الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني عشر: طبقات القبائل
مدخل
…
الفصل الثاني عشر: طبقات القبائل
ورتب علماء الأنساب قبائل العرب على مراتب، هي: شعب، ثم قبيلة، ثم عمارة، ثم بطن، ثم فخذ، ثم فصيلة. فالشعب: النسب الأبعد مثل عدنان وقحطان، والقبيلة مثل ربيعة ومضر، والعمارة مثل قريش وكنانة، والبطن مثل بني عبد مناف وبني مخزوم، ومثل بني هاشم وبني أمية، والفصيلة مثل بني أبي طالب وبني العباس1، وجعل "ابن الكلبي" مرتبة بين الفخذ والفصيلة، هي مرتبة العشيرة، وهي رهط الرجل2. وبنى "النويري" طبقات القبائل على عشر طبقات، هي: الجِذْم، والجماهير، والشعوب، والقبائل، والعمائر، والبطون، والأفخاذ، والعشائر، والفصائل، والأرهاط3، ورتب "نشوان بن سعيد الحميري" القبائل على هذا النحو: الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الجيل، ثم الفصيلة، وجعل مضر مثال الشعب، وكنانة مثال القبيلة، وقريشًا مثال العمارة، وفهرًا مثال البطن، وقُصَيًّا مثال الفخذ، وهاشمًا للجيل، وآل العباس للفصيلة4.
1 بلوغ الأرب "3/ 187 فما بعدها"، اللسان "14/ 57"، "البطن: دون القبيلة، وقيل: هو دون الفخذ وفوق العمارة"، اللسان "16/ 199"، الإكليل "1/ 22".
2 العقد الفريد "3/ 283 فما بعدها".
3 نهاية الأرب "2/ 262 فما بعدها".
4 منتخبات "ص55".
وأكثر علماء النسب يقدمون الشعب على القبيلة، والظاهر أن هذه الفكرة كانت قد اختمرت في رءوس الجاهليين الذين عاشوا في الجاهلية القريبة من الإسلام، حيث ظهرت عندهم الفكرة القومية بمعنًى واسع، وحيث نجد عندهم ظهور الكلمات التي تشير إلى هذا المعنى، مثل إطلاقهم العرب على العرب جميعًا اصطلاحًا، وحيث أخذ الحس القومي يظهر بين القبائل بوجوب التكتل لمكافحة الغرباء، كالذي حدث في معارك اليمن مع الحبش، وفي معارك عرب العراق مع الفرس. وقد قدم القرآن الكريم الشعوب على القبائل {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} 1. فالشعوب هنا فوق القبائل، وتعبر عن هذا المعنى الواسع الذي أتحدث عنه.
وزاد بعض العلماء الجذم، بأن وضعوها قبل الشعب، ووضعوا الفصيلة بعد العشيرة، ومنهم من زاد بعد العشيرة الأسرة، ثم العترة. ورتبها آخرون على هذه الصورة: الجذم، ثم الجمهور، ثم الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم العشيرة، ثم الفصيلة، ثم الرهط، ثم الأسرة، ثم العترة، ثم الذرية. وزاد غيرهم في أثنائها ثلاثة، هي: البيت، والحي، والجماع.
والاختلاف الذي نراه من علماء النسب هو في الترتيب، أي: من حيث التقديم والتأخير، وفي إضافة بعض المصطلحات أو في نقصها. أما من حيث العموم، فإننا نجدهم يتفقون في الغالب ولا يختلفون أبدًا، في أن القبائل والأنساب كانت على منازل ودرجات، ولا بد أن تكون أكثر هذه المصطلحات مصطلحات أهل الجاهلية القريبين من الإسلام. أما بالنسبة إلى الجاهليين البعيدين عنه، فلن يكون حكمنا عليهم علميا إلا إذا أخذنا مصطلحاتهم من كتاباتهم. ولم نتمكن، ويا للأسف، من الحصول على مادة منها تفيدنا في هذا الباب، فليس لنا إلا الصبر والانتظار.
والقبيلة: الجماعة تنتمي إلى نسب واحد2، ويرجع ذلك النسب إلى جد أعلى، أو إلى جدة وهو في الأقل. ولا تزال اللفظة حية مستعملة يستعملها
1 الحجرات، الرقم 49، الآية 13.
2 المفردات، للراغب الأصفهاني "ص400".
العرب في كل مكان بالمعنى الاصطلاحي المستعمل عند النسابين1.
والقبيلة هي المجتمع الأكبر بالنسبة إلى أهل البادية، فليس فوقها مجتمع عندهم، وهي في معنى "شعب" عندنا وفي مصطلحنا الحديث. وتتفرع من القبيلة فروع وأغصان، هي دون القبيلة؛ لأنها في منزلة الفروع من الشجرة. ثم اختلفوا في عدد الفروع المتفرعة من القبيلة، فجعل بعضهم بعد القبيلة العِمارة ثم البطن، ثم الفخذ ثم الفصيلة2، وجعل بعض آخر ما دون القبيلة: العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة، وزاد بعض آخر قبل الشعب الجذم، وبعد الفصيلة العشيرة، ومنهم من زاد بعد العشيرة الأسرة، ثم العترة. ورتب بعض النسابين طبقات النسب على هذا النحو: جذم، ثم جمهور، ثم شعب، ثم قبيلة، ثم عمارة، ثم بطن، ثم فخذ، ثم عشيرة، ثم فصيلة، ثم رهط، ثم أسرة، ثم عترة، ثم ذرية. وزاد بعضهم في أثنائها ثلاثة، وهي: البيت والحي، والجماع3.
ويدل اختلاف النسابين في ضبط أسماء ما فوق القبيلة أو ما تحتها، واضطرابهم في الترتيب على أن هذا الترتيب لم يكن ترتيبًا جاهليًّا أجمع الجاهليون عليه، وإلا لما تباينوا هذا التباين فيه، ولما اختلفوا هذا الاختلاف في سرده، إنما هو ترتيب اجتهادي أخذه العلماء من أفواه الرواة ومن الأوضاع القبلية التي كانت سائدة في أيامهم ومن اجتهادهم أنفسهم، فرتبوها على وفق ذلك الاجتهاد.
وأكثر هذه المصطلحات لم ترد لا في الكتابات الجاهلية ولا في الشعر المنسوب إلى الجاهليين؛ لذلك يصعب على الإنسان أن يبدي رأيا علميا مقبولا فيها، وأعتقد أن خير ما يمكن فعله في هذا الباب هو استنطاق الكتابات الجاهلية وتفليتها وتفلية الشعر الجاهلي للبحث عما فيه من مصطلحات تتعلق بالنظم القبلية، وعندئذٍ نتمكن من تكوين رأي قريب من الصواب والصحة في هذا الموضوع.
ومن أجل ذلك قال "روبرتسن سمث": إن البطن والحي هما أساس أقدم أشكال المجتمعات السياسية عند الساميين.
1 Naval، P. 403.
2 بلوغ الأرب "3/ 188".
3 بلوغ الأرب "3/ 188".
كما استدل من أسماء بعض القبائل التي تحمل أسماء بعض الحيوانات، مثل: بني أسد، وبني كلب، وبني بدن، وبني ثعلب، وبني ثور، وبني بكر، وبني ضب، وبني غراب، وبني فهد، وما شاكل ذلك من أسماء جماعة من القبائل، وبعضها عمائر، وبعضها بطون أو فصائل على وجود "الطوطمية" عند العرب، وعلى أن هذه الأسماء هي من ذكريات "الطوطمية" القديمة.
وقد تأثر بنظريته هذه جماعة من العلماء، وعد بعض العلماء نظرية "الطوطمية" مفتاحًا يوصل إلى حل كثير من المسائل الغامضة من تأريخ البشرية القديم.
هذا وقد أرجع "ابن حزم" جميع قبائل العرب إلى أب واحد، سوى ثلاث قبائل هي: تنوخ، والعتق، وغسان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون. وقد نص غيره من أهل النسب على أن تنوخًا اسم لعشر قبائل، اجتمعوا وأقاموا بالبحرين، فسموا تنوخًا، وذكر بعض آخر أن غسان عدة بطون من الأزد، نزلت على ماء يسمى غسان، فسميت به. فترى من هنا أن تنوخًا والأزد حلف في الأصل، وقد صار مع ذلك نسبا عند كثير من أهل الأخبار في الدفاع عنه. ولما كانت هذه النزعة الفردية هي هدف سياسة سادة القبائل، أصبحت من أهم العوائق في تكوين الحكومات المدنية الكبيرة في جزيرة العرب، ومن أبرز مظاهر الحياة السياسية قبل الإسلام.
وينطبق ما قلته عن تنظيم القبيلة وبناء الأنساب عليه على أهل الحضر أيضًا؛ فالحضر، ولا سيما حضر الحجاز، وإن استقروا وأقاموا غير أنهم لم يتمكنوا من ترك النظم البدوية الاجتماعية القائمة على مراعاة قواعد النسب وفقًا للتقسيمات المذكورة. وهي تقسيمات أوجدتها طبيعة الحياة في البادية، تلك الحياة الشحيحة التي لا تتحمل طاقاتها تقديم ما يحتاج إليه مجتمع كبير مستقر من مأكل وماء؛ ولذلك اضطرت المجتمعات الكبرى وهي القبائل، على التشتت والانقسام والانتشار كتلًا تختلف درجات حجمها حسب طبيعة الأرض التي نزلت بها، من حيث الكرم والبخل. ولما استقر بعض هؤلاء البدو وتحضروا في أماكن ثابتة مثل مكة ويثرب والطائف، حافظوا على نظمهم الاجتماعية المذكورة الموروثة من حياة البادية، وعاشوا في مدرهم أحياءً وشعابًا عيشة قائمة على أساس الروابط الدموية والنسب، كما سأتحدث عن ذلك في الحياة الاجتماعية.
والنسب عند العرب، هو نسب يقوم إذن على الطبقات المذكورة، كما أن
الطبقات المذكورة قائمة على دعوى النسب، فبين النسب وبناء المجتمع صلة وارتباط، ولا يمكن فك أحدهما عن الآخر؛ ولهذا نجد شجرات الأنساب تتفرع وتورق وتزهر على هذا الأساس.
وأنا لا أستثني المجتمع العربي في الجنوب، الذي تغلب عليه حياة الاستقرار والسكن والاستيطان من هذا التنظيم. فنحن وإن لم نتمكن حتى الآن من الحصول على كتابات كافية تقدم لنا صورة واضحة عن الأنساب وعن تنظيمات المجتمع عند المعينيين والسبئيين وغيرهم من العرب الجنوبيين، غير أن في بعض الكتابات التي وصلت إلينا إشارات تفيد وجود هذا التنظيم عند العرب الجنوبيين.
والعرب الجنوبيون وإن غلبت عليهم حياة السكن والاستقرار، غير أن زمانهم لم يتمكن من تحرير نفسه من قيود الحياة القبلية، ولم يكن من الممكن بالنسبة لهم الابتعاد عن الاحتماء بالعصبية القبلية وبعرف القبيلة، فالطبيعة إذ ذاك طبيعة حتمت على الناس التمسك بتلك النظم لحماية أنفسهم وللدفاع عن أموالهم، حيث لا حق يحمي المرء غير حق العصبية القائم على أساس النسب والدم.
ويعبر عن القبيلة بلفظة "شعبم" و"شعبن" في العربيات الجنوبية، أي:"قبيلة" و"القبيلة"1. أما لفظة "القبيلة" فلم أعثر على وجود لها في كتابات المسند، فلعلها من الألفاظ الخاصة بأهل الحجاز ونجد. وأما ما دون "الشعب" أي القبيلة في اصطلاحنا، فلم أقف على مسمياتها بالنحو الذي يذكره أهل الأنساب، وإنما نجد العرب الجنوبيين يقسمون القبيلة إلى أقسام، مثل "ربعن" أي:"ربع" و"ثلثن" أي: ثلث، ويريدون بذلك ربع قبيلة وثلث قبيلة. وربما كانوا يقسمونها إلى أقسام أخرى، لم تصل أسماؤها إلينا، ولعل الأيام ستزودنا بما كان العرب الجنوبيون يستعملونه من مصطلحات في النسب عندهم، وذلك قبل الإسلام بزمان طويل، وبالمصطلحات التي كانوا يطلقونها على فروع القبيلة في تلك الأوقات.
وبينما نجد أهل الأنساب ينسبون أهل الوبر وأهل المدر إلى أجداد، عاشوا
1 راجع النصوص: 35، 69، 70، 75 من كتاب "نشر نقوش سامية قديمة" لخليل يحيى تامي.