

ص: 99

و"تارح" هو ابن "ناحور" و"ناحور" ابن "سروج" وهذا هو ابن "رعو" الذي صار "أرغو" عند الإسلاميين، و"رعو" هو ابن "فالج" الذي صير "فالغ" عند أهل الأخبار؛ فترى من ذلك كيف خلط أهل الأخبار، وكيف كان علمهم بالقصص المأخوذ من التوراة. وكل هذا الجهل ناشئ من اعتمادهم على الأخذ شفاهًا من أهل الكتاب، ومن عدم رجوعهم إلى نص التوراة1.

ويلاحظ أن أكثر الذين قالوا في "قطورة""قطوراء" و"قطورا"، ذكروا أولادها على نحو ما ورد في التوراة. أما الذين قالوا "قنطوراء"، فقد نسب أكثرهم إليها الترك والصين، وأضاف بعضهم إليها السودان في بعض الأحيان2. وهو نسب تكرم به عليها أهل الأنساب والأخبار؛ فليس في التوراة ذكر لهؤلاء الأولاد النجباء، ولعل إلحاق هؤلاء بـ"قنطوراء" إنما كان لغرض سياسي، هو إدماج نسب الترك والصين بالعرب؛ ترضية لهم، كما فعلوا بالنسبة إلى شعوب أعجمية أخرى. ويرد اسم "بنو قنطوراء" في الملاحم والتنبؤات، فرووا أحاديث تدل على شعور الخلافة الإسلامية بالخطر القادم من الترك والصين، وبأن النسب لم ينفع شيئًا معهم، إذ ورد:"يوشك بنو قنطوراء أن يخرجوكم من أرض البصرة"، وورد:"إذا كان آخر الزمان جاء بنو قنطوراء"3.

وزعم أهل الأخبار أن إبراهيم تزوج من زوج أخرى كانت من العرب أيضًا، أسموها "حجور بنت أرهير"، ولدت له خمسة بنين:"كيسان، وشورخ، وأميم، ولوطان، ونافس4". وليس في التوراة ذكر لهذه الزوج العربية، فليس لها نسل فيها بالطبع، فالأولاد هم من نسل مخيلة أصحاب الأخبار، جمعوها من أسماء توراتية مرت وتمر علينا في مواضع من هذا الكتاب، وضبطوها بعدد؛ لتظهر بمظهر خبر صحيح مضبوط.

ومن الأخباريين من أحجم عن تعيين هوية زوج إبراهيم، فلم يذكروا شيئًا

1 راجع نسب إبراهيم في التكوين، الإصحاح الحادي عشر، الآية 15 فما بعدها.

2 القاموس "2/ 123"، اللسان "6/ 422".

3 اللسان "6/ 422".

4 الطبري "1/ 160"، "1/ 311"، "طبعة دار المعارف"، الكامل لابن الأثير "1/ 48"، ابن سعد، الطبقات "جـ1، ق1، ص22".

ص: 100

عن عروبتها أو عن أبيها وجدها، بل اكتفوا بذكر اسمها وحده، فدعوه "حجوني"، وقالوا: إنها ولدت له سبعة نفر هم: نافس، ومدين، وكيشان، وشروخ، وأميم، ولوط، ويقشان1.

ومعارفنا بالقبائل القطورية لا تختلف عن معارفنا بالقبائل الإسماعيلية واليقطانية من حيث الضآلة والضحالة. فهي قد لا تزيد في بعض الأحيان على الاسم؛ ذلك لأن التوراة لم تذكر شيئا عنها، ولأن المفسرين والأحبار الذين شرحوا التوراة، لم يذكروا شيئًا عن تلك القبائل، إما جهلًا بها، وإما لعدم وجود ميل بين العبرانيين إلى الوقوف على أحوال تلك القبائل التي ذكرت في التوراة لمناسبة من المناسبات؛ ولهذا ضحل علمنا بها أيضا. وليس أمامنا غير انتظار الحظ، فقد يكتشف العلماء موارد جديدة قد تساعدنا في الوقوف على أولئك الأقوام.

فزمران مثلًا، لا نعرف من أمره شيئًا يذكر، وقد ورد لدى "بلينيوس" اسم قبيلة عربية دعاها "Zamareni"، وهذا الاسم قريب من "زمران"؛ لهذا رأى بعض العلماء احتمال وجود صلة باسم هذه القبيلة القطورية2، كما ورد اسم موضع يقال له "زبرم""Zabram" يقع غرب مكة، يرى بعض الباحثين احتمال وجود صلة له بتلك القبيلة3، غير أن من الصعب الحكم أن أحد هذين الموضعين هو "زمران"4.

وأولد أهل الأخبار لـ"زمران" ولدًا سموه: "المزامير"، وهو في نظرهم جد "المزامير الذين لا يعلمون"5، وليس في التوراة ولد لـ"زمران" اسمه "المزامير" صفتهم أنهم لا يعلمون، وليس للفظة أية صلة بـ"المزامير" التي هي أغانٍ أو موشحات ترتل على صوت المزمار لتمجيد الله، وتقسم إلى خمسة كتب، يختم كل منها بتسبيحة، وتكرر لفظة "آمين" مرتين، أضافها

1 الطبري "1/ 160"، "1/ 311"، "دار المعارف"، الكامل لابن الأثير "1/ 48"، ابن سعد، الطبقات "جـ1، ق1، ص22".

2 enc. Bibli. P. 5419، pliny، 26، 32، "grotius"

3 enc. Bibli. P. 5419

4 glaser، skizze، 2، s. 451

5 الطبري "1/ 159"، "1/ 309"، "دار المعارف".

ص: 101

جامعو المزامير لا مؤلفوها1. وهي من لفظة "مزمور" "Mizmor" في العبرانية و"Mazmor" في السريانية و"Mazmur" في الأثيوبية، وتقابل "الزبور" و"الزبر" في القرآن الكريم2.

وقد ذكر "ابن النديم" على لسان "أحمد بن عبد الله بن سلام" من مترجمي التوراة والإنجيل، أن المزامير هي "الزبور"، وهي خمسون ومائة مزمور3. وهو عدد صحيح مضبوط، يدل على علمه بعدد المزامير؛ لأن ما ذكره هو عددها الصحيح.

والعلماء مختلفون فيما بينهم في المعنى "الأثنولوجي" لكلمة "زمران"، ويرى بعضهم أنها من "زمر" ومعناها "تيس جبلي"، ويقولون: إن بني "زمران" اتخذوا ذلك الحيوان "طوطمًا" لهم؛ ولذلك عرفوا به4.

أما "يقشان" فيرى "كلاسر" أنه موضع "وقشة"، وهو مكان من السراة في عسير5، ورأى "أوسيندر" أنه "يقش" في اليمن6. وذكر "الهمداني" اسم قبيلة سماها "بني وقشة" من قبائل "الجنب"7، وذهب فريق من العلماء إلى أن اللفظة هي تحريف للفظة "يقطان"8.

وقد ذكر أهل الأخبار أن "بني يقسان" أي: بني "يقشان" لحقوا بمكة فسكنوا بها9، ولكنهم لم يشيروا إلى بنية على نحو ما جاء في التوراة.

وأما "مديان""مدان""Midian" فإنه "مدين" في الموارد العربية،

1 قاموس الكتاب المقدس "1/ 513 وما بعدها"، Hastings، P. 769.

2 الإسراء، السورة رقم 17، الآية 55، آل عمران، 3، الآية 184، النحل، 16، الآية 44، الشعراء، 26، الآية 196، فاطر، 35، الآية 25، القمر، 54، الآية 43، 52.

3 الفهرست "ص34".

4 Hastings، P. 990

5 glaser، skizze، 2، s. 453

6 osiander، in zdmg. 10، 31 enc. Bibli. P. 2564

7 صفة "ص116".

8 enc. Bibli. P. 2564، hastings، p. 490، montgomery، arabia and the bible، p. 44

9 الطبري "1/ 311"، "دار المعارف".

ص: 102

وقد ورد ذكر "مدين" و"أصحاب مدين" في مواضع من القرآن1، ورد على سبيل العظة والتذكير بمصير يشبه مصير "مدين"، وأشار إلى نبيهم "شعيب":{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} 2.

وورد اسمهم في سورة "التوبة" مع قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم3، وورد مثل ذلك في سورة "الحج"4. ومما جاء في القرآن على لسان شعيب، قوله يخاطب أهل مدين: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 5. وورد في سورة هود ما يشير أيضا إلى أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان، فاستحقوا العقاب والعذاب؛ وذلك لترهيب أهل مكة، وكانوا تجارًا، من نقص المكيال والميزان، لئلا يصيبهم ما أصاب قوم شعيب حيث أصابهم الهلاك.

ويظهر من ذكر "الرجفة" أن حدثًا أرضيًّا، هزة أو هياج حَرَّة، أصابهم، فأثر فيهم6. وهذا ممكن جدا؛ لأن أرض مدين من مناطق الزلازل والحرار.

ولورود اسم "مدين" وقصة "شعيب" في القرآن الكريم، عني المفسرون وأصحاب قصص الأنبياء بجمع ما ورد عن أهل مدين وأخيهم شعيب من أخبار، غير أنهم لم يجدوا في ذاكرة من تقدمهم شيئًا، فاستعانوا بما ورد عند يهود. وقد أضاف الأخباريون إلى ذلك شيئا من القصص الشعبي، وشيئا ابتكروه، فأصبح "شعيب""شعيب بن نويت بن رعويل بن مر بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم"7. وقد ذكر الطبري وغيره من المفسرين والمؤرخين أن اسم "شعيب" "يثرون" "يثرو"8، وقد أخذوا ذلك من أهل

1 الأعراف، 7، الآية، 85، التوبة 9، الآية 70، هود، 11، الآية 84، 95، طه، 20، الآية 40، الحج، 22، الآية 44، القصص، 28، الآية 22، 25، 45، العنكبوت، 29، الآية 36.

2 الأعراف 7، الآية 85.

3 التوبة 9، الآية 70.

4 الحج 22، الآية 44.

5 الأعراف 7، الآية 85.

6 العنكبوت 29، الآية 36.

7 مروج الذهب "1/ 28".

8 الطبري "1/ 167"، الكامل لابن الأثير "1/ 61".

ص: 103

الكتاب ولا شك، ففي التوراة أن "موسى" نزل على أهل "مدين" بعد هربه من "فرعون"، وتزوج ابنة كاهن "مدين""مديان""يثرون"، واسمها "صفورة"، فولدت له ولدا دعاه "جرشوم""كرشوم"، فرأى المفسرون والأخباريون أن شعيبًا المذكور في القرآن الكريم، هو "يثرون" التوراة. ويرى "بول""Buhl" أن ذلك لم يكن معروفًا في صدر الإسلام وإنما حدث هذا بعد هذا العهد1.

وقد وضع بعض أهل الأخبار نسبًا عجيبًا مضحكًا لـ"شعيب"، فجعلوه "يثرون بن ضيعون بن عنقا بن نابت بن إبراهيم"2. وتعقل آخرون فقالوا: إنه "شعيب بن ميكيل" من ولد مدين3، وقيل غير ذلك. وكل هذا من وضع أهل الأخبار، وأهل الكتاب الذين أمدوهم بمثل هذه الأنساب والقصص، ولم يتورعوا من ادعاء أنهم وجدوا ذلك في كتب الله.

وقد عرف "يثرو""Jethro""Jether" بـ"رعوئيل""Reuel" أيضا في التوراة4، كما عرف بـ"حوباب بن رعوئيل" في موضع آخر5. ويظهر أن خطأً قد وقع في كتابة الاسم الثاني أو الأول؛ ولهذا صار "رعوئيل" في سفر الخروج و"حوباب بن رعوئيل" في سفر العدد. ونرى أن الاسم الذي ذكره "المسعودي" وغيره من أهل الأخبار لـ"شعيب" الذي هو "يثرو" يختلف مع اسمه المذكور في التوراة، ويرى بعض الباحثين أن كلمة "يثرو" ليست اسم علم له، وإنما هي كناية عن وظيفته وهي الكهانة، فقد كان كاهنًا في قومه، والكاهن هو "يثرو" في بعض اللغات العربية الجنوبية، وأما اسمه، فهو "رعوئيل" أو "حوباب بن رعوئيل"6.

وقد جعل الناس لشعيب قبرًا زعموا أنه على مقربة من "حطين" في موضع سماه "ياقوت""خيارة"7. وقال له "بول Buhl" "خربة مدين"8.

1 enc. Vol. 4، p. 389، j. horovitz، koranische untersuchungen، berlin، 1916. s. 119. ff

2 الطبري "1/ 167" الكامل، لابن الأثير "1/ 61".

3 الطبري "1/ 167" الكامل، لابن الأثير "1/ 61".

4 الخروج، الإصحاح الثاني، الآية 18.

5 العدد، الإصحاح العاشر، الآية 29.

6 Hastings، P. 465

7 البلدان "3/ 299".

8 Enc، Vol. 4، p. 389.

ص: 104

وقد ورد خبر "مدين" في غزوة "زيد بن حارثة" لجذام في "حسمى"1، ويظهر من بعض الموارد الإسلامية أن "مدين" كانت في صدر الإسلام من أرض "جذام"، وأنها كانت إذ ذاك أكبر من "تبوك"، وبها بئر زعم أنها البئر التي استقى منها موسى2.

ويظهر من شعر "كُثَير عزة" أنه كان في أيامه بمدين جماعة من الرهبان، يتعبدون، ويبكون من حذر العقاب3، وورد اسم بطن يقال له "بنو المدان"، كما ورد ذكر "مدان" في غزوة "زيد بن حارثة" بني جذام، ويقال له:"فيفاء مدان"4. و"المدان" اسم صنم أيضا، وبه عرف "بنو عبد المدان"5.

وفي التوراة أن "المديانيين" كانوا برفقة "الإشماعيليين" لما بِيع "يوسف"6، وأن موسى نزل عندهم وتزوج فيهم: أخذ ابنة "يثرون" كاهن "مديان""مدين"7. وفي موضع آخر أن "يثرون" من "بني القيني" "8Kenite ويظن أن "بني القيني" هم فرع من فروع "مديان"9.

1 ابن هشام "1/ 994""طبعة وستنفلد".

2 صفة "129"، اللسان "17/ 289"، البلدان "8/ 418"، ابن خرداذبه، المسالك "ص129"، "طبعة دي غويه"، ابن رستة، الأعلاق "طبعة دي غويه" ص177"، أحسن التقاسيم، "ص155"، "طبعة دي غويه"، البلدان لليعقوبي "ص341"، "طبعة دي غويه"، البكري، معجم، "2/ 516 فما بعدها"، "طبعة وستنفلد".

3 البلدان "8/ 418".

4 اللسان "17/ 289".

5 "والمدان: صنم، وبنو المدان: بطن"، اللسان" 17/ 289"، Enc، bibli. p. 3002.

6 "فمر قوم مدينيون تجار، فجذبوا يوسف وأصعدوه من البئر وباعوه للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتوا بيوسف إلى مصر" التكوين، الإصحاح السابع والثلاثون، الآية 28.

7 الخروج، الإصحاح الثالث، الآية 1 وما بعدها، "وكان موسى يرعى غنم يثرو حميه كاهن مدين، فساق الغنم إلى ما وراء البرية، حتى أفضى إلى جبل الله حوريب".

8 القضاة، الإصحاح الأول، الآية 16.

9 hastings، p. 616، enc. Bibli. P. 3080

ص: 105

وقد اتحد "المديانيون" مع "مؤاب" ضد إسرائيل1، وفي أيام "جدعون""Gideon" كان المديانيون قد ضايقوا العبرانيين مضايقة شديدة، وكانوا قد اتفقوا مع العمالقة و"بني المشرق"، فتمكن "جدعون" من إخراجهم. وقد ورد في سفر "القضاة" اسم أميرين من أمراء المديانيين، هما "غراب""Oreb"، و"ذئب" 2Zeeb، وورد في الإصحاح الثامن من القضاة اسم ملكين أو "شيخين" من "مديان" "مدين" هما:"زبح""Zebah" و"صلمناع" 3Zalmuna. والظاهر أنه لم يعد للمديانيين شأن منذ هذا العهد، فلم يرد عنهم شيء يذكر، ولعلهم ذابوا في القبائل العربية الأخرى4.

ويفهم مما جاء في "القضاة" أنهم كانوا فرعًا من "الإشماعيليين"5، والذي يفهم من مواضع متعددة من أسفار التوراة أن مواطن "المديانيين" كانت تقع شرق العبرانيين6. والظاهر أنهم توغلوا في المناطق الجنوبية لفلسطين، واتخذوا لهم هناك مواطن جديدة، عاشوا فيها أمدًا طويلًا بعد هذا التأريخ حيث يرد ذكرهم في الأخبار المتأخرة7. وقد ذكر "بطلميوس" موضعًا يقال له "مودينا""Modiana" على ساحل البحر الأحمر، يرى العلماء أنه موضع "مدين"، وهو ينطبق على موضع أرض مدين المعروفة في الكتب العربية8.

وذكر "يوسفوس فلافيوس" المؤرخ اليهودي المعروف مدينة سماها "Madiana" وقال: إن موسى زارها9، وذكر "بطلميوس" مدينة أخرى سماها "Madiama"10. وقد أشار المؤرخ "أويسبيوس" "Eusebius" إلى مدينة دعاها "مديم" "Madiam"، قال: إنها سميت بهذا الاسم نسبةً إلى ولد من أولاد "قطورة" زوج إبراهيم، وهي تقع في بادية الـ"سَرسَين" "Saracens" إلى شرق

1 القضاة، الإصحاح السادس، الآية 23.

2 القضاة، الإصحاح السابع، الآية 25، الإصحاح الثامن، الآية 3.

3 القضاة، الإصحاح الثامن، الآية 6 وما بعدها.

4 hastings، p. 616

5 القضاة، الإصحاح الثامن، الآية 24، enc. Bibli. P. 3081

6 enc. Bibli. P. 3081، hastings، p. 616

7 enc. Bibli. P. 3081

8 enc. Bibli. P. 3081، hastings، p. 616، ptolemy، vi، 7، 27، enc. Vol. 3، p. 104

9 josephus، archaeologia، ii، 257، "naber"، musil، hegaz، p. 278

10 ptolemy، geography، vi، 7، 27، enc. Bibli. 3081

ص: 106

البحر الأحمر، ويرى "موسل" أن "Madiama" أو "Madiam" هي "مدين"1.

ويظهر من التوراة أن "المدينيين" قد غيروا مواضعهم مرارًا، بدليل ما يرد فيها من اختلاطهم بـ"بني قديم" والعمالقة والكوشيين والإسماعيليين2. ويظهر أنهم استقروا بعد ضعفهم في المنطقة التي ذكر "يوسفوس" وجود مدينة "Madiana" فيها، أي: في القرون الأخيرة قبل الميلاد. ويرى "موسل" أنها تقع في جنوب "وادي العربة" وإلى جنوب وجنوب شرقي العقبة3.

ومن الصعب تعيين "بشاق"4، فقد رأى بعضهم أنه موضع "يسبق" وهو مكان في شمال سورية، ذكر في كتابات "شلمنصر" الثاني5. وقد ورد في خبر فتوحات "تغلا تبليزر" الأول اسم مكان يقال له "سوخ" "Sukh" أو "شوح" أو "شوخ" "Schukh"، ويقع شرق "حلب"، وهو لا يبعد كثيرًا عن أرض "يسبق" "Jasbuk". واسم "سوخ" قريب جدًّا من "شوح" الذي يلي اسم "يشباق" في التوراة؛ لذا رأى بعض العلماء أنه هو الموضع المقصود، وأن "يشباق" كناية عن هذا المكان، عن موضع "يسبق" الذي لا يبعد كثيرًا عن "شوح"6. ورأى بعض الباحثين أنه "الشبك"، وهو موضع يقع على طريق "السكة الرومانية" الموصلة إلى العقبة7.

وأما "شوحا"، فذهب بعض الباحثين إلى أنه موضع "سوخ""سوخو""Sukh""Suchu" المذكور في نص "أشور بنبال""860ق. م."8، ويقع على الجانب الأيمن من نهر الفرات9. وقد ذكرت أن نفرًا من الباحثين رأوا

1 musil، hegaz، 279

2 التكوين، الإصحاح الخامس والعشرون، الآية 6، الإصحاح السابع والثلاثون، الآية 52، 28 العدد، الإصحاح الثاني عشر، الآية 1، حبقوق، الإصحاح الثالث، الآية 7.

3 musil، hegaz، p. 287

4 hastings، p. 392

5 enc. Bibli. 2210، fr. Delitzch، in "zeitschrift fuer die keilschiftforschung und verwandte gebiete،"91. f.، 1885 w. smith، a dictionary of the bibli، comprising skizze، 2، s. 445. glaser، skizze، 2، s. 445. ff

6 glaser، skizze، 2، s. 445. ff

7 forster، I، p. 352. f

8 enc. Bibli. P. 4495

9 hastings، p. 852، enc. Bibli. P. 4495

ص: 107

أنه مكان "سوخ" المذكور في نص "تغلا تبليزر" الأول، وقد نسب أحد أصحاب "أيوب" الثلاثة، وهو "بلدد" إلى "شوح" فعرف بـ"الشوحي"1. ويظن كثير من العلماء أنه من قبيلة أو من أرض عرفت بـ"شوح"، وأن هذه القبيلة أو الأرض هي "شوحا"2.

وقد نسبت التوراة ولدين إلى يقشان هما: "شبا"، و"ددان"، ويجب أن تكون أرض "شبا" هنا في جوار أرض "ددان "؛ وذلك لورود "ددان" مباشرة بعد "شبا"، أي: على مقربة من موضع "ديدان" الذي هو "العلا" في الحجاز3. وأهل "شبا" المذكورون هنا، هم جالية سبئية من جاليات سبئية عديدة انتشرت بين اليمن وفلسطين، وفي السواحل الإفريقية المقابلة لليمن4، كما سأتحدث عن ذلك.

ولم تهب التوراة لشبا أولادًا، بل تركته عقيمًا، إنما وهبت شقيقه ددان عددًا من الأولاد ونسلًا، هم "أشوريم" و"لطوشيم" و"لأميم". أما "أشوريم "Ashurim" "Asshurim"، فإنهم قبيلة عربية من قبائل "قطورة" بإجماع علماء التوراة، ولا صلة لهم بـ"آشور"، أي: الآشوريين. وقد ورد في "التركوم" "Targum" أن "أشوريم" بمعنى سكان مستوطنة أو معسكر5. مما يدل على أن هؤلاء العرب كانوا مستقرين مقيمين في مستوطنات، ولم يكونوا أعرابًا.

وقد ورد اسم "آشور" في نصوص معينة مقرونا باسم موضع "عبر نهران"، وتقع هذه المنطقة من "طور سيناء" إلى "بئر السبع""Beersheba" و"حبرون"6 وتحاذي "مصرى" في جزيرة العرب على رأي "ونكلر"7.

ولا نعرف شيئًا عن "لطوشيم" و"لاميم"، ويظن "كلاسر" أنهم من سكان "طور سيناء"8.

1 أيوب، الإصحاح الثاني، الآية 11.

2 قاموس الكتاب المقدس "1/ 245"، enc. Bibli. P. 4495 hastings، p. 852

3 glaser، skizze، 2، s. 454

4 hastings، 2، p. 842

5 hastings، 2، p. 59

6 dnc. Bibli. P. 346، glaser، 1155، winckler، aof، 28. f. zdmg. 1895، s. 527، winckler، musri، 2، s. 51. ff

7 winckler، musri، 2، 51

8 glaser، skizze، 2، s. 460، enc. Bibli. P. 2768، hastings، p. 541

ص: 108

وأما "مديان""مدين"، فكان له من الأولاد: عيفة، وعفر، وحنوك، وأبيداع، والدعة1. فهم إذن قبائل من صلب "مديان" أي: مدين.

أما "عيفة"، فقد ورد ذكره في التوراة على أنه اسم قبيلة كانت تحمل الذهب واللبان على الجمال من "شبا" وتبيع تجارتها في فلسطين.

ذكرت مع "مدين"2، ويظهر أن "بني عيفة" وأهل مدين كانوا وسطاء أو تجارًا يذهبون إلى "شبا"، فيحملون الذهب واللبان؛ لبيع هذه السلع الغالية النفيسة في فلسطين. ولا نعرف من أمر هذه القبيلة في الزمن الحاضر شيئًا يذكر3.

وأما "عفر"، فاسم قبيلة يظن بعض العلماء أنها "بنو غفار" من "كنانة"4، أو موضع "يعفر" على مقربة من "الحنكية" بين تهامة وأبان5. ورأى "كلاسر" أنه موضع "Apparu" الذي ورد في كتابة تعود إلى "آشور بنبال"6.

وهناك مواضع أخرى اسمها قريب من اسم "عفر"، فعلى مقربة من "مكة" موضع يعرف بـ"عفر" وبـ"عفار"، وفي نواحي "العقيق" مكان يسمى "عفاريات"7. وذكر "الهمداني" "عفارًا" و"الخنقة"، واسماهما قريبان من "عفر" و"حنوك"8، غير أن في أعالي الحجاز في منطقة "مدين" وفي الأردن مواضع تسمى بأسماء قريبة من "عفر".

وأما "حنوك"، فلا نعرف من أمره شيئًا يذكر.، وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنه "الحنكية"، وهو موضع في شمال المدينة9.

وأما "أبيداع""Abida،"، فيرى "كلاسر" أنه موضع من هذه المواضع في الحجاز10، وقد ورد في النصوص السبئية اسم قريب من هذا الاسم11. ولا نعرف من أمر "الدعة" شيئًا حتى الآن12.

1 التكوين، الإصحاح الخامس والعشرون، الآية 4.

2 أشعياء، الإصحاح الـ60، الآية 6.

3 enc. Bibli. P. 1301، hastings، p. 231

4 enc. Bibli. P. 1301

5 enc. Bibli. P.1301

6 glaser، skizze، 2، s. 449

7 صفة "ص253".

8 البلدان "6/ 187 فما بعدها".

9 glaser، skizze، 2، s. 449، enc. Bibli. P. 1960

10 glaser، skizze، 2، s. 449

11 enc. Bibli. P. 1255

12 Enc. Bibli. P. 1255

ص: 109