المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وماتوا، نجد المعينيين مثلا يستعملون جملة: "أولدهو ود"1، أي "أولاد - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٢

[جواد علي]

الفصل: وماتوا، نجد المعينيين مثلا يستعملون جملة: "أولدهو ود"1، أي "أولاد

وماتوا، نجد المعينيين مثلا يستعملون جملة:"أولدهو ود"1، أي "أولاد ود"، و"ود" هو إله شعب معين الأكبر، كما نجد السبئيين يطلقون على أنفسهم "ولد المقه"2، أي أولاد الإله "المقه"، والمقه كما سنرى فيما بعد، هو إله سبأ الأول. ونجد القتبانيين يدعون أنفسهم "ولد عم" أي: أولاد عم3. ومعنى هذا، أن كل قبيلة من القبائل المذكورة، نسبت نفسها إلى إلهها الخاص بها واحتمت به، تمامًا كما فعل العبرانيون وغيرهم، إذ نسبوا أنفسهم إلى إله قومي اعتبروه إلههم الخاص بهم، المدافع عنهم، والذي يرزقهم وينفعهم، وقد يعد هذا نسبًا. أما نسب على النحو الذي يقصده ويريده أهل الأخبار، أي: جد عاش ومات وله أولاد وحفدة، فهذا لم يصل خبره إلينا في كتابات المسند، بل في كل ما وصل إلينا من كتابات جاهلية حتى الآن.

1 euting 57، jaussen et savignac

2 mission، I، p. 255، die altarabische kultur، I، s. 217. glaser 1000 a

3 glaser 1600، die altarabische kultur، I، s. 217

ص: 165

‌الأنساب:

وأقرب تفسير إلى أنساب العرب في نظري هو أن النسب، ليس بالشكل المفهوم المعروف من الكلمة، وإنما هو كناية عن "حلف" يجمع قبائل توحدت مصالحها، واشتركت منافعها، فاتفقت على عقد حلف فيما بينها، فانضم بعضها إلى بعض، واحتمى الضعيف منها بالقوي، وتولدت من المجموع قوة ووحدة، وبذلك حافظت تلك القبائل المتحالفة على مصالحها وحقوقها. قال البكري:"فلما رأت القبائل ما وقع بينها من الاختلاف والفرقة، وتنافس الناس في الماء والكلأ، والتماسهم المعاش في المتسع، وغلبة بعضهم بعضًا على البلاد والمعاش، واستضاف القوي الضعيف، انضم الذليل منهم إلى العزيز، وحالف القليل منهم الكثير، وتباين القوم في ديارهم ومحالهم، وانتشر كل قوم فيما يليهم".

لقد حملت الضرورات قبائل جزيرة العرب على تكوين الأحلاف؛ للمحافظة على الأمن وللدفاع عن مصالحها المشتركة كما تفعل الدول. وإذا دام الحلف

ص: 165

أمدًا، وبقيت هذه الرابطة التي جمعت شمل تلك القبائل متينة، فإن هذه الرابطة تنتهي إلى نسب، حيث يشعر أفراد الحلف أنهم من أسرة واحدة تسلسلت من جد واحد، وقد يحدث ما يفسد هذه الرابطة، أو ما يدعو إلى انفصال بعض قبائل الحلف، فتنضم القبائل المنفصلة إلى أحلاف أخرى، وهكذا نجد في جزيرة العرب أحلافًا تتكون، وأحلافًا قديمة تنحل أو تضعف.

لم يكن في مقدور العشائر أو القبائل الصغيرة المحافظة على نفسها من غير حليف قوي، يشد أزرها إذا هاجمتها قبيلة أخرى، أو أردات الأخذ بالثأر منها. لقد كانت معظم القبائل داخلة في هذه الأحلاف، إلا عددا قليلا من القبائل القوية الكثيرة العدد، يذكر أهل الأخبار أنها كانت تتفاخر لذلك بأنفسها؛ لأنها لا تعتمد على حليف يدافع عنها، بل كانت تأخذ بثأرها وتنال حقها بالسيف. ويشترك المتحالفون في الغالب في الموطن، وقد تنزل القبائل على حلفائها، وتكون الهيمنة بالطبع في هذه للقبائل الكبيرة.

وقد عرفت مثل هذه الأحلاف عند سائر الشعوب السامية كالعبرانيين مثلا، وطالما انتهت كما انتهت عند العرب إلى نسب، حيث يشعر المتحالفون أنهم من أسرة واحدة يجمع بينهم نسب واحد. ويقال للحلف أيضا "تحالف"، وعند اليمانين "تكلع".

ويرى "جولدتزيهر" أنه لفهم الأنساب عند العرب، لا بد من معرفة الأحلاف والتحالف؛ فإنها أساس تكون أنساب القبائل، فإن هذه الأحلاف التي تجمع شمل عدد من البطون والعشائر والقبائل هي التي تكوَّن القبائل والأنساب، كما أن تفكك الأحلاف وانحلالها يسبب تفكك الأنساب وتكوين أنساب جديدة، ويرى أيضا أن الدوافع التي تكون هذه الأحلاف لم تكن ناشئة عن حس داخلي بوجود قرابة وصلة رحم بين المتحالفين وشعور بوعي قومي، بل كانت ناشئة عن المصالح الخاصة التي تهم العشيرة كالحماية والأخذ بالثأر وتأمين المعيشة؛ ولذا نجد الضعيف منها يفتش عن حليف قوي، فانضمت "كعب" مثلًا إلى "بني مازن" وهم أقوى من "كعب"، وانضمت "خزاعة" إلى "بني مدلج"، كما تحالفت "بنو عامر" مع "إياد" وأمثلة أخرى عديدة. ولما كانت المصالح الخاصة هي العامل الفعال في تأليف الأحلاف، كان أمد الحلف يتوقف في الغالب على دوام تلك المصالح. وقد تعقد الأحلاف لتنفيذ شروط اتفق عليها، فمتى نفذت

ص: 166

أو تلكأ أحد الطرفين في التنفيذ انحل الحلف. وتعد هذه الناحية من النواحي الضعيفة في التأريخ العربي، فإن تفكير القبائل لم يكن يتجاوز عند عقدهم هذه الأحلاف مصالح العشائر أو القبائل الخاصة؛ لذلك نجدها تتألف للمسائل المحلية التي تخص القبائل، ولم تكن موجهة للدفاع عن جزيرة العرب ولمقاومة أعداء العرب. ولا يمكن أن نطلب من نظام يقوم على العصبية القبلية أن يفعل غير ذلك، فإن وطن القبيلة ضيق بضيق الأرض التي تنزل فيها، فإذا ارتحلت عنها ونزلت في أرض جديدة، كانت الأرض الجديدة الموطن الجديد الذي تبالغ القبيلة في الدفاع عنه. ولما كانت هذه النزعة الفردية هي هدف سياسة سادة القبائل، أصبحت من أهم العوائق في تكوين الحكومات المدنية الكبيرة في جزيرة العرب، ومن أبرز مظاهر الحياة السياسية قبل الإسلام.

خذ اختلاف النسابين في نسب بعض القبائل وتشككهم فيه، فإنه في الواقع دليل قوي يؤيد هذا الرأي، فقد اختلف في نسب "أنمار" مثلا؛ فمنهم من عدها من ولد "نزار"، ومنهم من أضافها إلى اليمن، والذين يضيفونها إلى "نزار" يقولون: إن أنمارًا من نزار، وأنمار هو شقيق ربيعة ومضر وإياد، فهو أحد أبناء نزار، دخل نسله في اليمن، فأضيفوا إليه، ومن هنا حدث هذا الاختلاف. أما اليمانية، فإنهم يرون أن أنمارًا هو منهم، وقد كان أحد ولد "سبأ" العشرة. فهو عندهم شقيق لخم وجذام وعاملة وغسان وحمير والأزد ومذحج وكنانة والأشعرين، ويرون أن بجيلة وخثعمًا من أنمار، ويستدلون على ذلك بحديث ينسبونه إلى الرسول.

وأما الذين يرجعون نسبه إلى "نزار" فيستدلون على نسبه هذا بحديث ينسبونه إلى الرسول أيضا. وفي الجملة لا يهمنا هنا موضوع نسب "أنمار" أكان في اليمن أم كان في نزار، وإنما الذي يهمنا أن الأحلاف تؤثر تأثيرًا كبيرًا في نشوء النسب، فلولا دخول أنمار في اليمن ونزولها بين قبائل يمانية، لما دخل نسبها في اليمن. ولولا دخول أنمار في قبائل عدنانية وتحالفها معها لما عدها النسابون من نزار، ولما عدوا أنمارًا ابنًا من أبناء نزار الأربعة. فاختلاط "أنمار" في اليمن وفي نزار وترددها بين الجماعتين هو الذي أوقع النسابين في مشكلة نسبها.

وطالما دفعت الحروب القبائل المغلوبة على الخضوع لسيادة القبائل الغالبة وقد تتحالف معها وتدخل في جورها، وإذا دام ذلك طويلًا، فقد يتحول الحلف والجوار إلى

ص: 167

نسب. ثم إن تقاتل القبائل بعضها مع بعض يؤدي أحيانًا إلى ارتحال بعض هذه القبائل المتقاتلة إلى مواطن جديدة فتنزل بين قبائل أخرى، وتعقد معها حلفًا وتجاورها ومتى طال ذلك صار نسبًا، كالذي ذكره أهل الأنساب من نزوح قبائل عدنانية إلى اليمن بسبب تقاتلها بعضها مع بعض، مما أدى إلى دخول نسبها في اليمن، وكالذي ذكروه أيضا من نزوح قبائل يمانية نحو الشمال واختلاطها بقبائل عدنانية مما أدى إلى دخول نسبها في نسب تلك القبائل.

وتجد في كتب الأنساب والأخبار أمثلة كثيرة على اختلاط أنساب قبائل معروفة في عدنان وفي قحطان، كما رأيت فعل السياسة في تكييف النسب في صدر الإسلام وفي عهد الدولة الأموية وتنظيمه، كما رأيت كيف أن بعض النسابين ينسبون قبيلة إلى أب قحطاني على حين ينسبها بعض آخر إلى أب عدناني، وكيف أن نسابي القبيلة كانوا يرون رأيا آخر. وقد رأيت كيف أن بعضهم أرجع نسب ثقيف إلى "ثمود" بغضًا للحجاج الذي كان من ثقيف، ورأيت أيضا اختلاف النسابين فيما بينهم في رسم شجرات الأنساب.

لقد وقع هذا الاختلاف لعوامل عديدة: سياسية وجغرافية وعاطفية، لا يدخل البحث فيها في هذا المكان.

هذا وقد أرجع "ابن حزم" جميع قبائل العرب إلى أب واحد، سوى ثلاث قبائل، هي: تنوخ، والعتق، وغسان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون. وقد نص غيره من أهل النسب على أن تنوخًا اسم لعشر قبائل، اجتمعوا وأقاموا بالبحرين، فسموا تنوخًا. وذكر بعض آخر أن غسان عدة بطون من الأزد، نزلت على ماء يسمى غسان، فسميت به. فترى من هنا أن تنوخًا والأزد حلف في الأصل، وقد صار مع ذلك نسبًا عند كثير من أهل الأخبار.

وبين أجداد القبائل والأسر الذين يذكرهم أهل الأنساب، أجداد كانوا أجدادًا حقًّا، عاشوا وماتوا.، وقد برزوا بغزواتهم وبقوة شخصياتهم، وكونوا لقبائلهم وللقبائل المتحالفة معها أو التابعة لها مكانة بارزة، جعلتها تفتخر بانتسابها إليهم، حتى خلد ذلك الفخر على هيئة نسب، ونجد في كتب الأنساب أمثلة عديدة لهؤلاء.

ص: 168