المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الفصل العاشر: أثر التوراة ‌ ‌مدخل … الفصل العاشر: أثر التوراة لهذا المدون في التوراة - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٢

[جواد علي]

الفصل: ‌ ‌الفصل العاشر: أثر التوراة ‌ ‌مدخل … الفصل العاشر: أثر التوراة لهذا المدون في التوراة

‌الفصل العاشر: أثر التوراة

‌مدخل

الفصل العاشر: أثر التوراة

لهذا المدون في التوراة عن الإسماعيليين والقحطانيين، وعن نوح وأولاده، وعن الأنساب الأخرى، أثر ظاهر على عمل أهل الأخبار والأنساب الذين اشتغلوا بموضوع النسب في الإسلام، بل يظهر أن أثره كان فعالًا ومؤثرًا حتى في الجاهليين؛ وذلك لاتصالهم واختلاطهم بأهل الكتاب.

وكان لِما جاء في القرآن الكريم مجملًا من أمر آدم ونوح والطوفان وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل وغيرهم، وما جاء فيه من أمر عاد وثمود وقوم صالح وأصحاب الأيكة وقوم تُبَّع، أثر كبير أيضا في أهل الأخبار والتفسير حملهم على البحث عنهم، والتفتيش عن أخبارهم من الأحياء المسنين الذين كانوا يقصون على جيلهم قصص الماضين وأخبار العرب المتقدمين، ومن أهل الكتاب الذين كان لهم إلمام بما جاء في التوراة من الرسل والأنبياء والأمم القديمة والأنساب.

ويمكن حصر الروايات الواردة في الأنساب، والمأخوذة من أهل الكتاب وإرجاعها إلى الطرق الأصلية التي وردت منها وإلى الأماكن التي ظهرت فيها، وسنجد بعد البحث أن أكثر رواة هذا النوع من الأخبار كانوا قد استقوا من معين واحد، هم مسلمة أهل الكتاب، مثل: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، ومحمد بن كعب القرظي، ورجل من أهل تدمر عرف

ص: 61

بـ" أبي يعقوب" كان يهوديا فأسلم، وقد زود "ابن الكلبي" وغير ابن الكلبي بقسط من هذه الأسماء التي يستعملها النسابون في الأنساب. وكان "محمد بن إسحاق" صاحب السيرة يعتمد على أهل الكتاب، ويكثر الرواية عنهم ويسميهم أهل العلم الأول1.

وقد استغل نفر من أهل الكتاب حاجة المسلمين هذه إلى الوقوف على "البدء"2 أي: مبدأ الخلق والتكوين، وقصص الرسل والأنبياء، وكيفية توزع البشر، فأخذوا يفتعلون ويضعون ويصنعون على التوراة والكتب اليهودية المقدسة، يبيعونه لهم أو يتقربون به إليهم، ادعاءً للعلم والفهم. قال الطبري:"كان ناس من اليهود كتبوا كتابًا من عندهم يبيعونه من العرب، ويحدثونهم أنه من عند الله ليأخذوا به ثمنا قليلا"3.

أما ما ذكروه من أن "أبا يعقوب" التدمري وجد في كتاب "بورخ بن ناريا""كاتب إرميا"، نسب "معد بن عدنان" فإنه كذب وتلفيق، فليس في كتاب "بورخ" شيء من هذا النسب. وكتابه من جملة أسفار "الأبوكريفا" في نظر "البروتستانت"4، وهو مترجم إلى العربية ومطبوع مع أسفار التوراة الأخرى، في الترجمة "الكاثوليكية"، وقد قرأناه فلم نجد فيه شيئا من هذا الذي يذكره اليهودي الذي دخل في الإسلام وليس لـ"بورخ" كتاب آخر فنقول:

1 الفهرست "ص136"، "عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني بعض أهل العلم من أهل الكتاب"، الإكليل "1/ 31".

2 "وفي كتاب البدء، ونقله ابن سعيد"، قيل للكتب التي تبحث في الخلق وبدء التكوين والأنبياء "كتب البدء"، قال المسعودي: "وما ذكره أهل التاريخ والمصنفون لكتب البدء، كوهب بن منبه وابن إسحاق وغيرهما

" مروج "1/ 320" ابن خلدون "2/ 18، 34".

3 "وكان رجل من أهل تدمر يكنى أبا يعقوب من مسلمة بني إسرائيل، قد قرأ من كتبهم وعلم علمهم، فذكر أن بورخ بن ناديا كاتب إرميا أثبت نسب معد بن عدنان عنده ووضعه في كتبه، وأنه معروف عند أحبار أهل الكتاب وعلمائهم مثبت في أسفارهم، وهو مقارب لهذه الأسماء، ولعل خلاف ما بينهم من قبل اللغة؛ لأن هذه الأسماء ترجمت من العبرانية"، الطبقات "جـ1، ق1، ص29"، تفسير الطبري "1/ 300"، "3/ 231".

Nallino، raccolta، vol. 3، p. 120، sprenger، mohammad، vol. 3، p. cxxxiii، goldziher، muh. Stud. Bd. I، s. 178، muir، life of mihamet، cvii، bate، p. 117

4 قاموس الكتاب المقدس "1/ 205".

ص: 62

إنه وجده فيه، ولا يعقل أن يكون كتاب "بورخ" الذي قرأه نسخة خاصة لم توجد عند غيره من الناس، حتى نحسن الظن به. وكل ما نجده في سفر "بورخ" مما قد يكون له علاقة بالعرب هو هذه الكلمات:"لم يسمع به في كنعان ولا تروى في تيمان، وبنو هاجر أيضا المبتغون للتعقل على الأرض وتجار مران وتيمان وقائلو الأمثال ومبتغو التعقل، لم يعرفوا طريق الحكمة ولم يذكروا سبلها"1. وليس في هذه الكلمات -كما نرى- شيء ما له صلة بنسب "معد بن عدنان".

فكنعان كناية عن الكنعانيين، وليست لهم صلة بمعد أو بعدنان. وأما "تيمان" فكناية عن أرض كانت في الجنوب الشرقي من "أدوم"، وهي أرض "أبناء الشرق"، وقد نسبت التوراة التيمانيين إلى "اليفاز بن عيسو"2، ونسبت إليهم الحكمة3، وليست لهم علاقة أيضا بأبناء معد ولا بعدنان.

وأما "بنو هاجر""الهاجريون""Hagrites" فإنهم شعب سكن شرق أرض "جلعاد"، وقد اختلف علماء التوراة في أصله، فمنهم من عده قبيلة عربية، ومنهم من عده من الآراميين، ومنهم من رأى أنهم "الإسماعيليون". وقد ذكر الهاجريون مع أقوام من الآراميين في كتابة أخبار انتصارات "تغلا تبليسر الثالث""Tiglath-Pileser III". وهكذا وجدنا أنفسنا عاجزين حتى في هذا الموضع من سفر "باروخ" من العثور عن أية صلة للكلمات المذكورة بنسب "معد بن عدنان".

ويروي رواة الشعر وأهل الأخبار شعرًا لعدي بن زيد العبادي ولأمية بن أبي الصلت ولنفر آخر من الشعراء في أحداث وأمور توراتية. وهذه الأشعار إن صح أنها لهم حقا، دلت على وقوف أولئك الشعراء على التوراة، أو على بعض أسفارها، أو على قصص منها. أما عدي بن زيد، فلا أستبعد وقوفه على التوراة، فقد كان نصرانيًّا قارئًا كاتبًا بالفارسية والعربية، وربما كان كاتبًا بلغة بني إرم كذلك، لغة المثقفين في العراق يومئذ. وقد كان هو نفسه من

1 نبوءة باروك، الإصحاح الثالث، الآية 22 وما بعدها.

2 التكوين، الإصحاح 36، الآية 11، قاموس الكتاب المقدس "1/ 296 وما بعدها".

3 إرميا، الإصحاح 49، الآية 7 وما بعدها.

ص: 63

المثقفين ثقافة عالية بالقياس إلى زمانه، وفي شعره زهد وتصوف وتدين وتأمل وتفكر، فلا يستبعد إذًا أخذه من التوراة ومن الأناجيل. وقد أورد "الهمداني" له أبياتًا في قصة آدم وحواء والجنة والحيّة1، وهي أبيات فيها ركة وضعف، ولكنها منتزعة من "سفر التكوين" من التوراة أخذت منه2. وهي إن كانت من شعره ومن نظمه حقا، كانت أقدم شعر يصل إلينا في نظم بعض قصص التوراة بلغة عربية.

وأما "أمية بن أبي الصلت" فقد كان واقفا على كتب اليهود والنصارى كما يذكر أهل الأخبار، قارئا لكتب الديانتين، مطلعا على العبرانية أو السريانية أو على اللغتين معًا، إن كان واقفا أي حائرا بين الديانتين، فلم يدخل في أمية ديانة منهما، وإنما كان من الأحناف على حد تعبير أهل الأخبار؛ لذلك لا يستبعد وقوفه على قصص توراتي وإنجيلي، وعلى الاستفادة منه في الشعر. ونجد في شعره ألفاظا غريبة، يذكر أهل الأخبار أنه أخدها من لغات أهل الكتاب، فوضعها في شعره، وشعره كما قلت في مواضع من هذا الكتاب يستحق من هذه الناحية الدرس والنقد، لنرى إلى أية درجة من الحق والصدق تصل دعاوى أهل الأخبار في شعر أمية، وفي نسبته إليه. وهو إن ثبت أنه له، كان أيضا دليلًا على وقوف المثقفين من الجاهليين على كتب أهل الكتاب، وشيوعه في الحجاز، وكان أيضا دليلا على نظم بعض الشعراء لحوادث التوراة والإنجيل في شعرهم في ذلك العهد.

ونجد في شعر "أمية بن أبي الصلت" وأمثاله من المتصلين بأهل الكتاب القارئين لكتبهم كما يذكر أهل الأخبار، فائدة كبيرة لنا في تكوين رأي عام عن وقوف العرب على الآراء التوراتية في الجاهلية، وفي جملة ذلك أنساب التوراة. وفي الشعر المنسوب إلى "أمية" آراء مستمدة من التوراة، مثل شعره في "نوح" وفي قصة "الطوفان" والغراب والحمامة وبقية حكاية الطوفان إلى زواله، فإنه إن صح دل على وقوف "أمية" على خبر قصة "الطوفان" الواردة في السفر السادس فما بعده من التكوين. فإن ما جاء في هذا الشعر هو اقتباس

1 الإكليل "1/ 29 وما بعدها".

2 الإصحاح الثاني وما بعده.

ص: 64

لما ورد في تلك الأسفار1. ونجد له أشعارًا أخرى إن صحت نسبتها إليه، دلت على أنه كان على اتصال بأهل الكتاب، وعلى أخذٍ منهم. ولعله كان يغرف من قصصهم الذي كان يشرح للناس ما جاء في التوراة، أو أنه كان يراجع ترجمات للتوراة كانت بعربية أهل الكتاب في ذلك العهد، أو يسمع منهم ترجمة التوراة سماعًا فوقف على بعض ما جاء فيها، وفي جملة ذلك هذا القصص، وربما الأنساب المتعلقة بالعرب كذلك.

وحكاية "أمية" عن الطوفان أقرب إلى التوراة من حكاية "الأعشى" أبي بصير ميمون بن قيس، عن الطوفان، وذلك إن صح أن ذلك الشعر من نظمه حقا؛ فإن العناصر التوراتية فيه ليست بارزة واضحة وضوحها في شعر أمية. ويظهر من بعض الجمل الواردة في شعر الأعشى عن الطوفان، مثل:

ونادى ابنه نوح وكان بمعزل

ألا اركب معي واترك مصاحبة الكبر

فقال:

سآوي نحو أعيط مشرف

بطول شنان السماء ذي مسلك وعر2

ومثل:

ونجا لنوح في السفينة أهله

ملاحكة الألواح معطوفة الدسر

فلما استوت من أربعين تجرمت

تناهت على الجودي أرست فما تجري3

ومن مضمون القصة نفسها، أن المنبع الذي استقى منه الشاعر "الطوفان" هو القرآن الكريم، ومن يراجع الآيات المنزلة عن "نوح" وعن الطوفان وعن ابنه، وكيف امتنع عن الركوب معه بالرغم من إلحاح نوح عليه، يجزم أن الشاعر المذكور قد أخذ الطوفان من القرآن الكريم ومن موارد إسلامية، واستعمل ألفاظا وتراكيب وردت في كتاب الله، ولم ترد في التوراة.

1 راجع التكوين، الإصحاح السادس فما بعده، الإكليل "1/ 18 وما بعدها".

2 "الكبر" هكذا ضبطت في الإكليل "1/ 52"، وارى أن لفظة الكفر أنسب إلى المعنى من هذه اللفظة.

3 الإكليل "1/ 52".

ص: 65

وإني أشك في كون هذا الشعر من شعر "الأعشى"؛ فالأعشى رجل لم يسلم وإن أدرك أيام الرسول، كان قد قصد الرسول، ونظم قصيدة في مدحه، ولكن قريشًا أثَّرت عليه، وحالت بينه وبين الوصول إلى الرسول، وعاد إلى "منفوحة" بلدته، فمات بها دون أن يسلم. والرأي عندي أن تلك الأبيات هي من صنع مسلم، وضعها على لسانه.

ولا يعني شكِّي في صحة نسبة هذه الأبيات إلى الأعشى، أن الأعشى كان بعيدًا عن آراء ومعتقدات أهل الكتاب، غير واقف على أخبارهم وعقائدهم، فقد كان الأعشى جوّالا جوّابا زار العراق وبلاد الشام، اتصل بقبائل نصرانية، وجالس اليهود والفرس والروم، ووردت في أشعاره ألفاظ من ألفاظ الحضارة الأعجمية، كما وردت فيها أفكار تدل على وقوف على آراء وأفكار دينية وخواطر فلسفية، فرجل مثل هذا لا يستبعد وقوفه على قصص يهودي ونصراني وعلى آراء دينية لأهل الكتاب. وللحكم على مقدار فهمه لها يمكن بالطبع دراسة ما ورد في الشعر على لسانه، ومطابقته بما نعرفه من آراء القوم؛ لنقف على درجة صلة ما جاء في شعر الأعشى من آراء ومعتقدات بآراء أهل الكتاب ومعتقداتهم.

أما الأماكن التي ظهرت فيها هذه الروايات الإسرائيلية، فهي: اليمن، والمدينة، والعراق، ومن العراق الكوفة بصورة خاصة. وقد كان في كل هذه المواضع رجال من أهل الكتاب موَّنوا أهل الأخبار بما كانوا يرغبون في معرفته، ولم يكن هؤلاء على قدر واحد في المعرفة والفهم، والظاهر أن منهم من لم يكن له إلمام بالتوراة ولا بالتلمود وغيرهما من الكتب، وإنما أخذ ذلك من أهل النظر منهم، أو كما وصل إليه من أهله وحاشيته؛ ولذلك اضطرب الأخباريون في بعض الأحيان في رواية خبر واحد، كما اختلفوا في ضبط الأسماء. وقد علل ابن خلدون اختلافهم في ضبط الأسماء بقوله:"واعلم أن الخلاف الذي في ضبط الأسماء إنما عرض في مخارج الحروف، فإن هذه الأسماء إنما أخذها العرب من أهل التوراة، ومخارج الحروف في لغتهم غير مخارجها في لغة العرب. فإذا وقع الحرف متوسطًا بين حرفين من لغة العرب، فترده العرب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا، وكذلك إشباع الحركات قد تحذفه العرب إذا نقلت كلام العجم، فمن هاهنا اختلف الضبط في هذه الأسماء"1.

1 ابن خلدون "2/ 5".

ص: 66

والحق هو أن هذا الخطأ لم يقع في ضبط الأسماء فقط، بل وقع في أمور جوهرية أخرى ترينا جهل بعض الرواة بجدول الأنساب، وترينا الخلط أحيانا بين الروايات الإسرائيلية والروايات الإيرانية حتى تكوَّن من هذا المجموع المدون في الكتب الإسلامية عن الأنساب خليط من روايات إسرائيلية وروايات فارسية وقصص شعبي عربي، يجوز أن نضيف إليه عنصرًا آخر هو الوضع، فقد وضع الرواة شيئا من عندهم حين عجزوا عن الحصول عليه من الموارد الثلاثة المذكورة، وكان لا بد لهم من سد تلك الثُّغَر، فسدوها بما جادت به قرائحهم من شعر ونثر. ومن هذا القبيل، ما أدخلوه على التوراة أيضا من أنسابٍ زعموا أنها وردت في التوراة، وليس لها في الواقع وجود فيها.

خذ آدم، فقد صيره الأخباريون "كيومرث"1 وهو من الفرس، وخذ نوحًا تَرَ أنه صار "أفريدون" عند أهل الأخبار وهو من الفرس أيضا2، وجعلوا "لاوذ" ابنًا من أبناء إرم من سام أخي عوص وكاثر3، مع أنه "لود" في التوراة، وهو شقيق إرم بن سام ووالد عوص وجاثر4، وقالوا أشياء أخرى لا وجود لها في التوراة.

أما متى دخلت أنساب التوراة إلى العرب، ومتى ظهرت وشاعت بينهم، فنحن لا نستطيع أن نحدد ذلك على وجه مضبوط بالقياس إلى أيام الجاهلية. ولكننا نستطيع أن نقول: إنها كانت قد تسربت إلى الجاهليين من اليهود، وذلك بوجودهم في الجزيرة العربية واتصالهم بالعرب، وقد يكون من النصارى أيضا، وقد تفشت في أماكن من جزيرة العرب وبين بعض القبائل، وإن هؤلاء أي: أهل الكتاب، هم الذين أشاعوا بين الجاهليين هذه الأنساب. وقد تكون لليهود يد في إشاعة خبر رابطة النسب وأواصر القربى التي تربط بينهم وبين العرب؛ وذلك للتأثير عليهم وللتقرب منهم، وللسكن بينهم بهدوء وسلام.

ونستطيع أن نقول جازمين: إن هذا القصص الإسرائيلي، وهذه الأنساب التي يرويها أهل الأخبار، لم تكن كثيرة الشيوع بين الجاهليين، وإنما هي شاعت

1 ابن خلدون "2/ 5".

2 ابن خلدون "2/ 6".

3 ابن خلدون "2/ 7".

4 التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 22، أخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول، الآية 17، Hastings، P. 557.

ص: 67

وراجت في الإسلام؛ وذلك للأسباب المذكورة، ومروجوها وناشروها هم زمرة تحدثت عنهم في مواضع متعددة من هذا الكتاب.

ونحن لا يهمنا هنا من الأنساب الواردة في التوراة إلا الأنساب المتعلقة بالعرب وبالشعوب العربية، ومعنى هذه الأنساب الخاصة بذرية "سام" و"كوش"، ويهمنا من ذرية "سام" ذرية "إرم" و"لود" و"أرفخشذ"، حيث ألحق النسابون بهؤلاء قبائل العرب. أما أشور و"عيلام"، وهما بقية أبناء "سام"، فليس لذريتهم علاقة بالعرب، فليس لنا كلام عنهم في هذا المكان.

وأولاد سام في التوراة، هم خمسة:"عيلام"، و"أشور"، و"أرفكشاد"، و"لود"، و"أرام"1. وقد ضبط الأخباريون الأسماء على هذه الصورة:"أشوذ"، و"أرفخشذ"، و"عليم""عويلم""عيلم"، و"لاوذ" و"إرم"2، وأضافوا إليهم "عابرًا"، فصيروه أخًا للمذكورين وابنًا من أبناء "سام". أما في التوراة فإن عابرًا هو حفيدُ حفيدِ "سام"، وليس بابن له، وقد سِيقَ نسبه فيها على هذه الصورة:"عابر بن شالح بن أرفكشاد بن سام"، وكان إبراهيم هو السابع من أعقابه3.

ونجد الطبري يروي في مكان من تأريخه، أن أولاد سام هم:"أرفخشذ بن سام، وأشوذ بن سام، ولاوذ بن سام، وعويلم بن سام"4، فهم أربعة. وقال بعد اسم "عويلم بن سام" مباشرة:"وكان لسام إرم بن سام"5 مما يدل على أن المورد الذي نقل منه الطبري روايته لم يكن على علم تام بخبر أم "إرم"، ويؤيد هذا الاستنتاج قوله:"قال: ولا أدري إرم لأم أرفخشذ وإخوته أم لا؟ 6". وقد قال هذا المورد: إن أم أبناء سام المذكورين هي:

1 التكوين: الإصحاح العاشر، الآية 22، أخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول، الآية 17.

2 ويرد إرم في بعض الكتب: أرام وأرم، الطبري "1/ 103"، ابن خلدون "2/ 7"، الكامل، لابن الأثير "1/ 31"، التيجان "25".

3 التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 21، 25، والإصحاح الحادي عشر، الآية 14 فما بعدها، وأخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول الآية 19.

4 الطبري "1/ 203""دار المعارف".

5 المصدر نفسه.

6 كذلك.

ص: 68

"صليب ابنة بتاويل بن محويل بن خنوخ بن قيس بن آدم1" فيكون عدد أولاد "سام" خمسة أيضا، وهو العدد المذكور في التوراة إلا أننا نرى تباينًا بين روايتي الطبري والتوراة في الترتيب وفي الضبط: ضبط الأسماء.

ونجد الطبري يروي في مكان آخر أن أولاد سام، هم: عابر، وعليم، وأشوذ، وأرفخشذ، ولاوذ، وإرم، وذكر أن من ولد "أرفخشذ" الأنبياء والرسل وخيار الناس والعرب كلها والفراعنة بمصر2. ويظهر من هذه الرواية أن ولد سام هم ستة، وقد نتج ذلك عن ضم "عابر" إلى ولد سام، وهو ضم مخالف لما جاء في التوراة. ولو رفعنا اسم "عابر" من الأسماء المذكورة، لصارت بقية الأسماء خمسة، وقد رتبت على وفق ما ورد في "سفر التكوين"؛ فـ"عليم" هو "عيلام"، و"أشوذ" هو "أشور"، و"أرفخشذ" هو "أرفكشاد"، و"لاوذ" هو "لود"، و"إرم" هو "أرام".

وليس في التوراة ذكر لأبناء "لود"، أي:"لاوذ" أهل الأخبار والأنساب، وكل ما فيها أن له نسلًا، وقد عرفوا بـ"اللوديين"، وقد ذكروا مع "كوش" و"فوط" مما يبعث على الظن أنهم إفريقيون3. ولورود اسم جدهم "لود" مع "أشور" و"أرام" و"عيلام"، يرى علماء التوراة أن اللوديين الذين هم من نسل "لود بن سام" هم شعب من شعوب الشرق الأدنى، لا تبعد مواطنهم عن البابليين والآشوريين، وأنهم غير "اللوديين" الإفريقيين، اللوديين المنحدرين من صلب "مصرايم" أي: "مصر"، المذكورين أيضا في التوراة4.

ولهذا فإن الأولاد الذين نسبهم أهل الأخبار إلى "لود"، "لاوذ"، وهم: طسم، وعمليق، وجرجان، وفارس على رواية، وجديس، وأميم، وعبد ضخم على رواية أخرى5، وأمثالهم ممن لم نذكر من الأولاد، هم هبة منحها

1 الطبري "1/ 202 وما بعدها".

2 الطبري "1/ 205"، التيجان "25"، الكامل "1/ 31".

3 قاموس الكتاب المقدس "2/ 299 فما بعدها"، إرميا، الإصحاح السادس والأربعون، الآية 9.

4 التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 13، حزقيال، الإصحاح 27، الآية 10، الإصحاح 30، الآية 5، قاموس الكتاب المقدس، "2/ 299" Hasrtings، P. 557.

5 الطبري "1/ 103"، ابن خلدون "2/ 7".

Sprenger، in ZDMG.، 17 "1863"، S. 373.

ص: 69

أهل الأخبار والأنساب لـ"لاوذ" لا نجد لها ذكرًا في التوراة.

إن "عمليقًا"، الذي هو جد العمالقة على رأي أهل الأخبار، وليس من نسل "لود" في التوراة، بل هو جد "أول الشعوب"1؛ لذلك يبدو تجاسر أهل الأخبار بمنح "لود" أولادًا عملًا غريبًا، والظاهر أن "ابن الكلبي" وإليه ترجع أكثر هذه الروايات، أو أحد من سألهم عنهم، اختاروا "لودًا" من بين أبناء "سام" فمنحوه أولئك الأولاد، وكان لا بد لهم من نسبتهم إلى أحد الأجداد المتقدمين القحطانيين؛ لأنهم أقدم منهم في نظرهم، فاختاروا لهم ذلك الأب.

أما "أرام"، وهو "إرم" عند أهل الأخبار، فقد أولد أولادًا على ما جاء في التوراة، وهم:"عوص""UZ"، و"جاثر""كاثر""غاثر""Gether"، و"حويل""حول""Hul"، و"ماش" 2Mash. وقد ذكروا في موضع من التوراة أنهم أبناء "سام"3؛ وذلك جريًا على طريقة العبرانيين في حذف اسم الأب أحيانا، وإلحاق الحفدة بالجد مباشرة4.

وقد عرف أهل الأخبار هذه الأسماء5، إلا أنهم قدموا وأخروا فيها كما حرفوا فيها بعض التحريف، وقد اختار أهل الأخبار "عوصًا"، فجعلوا له أولادًا هم: عاد، وعبيل6، وغاثر بن عوص، واختاروا "جاثرًا" فجعلوا له "ثمودًا"7 و"جديسًا"8. وقالوا عنهم: "وكانوا قومًا عربًا يتكلمون بهذا

1 العدد، الإصحاح 24، الآية 20، قاموس الكتاب المقدس، "2/ 112".

2 التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 23.

3 أخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول، الآية 17.

4 "ولا يستغرب ذلك؛ لأن من عوائد العبرانيين في جدول أنسابهم أنه كثيرًا ما ينزلون الحفدة وأولادهم منزلة الأولاد من الجيل الأول"، قاموس الكتاب المقدس "2/ 126".

5 سفر التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 23.

6 الطبري "1/ 204، 207"، الكامل "1/ 31"، مروج "1/ 24""1/ 31""طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد".

7 الطبري "1/ 103"، "1/ 207""دار المعارف"، مروج "1/ 31""طبعة محمد محيي الدين عبد الحميد".

8 الطبري "1/ 204، 207""دار المعارف".

ص: 70

اللسان المضري"1، ولا نجد في التوراة ولا في اليهوديات ذكرًا لهؤلاء الأولاد الذين منحهم أهل الأخبار "عوصًا" أو "غاثرًا" "جاثرًا". إذن فالنسب المذكور هو من صنع الأخباريين.

و"أرام" هو جد "بني إرم" أي: "الآراميين"، وهم قوم معروفون فلا حاجة إلى التحدث عنهم. وأما "عوص" فهو جد "العوصيين"، سكان أرض "عوص" موطن "أيوب""Job"، إلا أن العلماء لم يتفقوا في تعيين مكانه2؛ فذهب بعضهم إلى أنه "دمشق" و"اللجاء""اللجاة" مستندين في ذلك إلى رواية "يوسيفوس"، وذهب آخرون إلى أنه "أورفا" على الفرات3، ورأى بعض أنه في "نجد"4، وذهب بعض آخر إلى أنه "أدوم" أو العربية الشمالية5، ورأى "كلاسر" أنه في شمال غرب "المدينة"6، ورأى غيره أنه في مكان ما من جزيرة العرب أو من بادية الشام7.

وقد استدل بعض الباحثين من سفر "أيوب" ومما ورد عنه ومن اسمه، على أنه كان عربيًّا، عاش بين العبرانيين، أو أن بعضهم اختلط به، فدون أخباره وقصصه8. وقد أمدت كتب "الهكادة" "Haggadah" و"التلمود" و"المدارش" اليهود وأهل الأخبار بقصص عنه وعن أصدقائه الخلص الذين لازموه9.

نرى مما تقدم أن الأخباريين قد ربطوا نسب العرب البائدة أي: العرب الأولى بالإرميين "الآراميين" وباللوديين "اللاوذيين" وبالعوصيين وبالجاثريين "الغاثريين"، ولا نجد في كتبهم الأسباب التي حملتهم على إرجاع أنساب هؤلاء العرب إلى هؤلاء الآباء. ويظهر أن فكرة وجود عرب أولى عاشت قبل القحطانيين والعدنانيين،

1 الطبري "1/ 204".

2 قاموس الكتاب المقدس "2/ 126".

Enc. Bibli. P. 5238، hastings، p. 956، musil، hegaz، p. 248.

3 قاموس الكتاب المقدس "2/ 126" josephus، ant. I، VI، 4.

4 قاموس الكتاب المقدس "2/ 126".

5 hastings، p. 956.

6 hastings، p. 956.

7 hastings، p. 956، enc. Bibli. P. 5238.

8margoliouth، the relations، p. 31. f.

9 "الطبعة الجديدة" Enc.، I، P. 795.

ص: 71

جعلت أهل الأخبار يبحثون عن آباء لهم، يكونون أقدم عهدًا من "قحطان" ومن "عدنان"، فنسبوا أولئك العرب إلى "لود" و"أرام" ابني سام، وإلى "عوص" و"جاثر" ابني "أرام"، وهم أقدم عهدًا من جدي القحطانيين والعدنانيين.

أما أثر التوراة على النسابين وأهل الأخبار بالنسبة إلى الطبقة الثانية من العرب، الطبقة التي دعاها العرب العاربة، والعرب القحطانيين، فقد ذكرت في الفصل الخاص بهؤلاء العرب أن "قحطان" جد القحطانيين، هو "يقطان" في التوراة، وقد نسبه أكثر أهل الأخبار إلى "عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح"1. وصيره بعضهم ابنًا من أبناء سام. وقد ذكرت أن النسب الثاني نسب مغلوط، وأن نسبه المذكور في التوراة يجعله الابن الثاني الأصغر لـ"عابر". أما الولد البكر فهو "فالج"، فيكون العبرانيون واليقطانيون أبناء عم وفق هذا النسب.

وقد ذهب بعض الباحثين في التوراة إلى أن "يقطان" لا وجود له، وإنما ابتدع ابتداعًا لإيجاد صلة بين العرب والعبرانيين2.

وقد ذهب بعض الباحثين في التوراة إلى أن عابرًا جد قبيلة كبيرة، انقسمت على نفسها إلى قسمين: قسم بقي فيما بين النهرين، وهو القسم الذي عرف بذرية "فالج"، ومن هذه الذرية انحدر "العبرانيون"، وقسم ترك "ما بين النهرين" وارتحل إلى جزيرة العرب، وهو القسم الذي عرف بـ"يقطان"، ودليلهم على ذلك: أن معنى "فالج" هو "الانشقاق" و"الانقسام"، وأن في أيامه "قسمت الأرض" على رواية التوراة3، ومعنى ذلك انقسام ذرية "عابر"، وانشطارهم إلى شطرين.

وقد ذكر "الطبري" أن "بني يقطن" لحقت باليمن، فسُميت اليمن حيث تيامنوا4، ومصدر خبره هذا "ابن هشام"، وقد أخذ "ابن هشام" خبره هذا من أهل الكتاب ولا شك.

1 "ويقطن: هو قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح" ابن سعد، الطبقات "جـ1، ق1، ص18 وما بعدها"، الطبري "1/ 207" دار المعارف

2 Hastings، P. 491.

3 قاموس الكتاب المقدس "2/ 149"، التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 25،

Hastings، P. 490، 697.

4 الطبري "1/ 209""طبعة دار المعارف".

ص: 72

ويشك بعض دراسي التوراة في كون "يقطان" المذكور هو "قحطان" الذي يذكره علماء الأنساب، ويرون أن نظرية من يجعل قحطان هو "يقطان"، نظرية لا تستند إلى أساس، وإنما وضعت على التشابه الموجود بين اللفظين، وهذا التشابه هو الذي دفع علماء الأنساب إلى اعتبار "قحطان""يقطان"، فمن ثَمَّ صار "يقطان" جدًّا للعرب القحطانيين1. ولكنهم لا ينكرون مع ذلك أن "يقطان" التوراة، هو جد قبائل ذكرت التوراة أسماءها، وبعضها قبائل عربية معروفة، فلا يستبعد أن يكون "يقطان" على رأيهم كناية عن قبائل عربية لم يكن العبرانيون على علم بها تمام العلم2.

ولم ترد في القرآن الكريم لفظة "قحطان" أو "يقطان"، ولم ترد كذلك في الكتابات الجاهلية، أما الشعر الجاهلي، فقد وردت فيه في مواضع الفخر والحماسة. وإذا وافقنا على أنها وردت في الجاهلية القريبة من الإسلام، فإن موافقتنا هذه لا تعني أن قدماء أهل الجاهلية البعيدين عن الإسلام كانوا على علم بـ"قحطان"، أو أن قومًا منهم كانوا ينتمون إليه وينتسبون بنسبه، فحكم مثل هذا لا بد أن يستند إلى كتابات وأدلة مقبولة؛ ولهذا رأى نفر من المستشرقين أن الأخباريين جاءوا بقحطانهم هذا من التوراة، من تأثرهم بأهل الكتاب، ومن مطالعتهم للتوراة، فحولوا النزاع الذي كان بين أهل اليمن وفيهم "سبأ"، والنزاع الذي كان بين أهل مكة وبين أهل مكة ويثرب التي ينتمي أهلها إلى اليمن، إلى نزاع بين جدين، وصار "قحطان" وليد "يقطان""يقطن" جدًّا حقيقيًّا ليمن ولمن نسب نفسه إليهم من الأفراد والقبائل3.

وقد ورد في جغرافية "بطلميوس" اسم قريب من "قحطان" هو "كتنيتة""كتانيتة" 4Katanitae، قد يكون دليلا على وجود أسماء عند الجاهليين قريبة من "قحطان". أما هذه التسمية، فإننا لا نستطيع أن نقول: إن لها علاقة بقحطان، فالتشابه في التسميات، لا يكون دليلا قاطعا على وحدة تلك

1 Hastings، P. 491.

2 Hastings، P. 490.

3 Enc. Vol. 2، P.، 629.

4 ptolemy، geogr، VI، 7، 20، glaser، skizze، bd.، 2، s.، 283، knobel die voelkerstafel der genesis، s. 185، the historical geography، vol. I، P. 80، o'leary، P. 18.

ص: 73

التسميات. وقد ورد في الموارد العربية اسم قبيلة عرفت بـ"قطن" وبـ"بني قطن"، كما ورد اسم مكان عرف بـ"جوّ قطن"، واسم مدينة تدعى "قحطان"، تقع بين "زبيد" و"صنعاء"1. لهذا أرى أن من الخير لنا ألا نتخذ موقفا خاصا لا سلبا ولا إيجابا تجاه هذا الموضوع انتظارًا لاستكمال العدة، والحصول على مواد جديدة تكفي لإصدار حكم فيه.

أما بلاد "اليقطانيين"، على رأي التوراة، فتمتد من "ميشا""Mesha" إلى "سفار""2Sephar، ولم تذكر التوراة حدودًا جغرافية لها غير هذين الحدين. ولا يعرف العلماء عن موضع "ميشا" شيئًا، فذهبوا في تعيينه مذاهب؛ ذهب بعضهم إلى أنه "مسينة" أو "ميسان" "Mesene" على رأس الخليج العربي3، وذهب آخرون إلى أنه "موزح" أو "موسج" في نجد4، ورأى آخرون أنه "ماشو" "Meshu" أو "ماش" "Mash"، أي: بادية الشام في الكتابات الآشورية5.

وذهب "ديلمن""Dillmann" إلى أن "ميشا"، تحريف "مسا""Massa"، وهو اسم أحد أبناء إسماعيل، فتكون حدود "اليقطانيين" على رأيه بعد حدود أرض "مسا"، من قبائل الإسماعيليين مباشرة، غير أننا لا نستطيع مع ذلك من تعين الموضع6؛ لأننا لا نعلم أيضا أين كانت مواطن "مسا" من قبائل الإسماعيليين، فكيف نثبت هذه الحدود؟.

وأما الحد الآخر، وهو "سفار"، فهو الحد الجنوبي للبلاد "اليقطانيين"، وذلك بإجماع آراء علماء التوراة، ولكنهم يختلفون في تعيين الموضع فقط، فمنهم من رأى أنه "ظفار" عاصمة الحميريين، ومنهم من يرى أنه "ظفار" حضرموت التي اشتهرت شهرة واسعة في العالم القديم، وورد ذكرها في الكتب "الكلاسيكية"

1 أحسن التقاسيم "3/ 83، 94"، "الطبعة الثانية".

Enc. Vol. 2، p. 629، glaser، skizze، 2. s. 288.

2 التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 30.

3 قاموس الكتاب المقدس "2/ 399"، Hastings، P. 606.

4 قاموس الكتاب المقدس "2/ 399".

5 hastings، p.، 607، delitzeh، wo lag?، s. 242.

6 التكوين، الإصحاح 25، الآية 14، أخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول، الآية 30،

Enc. Bibli، p. 3040.

7 Enc. Bibli. P. 4370، ritter، erdkunde، 14، 372، sprenger، alte geogr. S. 185، Skizze، 2، s. 437، hastings p. 836.

ص: 74

ومن المرجح أن تكون هي الموضع المقصود؛ وذلك لشهرتها هذه ولقدمها.

وقد جعلت التوراة لـ"يقطان" أولادًا، عدتهم فيها ثلاثة عشر ولدًا، هم: الموداد، وشالف، وحضرموت، ورياح، وهدورام، وأوزال، ودقلة، وعوبال، وأبيمايل، وشبا، وأوفير، وحويلة، ويوباب1. وهذه الأسماء، هي أسماء قبائل وأمكنة، اعتدَّها كتبة التوراة على عادة ذلك العهد أسماء أعيان، وصيروها أسماء أولاد "يقطان".

ولا يعني هذا العدد، في نظري، أنه جميع القبائل العربية التي كانت تقيم في مواطن "اليقطانيين"، وإنما هو حاصل ما بلغ إليه علم كتبة تلك الأسفار في ذلك اليوم من أمر هذه القبائل، ولم تكن معارف أولئك الكتبة يومئذٍ أكثر من هذا الذي ذكروه ودونوه، على نحو ما وصل إلى علمهم ومسامعهم، فهو لهذا لا يمثل أيضا ترتيبا جغرافية للأماكن المذكورة ولا سردًا على نسق معين مضبوط2.

ونحن إذا أنعمنا النظر في هذه الأسماء نجد أنها قد كدست في منطقة ضيقة، هي اليمن وحضرموت، أما ما فوقها إلى "ميشا" نهاية الأرض اليقطانية في الشمال، فلم يذكر الكتبة من أسماء قبائلها شيئًا ما. وهو يدل على أنهم لم يكونوا يعرفون عن باطن جزيرة العرب شيئا، أو أن موضع "ميشا" في مكان آخر في غير هذا الموضع الذي تصوره علماء التوراة، كأن يكون في شمال اليمن مثلا، وبذلك يستقيم التحديد كل الاستقامة مع ما هو شائع معروف من أن أرض اليمن وبقية العربية الجنوبية، هي أصل موطن القحطانيين.

ويظهر أن كتبة النسب في التوراة لم يراعوا في عدهم أسماء أبناء يقطان الترتيب الجغرافي، أو قرب اليقطانيين وبعدهم عن العبرانيين، فهذا الترتيب، لا يشير -في الحقيقة- إلى أن الأسماء وضعت على أساس جغرافي. والظاهر أنها جمعت كما وصلت إلى مسامع العبرانيين من غير فحص أو تدقيق، كما أننا لا نستطيع أن نؤكد أنها وصلت صحيحة سالمة من غير تصحيف أو تحريف.

و"الموداد""مودد""المودد""Al-Modad"، هو الابن البكر

1 التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 26 فما بعدها.

2 enc. Bibli. P. 2564، hasings، p.، 490

ص: 75

ليقطان على ما يفهم من التوراة، وهو رمز عن شعب من الشعوب اليقطانية، يرى نفر من علماء التوراة أن مواطنه في العربية الجنوبية، قد يكون في جنوب غربي جزيرة العرب1. وقد وردت في النصوص العربية الجنوبية وفي نصوص غير عربية كلمات قريبة من هذه الكلمة، مثل: "موددى" في البابلية، و"مودادو" "موددو" في البابلية أيضا وفي "الأمودية"2، ووردت لفظة "مودد" في كتابات "جبانية" "كبانية" "Gebanitae"، في نصوص تدل على تقرب ملوك "حبان" "جبن" "كبن" "جبان" من ملوك معين، وإلى سيادة "معين" على "الجبأنيين" في ذلك الحين، فورد "مودد ملك معين" بمعنى "المتودد لملك معين" و"المحب لملك معين". ويرى "كلاسر" أن هذه الجملة لا تعني "أحباء ملوك معين" وأصفياءهم، وإنما تحكي وظيفة لها علاقة بالإله "ود"، مثل كهانة الإله "ود" وسدانته، ومسكن هؤلاء "الجبأنيين" في الزاوية الجنوبية الغربية لجزيرة العرب3. كما ورد اسم "مودد" في الكتابات السبئية4، وفي كتاب الإكليل للهمداني. وقد ذكره قبل "السلف"، مما يدل على أنه اسم مكان مجاور للسلف5.

وأورد "بطلميوس" في الجغرافية اسم شعب عربي دعاه "Allumaeotae" يرى "فورستر" أنه شعب "الموداد" الذي نتحدث عنه. ويقع مكان هذا الشعب في جغرافية "بطلميوس" جنوب "الجرعاء""Gerraea""Vicus Jerachaeorum"، ويتصور أنه على ساحل الخليج العربي عند "قطن"6.

وأما "شالف""Sheleph" الذي ورد في التوراة بعد "الموداد"، فلم يتمكن العلماء من تشخيصه أيضًا7. ويرى بعضهم أنه شعب "Salepeni" المذكور في جغرافية "بطلميوس"8، ويرى آخرون أنه "السلف"، وهم بطن من

1 hastings، p. 22، dictionary of the bible، I، P.، 50، by w. smith

2 enc. Bibli، p. 116، hommel، a. h. t.، s، 113، early Babylonian personal names p. 30، Montgomery، Arabia and the bible، p. 40

3 glaser، skizze، 2. s. 425

4 ency، bibli. P. 116، zdmg. 37، 13، 18

5 الإكليل "1/ 116 وما بعدها".

6 forster، vol. I، p. 107، f

7 hastings، p.، 845، enc، bibli. P. 4448، Montgomery، Arabia، p. 40

8 forster، vol. I، p. 109. f

ص: 76

ذي الكلاع من حمير، وهو "السلف بن يقطن"1، أو "السلاف"، أو "بنو سلفان"2. و"السلف" أقرب هذه الأسماء إلى "شالف"، وخاصة إذا أخدنا بما قاله النسابون من انتساب هذه القبيلة إلى جد أعلى هو "السلف بن يقطن"، وذكر "نيبور" في رحلته اسم موضع في اليمن يقال له "سلفية"، قد تكون لاسمه علاقة بـ"شالف"3، وفي منطقة "يريم" ممر يقال له "نجد الأسلاف"4، وقد رأى "كلاسر" احتمال وجود صلة بينه وبين "شالف"5.

وأما "حزرماوث"، "Hazarmaveth"، فهو "حضرموت". ومعلوماتنا عن هذا الشعب حسنة بفضل الكتابات الجاهلية التي عثر عليها في العربية الجنوبية، والتي ترجم عددًا منها المستشرقون. وسأتحدث عنهم في الأجزاء الآتية من هذا الكتاب.

وأما "يارح""Yerah"، فإن معناه "قمر" و"شهر"؛ ولهذا ذهب بعض الباحثين إلى أنه اسم قبيلة عربية، وبين العرب قبيلة تعرف بـ"بني هلال"، فلا يبعد أن يكون "يارح" اسم قبيلة6. وقد عثر في كتابات تدمر على اسم "يارح"، وقد ورد اسم علم7، كما أن اسم "شهر" من الأسماء المعروفة عند الجاهليين، وقد سُمِّي به عددٌ من الملوك الذين عاشوا قبل الميلاد وبعده.

ويرى "كلاسر" أن الشعب كان يقيم في "مهرة"، أو في جنوب عمان في موضع قد يكون المكان الذي سماه "بطلميوس" "8Jerakon kome.

و"يارح" هو "يرخ" و"ورخ" في اللهجات العربية الجنوبية، وتعني "شهرًا""قمرًا"، وهناك مواضع متعددة في العربية الجنوبية تسمى بأسماء قريبة من هذه الكلمة، مثل "وراخ" و"يراخ". وقد ذكر الهمداني

1 تاج العروس "6/ 143"، "السلف"، البلدان "5/ 109"، نهاية الأرب "2/ 278"، القاموس "3/ 153"، الإكليل "1/ 116".

2 الهلال، جـ13، سنة 10، نيسان، 1902م "ص401".

3 enc، bibli. P. 4448، niebihr، arabien، s. 247، osiander، in zdmg.، II، 153. ff. glaser، skizze، s. 425

4 صفة "ص71، 101".

5 glaser، skizze، 2 s. 425

6 قاموس الكتاب المقدس "2/ 487".

7 enc. Bibli. P. 2362، Montgomery، Arabia، p. 40

8 glaser، skizze، 2، s.، 425

ص: 77

اسم موضع دعاه "وراخ" في مخلاف "العود"1؛ لذلك رأى بعض العلماء وجود صلة بين هذه المواضع و"يارح". كما ورد في جغرافية "بطلميوس" اسم مكان دعاه "Insula Jerachaeorum"، وهو جزيرة تقع في البحر الأحمر جنوب جُدَّة، وورد اسم محل آخر سمي "Vicus Jerachaeorum"، ويقع في مقابل النهر الذي دعاه نهر "الآر""Lar" الذي يصب على زعم "بطلميوس" في الخليج العربي "الخليج الفارسي" "2Sinus Persicus.

وأما "هدورام""Hadoram"، فيرى "ملر""Muller"، و"كلاسر" احتمال أنه "دورم"، وهو موضع على مقربة من "صنعاء". ويؤيدان رأيهما هذا بما ورد في المؤلفات العربية من أن اسم "صنعاء" القديم هو "أزال"، و"أزال" هو شقيق "هدورام"، وقد ذكر بعده في ترتيب أسماء أولاد "يقطان"3.

وقد ذكرت الكتب العربية اسم موضعين يقال لهما "الهدار"، قال الهمداني عن أحدهما: إنه "حصون ونخول وقصور عادية"4، وقال عن الثاني: إنه "هدار بني الحريض"، وذكر أن فيه "القطنية"5، وهذا الموضع الأخير قريب من "هدورام"، وللفظة "القطنية" أهمية كبيرة لقربها من لفظة "يقطان".

وقد ذكر "الطبري" في تأريخه أن جرهمًا "اسمه هذرم بن عابر بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح"6. وهذا النسب الذي ذكره "الطبري" هو النسب الوارد في التوراة بزيادة "عابر" بين "هذرم" وهو "هدورام" وبين "يقطن"، وهو خطأ يرد كثيرًا في الأنساب المنقولة من

1 صفة "ص101"، "وراخ: ناحية باليمن" البلدان "8/ 411".

2 forster، vol. I، p. 116. ff

3 enc. Bibli. P. 1932، muller، burgen und schlosser، I، s. 360

4 صفة، glaser، skizze، 2، 426، hastings، p. 324، forster، 2، p. 137

5 صفة.

6 الطبري "1/ 207""دار المعارف".

ص: 78

التوراة إلى الكتب العربية. ومورد "الطبري" هو "ابن الكلبي"1، ومورد "ابن الكلبي" هو من أهل الكتاب، شأنه في ذلك شأن كل الأنساب حيث أخذها من أهل الكتاب.

أما "أزال"، فهو مثل سائر الأسماء المتقدمة، غير معروف، ولم يتفق علماء التوراة على تعيينه حتى الآن. وقد ذكر أهل الأخبار أن "صنعاء" عاصمة اليمن، كانت تعرف في الجاهلية بـ"أزال"2. وترجع هذه الرواية إلى "وهب بن منبه" الذي زعم "أنه وجد في الكتب القديمة المنزلة التي قرأها: أزال كل عليك، وأنا أتحنن عليك"3، وزعم أن "أزال" هي "صنعاء" ولم يرد في النصوص الجاهلية ما يفيد أن صنعاء كانت تعرف بـ"أزال"، بل لدينا نص من أيام الملك "يشرح يحضب" "ملك سبأ وذي ريدان" ويعود إلى نهاية القرن الثاني وبداية القرن الأول لما قبل الميلاد، أي: القرن المتصل بالقرن الأول للميلاد، ورد فيه "صنعو" وهو "صنعاء"4.

ويرى "كلاسر" أن اسم "أزال" إنما وضع لـ"صنعاء" بعد دخول اليهودية إلى اليمن وانتشارها هناك، وضعه اليهود5. وذكر "البكري" أن صنعاء كلمة حبشية، ومعناها: وثيق وحصين6.

وهناك مواضع أخرى عرفت بـ"أزال"، منها موضع يعرف بـ"يأزل"، عند جبل "حضور"، وموضع آخر في الحجاز، غير أن من غير الممكن في الزمان الحاضر البتّ في أي مكان من هذه الأمكنة، بأنه هو "أزال" التوراة7.

ولم يتمكن علماء التوراة من البت في موضع "دقلة""Diklah" أيضًا. ويرى بعض المستشرقين أن هذا الاسم يشير إلى مكان يجب أن يكون كثير

1 المصدر نفسه.

2 البلدان "1/ 214"، "5/ 387"، صفة "ص255".

Montgery، Arabia، p. 40، caussin de Perceval، histoire des arabes، vol. I، p. 40

3 تاج العروس "5/ 421".

4 enc. Bibli. P. 5239، hastings، p.، 956، enc. Vol. 4، p. 143، glaser، skizze 2، s. 427 sprenger، gogr. S. 181، glaser، 424

5 glaser، skizze، 2، s. 427

6 تاج العروس "5/ 421".

7 glaser، skizze، 2، s.، 427

ص: 79

التمر1، وقد رأى "هومل" أنه موضع "حدّ دقل"2. وذكر "ياقوت الحموي" موضعًا في اليمامة سماه "دقلة"3، ولكن الباحثين في هذا الموضوع لم يقطعوا برأي فيه.

ورأى بعض الباحثين أن "عوبال"" Obal""Ebal"، شعب "عبيل"، ورأى آخرون أنهم "عيبال" في تهامة الحجاز، أو "عبال" أو "عبيل"، وهما موضعان في اليمن4.

ورأى "فورستر" احتمال وجود صلة بين "عوبال" و"Avalitae"، وهو اسم شعب عربي ذكره "بلينيوس"، أو "Abalitae"، وقد ذكره بعض الكتبة "الكلاسيكيين"5.

وذهب "كلاسر" إلى احتمال كون وادي "أتمة"، هو موضع شعب "أبيمائيل""Abimael"، غير أن ذلك مجرد ظن، ليس غير6.

والولد العاشر من ولد "يقطان"، هو "شبا"، وقد وردت بعض أخبار "شبا" في أسفار التوراة، وذكرت قصة "ملك شبا" وزيارتها لسليمان7، فسبأ هنا شعب من شعوب اليقطانيين. ولكننا نرى التوراة تجعل "شبا" في موضع آخر ابنًا لـ"يقشان"، و"يقشان" هو ابن "إبراهيم" من زوجته "قطورة""Keterah"، وهو شقيق "إسماعيل" من أبيه8، فسبأ هنا من نسل شعب آخر يختلف عن "سبأ" اليقطانيين، ونراها تذكر "سبأ" بالسين المهملة في جملة أبناء "كوش"9. والمعروف أن المراد من "كوش" عند العبرانيين، الحاميون، أي الشعوب الإفريقية، فيكون "سبأ" هنا اسم شعب

1 enc. Bibli. P. 1101. forster، i.، p.، 147، Montgomery، Arabia، p. 40

2 enc. Bibli، p. 1101

3 البلدان "4/ 65".

4 enc. Bibli. P. 1151، glaser، skizze، 2، s. 426، hastings، p. 201. 201، halevy، mélanges d'epigraphie et d'archéologie semitigues، 86

5 forster، I، 147. f

6 glaser، skizze، 2، s. 426، enc. Bibli. P. 17، hastings، p. 4

7 الملوك الأول، الإصحاح الأول، الآية 1 فما بعدها.

8 قاموس الكتاب المقدس "2/ 524"، التكوين، الإصحاح الخامس والعشرون، الآية 2، أخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول، الآية 32 Hastings، P. 490

9 التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 7.

ص: 80

من الشعوب الإفريقية1.

ومعنى هذا التعدد في النسب انتشار السبئيين وسُكناهم في مواضع متعددة، وهذا ما حمل كتبة التوراة على إدخال نسب السبئيين الساكنين في إفريقيا في نسب "الكوشيين"، وإدخال السبئيين الساكنين عند "ددان" في نسل "رعمة".

ويرد اسم "أوفير""Ophir" بين "شبا" و"حويلة"، وهو كناية عن أرض اشتهرت عند العبرانيين بكثرة ذهبها وبوجود الفضة وخشب الصندل وبعض الأحجار الكريمة فيها2. وقد اختلف في تعيين مكانها، فذهب كثير من علماء التوراة إلى أنها في جزيرة العرب، ولكنهم اختلفوا في تعيين المكان، فذهب بعضهم إلى أنها في اليمن، وذهب آخرون إلى أنها في عسير، وآخرون إلى أنها في اليمامة3 أو موضع "العويفرة" الذي لا يبعد كثيرًا عن حافات جبل طويق4، ومنهم من رأى أنه "مهد الذهب" في الحجاز، وهو موضع عرف باستخراج الذهب منه قبل الإسلام بزمن طويل، وقد نقبت فيه شركة تعدين حديثة، أغلقت أبوابها من عهد ليس ببعيد، كما ذكرت ذلك في كلامي على معادن جزيرة العرب.

غير أن هنالك جماعة من الباحثين في التوراة ترى أن الوصف الوارد في التوراة لأرض "أوفير" يجعلها أرضًا في الهند؛ وذلك لأن الحاصلات المذكورة فيها هي حاصلات هندية، ومن الصعب تصور وجودها في بلاد العرب في ذلك الزمان5. وذهب فريق آخر إلى أنها في إفريقيا6.

والابن الثاني عشر في أبناء "يقطان" هو "حويلة". وقد ذكرته التوراة في موضع آخر من جملة أبناء "كوش" مع "سبأ"، مما يدل على توطن قبيلة

1 قاموس الكتاب المقدس "2/ 278"، Hastings، P. 171

2 قاموس الكتاب المقدس "1/ 179".

3 sprenger، geogr. S. 49. ff. glaser، skizze، 2، s. 357، hommel، aht. 236، Montgomery، Arabia، p. 38. ff

4 philby، sheba's daughters، p. 430

5 lassen، indiasche alterthumskunde، I، 538، soetbeer، das goldland ophir، 1880 a.k. keane. The gold of ophir، 1901، morits، arabien، s. 7، forster، vol. I p. 161، 2، p. 237

6 peters، das goldene ophir salamons، 1895، enc. Bibli. P. 3514، enc. Brite. Vol. 16، p. 807

ص: 81

أخرى تسمى بهذا الاسم في "إفريقيا" لعلها فرع من فروع "حويلة" بلاد العرب1. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن "حويلة" بلاد العرب، هي في بادية الشام، أو على مقربة من خليج العقبة، وذهب آخرون إلى أنها في أواسط جزيرة العرب، أو في منطقة "جبل شمر"، ورأى كلاسر أنها في اليمامة3.

وقد ذكر "الهمداني" جماعة دعاهم "الحوليين"3، يظهر أنهم سكان موضع "حوالة"، وهناك بطن من بطون اليمن يقال له:"بنو حوالة"، كما ورد في اسم "حويل"4.

وفي التوراة: "وكان نهر يخرج من عدن فيسقي الجنة، ومن ثم يتشعب فيصير أربع رءوس. اسم أحدها فيشون، وهو المحيط بجميع أرض حويلة حيث الذهب. وذهب تلك الأرض جيد. هنالك المقل وحجر الجزع"5. فيفهم منه أن نهر "فيشون" "Pishon" يحيط بأرض "حويلة" وهو من أنهر الجنة الأربعة. وأحد الأنهار الأربعة على رأي علماء التوراة هو نهر النيل، وأما الثاني فهو الفرات، وأما الثالث فهو نهر دجلة، وأما النهر الأخير الذي نتحدث عنه، فذهبوا إلى أنه نهر "كارون" أو شط العرب، أو أحد الأنهر الأخرى، فتكون أرض حويلة عندئذ في منطقة تقع على رأس الخليج6.

وآخر أبناء "يقطان" هو "يوباب""Jobab"، ويرى "كلاسر" أنه اسم قبيلة "يهيبب"، الذي ورد في النصوص السبئية7. وذهب بعض آخر إلى أنه اسم شعب "وبار"، وأنه تصحيف لاسم "Jobarital" الوارد في جغرافية "بطلميوس"8.

1 التكوين، الإصحاح العاشر، الآية 29، أخبار الأيام الأول، الإصحاح الأول، الآية 19، 23، قاموس الكتاب المقدس "1/ 398".

2 قاموس الكتاب المقدس "2/ 398".

Enc. Bilbi. P. 1974، musil، hegaz، p، p. 261، hastings، p. 333، glaser، 2 s. 302

3 الإكليل "8/ 85""طبعة نبيه".

4 تاج العروس "7/ 297"، القاموس "3/ 364"، اللسان "13/ 207".

5 التكوين، الإصحاح الثاني، الآية 10 وما بعدها.

6 Hastings، P. 203

7 hastings، p.، 472، glaser، skizze، 2، s. 303، enc. Bibli. P. 2491

8 الهلال: الجزء الثالث عشر من السنة العاشرة، نيسان 1902، ص304.

ص: 82

وقد أضاف "ابن الكلبي" إلى سلسلة أبناء "يقطن""يقطان" ولدًا آخر لم يرد له ذكر في التوراة، دعاه "توقيرًا"، زعم أنه والد الهند والسند1، فربط بذلك بين نسب "اليقطانيين" والهنود. ولا ندري: أعبر عن ذلك جهلا واعتباطا، أم كنى بذلك عن الروابط القديمة التي ربطت بين العربية الجنوبية والهند، حيث سكن عدد كبير من قدماء الهنود "الدراويديين""Dravidians" في سواحل عمان وحضرموت؟ وقد عثرت البعثات العلمية التي نقبت في هذه الأماكن على بقايا هياكل عظمية ترجع إلى هؤلاء، كما يتحدث السياح والباحثون في أثر دماء الهند على سكان هذه المناطق.

ولم ينل هؤلاء الأولاد الثلاثة عشر عناية الإخباري "ابن الكلبي"، ولا عناية "محمد بن إسحاق"، أو غيرهما من أهل الأخبار المعروفين بأخذهم عن أهل الكتاب؛ إذ لم يشيروا إليهم في أثناء كلامهم على أولاد "يقطن""يقطان"، ولم يتحدثوا عنهم، بل نسبوا إليه أولادًا آخرين تراوح عددهم من عشرة ذكور إلى واحد وثلاثين2، أسماؤهم أسماء عربية، لا وجود لها في التوراة، ما عدا اسمًا أو اسمينِ. وهذا الإهمال يثير في نفوسنا الدهشة والاستغراب: لِمَ أهمل -يا تُرَى- هؤلاء الأخباريون أبناء "قحطان" المذكورين في التوراة، مع أنهم أخذوا "يقطان" من التوراة، وجعلوا نسبه نسبًا لقحطان؟! ولِمَ تكرموا عليه فأعطوه عددا من الأولاد لم يأت لهم ذكر في التوراة؟! ولِمَ لَمْ يضم أهل الأخبار أولاد "يقطان" المذكورين إلى أولاد قحطان؟! ألا يدل ذلك على جهل أهل الأخبار بهم وعدم وقوفهم عليهم؟! إن كان جهلهم بهم هو السبب، فإن ذلك يدل على أن أهل الأخبار لم يكونوا يرجعون إلى التوراة رأسًا، يقرءون أسفارها ويأخذون منها، بل كانوا -وهذا هو ما أذهب إليه- يراجعون أهل الكتاب ويأخذون منهم ما يريدون؛ ولهذا لم يقفوا على أولاد "يقطان"؛ لأنهم لم يسألوا أهل الكتاب عنهم، أو لأن أهل الكتاب لم يتحدثوا إليهم عنهم. على أننا لا نستطيع أن نقبل هذا العذر؛ ذلك لأن أهل الأخبار كانوا قد ذكروا أسماء أبناء "إسماعيل"، نقلوها من التوراة وعلى حسب الترتيب الوارد في

1 الطبري "1/ 207" Hastings، P. 472

2 مروج "1/ 77"، ابن خلدون "1/ 47".

ص: 83