المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أشكال الزواج عند العرب في موضعه من هذا الكتاب. هذا، وقد - المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام - جـ ٢

[جواد علي]

الفصل: أشكال الزواج عند العرب في موضعه من هذا الكتاب. هذا، وقد

أشكال الزواج عند العرب في موضعه من هذا الكتاب.

هذا، وقد بحث "جورجي زيدان" في نظرية "الأمومة" عند العرب ورَدَّ عليها بتفصيل1.

1 تاريخ التمدن الإسلامي "3/ 240 وما بعدها".

ص: 176

‌أصول التسميات:

وقد ألف "ابن دريد الأزدي" كتابًا في اشتقاق الأسماء عند العرب، سماه "كتاب الاشتقاق"، تحدث فيه عن أصول الأسماء واشتقاقها؛ وذلك ردًّا على من زعم أن العرب تسمي بما لا أصل له في لغتهم، فذكر اشتقاق تلك الأسماء1. وقد قال في مقدمته له: "كان الأميون من العرب

لهم مذاهب في أسماء أبنائهم وعبيدهم وأتلادهم؛ فاستشنع قوم إما جهلا وإما تجاهلا تسميتهم كلبًا، وكليبًا، وأكلب، وخنزيرًا، وقردًا، وما أشبه ذلك مما لم يستقصَ ذكره. فطعنوا من حيث لا يجب الطعن، وعابوا من حيث لا يستنبط عيب

وكان الذي حدانا على إنشاء هذا الكتاب، أن قومًا ممن يطعن على اللسان العربي وينسب أهله إلى التسمية بما لا أصل له في لغتهم، وإلى ادعاء ما لم يقع عليه اصطلاح من أوليتهم وعدوا أسماء جهلوا اشتقاقها، ولم ينفذ علمهم في الفحص عنها"2..إلى أن قال: "واعلم أن للعرب مذاهب في تسمية أبنائها؛ فمنها ما سموه تفاؤلًا على أعدائهم نحو: غالب، وغلاب، وظالم، وعارم، ومنازل، ومقاتل، ومعارك، وثابت، ونحو ذلك. وسموا في مثل هذا الباب مسهرًا، ومؤرقًا، ومصبحًا، ومنبهًا، وطارقًا. ومنها ما تفاءلوا به للأبناء نحو: نايل، ووائل، وناجي، ومدرك، ودراك، وسالم، وسليم، مالك، وعامر، وسعد، وسعيد، ومسعدة، وأسعد، وما أشبه ذلك. ومنها ما سمي بالسباع ترهيبًا لأعدائهم نحو: أسد، وليث، وفراس، وذئب، وسيد، وعملس، وضرغام، وما أشبه ذلك. ومنها ما سمي بما غلظ وخشن من الشجر تفاؤلًا أيضا، نحو: طلحة، وسمرة، وسلمة، وقتادة، وهراسة، كل

1طبعة "وستنفلد" في "كوتنكن""غوتنكن" سنة 1854م.

2 الاشتقاق "ص3 وما بعدها".

ص: 176

ذلك شجر له شوك وعضاة. ومنها ما سمي بما غلظ من الأرض وخشن لمسه وموطئه، مثل: حجر، وحجير، وصخر، وفهر، وجندل، وجرول، وحزن، وحزم. ومنها أن الرجل كان يخرج من منزله وامرأته تمخض فيسمي ابنه بأول ما يلقاه من ذلك، نحو: ثعلب، وثعلبة، وضب، وضبة، وخزز، وضبيعة، وكلب، وكليب، وحمار، وقرد، وخنزير، وجحش، وكذلك أيضا يسمي بأول ما يسنح أو يبرح له من الطير، نحو: غراب، وصرد، وما أشبه ذلك

خرج وائل بن قاسط وامرأته تمخض، وهو يريد أن يرى شيئًا يسمي به، فإذا هو ببكر قد عرض له، فرجع وقد ولدت له غلامًا، فسماه بكرًا، ثم خرج خرجة أخرى وهي تمخض، فرأى عنزًا من الظباء، فرجع وقد ولدت غلامًا فسماه عنزًا.. ثم خرج خرجة أخرى، فإذا هو بشخيص قد ارتفع له ولم يتبينه نظرًا، فسماه الشخيص.. ثم خرج خرجة أخرى وهي تمخض، فغلبه أن يرى شيئا، فسماه تغلب

خرج تميم بن مر وامرأته سلمى بنت كعب تمخض، فإذا هو بوادٍ قد انبثق عليه لم يشعر به، فقال: الليل والسيل، فرجع وقد ولدت غلاما، فقال: لأجعلنه لإلهي، فسماه زيد مناة، ثم خرج خرجة أخرى وهي تمخض، فإذا هو بمكاء يغرد على عوسجة قد يبس نصفها وبقي نصفها، فقال: لئن كنت قد أثريتِ وأسريتِ لقد أجحدت وأكديت، فولدت غلاما فسماه الحارث

"1.

قيل لأبي الدقيش الأعرابي: "لِمَ تسمون أبناءكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح؟ " فقال: "إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا"2. وتعرض الجاحظ لهذا الموضوع أيضا، فقال: "والعرب إنما كانت تسمي بكلب وحمار وحجر وجعل وحنظلة وقرد على التفاؤل بذلك. وكان الرجل إذا ولد له ذكر، خرج يتعرض لزجر الطير والفأل، فإن سمع إنسانًا يقول: حجر أو رأى حجرًا، سمى ابنه به وتفاءل فيه الشدة والصلابة والبقاء والصبر وأنه يحطم ما لقي، وكذلك إذا سمع إنسانًا يقول: ذئب أو رأى ذئبًا تأول فيه الفطنة والمكر والكسب، وإن كان حمارا تأول فيه طول العمر والوقاحة والقوة والجلد، وإن كان كلبا تأول فيه الحراسة واليقظة وبعد

1 الاشتقاق "ص3 وما بعدها"، بلوغ الأرب "3/ 193 وما بعدها".

2 الديري "2/ 242".

ص: 177

الصوت والكسب"1. ويظهر مما تقدم أن موضوع التسميات عند العرب كان من الموضوعات التي لفتت إليها الأنظار؛ لما في كثير منها من غرابة وخروج على المألوف، فانبرى بعض العلماء في شرح الأسباب التي أدت بالعرب إلى اتخاذ تلك التسميات، وإلى ذكر العلل التي دفعتهم إليها كالذي نراه في بحث "ابن دريد" في كتابه "الاشتقاق"، حيث ذكر في مقدمته كل الأسباب التي رآها وتوصل إليها في بحثه عن هذا الموضوع، الذي أثار جانبًا منه "روبرتسن سمث" وغيره من المستشرقين.

كما سموا بعبد العزى وعبد ود وعبد مناة وعبد اللات وعبد قسي ونحو ذلك، مما فيه إضافة العبودية لأحد الأصنام.

والمتعارف عليه في الإسلام، هو إرجاع النسب إلى الأب، أما الانتساب إلى الأم، فإنه قليل الوقوع؛ ولهذا يعد الرجل عربيًّا إذا كان والده عربيًّا، لا يؤثر فيه نسب أمه إن كانت أعجمية. أما قبل الإسلام، فإن النسب وإن كان تابعًا لنسب الأب، إلا أنه قد يلحق الولد بالأم، وبالرغم من هذا العرف، فإن العرب في الماضي وفي الحاضر يقيمون وزنا كبيرا لدم الأمهات، بل قد تزيد أهميته عندهم على أهمية دم الأب. والمثل العراقي العامي:"ثلثين الولد على الخال"2 خير تعبير عن وجهة نظرهم تلك، فإنه يمثل نزعة عرق الخال3، وهي من النزعات التي أقام لها الجاهليون وزنًا كبيرًا عندهم.

أما وجهة نظر العلم الحديث، فإن لدم الأبوين أثرًا متساويًا في المولود؛ ولهذا فإن موضوع النسب إلى الأب أو الأم، موضوع لا يعالج عنده بالعرف والعادة، بل يعالج وفق قواعد العلم المقررة لديه. وبناء على ذلك يجب أن نقيم وزنًا لموضوع التزاوج المختلط بين العرب والغرباء، وقد كان معروفا وشائعا في الجاهلية أيضا، إذ تزوجوا من الرقيق، ولا سيما الرقيق الأبيض ونسلوا منه، كما سكن في جزيرة العرب آلاف من الغرباء قبل الإسلام واندمجوا في أهلها، وتركوا أثرا في دماء أهلها، يختلف باختلاف مقدار الاختلاط. ويتبين ذلك بوضوح في سحن سكان السواحل؛ لأنهم أكثر عرضةً للاختلاط من أبناء البواطن والنجاد.

1 التمدن الإسلامي "3/ 269".

2 أي: ثلثا الولد.

3 ابن سعد، الطبقات "جـ3، ق1، ص335".

ص: 178

ولا تختلف أسماء القبائل العربية في طبيعتها عن طبيعة أسماء القبائل عند الشعوب الأخرى، ولا سيما قبائل الشعوب المسماة: الشعوب السامية، فهي أسماء آباء وأجداد ترد غالبًا في شكل أسماء ذكور، وترد في الأقل في صورة أسماء نساء، وتعد عندئذ أسماء أمهات، أي: أمهات قبائل. وهي -كما قلت قبل قليل- ليست أسماء أعيان بالضرورة؛ فبينها أسماء مواضع نسب سكانها إليها، فصارت بمرور الزمن جدا، أو أبا، أو أما، وبينها أسماء آلهة وأصنام، تعلق المؤمنون بها حتى نسبوا إليها، وبينها أسماء طواطم. ونجد بين أسماء القبائل العربية أسماء ترد عند العبرانيين وعند غيرهم من الشعوب السامية أعلامًا لقبائل كذلك، وقد يكون من المفيد جدا دراسة هذه الأسماء ومقابلتها بعضها ببعض، ودراسة أسماء القبائل العربية دراسة مستفيضة لمعرفة أصولها وتطورها، ومراجعة الموارد الأعجمية والكتابات الجاهلية للعثور على تلك الأسماء فيها وتعيين زمن ظهور الاسم فيها لأول مرة.

ص: 179