الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منها، لم يجد الأخباريون والمؤرخون شيئًا يقولونه عن انتصارات "أذينة" على "سابور"، وإلا ذكروه كما ذكروا حادث أسر "سابور" للقيصر "والريانوس" في أثناء كلامهم عن سابور. وقد ذكره الطبري فقال:"وأنه حاصر ملكًا كان بالروم يقال له الريانوس بمدينة أنطاكية، فأسره وحمله وجماعة كثيرة معه وأسكنهم جنديسابور"1.
1 الطبري "2/ 61""طبعة المطبعة الحسينية".
الزباء:
انتقل الملك بعد مقتل "أذينة" و"معن" إلى "وهبلت" و"هبلات""وهب اللات"، وهو ابن "أذينة" من زوجه "الزباء" ويعرف في اليونانية بـ "اتينودورس" "Athenodorus". وكان لوهبلات أخوة هم:"حيران""خيران" و"تيم الله" من أذينة ""أذينة" وأمه "الزباء". وكان قاصرًا، لذلك تولت الوصاية عليه وتأديبه بأدب الملوك حتى يبلغ سن الرشد، فعلمته "اللاتينية" والفروسية، وهيأته لكيون ملكًا كبيرًا كقياصرة الرومان أو أكاسرة الفرس وسعت هي لتهذيب الدولة وتوسيعها وبسط نفوذها على أماكن واسعة لم تكن خاضعة لتدمر، لذلك كان لا بد من حدوث احتكاك وتصادم بينها وبين الرومان.
وللأخباريين أحاديث وأقاصيص عن الزباء، واسمها عندهم "نائلة بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العميلقي "العملقي" من العماليق1. و"الزباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر" على زعم2، و"ليلى" في زعم آخر. وزعموا أن لها أختًا اسمها "زبيبة" بنت "الزباء" لها قصر حصين على شاطئ الفرات الغربي، فكانت تشتو عند أختها وتربع ببطن النجار، وتصير إلى تدمر. كما كان لها جنود هم في نظرهم بقايا من العماليق والعاربة الأولى، وتزيد وسليح ابن "حلوان بن عمران
1 الطبري "2/ 31"، ابن خلدون "2/ 261"، حمزة "65".
2 مروج "2/ 16".
ابن الحاف بن قضاعة" ومن كان معهم من قبائل قضاعة1. وذكر "ابن خلدون" أن ملك العرب بأرض الحيرة ومشارف الشأم كان لعمرو بن الظرب، وكان جنود الزباء من بقايا العمالقة من عاد الأولى ومن نهد وسليح ابني حلوان ومن كان معهم من قبائل قضاعة، وكانت تسكن على شاطئ الفرات وقد بنت هنالك قصرًا، وتربع عند بطن المجاز، وتصيف بتدمر، أخذ قوله هذا من تأريخ الطبري وتصرفه فيه بعض التصرف2. أما الأصل، فخبر من أخبار الأخباريين، وأما النقل فحكمه حكم الأصل بالطبع. وأما أن جنود "الزباء" من بقايا "العمالقة، فهو أمر مقبول في نظر أصحابنا الأخباريين، ولم لا؟ إن "الزباء" في رأيهم من بقايا العمالقة، أي من العرب الأولى فلم لا يكون جنودها إذن من أولئك القوم؟
وزعم بعض الأخباريين أن "الزباء" من ذرية "السميدع بن هوثر" من "بني قطورا" أهل مكة، وهي بنت "عمرو بن أذينة بن الظرب بن حسان". وبين "حسان" و"السميدع"آباء. وزعم آخرون أن "عمرو بن الظرب" كان على مشارف الشأم والجزيرة، وكان منزله بين "الخابور" و"قرقيساء"، فوقعت بينه وبين "مالك بن فهم" حروب هلك "عمرو" في بعضها، فقامت بملكه من بعده ابنته "الزباء". وقد استمرت الحرب بين "مالك" و" الزباء" إلى أن ألجأها إلى أطراف مملكتها. وكان "مالك" على ما يصفه الأخباريون رجلًا قديرًا يغير على ملوك الطوائف حتى غلبهم على كثير مما في أيديهم3. وهو في نظرهم أول من ملك من "عرب الضاحية". وكان منزله مما يلي "الأنبار"، ثم ملك بعده أخوه "عمرو بن فهم". فلما هلك تولى من بعده "جذيمة الأبرش" الشهير في تأريخ الحيرة4.
والذي حارب "عمرو بن الظرب" على رواية منسوبة على "ابن الكلبي" ذكرها "الطبري" هو "جذيمة الأبرش". وكان جذيمة على هذه الرواية قد جمع جموعًا من العرب سار بها يريد غزاة "عمرو"، وأقبل "عمرو" بمجموعة
1 الطبري "2/ 32".
2 ابن خلدون "2/ 261".
3 ابن خلدون "2/ 259 وما بعدها".
4 الطبري "2/ 28".
من الشأم فالتقوا فاقتتلو قتالًا شديدًا فقتل "عمرو بن الظرب" وانفضت جموعه، فأجمعت الزباء رأيها لغزو "جذيمة" للأخذ بثأر أبيها، واستعدت لذلك. غير أن أختًا لها هي "زبيبة"، وكانت ذات رأي ودهاء وأدب، نصحتها بترك الحرب، فإن عواقبها غير مضمونة، فاستجابت لنصيحتها، وعمدت إلى طرق المكر والحيل فراسلته واستدرجته إلى عاصمتها في قصة معروفة مشهورة لا حاجة بي إلى إعادتها، فغدرت به وقتلته1. وطلب "قصير بن سعد بن عمرو ابن جذيمة بن قيس بن ربي بن نمارة بن لخم"، وكان أريبًا حازمًا أثيرًا عند "جذيمة بن الأبرش" من "عمرو بن عدي" خليفة "جذيمة" على الحيرة الخروج لقتال "الزباء"، فأحجم فلما رأى ذلك منه، صمم على أن يأخذ هو بالثأر، فذهب إليها مدعيًا أنه مضطهد ممقوت لتهمة نسبت إليه هي أنه ساهم في قتل "جذيمة" فوثقت به واطمأنت إليه وهي لا تعلم ما يخفي لها، ثم طلب منها أن يعود إلى بلده ليعود بأمواله ونفائس ما لديه فسمحت له وأعطته تجارة لتصريفها هناك، فباعها وعاد بأرباح طائلة وبأموال كثيرة، فزادت ثقتها به وتكرر الحال، حتى إذا ما وثق من اطمئنانها إليه عاد في المرة الأخيرة برجال أشداء من بني قومه ومعهم "عمرو بن عدي"، وضعهم في جوالق كبيرة فلما توسطوا في المدينة، أنزلت الجوالق وخرج الرجال منها، فوضعوا سيوفهم في رقاب أهلها، فلما رأت الزباء ذلك، أرادت الهرب من نفق حفرته لمثل هذه الأيام، اطلع قصير عليه، فوضع "عمرو بن عدي" على بابه. فلما رأته الزباء مصت خاتمها، وكان فيه سم، قائلة:"بيدي لا بيدك يا عمرو"، وتلقاها عمرو بن عدي بالسيف فجللها به وقتلها، وغنم كثيرًا، وانكفأ راجعًا إلى العراق2.
وهي قصة محشوة بالأمثال المنسوبة إلى أبطالها: جذيمة وقصير والزباء وعمرو
1 حمزة "65".
2 الطبري "2/ 34 وما بعدها"، مروج "2/ 19 وما بعدها"، ابن خلدون "2/ 261" وما بعدها" البلدان "3/ 379"، مروج الذهب "2/ 69 وما بعدها"، "قصة جذيمة". فلما نظرت الزباء إلى مشي الجمال، قالت:
ما للجمال مشيها وئيدا
…
أجندلا يحملن أم حديدا؟
أم صرفانا باردًا شديدا
…
أم الرجال جثيًّا قعودا؟
مروج "2/ 72"، "دار الأندلس".
ابن عدي، وفيها على عادة الأخباريين في رواية أمثال هذا القصص شعر نسب بعضه إلى هؤلاء الأبطال، ونسب بعضه الآخر إلى شعراء أقحمت أسماؤهم في القصة ليؤكد واضعوها ولا شك صدق حديثهم، وليلونوا كلامهم بعض التلوين.
ونجد قصة الزباء وجذيمة وقصير المطالب بالثأر في شعر ينسب إلى "عدي بن زيد العبادي"، جاء فيه:
ألا أيها الملك المرجى
…
ألم تسمع بخطب الأولينا
دعا بالبقة الأمراء يومًا
…
جذيمة عصر ينحوهم ثبينا
فطاوع أمرهم وعصى قصيرًا
…
وكان يقول لو تبع اليقينا
ثم يستمر في نظم القصة شعرًا حتى تنتهي. وقد ختمت بنصح للإنسان ليتعظ بالحوادث والمنايا، التي لا تعرف أحدًا مهما كانت درجته ومنزلته، إلا أخذته، ثم صيرته أثرًا بعد عين1.
وذكر أهل الأخبار أن "الزباء" كانت تأتي الحصون، فتنزل بها، فلما نزلت بـ "مارد"، حصن دومة الجندل، وبالأبلق، حصن تيماء، قالت تمرد مارد وعز الأبلق، فذهبت مثلًا2.
ولم يبخل الأخباريون على الزباء، فمنحوها أبياتًا زعموا أنها قالتها، وجعلوها أديبة في العربية بليغة إلى أعلى درجات البلاغة. لها حكم وأمثال بهذه العربية، عربية القرآن الكريم. ولا غرابة في ذلك، فالذي ينسب شعرًا عربيًّا إلى آدم وإبليس ويرويه مشكلًا مضبوطًا على وفق قواعد النحو والصرف، لا يعجز عن رواية شعر ينسب إلى "عمرو بن الظرب" وإلى ابنته الزباء.
وذكر أن معاوية ذكر في أحد مجالسه "الزباء" وابنة "عفزر"، فقال:"إني لأحب أن أسمع حديث ماوية وحاتم، فقال رجل من القوم: أفلا أحدثك يا أمير المؤمنين؟ فقال: بلى، فقال: إن ماوية بنت عفزر، كانت ملكة وكانت تتزوج من أرادت"3.
1 الشعر والشعراء "112 وما بعدها"، "عدي بن زيد العبادي"، وفي الكتب الأخرى اختلاف في الألفاظ والعبادات، مروج "2/ 73"، "دار الأندلس".
2 مروج "2/ 73"، "دار الأندلس".
3 البيان والتبيين "3/ 9".
ويذكر أهل الأخبار أن "ابنة عفزر" قينة كانت في الدهر الأول، لا تدوم على عهد، فصارت مثلًا. وقيل: قينة كانت في الحيرة، وكان وفد النعمان إذا أتوه لهوًا بها. وذكر أن "عفزر" اسم أعجمي، ولذلك لم يصرفه "امرؤ القيس" في قوله:
أشميم بروق المزن اين مصابه
…
ولا شيء يشفي منك يا ابنة عفزرا1
ولم تشأ الكتابات التدمرية الإعلان عن اسم ملكة تدمر، بل ذكرتها على هذه الصورة:"بت زباي" أي "بنت زباي"2. و"زباي" هو اسم والد الملكة، حذفت كلمة "بت" وهي "بنت" في العربية، وقلب الحرف الأخير وهو الباء من كلمة "زباي" وصير همزة، فصار "زباء"، وعرفت ملكة تدمر عند العرب باسم "الزباء".
وقد ذكر المؤرخ "فلافيوس فوبسكوس""Flavius Vopiscus" أن والد "الزباء" رجل من تدمر اسمه "اخليو""Achilleo"3، و"Achilleo" هو "انطيوخس""Antiochus" في رواية أخرى4.
وقد أثنى عليها المؤرخ "تريبليوس يوليو""Trebellius Pollio" ووصفها وصفًا جميلًا، وأشار إلى مقدرتها وقابليتها، وذكر أنها كانت تتكلم اليونانية وتحسن "اللاتينية"، وتتقن اللغة المصرية وتتحدث بها بكل طلاقة، وتهتم بشؤون المملكة، وتقطع المسافات الطويلة سيرًا على الأقدام في طليعة رجال جيشها، إلى غير ذلك من كلام فيه ثناء وإطراء على هذه الملكة5.
وقد بلغتنا روايات تفيد أن الملكة ادعت أنها من مصر، من سلالات الملوك وأنها من صلب الملكة الشهيرة "قلبطرة"6 "كليوبطرة""Cleopatra"، وأنها كانت نفسها تتكلم المصرية بطلاقة، وأنها ألفت كتابًا كتبته بخط يدها اختصرت
1 اللسان "4/ 591".
2 المشرق، السنة الأولى، "1898م"، آب، الجزء 15، "ص 693".
3 Flavius Vopiscus Aur.، 31، Oberdick، S.، 143.
4 Zosimus، I، 61، Oberdick، S.، 143.
5 Trebellius Pollio: Hist. August.، P.192، 199، Xxx، Tyranni.، C.، 14.
6 مروج "1/ 259""طبعة دار الرجاء". Oberdick، S.، 47، Gibbon، I، P.202.
فيه ما قرأته من تواريخ الأمم الشرقية ولا سيما تأريخ مصر1، وأنها استقدمت مشاهير رجال الفكر إلى عاصمتها، مثل الفيلسوف الشهير "كاسيوس ديونيسيوس لونجينوس""Cassius Lunginus""220 – 273م" بعد الميلاد. وكان فيلسوفًا على مذهب الأفلاطونية الحديثة ومن أصدقاء الفيلسوف "فرفوريس""Phorphyrios"، استقدمته الملكة إلى عاصمتها واستضافته عندها وجعلته مستشارًا لها، فأخلص لها في مشورته، فكان ذلك سببًا في قتله. فقتله القيصر "أوريليانوس""Aurelianus"، لاتهمامه أنه كان يحرض الملكة على الرومان2.
ومثل الكاتب المؤرخ "كليكراتس الصوري"، و"لوبوكوس" البيروتي اللغوي الفيلسوف، و"بوسانياس" الدمشقي المؤرخ، و"نيوكوماخس""Nicomachus" من زمرة الكتاب المؤرخين، المتضلعين بالإغريقية، ومن الفلاسفة، وقد تولى الكتابة باللغة الإغريقية، وصار من مستشاريها كذلك3. ولذلك أمر به القيصر "أورليانوس" فقتل بعد محاكمته بمدينة حمص، في الوقت الذي حوكمت فيه الملكة والفيلسوف "لونجينوس"، الذي قطع رأسه بعد أن مثل به4. وفي حشد هذا النوع من الرجال دلالة على ميول الملكة الفلسفية الأدبية وثقافتها العالية ولا شك.
وملكة شأنها هذا، لا بد أن تكون حرة الفكر، متساهلة مع أصحاب العقائد والآراء. وهذا ما كان، ففي مدينة "تدمر" الوثنية عاشت جالية كبيرة من اليهود تمتعت بممارسة شعائرها الدينية بكل حرية، ونالت حقوق المواطنة التي كان يتمتع بها التدمريون، جاءت إلى المدينة مهاجرة من فلسطين خاصة بعد خراب القدس على أيدي القيصر "طيطوس""تيتوس""Titus" في سنة "70" بعد الميلاد5. فاشتغلت فيها بالتجارة، فحصلت على أرباح طائلة جدًّا، وصار لها في المدينة اسم وشأن حتى إن مجلس المدينة والشعب أقام تمثالًا في سنة "569"
1 Oberdick، S.، 47، Vaughan، P.79.
2 فقدت مؤلفات هذا الفيلسوف ولم يبق منها غير: “Le Sublime”
2 أي كتاب الإيغال، المشرق، السنة الأولى الجزء 20، السنة 1898م، "ص 921". Hervey، P.245.
3 المشرق، الجزء نفسه "921". Vaughan، P.192.
4 Vaughan، P.192.
5 المشرق، السنة الأولى، الجزء 20 "1898م". ص"924".
السلوقية المقابلة لسنة "257" الميلادية ليهودي يدعى "يوليوس أورليوس شلميط""Julius Aurelius Schalmath" قائد القافلة؛ لأنه ترأس القافلة، وأنفق عليها من ماله1.
وقد بالغ بعض المؤرخين في عدد اليهود الذين كانوا في "تدمر" أيام حكم الزباء فزعم أنه بلغ نصف عدد سكان المدينة، وهو زعم يحتاج إلى إثبات. وزعم القديس "أثناسيوس""St. Athanasius" أن ملكة تدمر كانت تدين باليهودية2 ولكنها مع تهودها لم تهب أبناء دينها الكنائس لتكون لهم مجامع ومحافل3. وذهب إلى هذا الرأي المؤرخ "فوتيوس" "Photius"4. وذكر "فيلاستريوس""Philastrius" أن الذي هود الملكة هو "بولس السميساطي "Paulus Samosatius"5 وهو أسقف كان مقربًا إلى الزباء، وله منزلة عالية لديها. ونسبت إليه آراء في المسيح وفي بعض الأمور الدينية الأخرى دعت إلى محاكمته في مجمع "أنطاكية" الذي انعقد في سنة "264" للميلاد، فوجد المجمع أن تعاليمه تشبه تعاليم "أرتاماس" "أرتامون" الذي حكم عليه قبلًا، فحرموا آراءه كذلك، ثم حكم عليه في "أنطاكية" سنة "269" بعزله عن الأسقفية، ولم تتدخل "الزباء في القرارات التي اتخذها رجال الكنيسة تجاه بولس، كما أنها لم تنفذ قراراتهم بحقه، بل أبقته في مركزه وتركته على ما كان عليه6.
ويرى بعض المؤرخين أن خبر تهود الملكة خبر مختلق، وضعه آباء الكنيسة للإساءة إلى سمعة "بولس السميساطي" والطعن فيه والحط من تعاليمه وللتأثير في نفوس أتباعه7. وقد لاقى "بولس" من خصومه عنتًا شديدًا. ولا يعقل بالطبع أن يعمد رجل كنيسة إلى تهويد شخص مهما كان مذهبه ورأيه في طبيعة المسيح
1 Oberdick، S.، 65، Corpus، Insc. Grea.، Iii، Nr. 4486، Levy: Palmyr. Inschr. In Zdmg.، Vii، 1864، S. 88.
2 المشرق، السنة الأولى، الجزء 20، "1898م""ص 924"،
Oberdick، S.، 71، Milman: History Of The Jews، Iii، P.175.
3 المشرق، الجزء 21 "1898م"، "ص 995".
4 Oberdick، S.، 71، G. Moss: Jews And Judaism In Palmyra، In: Palestine Exploration Fund Qjuarterly، Vol.، 60، 1928، 100-107.
5 المصدر نفسه.
6 المشرق، السنة الأولى، الجزء 21، 1898م "ص 991 وما بعدها".
7 Oberdick، S.، 72.
واللاهوت، بل المعقول أن يعمد للتأثير فيه وإدخاله إلى مذهبه. ولدينا خبر آخر أراه من جنس خبر "فيلاستريوس" ذكره "تيودوريت" "Theodoret" خلاصته: أن الأسقف "بولس" أخذ رأيه في "الثالوث" من آراء الملكة المتأثرة باليهودية، وأنه كان قد تأثر بالمرأة حتى سقط إلى الحضيض1. ولا يخفى ما في هذا الخبر من طعن في عقيدة الرجل الذي أبدى رأيًا في "الثالوث" سبب غضب الآباء عليه.
ولم نجد في الآثار اليهودية التي بين أيدينا ما يفيد تهود "الزباء"، نعم ورد في التلمود خبر يفيد حماية "الزباء" للأخبار2، غير أنه وردت أخبار أخرى تفيد أن اليهود كانوا ناقمين على "تدمر" حاقدين عليها يرجون من الله أن يطيل في عمرهم ليروا نهايتها. هذا الحبر الكبير "يوحانان""يوخانان""Johanan""Jochanan" رئيس "أكاديمية""طبرية" والمعاصر لأذينة والزباء، يقول:"مخلد وسعيد من يدرك نهاية أيام تدمر". ولو كانت الملكة على دين يهود، لما صدرت هذه الجملة من فم ذلك الحبر ولا شك. ويفهم من بعض الروايات المروية عن فقهاء اليهود وأحبارهم في فلسطين في ذلك العهد، أن الملكة اضطهدت اليهود وعذبتهم. وهي روايات لا يمكن التسليم بصحتها أيضًا، ويجوز أنها ظهرت على أثر توسع الملكة في الأرضين التي كانت تحت سيطرة الرومان ومنها "اليهودية" غير أن هذا الاستيلاء لم يكن أمده طويلًا3.
ووردت روايات أخرى تشير إلى كراهية يهود منطقة الفرات لتدمر، ورد أن الحبر "يهودا""R.Juda" تلميذ الحبر "صموئيل""Samuel" تحدث عن تدمر، فقال:"سيحتفل الإسرائيليون في أحد الأيام بعيد، أنه عيد هلاك ترمود "Tarmud"، أنها ستهلك كما هلكت تمود "Tamud". وقد هلكت". وورد أن الحبر "آشة""R.Asche" ذكر "ترمود""Tarmud" فقال: "ترمود مثل تمود، أنهما شيئان لأمر واحد، إذا هلك أحدهما قام الثاني مقامه"
1 Oberdick، S.، 73.
2 Talmud Jeru. Ter.، Viii، 46b، Ency. Brita.، 23، P.945.
3 Simon Dubnow: Weltgeschichte Des Judischen Volkes، Iii، S.، 179، The Universal Jewish Encyclopedia، Vol.، 10، P.639، Graetz: History Of The Jews، Vol.، 2، Pp.528، 1927، Yer. Taan.، Viii، 465.
ويراد بـ "ترمود" مدينة "تدمر"1. وقد اشترك عدد كبير من اليهود في صفوف أعداء الزباء، واشتركوا مع الفرس في حروبهم مع تدمر كما اشتركوا مع الرومان. وقبض على عدد من الأحبار أحضروا إلى الملكة كانوا يحرضون الناس على التدمريين2.
أما "تمود"، الذين هلكوا قبل هلاك "ترمود"، فهم قوم ثمود. ويظهر أنهم حلت بهم نكبة أدت إلى هلاكهم حتى صار هلاكهم مضرب الأمثال. ولم يشر إلى زمن حلول تلك النكبة. ولكن ذلك كان قبل سقوط "تدمر" في أيدي الرومان على كل حال، كما يفهم من كلام الحبر "يهودا" المتوفى سنة "257" للميلاد3.
أما أسباب هذا البغض، فلم تذكر. ويظهر أن هنالك جملة عوامل دعت إلى ظهوره، منها آراء الملكة الفلسفية وآراء الفلاسفة والكتاب الذين كانوا يحيطون بها، وكانوا يبثونها في تدمر وفي البقاع التي استولى عليها التدمريون، فنفقت نفاقًا كبيرًا بين يهود "تدمر" ويهود "الكالوتات" على نهر الفرات، فأثارت هذه الآراء "الإلحادية" عند اليهود حقد الأحبار والمتدينين. ومنها الزواج المختلط الذي انتشر في تدمر بين اليهود وغير اليهود، ونشوء جيل جديد من هذا الزواج أضاع الدين وتقاليد الإسرائيليين. وهو أمر نهي عنه اليهود. ومنها الحالة السياسية التي نشأت من أسر الفرس للقيصر "والريانوس"، وهجوم أذينة على الفرس وما أعقب ذلك من حروب ألحقت ضررًا كبيرًا بالجاليات اليهودية الكبيرة التي كانت تسكن شواطئ الفرات، ومعظمها من التجار الذين كانوا يتاجرون مع الفرس والروم، وبين العرق وديار الشأم، فأصيبت هذه "الكالوتات" اليهودية التي كانت تتمتع بشبه استقلال بأضرار كبيرة، وفقدت استقلالها خلال مدة استيلاء التدمريين على شواطئ الفرات. فلهذه الأسباب كانت نقمة اليهود على التدمريين4.
1 Oberdick، S.، 80، Jebam 17b.
2 ذكر "Oberdick، أمثلة عديدة على ذلك في "ص 80" وما بعدها من كتابه، راجع أيضًا:
Gratz: Geschichte Der Juden، Iv، S.، 336، Levy، In Zdmg، Xviii، S.، 97.
Jost: Geschichte Des Judenthums Und Seiner Sekten، Ii، S.، 156.
3 Oberdick، S.، 79.
4 Jost: Geschichte Der Juden، 4، 14، 7، Oberdick، S.، 78.
وحرص بعض المؤرخين على إدخال الملكة في زمرة النصارى فزعموا أنها كانت على دين المسيح. وتساهل آخرون بعض التساهل فقالوا أنها لم تكن نصرانية أصيلة ولكنها كانت قريبة منها ميالة إليها، وجحد حجج من قال بتهود الملكة وسخفها. وتوسط آخرون فقالوا إنها لم تكن يهودية محضة، ولا نصرانية خالصة، إنما كان دينها وسطًا بين الدينين: كانت تعتقد بوجود الله، وترى التوحيد، ولكنها لم تكن على اليهودية وعلى النصرانية، بل رأت الخالق كما يراه الفيلسوف1.
وللمؤرخين آراء في أصل "الزباء" ونسبها وأسرتها، فمنهم من ذهب إلى أنها مصرية، ومنهم من ذهب إلى أنها من العماليق ومن هؤلاء المؤرخ "آيشهورن""Eichhorn"2. وقد أخذ هؤلاء آراءهم من الكتب العربية على ما يظهر. وذهب المؤرخ اليهودي "كريتس""Graetz""Gratz" إلى أنها "ادومية" من نسل "هيرودس" وأنها يهودية الدين3. ورأى "رايت" "Wreght" و"أوبردك" "Oberdick" وآخرون أنها من أب عربي ولكنها من دم مصري من ناحية الأم. والذي عليه أكثرهم أنها عربية الأصل4.
وقد ذكر "المسعودي" أن بعض المؤرخين كانوا يزعمون أنها "رومية" تتكلم العربية5.
أظهرت "الزباء" مقدرة فائقة في إدراة شؤون الملك، فخاف منها الرومان، وعزم "غاليانوس" بتحريض من شيوخ "رومة" على القضاء عليها قبل استفحال أمرها، فأرسل جيشًا إلى الشرق تظاهر أنه يريد من إرساله محاربة "سابور" غير أنه كان يريد في الواقع مهاجمة تدمر وإخضاع الملكة. فبلغ خبره مسامع "الزباء" فاستعدت لمقابلته وخرجت له، والتحمت فعلًا بكتائب الرومان، وانتصرت عليها انتصارًا باهرًا، وولت هاربة تاركة قائدها "هرقليانوس""Heraclianus" قتيلًا في ساحة الحرب6.
1 Oberdick، S.، 72، 73.
2 Eichhorn، Fundgr. Des Orients، Ii، S.، 365، Oberdick، S.، 47.
3 Graetz، Geschichte Der Juden، Iv، S.، 335.
4 Wright، P.131، Oberdick، S.، 47.
5 مروج "1: 259".
6 المشرق، السنة الأولى، ايلول 1898م، 18 "ص 824 وما بعدها"،
Zosimus، I، 40 Oberdick، S.، 43، Trebellius Pollio، Gall. 31، Trig. Tyr.، 29. Hist. August.، P.180، 181، Gibbon، I، P.263.
ورأت الملكة الحذر من الفرس، وذلك بتقوية حدود مملكتها، فأمرت بإنشاء حصن "زنوبيا""Zenobia" على نهر الفرات، ليقف أمام الهجمات التي قد يوجهها الساسانيون عليها من الشرق1. ويقول "بوركوبيوس" أنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى الملكة مؤسسته2.
وقد اتبعت "الزباء" بعد مقتل زوجها سياسة عربية، سياسة تعتمد على التقرب من الأعراب والتودد إليهم، والاعتماد عليهم في القتال والحروب. وذلك بعد أن رأت أن الرومان هم أعداء تدمر، وأنهم لا يفكرون إلا في مصالح الرومان الخاصة. وبهذه السياسة تقربت أيضًا إلى العناصر العربية المستوطنة في المدن، وأخذت تعمل على تكوين دولة عربية قوية واحدة بزعامتها، وخاصة بعد أن أدركت أن الأعراب قوة لا يستهان بها، وأنهم لو نظموا واستغلوا استغلالًا جيدًا، صاروا قوة يحسب لها كل حساب، فأخذت تعمل لتكوين هذه القوة، ولكن الرومان كانوا أسرع منها، فقضوا على مآربها قبل أن تتحقق، فاستولوا على تدمر وأزالوا مملكة ملكة الشرق3.
وجهت "الزباء" أنظارها إلى مصر، ووضعت الخطط للاستيلاء على هذا القطر، بعد أن مهدت لنفسها الدعوة فيه بإعلانها أنها مصرية وأنها من نسل الملكة "كليوبطرة""قلبطرة" فلها إذن فيه ما يسمح لها بالتدخل في شؤونه، وأخذت تترقب الفرص وتتحين الأسباب، فلما قتل القيصر "غاليانس" سنة "268" للميلاد، وانتقل الحكم إلى "أوريليوس فلوديوس""Marcus Aurelius Claudius""268-270م"، وجدت الجو صالحًا للتدخل، كان الألمان "Alemannen" قد هاجموا حدود الانبراطورية في مطلع هذا العام، وكان "الغوط""القوط""Gothen""Goths" قد أربكوا الدولة. وكان أثر الخسارة التي ألحقتها الملكة في الجيش الروماني، ومقتل "هرقليانوس" بالغًا في نفوس الرومان، يتجلى في صياح أعضاء مجلس الشيوخ بصوت واحد سبع مرات في أثناء مبايعة القيصر الجديد: "ياقلوديوس أغسطس نجنا من فكتوريا ومن زنوبيا، ياقلوديوس
1 Oberdick، S.، 43.
2 Procopius، History Of The Wars، Ii، V، Iv-Vi، P.295.
3 Die Araber، Ii، S.، 270، Vi، S.، 270
أغسطس أغثنا من التدمريين"1. وفي الرسالة المؤثرة التي وجهها القيصر إلى مجلس الشيوخ ومدينة "رومة" وهو في طريقه لتأديب المهاجمين، وفيها "إن جبيني ليندى خجلًا كلما تذكرت أن جميع الرماة بالقسي هم في خدمة زنوبية"2. فانتهزت الملكة هذه الفرصة المؤاتية وأرسلت جيشها لاحتلال مصر.
كان القيصر قد أمر عالمه على مصر المدعو "بروبوس""Probus" بالخروج على رأس أسطول الأسكندرية إلى عرض البحر: لمطاردة "الغوط""القوط""Goths" ولمنعهم من الهرب عبر المضايق، فخرج على رأس قوة كبيرة من الرومان لمطاردتهم، فانتهز الوطنيون والمعارضون لحكم الرومان –وعلى رأسهم "تيماجينيس""Timagenes"، وهو رجل يوناني الأصل مبغض للرومان- هذه الفرصة، فكتبوا على الملكة يحضونها على تحرير مصر من حكم "رومة" وتولى الحكم فيها. وأظهر "فيرموس""Firmus"، وهو رجل ثري جدًّا، استعداده لمساعدة الملكة بالمال وبكل ما ينبغي إذا أرادت الاستيلاء على مصر. فأمرت "الزباء" قائدها" "زبدا" بقصد مصر على رأس جيش قوامه سبعون ألف رجل. وقد قاتل الجيش الروماني الذي كان مؤلفًا من خمسين ألف مقاتل وتغلب عليه، ثم قرر العودة إلى تدمر تاركًا في مصر حامية صغيرة من خمسة آلاف رجل، ويظهر أنه تركها تحت إمرة "تيماجينيس" الذي عين نائبًا عن الملكة على مصر. فلما سمع "بروبوس" بهجوم التدمريين وتغلبهم على الرومان، أسرع عائدًا إلى مصر، فألف جيشًا من المصريين الموالين للرومان، وزحف على الأسكندرية، وأخذ يتعقب التدمريين، وأعمل فيهم السيف. فلما سمعت "الزباء" بذلك، أمرت قائدها بالعودة ثانية إلى مصر، فجرت معارك بين الطرفين انتهت بانتصار التدمريين على "بروبوس" عند "بابلون" أي "الفسطاط"، وكتب النصر لجيش الملكة في مصر3.
1 المشرق، الجزء المذكور "ص 825".
Oberdick، 53، Trebellius Pollius، Claud.، 4، Triq. Tyr.، Vaughan، P.83.
2 المشرق، الجزء المذكور "ص 826".
Oberdick، S.، 54، Trebellius Pollius، Claud.، 7.
3 "بروباتوس"، المشرق، السنة الأولى، أيلول 1898م، الجزء 18 "ص 826"،
Zosimus، I، 39، 44، Hist. August.، P.198، “Pollius، Xxx، Tyrani، G. 29”، Oberdick، S.، 54، Vaughan. P.84، 122، 130.
وقد ساعد عرب مصر من سكان الأقسام الشرقية من مصر، جيش تدمر مساعدة كبيرة، ولا سيما فيما جرى من قتال حول حصن "بابلون""Babylon" الذي عرف بـ "الفسطاط" فيما بعد. ويظن بعض الباحثين أن "تيماجينس""Timagenes" الذي وصفة المؤرخ "زوسيموس""Zosimos""Zosimus" بأنه مصري، كان في الحقيقة عربيًّا، واسمه عربي أخذ من "تيم اللات"، أو من "تيم جن"1. وكان من المبغضين للرومان.
ولم تتحدث الموارد التأريخية عن الحوادث التي جرت في مصر بعد هذا النصر ولا عن موقف الرومان من هذا التطور الذي وقع في منطقة خطيرة من مناطق الانبراطورية. ويظهر أن الملكة تراضت مع "رومة" وعقدت اتفاقية معها، وافقت "رومة" فيها على بقاء جيوش تدمر في مصر، مع اعتراف "تدمر" بسيادة الرومان على وادي النيل. وقد عقدت هذه الاتفاقية في أواخر أيام حكم "قلوديوس". كما يتبين ذلك من خبر ذكره "تربيليوس بوليو""Tribellius Pollio" مآله حلف المصريين يمين الولاء والإخلاص للقيصر، وقد دام هذا الاتفاق في أوائل سني حكم القيصر "أورليانوس""Aurelianus""270-275م" أيضًا كالذي يتبين من نقد ضرب في الأسكندرية في سنتي "270" و"271" للميلاد، وقد ضربت على أحد وجهي النقد صورة مزدوجة لوجه القيصر "أورليانوس""Aurelianus" حاملًا لقب "أغسطس""Augustus" مع وجه "وهبلات"، وقد نعت بـ:"Vir Consularis Romanorum Imperator Dux Romanorum""Vir Consularis Rex Imperator Dux Romanorum"، ويشير إلى اللقب الذي تلقب به أيام حكمه. وأما ازدواج صورة القيصر مع صورة "وهبلات"، فيشير إلى الحكم المزدوج على مصر2.
ولم يدم هذا الاتفاق بين الرومان وبين الملكة طويلًا. فقد ضغط سادات
1 Die Araber، Ii، S،. 272، G. Ryckmans: Les Noms Propres Sud-Semitisques، 62، H. Wuthnow: Die Semitischen Menschennamen In Griech. Inschriften Und Papyri، 1930، 39.
2 Mattingly-Sydenham، V، I، 308، No: 381، H. Mattingly، In Cah، 12، 301، Ency. Brita.، 17، P.163، Oberdick، S.، 61، Wright، P، 137، Die Araber، Ii، S.، 254.
"رومة" على الانبراطور بأن ينقذ الامبراطورية مما حاق بها من تصدع في أوروبة وفي الشرق. وفي جملة هذا التصدع ظهور ملكة "تدمر" وأطماعها في مصر وفي الأرضين الأخرى من بلاد الشأم وآسية الصغرى. واضطر القيصر "أوريليانوس" بعد الانتهاء من فتنة "رومة" ومن تأديب الجرمان إلى التدخل والعمل للقضاء على عصيان العصاة وطمع الطامعين. وبلغ سمع الملكة من أصدقائها ومخبريها في "رومة" عزم الانبراطور على القضاء عليها، فقررت القيام بعمل سريع قبل مباغتة القيصر لها، فألغت الاتفاق المعقود مع الرومان في أيام "قلوديوس"، وأمرت بمحو صورة "ارريليانوس" من النقود لتبرهن على قطع علاقتها بالقيصر، وعدم اعترافها بسيادة "رومة" الاسمية عليها، وأمرت بضرب صورة "وهبلات" وحده، مع اللقب "الانبراطوري" المخصص بقياصرة "رومة" وذلك في السنة الخامسة من حكمه. وقد تلقبت الزباء نفسها بهذا اللقب في النقود التي ضربت باسمها في الخارج. أما نقود "تدمر"، فقد لقبت فيها بلقب "ملكة"1، ولقبت في مصر هي وابنها بلقب "أغسطس". وهو لقب القيصر "أوريليانوس". وفي هذا التحدي الصريح، دليل واضح على ما حدث من نزاع شديد في العلاقات السياسية بين تدمر ورومة2.
وتفاوضت الملكة "الزباء" على رواية مع الملكة "فيكتوريا" فيكتورية" "Victoria" عاهلة إقليم "الغال"، لتوحيد الخطط في مهاجمة القيصرية الرومانية واقتسامها، وأمرت جيوشها بالسير إلى "بيتينية" "Bithynia" فاستولت عليها، وظلت تتقدم دون ملاقاة معارضة تذكر حتى بلغت "خلقيدون" بإزاء "القسطنطينية"3. ويقال إن الملكة كانت قد أمرت بصنع عجلة فاخرة للدخول بها في موكب الظفر إلى عاصمة الرومان4.
واضطرت الملكة لتنفيذ خطتها هذه إلى سحب القسم الأعظم من جيشها المعسكر في مصر معتمدة على دفاع المصريين أنفسهم إذا هجم عليهم الرومان. فانتهز
1 Cooke، Nsi، No: 131، Wadd.، 2628.
2 Ency. Brita.، 17، P.163.
3 المشرق، السنة الأولى، الجزء "22 "1898م" ،"ص 1033".
Oberdick، S.، 84، Vaughan، P.117، 130، 133.
4 Oberdick، S.، 83.
"أوريليانوس" هذه الفرصة فأرسل مددًا إلى "بروبس"، وكان القائد "زبدا" قد وصل إلى مصر لمساعدة "فيرموس" نائب الملكة على صد الرومان. فوقعت معارك بين الفريقين كاد يكون النصر فيها للتدمريين لولا استمالة "بروبس" جماعة من المصريين، فآزروه ودحروا جيش "زبدا" في سنة "271" للميلاد، واضطر التدمريون إلى ترك مصر إلى أعدائهم، فكانت هذه أول نكبة عظيمة تنزل بالزباء1، ومنذ "29" أغسطس من سنة "271م" انقطع في الأسكندرية ضرب النقود التي تحمل صورة الزباء ووهبلات2.
ولا نعرف اليوم شيئًا من الموارد التأريخية عن الأثر الذي تركه انتصار "بروبس" في مصر على التدمريين. ولكننا نستطيع أن نقول أنه وقع وقعًا عظيمًا على الملكة "الزباء". فخسارة مصر على هذه الصورة، كانت خسارة كبيرة عليها، ولا بد أن تكون قد أثرت فيها، فقد مكنت الرومان من القضاء على سلطان الملكة في تلك البقعة المهمة وجعلت في إمكانهم تهديدها من الجنوب، كما أن توقف جيشها عند "خلقيدون"، وعدم تمكنها من الاستيلاء على "نيقية" وتوقف خططها العسكرية الهجومية، ثم اتخاذها خطة الدفاع ثم التراجع ومجيء "أورليانوس" بقوات كبيرة نحو الشرق، كل ذلك قد يكون نيتجة من نتائج هذا الاندحار الذي مني به جيش الملكة وأحزابها الموالية لها بمصر، فأضعف معنويات التدمريين ومن كان يواليهم وشد من أزر الرومان ومن كان يناصرهم.
قاوم أهل "خلقيدون" التدمريين، وأبوا التسليم لهم، وأرسلوا إلى القيصر لينجدهم، ويظهر أن الملكة عرفت حراجة وضعها العسكري، وعدم استطاعتها التقدم، فقررت التراجع إلى مواضع جديدة تدافع فيها عن نفسها إذا هاجمها الرومان. وقد هاجمها الرومان فعلًا، إذ عبر القيصر مضيق "البسفور" وفاجأ التدمريين في "بيثينية" في أواخر سنة "271م" أو أوائل السنة التالية، وأجلاهم عنها، ثم سار إلى "غلاطية""Galatia" و" قفادوقية""Cappadocia" حتى بلغ "أنقرة""Ancyra"، فسلمت له. وأخذ الرومان يتقدمون بسرعة إلى بلاد الشأم3.
1 المشرق، السنة الأولى، الجزء 22، "1898م"، "ص 1034".
2 Oberdick، S. 84.
3 المشرق، الجزء المذكور "ص 1034". Oberdick، S. 87.
أفزع تقدم الرومان السريع الزباء ورجالها ولا شك، وأخذت المدن التي كانت تساندها تشك في تمكن الملكة من الدفاع عن نفسها، وشاعت بين الناس قصص عن نهاية تدمر وخرابها بأيدي الرومان وعن سقوطها لا محالة، أثيرت مع وصول أنباء اعتزام القيصر القضاء على حكم الملكة وإخضاع "تدمر" لحكم الرومان. ومن يدري؟ فلعل الرومان وأنصارهم وأعوانهم وجواسيسهم هم الذين صنعوها وأذاعوها بين الناس لإماتة همة جيش الملكة وأعوانها، والإيحاء إليه أنه مغلوب لا محالة وأن إرادة الآلهة قد قضت بذلك ولا راد لها. فكان من بين ما أشيع أن معبد "الزهرة" في "أفقة""Aphaca" أنبأ الحجاج التدمريين الذين حجوا قبل سنة من سقوط مدينتهم، يستفتون "الزهرة" فيما سيحل بهم في السنة المقبلة بمصير سيئ سيلحق بتدمر، وأن كارثة ستنزل بهم، أنبأهم بذلك على عادة المعبد في موسم الحج الذي يلي الموسم الذي سئل فيه السؤال1.
وكان من بين ما أشيع تخرصات زعم أنها صدرت من معبد "أبولو""Apollo" تنبئ بزوال دولة التدمريين ومشيئة الآلهة بانتصار "أورليانوس" على الزباء، وتخرصات تزعم أن الحبر "يهودا""R.Juda" تلميذ الحبر "صموئيل""Samuel" تنبأ بها عن تدمر، إذ كان قد قال:"سيحتفل الإسرائيليون في أحد الأيام بعيد، إنه عيد هلال "ترمود" "Tarmud"، إنها ستهلك كما هلكت "تمود" "Tamud" وقد هلكت". وورد أن الحبر "أشه""R.Asche" ذكر "ترمود""Tarmud" فقال: "ترمود مثل تمود، إنهما شيئان لأمر واحد، إذا هلك أحدهما قام الآخر مقامه". ويراد بـ "ترمود" مدينة "تدمر"2.
إلى غير ذلك من تخرصات أوحت بها دعاية الرومان، وأعداء الملكة من يهود ومن قوميات أخرى قهرتها "الزباء" فأذاعتها بين الناس، لإفهامهم أن من العبث مقاومة القيصر وجنوده، وأن من الخير ترك المقاومة والاستسلام، وأن اليوم الذي ستحرر فيه تلك الشعوب من حكم الملكة آت قريب؛ لأن إرادة الآلهة قضت أن يكون ذلك، ولا راد لأمر الآلهة: نعم، لم تصدق الملكة العاقلة
1 Zosimus، I، 54، 57، 58.
2 Oberdick، S.، 80، Jebam، 17b.
الحكيمه بهذه الخرافات، فحاربت. ولكن عقول العامة لم تكن على شاكلة عقل الملكة، لقد أثرت فيها هذه الدعاية، وقضت على معنويات التدمريين الوثنيين الذين يدينون بهذه الخرافات ويؤمنون بها، وما زال من طرازهم خلق كثير في القرن العشرين الميلادي هذا.
تهيأت الملكة "الزباء" لملاقاة "أورليانوس" عند مدينة "أنطاكية""Antiochia"، وكانت هي على رأس الجيش فارسة تحارب في الطليعة، أما القيادة، فكانت لقائدها "زبدا". وفي الوقعة الأولى هجم فرسان تدمر على الكتائب الرومانية فشتتوا شملها، فأمر القيصر جنوده بالرجوع إلى مسافات بعيدة، ليوهم التدمريين أنه قد فر، فإذا ساروا في أثرهم وابتعدوا عن قواعدهم باغتهم بالهجوم، فلا يتمكن فرسان تدمر من الهزيمة لثقل أسلحة الفرسان ومعداتهم وبطء خيلهم بالقياس إلى خيل الرومان. وهو ما حدث. فقد خدع التدمريون وظنوا رجوعهم هزيمة، فتعقبوهم إلى مسافات بعيدة، وفجأة انقلبت الكتائب الرومانية على التدمريين، وأطبقوا عليهم، وأعملوا فيهم السيوف وانهزموا هزيمة منكرة إلى مدينة "أنطاكية". وفي هذه المدينة قر رأي الملكة على ترك أنطاكية والارتحال عنها بسرعة لأسباب، منها وجود جالية يونانية كبيرة فيها كانت تفضل حكم الرومان على حكم الشرقيين عليهم، وقد كان لها النفوذ والكلمة في المدينة، ومنها نفرة النصارى من الملكة بسبب موقفها من "بولس السميساطي" الذي قرر مجمع "أنطاكية" عزله من وظيفته، فلم تنفذ الملكة قرار المجمع، وتركته يتصرف في أموال الكنيسة، ولم تكتف بذلك بل عينته "Procurator Decenarius" على المدينة، أي أنها جعلته الرئيس الروحي والدنيوي على الأنطاكيين. أضف إلى ذلك كره اليهود الذين في المدينة للتدمريين. وقد نفذت الملكة هذا القرار في اليوم الذي دخلت فيه جيوشها المدينة، فأمرت قائدها بتركها والسير إلى "حمص" فورًا. وفي اليوم الثاني دخل "أورليانوس" تلك المدينة وأعطاها الأمان1.
وتعقب القيصر أثر الملكة ففتح جملة مدن حتى بلغ "حمص""Emisa"، وهناك وجدها على رأس جيش قوامه سبعون ألفًا في مفازة عريضة تقع شمالي المدينة.
1 المشرق، الجزء المذكور "ص 1035".
Oberdick، S.، 92، Ritter، Erdkunde، 17، 2، S.، 1160، 8، Zosimus، I، Ii; 50; 51; PP.44.
فاشتبك الرومان والتدمريون في معركة حامية ربح فيها التدمريون الجولة الأولى، فولى الرومان مدبرين مذعورين تفتك فيهم سيوف تدمر. غير أن القيصر حزم رأيه، وأدرك وجود ضعف في خطة قتال الملكة، سببه ابتعاد فرسان تدمر عن مشاتهم في أثناء تعقب فرسان الروم، فأمر جنوده بالهجوم على مشاة التدمريين، ولم يكونوا في التدريب والقابلية مثل مشاة الرومان، فمزقوا مشاة الملكة كل ممزق وحلت هزيمة منكرة عامة بجيش الزباء اضطرتها إلى ترك "حمص" وتفضيل الرجوع إلى عاصمتها تدمر للدفاع عنها، فلعل البادية تعصمها منه وتمنعه من الوصول إليها. ودخل القيصر مدينة "حمص"، فتوجه بالشكر والحمد إلى إله "حمص""الشمس" قاطعًا على نفسه عهدًا أن يوسع المعبد ويجمله ويزينه أحسن زينة، مقدمًا له نذورًا هي أكثر ما غنمه من الغنائم من التدمريين1.
أدرك القيصر أن النصر الحقيقي لن يتم له إلا بالقبض على "الزباء" وفتح "تدمر"، وأنه لن يدرك هذا إلا إذا سار هو بنفسه على رأس جيشه لفتح تلك المدينة. لذلك قرر الزحف إليها بكل سرعة قبل أن تتمكن الملكة من تحصين مدينتها ومن الاتصال بالفرس وبالقبائل العربية الضاربة في البادية، فيصعب عندئذ الاستيلاء عليها. فسار مسرعًا حتى بلغ المدينة برغم الصعوبات والمشقات التي جابهت الكتائب "اللجيونات" الرومانية في أثناء قطعها الصحراء، وألقى الحصار على "تدمر" القلعة الصحراوية الحصينة، غير أن المدافعين عنها قابلوه بشدة وصرامة برمي الحجارة والسهام والنيران على جيشه وبالشتائم والسخرية والهزء ترسل إليه من أعالي السور. ويظهر أن "رومة" سمعت بذلك فسخرت من عجز القيصر عن احتلال مدينة صحراوية، ومن التغلب على امرأة، فساء "أورليانوس" ذلك كثيرًا، فكتب إلى مجلس الشيوخ يقول:".... قد يستضحك مني بعض الناس لمحاربتي امرأة.... فاعلموا أن الزباء "Zenobia" إذا قاتلت كانت أرجل من الرجال...."2. وبعثت سخرية أهل تدمر وهزؤ أهل "رومة" منه في القيصر عزمًا جديدًا على فتح المدينة ودكها دكًّا مهما كلفه الأمر، ليمحوا عنه هذه الوصمة
1 المشرق، الجزء المذكور "ص 1036".
Oberdick، S.، 102، Zosimus، I، 53، Flav. Vop. Aur.، 25، Gibbon، I، P.256.
2 المشرق، الجزء المذكور "ص 1038".
Oberdick، S.، 108، Flav. Vospicus Aur.، 26-27، Hist. August.، P.218، Wright، P.167، Gibbon، I، P.266.
المخجلة التي لحقت به. فكاتب الملكة طالبًا منها التسليم والخضوع للرومان لتنال السلامة وتستحق العفو، فيسمح لها بالإقامة مع أسرتها في مدينة يعينها مجلس الشيوخ لها. أما جواب الملكة، فكان:"إن ما التمسته مني في كتابك لم يتجاسر أحد من قبلك أن يطلبه مني برسالة. أنسيت أن الغلبة بالشجاعة، لا بتسويد الصفحات. إنك تريد أن أستسلم لك. أتجهل أن كليوبترة "كليوبطرة" قد آثرت الموت على حياة سبقها عار الدبرة، فها أنا ذي منتظرة عضد الفرس والأرمن والعرب "Saracens" لفل شباتك وكسر شوكتك. وإذا كان لصوص الشأم قد تغلبوا عليك وهم منفردون، فما يكون حالك إذا اجتمعت بحلفائي على مقاتلتك. لا شك أنك ستذل وتخنع لي فتجرد نفسك من كبريائها التي حملتك على طلب المحال كأنك مظفر منصور في كل أين وآن"1.
لم ينجد الفرس ملكة الشرق، ولم يرسلوا إليها مددًا ما. فقد كانوا هم أنفسهم في شغل شاغل عنها. توفي "سابور" الأول في عام "271" للميلاد، فتولى "هرمز""Ormidus" الملك من بعده، وكان رجلًا ضعيفًا خائر القوى،
فعزل بعد سنة قضاها ملكًا، وظهرت فتن داخلية بسبب ذلك لم تسمح للفرس وهم في هذه الحال أن يرسلوا قوة لمساعدة ملكة البادية عدوة "أورليانوس" قيصر الروم. وأما القبائل، فأمرها معروف، إنها مع القوي ما دام قويًّا، فإذا ظهرت عليه علائم الضعف، صارت مع غيره، تحرش قسم منها بجيوش الرومان المحاصرة للمدينة هاجمتها، غير أنها منيت بخسائر فادحة، فتركت التحرش بالمحاصرين. ورأى قسم منها الاتفاق مع القيصر، ففي الاتفاق الربح والسلامة. وما الذي يجنيه سادات القبائل من ملكة محاصرة، لم يبق من ملكها غير مدينة في بادية وثروة سيستولي عليها الرومان. وإن بقيت لها فلن يصيبها منها ما يصيبهم من القيصر من مال كثير، ومن لقب وجاه يأتيهم من حاكم مدني قوي، وقد عرف القيصر فيهم هذه الخصلة فاشترى أنفس الرؤساء بالمال. فأمن بذلك شر القبائل، وسلم من عدو يحسب لعداوته ألف حساب2.
1 المشرق، الجزء المذكور "ص 1038".
Oberdick، S.، 109، Flav. Vop. Aur.، 26، 27، Wright، P.157، Vaughan، P.173.
2 Oberdick، S.، 108، III.
ولما رأت الزباء أن ما كانت تأمله من مساعدة الفرس والقبائل والأرمن لم يتحقق، وأن ما كانت ترجوه من مساعدة الحظ لها بإطالة أمد الدفاع لإكراه عدوها على فك الحصار والرجوع لم يتحقق كذلك، وأن وضع القيصر قد تحسن بوصول مدد عظيم إليه من الشأم وبوصول مواد غذائية إليه كافية لإطالة مدة الحصار، قررت ترك عاصمتها للأقدار، والتسلل منها ليلًا للوصول بنفسها إلى الفرس علهم يرسلون لها نجدة تغير الموقف وتبدل الحال. ودربت أمر خطتها بكل تكتم وهربت من مدينتها من غير أن يشعر بخروجها الرومان، وامتطت ناقة واتجهت نحو الفرات، ولعلها كانت تقصد الوصول إلى حصنها "زنوبية" ومنه إلى الفرس1. على كل حال، فقد حالفها الحظ في أول الأمر، فأوصلها سالمة إلى شاطئ النهر، عند "الدير" "دير الزور" قريب من "زليبية"2 "Halebiya" ثم خانها خيانة فظيعة. فلما علم "أورليانوس" بنبأ هرب الملكة، أيقن أن أتعابه ستذهب كلها سدى إن لم يتمكن من القبض عليها حية. لهذا أوعز إلى خيرة فرسانه وأسرع رجاله فاقتفاء أثر الملكة والقبض عليها مهما كلفهم الأمر. وقال الحظ كلمته. أنه سيكون في جانب القوي ما دام الناس في جانبه. نقل فرسان القيصر إلى موضع وجود الملكة على الشاطئ، في اللحظة الدقيقة الفاصلة الحاسمة بين الموت والهلاك والدمار وبين العز والسلطان واسترجاع ما ذهب من ملك. كانت الملك تهم بوضع نفسها في زورق لينقلها إلى الشاطئ الثاني من نهر الفرات، ولو عبرت لتغير إذن كل شيء. وإذا بالفرسان ينقضون عليها ويأخذون "ملكة الشرق" معهم مسرعين إلى معيد الشرق للرومان:"Recepto Orientis"، وهو على رأس جنوده يحاصر هذه المدينة العنيدة التي أبت الخضوع لحكمه والتسليم له3.
من الباحثين من يرى أن الملكة هربت من نفق سري يصل معبد المدينة بالخارج يمر من تحت السور له باب سري خارج الأسوار أعد لمثل هذه المناسبات، أو من أنفاق أخرى، إذ يصعب تصور خروج الملكة ليلًا من مدينتها ولو بحفر نفق في السور دون أن يشعر بذلك الرومان. ويستشهدون على صحة رأيهم هذا
1 Oberdick، S.، III.
2 المشرق، السنة الأولى. الجزء 23 "1898م".
WRIGHT، P.160، Freya Stark، Rome، P.367.
3 “Recepto Igitur Orientis”، Flav. Vop. Aur.، 25.
بالسراديب والقنوات التي ترى بقاياها تحت أسوار تدمر وقلاعها إلى اليوم1.
أحضرت الزباء أمام القيصر، فقال لها:"صرت في قبضتنا يا زينب، ألست أنت التي أدت بك الجسارة إلى أن تستصغري شأن قيصر روماني"، فأجابت:"نعم، إني أقر لك الآن بكونك قيصرًا، وقد تغلبت علي. وأما غاليانوس وأورليوس وغيرهما، فلست أنظمهم في سلك القياصرة. وإنما بارتني فيكتورية في السلطنة والعز، فلولا بعد الأوطان لعرضت عليها أن تشاركني في الملك"2. فأثرت كلمات الملكة في نفس "أوريليانوس"، فمنحها الأمان. وقد أثر أسرها في نفوس التدمريين المتحصنين في بلدتهم، فرأى قسم منهم الاستمرار في الدفاع وعدم تسليم المدينة مهما كلف الأمر، ورأى قسم آخر فتح الأبواب والتسليم، وصاحوا من أعلى الأسوار في طلب الأمان، وفتحوا له أبواب المدينة في بدء السنة "273" للميلاد3. فدخلها دخول الظافرين، فقبض على حاشية الملكة السابقة ومستشاريها ومن كان يحرض على معارضة الرومان، واستصفى أموال الملكة وجميع كنوزها، وأخذ الزباء ومن قبض عليهم معه وتوجه بهم إلى "حمص"4.
وتذكر بعض الروايات أن القيصر كان أول ما فعله عند دخوله إلى المدينة أن توجه إلى معبد الإله "بعل""Bel"، فشكر الإله وحمده على توفيقه له ونصره له على أهل تدمر. ثم اختار له قائدًا نصبه على "تدمر" اسمه "Sandarion" على رواية و"Apsaeus" على رواية أخرى، ليحافظ على الأمن ويحكم المدينة. وجعل في إمرته حامية فيها ستمائة من الرماة، ثم غادر تدمر تاركًا أمرها إلى هذا القائد5.
1 المشرق، الجزء المذكور "ص 1058".
Oberdick، S.، Iii، Ritter: Erdunde، Xviii، 2، S.، 1521.
2 المشرق. الجزء المذكور، "ص 1058".
Oberdick، S.، 112، Ritter، Erdunde، Xvii، 2، Hist. August.، P.199، 218، Wright، Pp.160، Vospicus Aurel.، C. 28، Zosimus، I، I، C. 55، P.50، Gibbon، I، P.267، Trebellius Poll.، 30. Tyr.، 29.
3 المشرق، الجزء المذكور "ص 1059" Leopold Von Ranke: BD، 5، S. 189..
4 Zosimus، I، 56.
5 Vaughan، P.187.
وفي حمص كما زعم المؤرخ "زوسيموس""Zosimus" حاكم القيصر الملكة وأصحابها "استحضر القيصر سلطانة تدمر وأشياعها فلما مثلت بين يديه، جعلت تعتذر إليه وتتنصل وتدافع عن نفسها مدافعة الداهية حتى قرفت كثيرين من أصحابها بأنهم أصلوها بسوء نصائحهم وورطوها في الغرور. وكان من جملة الذين وشت بهم عند القيصر "لونجينوس"
…
فحكم عليه القيصر من ساعته بالموت بعد أن مثل به. فكابد لونجينوس العقاب بشجاعة وصبر جميل حتى إنه عند وفاته كان يعزي أصدقاءه وأقاربه. وكذلك نكل بكل من تجرمت زينب عليه"1.
وقد اختلف الباحثون في صحة رواية هذا المؤرخ، فمنهم من شك فيها ومن هؤلاء "الأب سبستيان رتزفال" الذي نقلت ترجمته العربية لرواية "زوسيموس" فقد استبعد صدور الوشاية والخيانة من ملكة كانت على جانب عظيم من سمو الأخلاق والثقافة2. ومنهم من اعتقد بصحتها وسلم بها ولام الزباء على صدور مثل هذا العمل الشائن منها، ومن هؤلاء المؤرخ الألماني "مومزن" "Mommsen" الشهير في تأريخ الرومان3.
وغادر "أورليانوس" مدينة حمص إلى "رومة" ومعه "الزباء" وأبناؤها وعدد من الأسرى أراد إلحاقهم بموكب النصر الذي سيقيمه عند دخوله العاصمة ليتفرج عليهم الناس. وفي أثناء عبور "البسفور" غرق عدة من أصحاب "الزباء" في جملتهم "وهبلات" على رواية المؤرخ "زوسيموس"4. وبينما كان القيصر في "تراقية" "Thrazien" إذ جاءته الأخبار تنبئ بثورة أهل تدمر على قائد المدينة "سنداريون" "Sandarion" الذي عينه القيصر حاكمًا على تدمر5، وبظهور ثورة أخرى في مصر بطلها "فيرموس" "Firmus" الثري الشهير. وكان هدف الثورتين واحدًا، هو التحرر من حكم الرومان والحصول على الاستقلال،
1 أخذت ترجمة "زوسيموس" من مجلة المشرق السنة الأولى، الجزء 23، السنة 1898م "ص 1059"، راجع الأصل في:
Zosimus، I، I، C. 56، P.49، 51. Vopiscus: Hist. August.، P.219، “Aurel. C. 30”
2 المشرق، الجزء المذكور "ص 1059".
3 Oberdick، S.، 113، Georg Finaly: Griechenland Unter Romern، 1861، Leipzig، S.، 104. Mommsen The Provinces Of The Roman Empire، Vol.، Ii، P.748.
4 Zosimus، I، 58، Zdmg.، 1864، S.، 748.
5 المشرق، الجزء المذكور "ص 1060".
فأنفق "فيرموس" وهو من كبار رجال المال في العالم في ذلك الحين أموالًا كبيرة على الجمعيات الوطنية المناهضة لرومة، وألف جيشًا تمكن به من الاستيلاء على الأسكندرية، وجمع حوله أشياع "الزباء" في مصر، ولقب نفسه بألقاب القياصرة، وأخذ يتفاوض مع التدمريين في توحيد الخطط والعمل بجد في تقويض الانبراطورية الرومانية في الشرق1.
وقرر القيصر الإسراع في العودة إلى الشرق لمعالجة الحالة قبل فوات الوقت، فوصل إلى "تدمر" بسرعة كبيرة أذهلت المدينة الثائرة، فلم تدر ما تصنع. كانت قد قتلت القائد "سنداريون""سوداريون""Sandauion"2، وفتكت بالحامية الرومانية، ورفعت راية العصيان في الشرق وتزعمت الحركة الوطنية المعادية للدخلاء وتبنتها، فبأي وجه ستقابل "أورليانوس" القيصر المتغطرس الجبار؟ وماذا سيكون موقفه منها؟ وهي في وضع حرج لا تأمل الحصول على مساعدة لا من الفرس ولا من المصريين. وتداعت المدينة بسرعة حينما مثل أمامها الرومان وسلمت نفسها للقيصر، فسلمها هو غنيمة إلى جنده يفعلون بها ما يشاءون بغير حساب.
عفا القيصر "أنطيوخس" عن أقارب الزباء، وكان التدمريون أقاموه ملكًا عليهم. ولم يعف عن الرعية فتناولتهم سيوف الرعاع من جنود "رومة" وخناجرهم من غير تمييز في العمر أو تفريق في الجنس3. وأباح القيصر لجنوده تهديم أبنية المدينة، فدكت الأسوار وهدمت الأبراج وقوضت الأبنية4، حتى أن القيصر نفسه رق قلبه على من تبقى حيًّا من المدينة، فكتب إلى "Cirronius Bassus قائد المدينة أن يصفح عنهم، وأن يعيد بناء هيكل الشمس على ما كان عليه، وكان جنود "اللجيون" الثالث قد نهبوه وخربوه، وأمر بالإنفاق عليه وبتزيينه وتجميله من الأموال التي استصفيت من خزائن "الزباء" وطلب من مجلس الشيوخ في "رومه" إرسال كاهن ليدشن المعبد5. وأرسل
1 Oberdick، S.، 115.
2 "سوداريون": المشرق، الجزء المذكور "ص 1060".
3 Oberdick، S.، 116، Gratz: Geschichte Der Juden، Iv، S.، 336.
4 المشرق، الجزء المذكور "ص 1060". Vaughan، Pp.208.
5 Vopiscus: Hist. August.، P.21. Vaughan، P.209.
بعض نفائس الهيكل على عاصمته لتوضع في معبد الشمس الذي أقامه هناك، ومنها أعمدة مصورة1. غير أن ما أفسده الدهر لا يصلحه العطار. ولم يتمكن القيصر من إصلاح ما أفسده الدهر على يديه، فلم يعد المعبد معبدًا كما كان، ولم تعد "تدمر" تدمر الزباء.
وقبل أن يرحل "أوريليانوس" عن أرض تدمر، غزا الفرس. ويظهر أنه غزا قوة كانت قد أرسلت لمساعدة "تدمر"، فأرجعها على أعقابها. ثم عين قائده المحنك "ساترنينوس""Saturninus" بدرجة "Dux" قائدًا على الحدود لحمايتها من الفرس2، وتوجه إلى مصر للقضاء على ثورة "فيرموس"، فكان الحظ فيها حليفه. احتل الإسكندرية وقبض على التاجر الحاكم الذي لقب نفسه قيصرًا فأمر بمعاقبته بعقاب السراق واللصوص، أي بصلبه على الصليب3. وبذلك أعاد معيد الشرق إلى الرومان الشرق المنفتل منهم مرة أخرى إلى الرومان.
بعد هذه الانتصارات وانتصارات أخرى أحرزها في غالية، عاد إلى عاصمته في سنة "274" للميلاد في موكب قيصري عظيم وصفه المؤرخ "Flavius Vupiscus" وصفًا رائعًا، اشترك فيه "1600" مصارع وعدد غفير من الأسرى من مختلف الأقوام، ومن بينهم الملكة الزباء ومعها أحد أبنائها، وقيل كلاهما، وبعض رعاياها، وثلاثة عجلات ملكية: عجلة "أذينة" زوج الزباء وهي مزينة بالذهب والجواهر، وعجلة أهداها "هرمز بن سابور" إلى القيصر، وعجلة "الزباء" الخاصة التي أعدتها لتدخل فوقها منتصرة عاصمة الرومان. وتقدم الموكب عشرون فيلًا وعدة وحوش وحيوانات جيء بها من فلسطين وليبيا ومصر وأماكن أخرى. سار إلى "الكابيتول" ثم إلى قصر "الانبراطور". واحتفل الشعب في اليوم الثاني احتفالًا خاصًّا كانت فيه ألعاب مختلفة وكان فيه تمثيل وسباق مختلف الأنواع4.
كان هذا الاحتفال نهاية فصل وبداية فصل جديد، قضى على الملكة أن تقبع
1 Zosimus، I، 61، Oberdick، S.، 116.
2 Oberdick، S.، 118.
3 Flavius Vopiscus، Aur.، C. 32، 45، Firmus، C. 2، Hist. August.، P.219، Oberdick، S.، 118، Gibbon، I، P.268.
4 Oberdick، S.، 119، Flavius Vopiscus Aur.، C. 33، Hist. August.، P.220، Gibbon، I، P.269.
منذ نهايته في بيت خصص بها في "تيبور""Tibur" مع أولادها، وأن تعتزل السياسة والشرق. عاشت في عزلة في هذه البقعة من إيطالية، ولم يتحدث عنها مؤرخو عصر "أورليانوس" شيئًا بعد أن صارت من سواد الناس. ويظهر أن ما ذكره بعض المؤرخين اليونان عن زواج الزباء بعضو من أعضاء مجلس الشيوخ هو أسطورة من الأساطير العديدة التي راجت بعد ذلك عن حياة ملكة الشرق1. وأما أولاد الملكة، فقد ذكرت قريبًا أن بعض المؤرخين أشار إلى غرق "وهبلات" في أثناء عبور القيصر مضيق "البسفور". وأشار آخرون إلى أنه نقل مع أمه إلى "رومة". وأما "تيم الله""Timnlaus"، فأسكن مع أمه أيضًا في "تيبور". وزعم في رواية أنه مات مع أخيه "خيران""حيران""Herennianus" في أثناء الاحتفال بموكب النصر. وزعم أيضًا أنه عاش وصار خطيبًا مصقعًا من خطباء "اللاتين"2. وروي أيضًا أنها زوجت بناتها بأعيان من الرومان. وروى المؤرخ "تربيليوس بوليو""Trebellius Pollio"، وهو من رجال القرن الرابع للميلاد "حوالي سنة 304م"، أن ذرية الزباء كان في أيامه3. وذكر أن الأسقف الشهير القديس "زنوبيوس" "Zenobius" أسقف مدينة "فلورنسة" ومعاصر القديس "أنبروسيوس" "Ambrosius" كان من نسلها أيضًا4.
ولم تكن تدمر في عهد "ديوقليطيانوس""ديوكليتيانوس""Diocletian""Diocletian""285-305م" سوى قرية صغيرة وقلعة من قلاع الحدود لحمايتها من هجمات القبائل وغزوها للمدن القريبة من البادية5. ويخبرنا المؤرخ "ملالا" أن "دويقليطيانوس" ابتنى "Castra" فيها، وذلك بعد عقده الصلح مع الفرس6، ورممم بعض أبنيتها. ويرى "الأب سبستيان رتزفال" أنه اضطهد نصارى تدمر كما فعل في سائر الأقاليم7.
1 Oberdick، S.، 120.
2 المشرق، الجزء المذكور "ص 1063".
3 Oberdick، S.، 120، Trebellius Pollio، 20.
4 المشرق، الجزء المذكور "ص 1062".
Oberdick، S.، 120، Eutrop. 9، 13، Hieron، Chron.، P.758. Vol.، Baronius، Ann.، Iii، P.146.
5 المشرق، الجزء المذكور، "ص 1062". Oberdick، S.، 116
6 Oberdick، S.، 117، Malalas، S.، 308.
7 المشرق. الجزء المذكور "ص 1063".
وفي حوالي القرن الخامس للميلاد "400م" كانت تدمر مقاطعة تابعة لولاية "فينيقية" وقد عين "تاودوسيوس""تيودوسيوس" ثيودوسيوس" الثاني "408-450م" فرقة من الجند لحراسة "تدمر"1. والظاهر أن وظيفتها كانت حماية الحدود من هجمات رجال البادية. أما الكتيبة الرومانية التي عسكرت فيها في حوالي سنة "400" بعد الميلاد، فهي "اللجيون الأليري" "Illyrian" الأول2.
وذكر الراهب "إسكندر""Alexander The Acoemete" المتوفى في حوالي سنة "430" للميلاد أنه في أثناء سفره من الفرات إلى مصر قابله الجنود الرومان المعسكرون في القلاع بكل ترحاب وقدموا له ولمرافقيه كل المساعدات الممكنة، وأنه وجد قلاعًا مقامة على طول حدود الفرس والروم على مسافات تتراوح من عشرة أميال إلى عشرين ميلًا رومانيًّا. وقد قطع الحدود هذه حتى بلغ مدينة "سليمان"، ويقصد بها مدينة تدمر3.
وأمر القيصر "يوسطنيانوس""جستنيانوس""Justinianus""527-565م" في أوائل تبوئه الحكم "527م""أرمينيوس""Armenius" بالذهاب إلى "تدمر" لترميم ما تهدم من المباني وإعادة المدينة إلى ما كانت عليه. وأمده بالأموال اللازمة لهذا المشروع4، كما أمر بتقوية حامية المدينة، وأن تكون مقر حاكم "Dux" مقاطعة "فينيقية لبنان""Phoenice Libanesia" وذلك لحماية الحدود خاصة حدود الأرض المقدسة5، وذكر المؤرخ "بوركوبيوس""Procopius" أن القيصر المذكور قوى أسوار المدينة وقلاعها وحصنها تحصينًا قويًّا، وحسن موارد
1 المشرق. الجزء المذكور "ص 1063".
Oberdick، S.، 117، Wright، P.169، Notitia Dign Orien، P.84، 380، “Ed. Bocking”.
2 Ency. Brita.، 17، P.163، Notita Dign.، I، 85.
3 Musil: Palmyrena، P.248، De S. Alexandra Fundatore Acoemetorum، Constantinopli، In: Bolland “Acta Sanctorum” P.1025، Edition، E. De Stoop: Vii D’alexandre Acemete، In: Patrologia Orientalis، P.683.
4 المشرق. الجزء المذكور "ص 1063". Oberdick، S.، 117.
5 Oberdick، S.، 117، Procoptus: De Aedif. Just.، Ii، Ii، De Bello Persico، 2، I، P.88، Theophanus، Chro.، I، P.267، “Ed. Bonn”، Malalas، P.426، Syria، Vii، 1926، P.77.
مياهها، ولا تزال آثار هذا العهد باقية حتى الآن1.
وقد كانت مدينة "تدمر" على الحدود الداخلية "Limes Interior" للانبراطورية في أيام "يوسطينيانوس"2. ويسكن في المناطق التي بين هذه الحدود وبين الحدود الخارجية "Limes Exterior" القبائل المحالفة للرومان. ومن هذه المنطقة تغزو القبائل الحدود3. وقد كان سلطان الروم وقواتهم العسكرية أقوى في الحدود الداخلية منها على الحدود الخارجية التي كان يقوم بالدفاع عنها رجال القبائل الحليفة بالدرجة الأولى بأجور ومخصصات تدفعها الحكومة إلى رؤسائها لضمان حماية تلك الحدود.
وقد كانت القبال العربية قبل الميلاد وبعده تقلق راحة سكان الحدود وتزعج الحاميات الموكول إليها أمر سلامتها، وتكون مصدر خطر دائم للحكومات، وكان من الصعب الاطمئنان إليها، ثم إن البادية كانت تصدر لهما بين حين وآخر بضاعة جديدة منها، وموجة عنيفة تزعج القبائل القديمة والحدود معًا، فكان على تلك الحكومات مداراتها واكتساب ود القوية منها، ويقال إن القيصر "دقيوس""Decius""249-251م" سئم في زمانه من هذا الوضع وبرم به، ففكر في إدخال الرعب في نفوس هذه القبائل وقهرها، فجاء بأسود اصطادها من إفريقية في البادية لتتناسل وتتوالد ولتكون مصدر خطر ورعب للأعراب4.
وقد اتخذ بعض ملوك الغساسنة تدمر منزلًا لهم ومحل إقامة. ولم تزل على هذا الشأن حتى فتحها المسلمون سنة "634م"5. غير أنها منذ تركتها الزباء لم ترجع إلى ما كانت عليه. وقد أثر تحول الطرق التجارية في مركز هذه المدينة كثيرًا ولا شك.
وانتهت إلينا أسماء عدد من أساقفة مدينة "تدمر" مدونة في سجلات الأعمال الكنيسة، منهم: الأسقف "مارينوس""Marinus" وقد حضر المجمع النيقاوي "Nicaa""Nicaea" الذي انعقد سنة "325" للميلاد6، والأسقف "يوحنا""357م" وقد ورد اسمه في سجلات أعمال مجمع "خلقيدون""Chalcedon"
1 المشرق، الجزء المذكور "ص 1036".
2 Musil، Palmyrena، P.248، Theophanes، Chronographia “Migne”، Col:404.
3 Musil، Palmyrena، P.248.
4 Musil، Palmyrena، P.247، The Chronicon Paschale، “Migne”، Col:669.
5 المشرق، السنة الأولى، الجزء 23 "1898م"، "ص 1063".
6 المشرق، الجزء المذكور "ص 1063". Oberdick، S.، 117.
المنعقد عام "451م"1، و"يوحنا" الثاني المشهور في أيام "انستاس""أنسطاس""نسطاس" القيصر "491 -581م". وكان نفي في عهد "يوسطينوس" خليفته لدفاعه عن "المجمع الخلقيدوني" ولقوله بطبيعتين في المسيح سنة "518م"2. ويستدل من وجود أساقفة في تدمر على انتشار النصرانية في هذه المدينة.
وفي "تدمر" في الزمن الحاضر ثروة تأريخية مطمورة تحت الأنقاض ستفيدنا ولا شك فائدة كبيرة في تدوين تأريخ المدينة وتأريخ صلاتها بالخارج، لقد عثر فيها على كتابات أفادتنا كثيرًا في تدوين تأريخ المدينة، ولكن ما سيعثر عليه منها مما هو مطمور سيفيدنا أيضًا، وقد يفيدنا أكثر من كتابة تأريخها. وقد قام علماء بالتنقيب في مواضع منها، للكشف عن المواقع المهمة منها، وكتبوا عنها3.
غير أن المدينة لا تزال في انتظار من يكشف عنها.
ووردت في الكتابات التدمرية أسماء أصنام عديدة عبدها التدمريون، بلغ عددها زهاء اثنين وعشرين صنمًا، منها ما هو معروف ومشهور عند العرب، وأسماؤها أسماء عربية. ومنها ما هو إرمي، وعلى رأس آلهة تدمر الإله "شمش""شمس". وقد اتصفت دياناتهم بمزايا النظام الشمسي الذي تركزت عليه ديانة عرب الشمال. ومن هذه الأصنام "بل"، أي "بعل"، و"يرح بل""يرح بول""يرح بعل"، و"عجل بل""عجل بول" و"عجل بعل"، و"الت" أي "اللآت"، و"رحم""رحيم"، "اشتر" أي "عشتار"، و" عثتر" عند العرب الجنوبيين4، و"ملك بل""ملك بعل"5، و"عزيزو""عزيز"
1 Oberdick، S.، 117.
2 المشرق، الجزء المذكور "ص 1036".
3 Syria، Tome، Vii، 1926، Pp.70، “Recherches Archeologiques A Palmyre”، By Albert Gabriel، Pp.128. Syria، Tome، Xi، 1930، Pp.242، Tome، Xvii، 1936، Pp.229 Bounni A. Les Annales Archeologues De Syrie، Vol.، 15، 1955.
4 Ency. Brita.، 17، P.163، Syria، Tome، Ix، 1928، Pp.101، Tome، Xiii، 1932، Pp.139، Tome Xiv. 1933. Pp.171، J. Fevrier، La Religion Des Palmyreniens، Pp.57.
5 Syria، Xiv، 1933، P.169.