الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واضطرب أمر كسرى وجاء الإسلام ومات إياس بعين التمر، وفيه يقول زيد الخيل:
فإن يك رب العين خلى مكانه
…
فكل نعيم لا محالة زائل
وذكر بعض أهل الأخبار أن حكم إياس دام تسع سنين1.
ولا نعرف شيئًا مهمًّا قام به إياس في أثناء توليه الملك، ويظهر أن حكمه لم يكن يتجاوز هذه المنطقة التي أشار إليها الأخباريون، ولم يشر الأخباريون إلى قيامه بغارات على عرب الشأم. أما الشيء المهم الذي وقع في أثناء توليه الحكم، فهو يوم ذي قار.
1 المعارف "ص284"، المحبر "359 وما بعدها".
ذو قار:
وذو قار ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط1. وبالقرب منه مواضع منها حنو ذي قار وقراقر وجبابات ذي العجرم وجذوان وبطحاء ذي قار2. ويقع حنو ذي قار على ليلة من ذي قار3.
يرجع الأخباريون سبب وقوع ذي قار إلى مطالبة "كسرى ابرويز" هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان بتسليم الودائع التي أودعها النعمان لديه إليه. فلما أبى هانئ تسليم ما اؤتمن عليه لغير أهله، غضب كسرى، فبعث إلى الهامرز التستري، وهو مرزبانه الكبير، وكان مسلحه في القطقطانه، وإلى جلابزين وكان مسحله في بارق، كما كتب إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين، وكان كسرى استعمله على سفوان بأن يرافقوا إياسًا فإذا اجتمعوا فإياس على الناس. وجاءت الفرس معها الجنود والفيلة عليها الأساورة. فالتحموا بأرض ذي قار، فلما كان اليوم الأول، استظهر الفرس على العرب، ثم جزعت الفرس في اليوم الثاني من العطش، فصارت إلى الجبابات، فتبعتهم بكر وباقي العربان، فعطش الأعاجم، ومالوا إلى بطحاء ذي قار وبها اشتدت الحرب، وانهزمت الفرس، وكسرت كسرة هائلة، وقتل
1 البلدان "7/ 8".
2 Rothstein، S. 121.
3 البلدان "7/ 8".
أكثرهم وفيهم الهامرز وجلابزين، وانتصر العرب على الفرس انتصارًا عظيمًا، وانتصفت فيه العرب من العجم1.
ويوم ذي قار لم يكن إذن يومًا واحدًا، أي معركة واحدة وقعت في ذي قار وانتهى أمرها بانتصار العرب على الفرس، بل هو جملة معارك وقعت قبلها ثم ختمت بـ "ذي قار"، حيث كانت المعركة الفاصلة فنسبت المعارك من ثم إلى هذا المكان. ومن هذه الأيام: يوم قراقر، ويوم الحنو. حنو ذي قار، ويوم حنو قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العجرم، ويوم الغذوان، ويوم البطحاء: بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار2.
أما متى وقع يوم ذي قار، فالمؤرخون مختلفون في ذلك، منهم من جعله في يوم ولادة الرسول، ومنهم من جعله عند منصرف الرسول من وقعة بدر الكبرى3، ومنهم من جعله قبل الهجرة4. وقد ذهب "روتشتاين" إلى أنه كان حوالي سنة "604م"، وذهب نولدكه إلى أنه بين "604" و"610 م"5. وأكثر أهل الأخبار أنه وقع بعد المبعث ورووا في ذلك حديثًا قالوا إن الرسول لما بلغه من هزيمة ربيعة جيش كسرى، قال:"هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا"6.
والذي يستنتج من روايات أهل الأخبار عن معركة ذي قار أن "هانئ بن مسعود الشيباني"، لم يكن قائد بني شيبان ولا غيرها من العرب يوم ذي قار، بل تذهب بعض الروايات إلى أنه لم يدرك هذا اليوم؛ لأنه هلك قبله، وإنما هو:
1 الطبري "2/ 152 وما بعدها""المعارف""ص603"، والبلدان "7/ 8 وما بعدها" شعراء النصرانية "ص137"، مجمع الأمثال "2/ 352"، العمدة، لابن رشيق "2/ 169"، حمزة "ص 91"، أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر، "1/ 101"، "دار الكتاب اللبناني"، مروج الذهب "1/ 236"، "وكتب كسرى إلى قيس بن خالد، وكان عاملاً له على الطف"، العمدة "2/ 218""وقتل الهامرز بن خلا بزر عامل كسرى"، العمدة "2/ 218".
2 الطبري "2/ 193" وما بعدها.
3 البلدان "7/ 9 وما بعدها"، التنبيه والإشراف "ص241". "بيروت 1965"، اليعقوبي "1/ 184 وما بعدها""طبعة النجف".
4 المحبر "ص310"
5 Rothstein، S. 123.
6 الطبري "2/ 193""دار المعارف"، التنبيه ص "241""بيروت 1965م". الكامل "1/ 285 وما بعدها".
"هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود"1. وترى روايات أخرى أن "هانئ بن مسعود"، كان يخشى عاقبة هذه الحرب وأنه لم يكن يريد مقابلة الفرس، وكل ما كان يريده هو الاحتفاظ برهينة النعمان. وأن الفرس عندما دنوا من العرب بمن معهم: "انسل قيس بن مسعود ليلًا فأتى هانئًا، فقال له: أعط قومك سلاح النعمان فيقووا، فإن هلكوا كان تبعًا لأنفسهم، وكنت قد أخذت بالحزم، وإن ظفروا ردوه عليك. ففعل. فقسم الدروع والسلاح في ذوي القوى والجلد من قومه. فلما دنا الجمع من بكر، قال لهم هانئ: "يا معشر بكر، إنه لا طاقة لكم بجنود كسرى ومن معهم من العرب، فاركبوا الفلاة". فتسارع الناس إلى ذلك، فوثب حنظلة بن ثعلبة بن سيار فقال له: إنما أردت نجاتنا، فلم تزد على أن ألقيتنا في الهلكة، فرد الناس وقطع وضن الهوادج، لئلا تستطيع بكر أن تسوق نساءهم إن هربوا –فسمي مقطع الوضن-، وهي حزم الرحال. ويقال: مقطع البطن، والبطن حزم الأقتاب، وضرب حنظلة على نفسه قبة ببطحاء ذي قار، وآلى ألا يفر حتى تفر القبة. فمضى من مضى من الناس، ورجع أكثرهم، واستقوا ماء لنصف شهر، فأتتهم العجم، فقاتلتهم بالحنو، فجزعت العجم من العطش، فهربت ولم تقم لمحاصرتهم، فهربت إلى الجبابات، فتبعتهم بكر وعجل"2، "فقاتلوهم بالجبابات يومًا. ثم عطش الأعاجم، فمالوا إلى بطحاء ذي قار، فأرسلت إياد إلى بكر سرًّا –وكانوا أعوانًا على بكر مع إياس بن قبيصة: أي الأمرين أعجب إليكم. أن نظير تحت ليلتنا فنذهب، أو نقيم ونفر حين تلاقون القوم؟ قالوا: بل تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم". فلما التقى القوم في مكان من ذي قار يسمى "الجب" اجتلدوا والتحموا، فانهزمت "إياد" كما وعدتهم، وانهزم الفرس3.
ويذكر "الطبري" في رواية من رواياته عن "ذي قار" أن الناس توامروا فسولوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي، وكانوا يتيمنون به، فقال
1 الطبري "2/ 206"، معجم "3/ 1024"، الكامل "1/ 285 وما بعدها".
2 الطبري "2/ 206"، معجم "3/ 1042"، الكامل "1/ 285 وما بعدها".
3 الطبري "2/ 208 وما بعدها"، العقد الفريد "3/ 383 وما بعدها"، "5/ 211"، الكامل، "1/ 285 وما بعدها""الطباعة المنيرية"، نهاية الآرب "15/ 431 وما بعدها"، صبح الأعشى، "1/ 392""دار الكتب".
لهم: لا أرى إلا القتال، فتبعوا أمره، وهو الذي تولى إدارة القتال، فكان له شأن كبير فيه، وقد قاد قومه من "بني عجل" في ذلك القتال، فله النصيب الأكبر منه1. وقد احتل "حنظلة" مسيرة "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود" رئيس بكر في القتال الذي جرى في ذي قار في موضع الجب2.
وكان "هانئ بن قبيصة" رئيس بكر يشغل القلب في أثناء الهجوم على الفرس يوم الجب في ذي قار، وكان على ميمنته "يزيد بن مسهر الشيباني"، و"حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي" على ميسرته يحميه من كل هجوم جانبي يقع عليه من الميسرة، كما ذكرت3.
وكان "يزيد بن حمار السكوني"، وهو حليف لبني شيبان، قد كمن مع قومه من بني شيبان في مكان من ذي قار هو الجب، فلما جاء إياس بن قبيصة مع الفرس إلى هذا المكان، خرج مع كمينه، فباغت إياسًا ومن معه، وولت إياد منهزمة، فساعد بذلك كثيرًا في هزيمة الفرس4.
فهؤلاء المذكورون إذن هم الذين قادوا نصر العرب على الفرس، وقد ذهب بعض الأخباريين إلى أن الحرب الرئيسية دارت على بني شيبان، ورئيس الحرب هو "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود". أما "حنظلة" فكان صاحب الرأي5. ولكن الذي يظهر من دراسة مختلف الروايات أن شأن حنظلة في القتال كان أهم وأعظم من شأن هانئ فيه، حتى لقد ذكرت بعض الروايات أنه هو الذي ولي أمر القتال بعد هانئ، وأن القوم صيروا الأمر إليه بعد هانئ في معركة "جب ذي قار" وأنه هو الذي قتل "جلابزين"، وأن كتيبته "كتيبة عجل" قامت بأمر عظيم في هذه المعركة التي انتهت بهزيمة الفرس6.
وكان حنظلة بن ثعلبة بن سيار العجلي من سادات قومه، وهو صاحب قبة،
1 الطبري "2/ 207 وما بعدها".
2 الطبري "2/ 209".
3 الطبري "2/ 209""دار المعارف" ابن خلدون "2/ 626""دار الكتب اللبنانية".
4 الطبري "2/ 209""دار المعارف".
5 الكامل، لابن الأثير "1/ 285 وما بعدها".
6 الطبري "2/ 210""دار المعارف".
طربت له يوم ذي قار ويوم فلج1، ولا تضرب قبة إلا لملك أو سيد. وكانت له بنت يقال لها "مارية"، كانت معه في هذه المعركة، وهي أم عشرة نفر أحدهم جابر بن أبجر. وأورد الطبري شعرًا في يوم ذي قار نسبه إلى "يزيد بن المكسر بن حنظلة بن ثعلبة بن سيار"، وإذا كان يزيد هذا هو حفيد حنظلة كما يظهر من سياق النسب، يكون حنظلة إذ ذاك كبيرًا في السن. وقد نسب الطبري إلى حنظلة شعرًا ذكر أنه قاله في يوم ذي قار2.
وذكر أن "النعمان بن زرعة التغلبي" هو الذي أشار على كسرى بمهاجمة "هانئ بن مسعود الشيباني" في ذي قار، وكان يحب هلاك بكر بن وائل، وأن إيادًا وهي في الحرب اتفقت سرًّا مع بكر على الهرب، فهربت حين كان إياس بن قبيصة والفرس يقاتلون بكرًا، فاضطرب صف العجم، وولوا الأدبار، فقتل منهم من قتل، وأسر عدد كبير. وأسر "النعمان بن زرعة التغلبي"3.
والروايات عن معركة ذي قار، هي على شاكلة الروايات عن أيام العرب وعن حروب القبائل وغزو بعضها بعضًا، من حيث تأثرها بالعواطف القبلية وأخذها بالتحيز والتحزب. فنرى فيها تحيزًا لبني شيبان يظهر في شعر "الأعشى" لهم، إذ يمدحهم خاصة، مما أدى إلى غضب غيرهم مثل "اللهازم"4، ونرى فيها إعطاء فخر لفلان وحبسه عن فلان. ولذلك يجب على الباحث عن أيام العرب وعن حروب القبائل وغزواتها أن يفطن لذلك.
وشعر الأعشى، أعشى بكر، في ذي قار، ومدحه قومه "بني بكر"، شعر مهم للوقوف على حوادث تلك المعركة وكيف جرت5. ولبكير: أصم بني الحارث، شعر أيضًا يمدح فيه بني شيبان ويمجد عملهم وفعلهم في هذا اليوم6.
وقد هجا "أعشى بكر" في قصيدة له عن يوم ذي قار وعن مقام عشيرته
1 الاشتقاق "ص208".
2 الطبري "2/ 209 وما بعدها".
3 ابن الأثير "1/ 173 وما بعدها"، الطبري "1/ 612"، الأغاني "2/ 127، ابن خلدون، القسم الأول، المجلد الثاني "ص556"، "منشورات دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر" بيروت 1956م. العمدة 2/ 218".
4 الطبري "2/ 211".
5 الكامل "1/ 285 وما بعدها".
6 الطبري "2/ 211""دار المعارف" الكامل، لابن الأثير "1/ 285 وما بعدها".
ومكانته فيه تميمًا وقيس عيلان، ثم تعرض لقبائل معد، فقال:
لو أن كل معد كان شاركنا
…
في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرف1
ونجد شعرًا للعديل بن الفرخ العجلي، يفتخر فيه بقومه ويتباهى بانتصارهم على الفرس في هذا اليوم، فيقول:
ما أوقد الناس من نار لمكرمة
…
إلا اصطلينا وكنا موقدي النار
وما يعدون من يوم سمعت به
…
للناس أفضل من يوم بذي قار
جئنا بأسلابهم والخيل عابسة
…
يوم استبلنا لكسرى كل أسوار2
وكان هانئ بن قبيصة، من أشراف قومه، وكان نصرانيًّا، وأدرك الإسلام فلم يسلم، ومات بالكوفة3. أما "قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين"، فكان سيد قومه في أيامه، وذلك قبل الإسلام. وكان كسرى استعمله على "طف سفوان"4.
ويذكر بعض أهل الأخبار أن هناك يومًا آخر، عرف بيوم "ذي قار"، وقد وقع أيضًا بين العرب والفرس، فانتصر فيه العرب أيضًا، وقد وقع قبل اليوم المذكور، فعرف لذلك بيوم ذي قار الأول، وبيوم صيد، وبيوم القبة. وكان سببه أن بكر بن وائل أصيبت بسنة "أي قحط" فخرجت حتى نزلت بذي قار، وأقبل حنظلة بن سيار العجلي، حتى ضرب قبته بين ذي قار وعين صيد، وكان يقال له "حنظلة القباب"، وكانت له قبة حمراء، إذا رفعها انضم إليه قومه، فأتاهم عامل كسرى على السواد ليخرجهم منه، فأبوا، فقاتلهم فهزموه وانتصروا عليه5.
وقد نسب إلى "زيد الخير" شعر، زعم أنه قاله يذكر إياس بن قبيصة الطائي هو:
1 الكامل "1/ 285 وما بعدها"، نهاية الأرب "15/ 431 وما بعدها".
2 الشعر والشعراء "1/ 375".
3 الاشتقاق "ص216".
4 الطبري "2/ 207""دار المعارف".
5 البكري "3/ 1042".
أفي كل عام سيد يفقدونه
…
تحكك من وجد عليه الكلاكل
ثم يكون العقل منكم صحيفة
…
كما علقت على السليم الجلاجل
وقد قال "ابن قتيبة الدينوري" في تفسيره: "كان كسرى أرسل إلى مال إياس ليأخذه فنفرت عن ذلك طيء، وقد أراد أن يبطش بأناس منهم. فلما رأى ذلك كسرى، كتب لهم كتابًا في أمان، فقال زيد شعرًا، هذان البيتان فيه، يحض قومه، وينهاهم أن يقبلوا كتابه، أو يطمئنوا إلى قوله"1. وليس في هذا الشرح كما نرى تفسيرًا للسبب الذي دفع كسرى إلى المطالبة بمال إياس. هل كان ذلك بسبب اختلافه معه، أو بسبب آخر، ولا يعقل أن تكون هذه المطالبة في حالة صلح وعلاقات طيبة بين الجهتين، بل لا بد أن تكون عن ظروف سيئة لم يتطرق لها "ابن قتيبة".
وعندي أن هذه الحادثة إن صحت روايتها، وجب أن تكون قد وقعت بعد موت "إياس"، وتركه ثروة وأملاكًا طائلة، فأراد الفرس الاستحواذ عليها، وأخذ ما جمعه من مال، فحدث ما حدث.
وذكر الأخباريون بعد "إياس" رجلًا فارسيًّا قالوا أنه هو الذي حكم "الحيرة" وملكها في زمن "أبرويز"، وفي زمن شيرويه بن أبرويز، وفي زمن أردشير ابن شيرويه، وفي زمن بوران بنت أبرويز، وذكروا أن مدة حكمه سبع عشرة سنة أو أقل من ذلك. وسموا هذا الرجل "أزادبه بن ماهيبيان بن مهرا بنداد"2. أو "أزاذبه بن يابيان بن مهر بنداذ الهمذاني"3، أو "آزادبه بن ماهان بن مهر بنداد الهمذاني" أو "زادويه الفارسي". حكم سبع عشرة سنة، من ذلك في زمن كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة وثمانية أشهر، وفي زمن شيرويه بن كسرى ثمانية أشهر، وفي زمن أردشير بن شيرويه سنة وسبعة أشهر، وفي زمن بوران دخت بنت كسرى شهرًا4. ولكنهم لم يذكروا من أمره شيئًا، فلا نعرف من أعماله أي شيء مع طول مدة حكمه إن صحت رواية الأخباريين.
1 المعاني الكبير "2/ 1008".
2 "زاديه بن ماهيبان بن مهرا بنداد الهمذاني"، حمزة "ص74"، المحبر "360".
3 الطبري "2/ 156".
4 الطبري "2/ 213"، مفاتيح العلوم "69".
وأرى أن "دادويه الفارسي" الذي ذكر "حمزة الأصفهاني" أنه كان قد ملك الحيرة، هو "زادويه" المذكور، وأن النساخ قد أخطأوا في كتابة الاسم فصيروه على هذه الصورة، أو أن "حمزة" نفسه قد أخطأ في التسمية، أو هو نقلها من كتابين مختلفين أو من مصدر واحد كتبهما بصورتين، فشايعه حمزة ولم ينتبه إلى أنه صير الاسم الواحد اسمين.
وذكر بعض أهل الأخبار أن الذي حكم بعد "آزاذبه" هو "المنذر بن النعمان بن المنذر" المعروف بـ "الغرور" أو "المغرور"، وهو المقتول بالبحرين يوم جواثا"1، "فكان ملكه وملك غيره إلى أن قدم خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر"2. وهو كلام مشكوك فيه ففي الأخبار أن المنذر لم يحكم الحيرة، وإنما حكم البحرين في أثناء الردة، وذلك بأن ربيعة حينما ارتدت عن الإسلام قالت: نرد الملك في المنذر بن النعمان بن المنذر. فلما حارب المسلمون المرتدين، منوا بهزيمة منكرة، وسقط المنذر أسيرًا في أيدي المسلمين، ويقال إنه أسلم على أثر ذلك، وسمى نفسه "المغرور" بدلًا من "الغرور". وهو اللقب الذي كان يعرف به قبل إسلامه3.
ويظهر أن النصرانية كانت هي المتفشية في البحرين وفي بني عبد القيس، وقد كان المنذر الغرور مع المرتدين، الذين تركوا الإسلام وعادوا إلى النصرانية بعد دخولهم في الإسلام4.
وقد ذكر "الطبري" في حديثه عن يوم المقر وفم فرات بادقلي: أن الذي كان يلي أمر الحيرة هو "الآزاذبه"، وقال فيه:"كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى إلى ذلك اليوم"5. وقد كان من أشراف الفرس وسادتهم، وذكر أيضًا: أن قيمة قلنسوته خمسون ألفًا، وقيمة القلنسوة عند الفرس تدل على مكانة صاحبها وشأنه عند الساسانيين. وأنه لما سمع بدنو "خالد بن الوليد" من الحيرة تهيأ لحربه، وقدم ابنه، ثم خرج في أثره حتى عسكر خارجًا من الحيرة، وأمر ابنه بسد الفرات، ولكن خالدًا فاجأه وأصاب جيشه فلما بلغ أباه خبر ما حل
1 المحبر "360"، حمزة "75"، مفاتيح العلوم"69".
2 الأغاني "14/ 48"، ابن الأثير، الكامل "2/ 154".
3 الطبري "3/ 136 وما بعدها""دار المعارف بمصر".
4 الطبري "3/ 359".
5 الطبري "3/ 359".
به، هرب من غير قتال، وكان عسكره بين الغريين والقصر الأبيض، وتمكن بذلك خالد بن الوليد من فتح الحيرة1.
فيفهم من حديث الطبري عن فتح الحيرة أن المنذر بن النعمان لم يكن قد ولي حكمها، وأن ما ذكره من تولية الحكم ثمانية أشهر، يناقض ما ذكره هو فيما بعد عن فتح الحيرة وبقية أرض العراق ويخالف كذلك ما ورد في بقية كتب أهل الأخبار عن فتوح العراق.
وكان ملوك الحيرة مثل غيرهم من الملوك، كالغساسنة والساسانيين والروم، يتراسلون مع القبائل وعمالهم بالبريد. وكانت برد ملوك العرب في الجاهلية الخيل2. تنطلق في مراحل، فإذا بلغ البريد المرحلة المعينة استراح، وتولى البريد الثاني نقل الرسائل إلى المكان المقصود
…
وبذلك تتم المراسلات.
ومن الأسر المعروفة في الحيرة، العدسيون، وهم من "كليب"، وقد نسبوا إلى أمهم على ما يذكره أهل الأخبار.
ومن سادات الحيرة وأشرافها "بنو الأوس بن قلام بن بطين بن جمهير "جمهر" بن لحيان"، وكان منهم "جابر بن شمعون" الأسقف من أساقفة الحيرة المعروفين، وهو صاحب القصر الأبيض بالحيرة3.
وقد اشتهرت الحيرة بسوقها، إذ كان الأعراب وتجار جزيرة العرب يقصدون السوق لبيع تجارتهم وشراء ما فيها من سلع نفيسة مطلوبة في بلاد العرب. وقد اشتهرت بنوع خاص من السيوف، قيل لها "السيوف الحاربة"، كما عرفت بصناعة الأنماط4.
واشتهرت الحيرة بقصرها المعروف بـ "الخورنق". وهو قصر يقع على ثلاثة أميال منها، ويقال إنه بني على نهر: بناه للنعمان المعروف بالأعور بناء رومي اسمه "سنمار" في عشرين سنة. وقد لقي البناء مصرعه بسبب هذا القصر، في
1 الطبري "3/ 359 وما بعدها".
2 قال امرؤ القيس الكندي:
على كل مقصوص الذنابي معاود
…
بريد السرى بالليل من خيل بريرا
الكامل "للمبرد "1/ 286".
3 الأغاني "2/ 115".
4 مروج الذهب "2/ 90 وما بعدها"، البلدان "2/ 328"، فتوح البلدان "245".
قصص يرويه عنه أهل الأخبار، ويضربون به المثل في المكافأة على الفعل الحسن بالقبيح1.
ولأهل الأخبار آراء في التسمية: منهم من يقول إنها عربية ومن أصل عربي ومنهم من يقول إنها فارسية، وأن اللفظة معربة.
وارتبط باسم "الخورنق" اسم قصر آخر هو "السدير". وقد بني في البرية، فهو أبعد من الخورنق عن الحيرة2. ولأهل الأخبار كعادتهم في تعليل الأسماء العادية مذاهب في التسمية. ويرجح المستشرقون أنها من الألفاظ المعربة عن الفارسية3. وقد كان ذا قباب ثلاث، ويتألف من إيوان ينتهي إلى غرفة، وعلى جانبيه غرفتنا، ويظهر من روايات أهل الأخبار أنه كان أقدم عهدًا من الخورنق، وأن ملوك آل لخم كانوا يقيمون فيه في قديم الزمان4.
وذكر أن "السدير" نهر بالحيرة، قال عدي:
سره حاله وكثرة ما يمـ
…
ـلك والبحر معرضًا، والسدير5
وفي شعر ينسب إلى الأسود بن يعفر، ذكر للقصرين المذكورين، رثى الشاعر فيه حال "آل محرق"، وتألم وتوجع لما نزل وحل بهم، كما توجع لإياد، إذ قال:
ماذا أؤمل بعد آل محرق
…
تركوا منازلهم وبعد إياد؟
أرض الخورنق والسدير وبارق
…
والقصر ذي الشرفات من سنداد6
1 القاموس "3/ 22" تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري، "1/ 79"، مراصد الاطلاع "1/ 498"، اللسان "1/ 78"، اليعقوبي "1/ 170"، أمثال العرب، للمفضل الضبي "ص69".
2 الجوهري، تاج اللغة "1/ 330"، البكري، معجم "1/ 729"، ابن سيدة، المخصص "5/ 126"، الديارات، للشابشتي "152"، مراصد الاطلاع "1/ 699".
3 "والسدير: بناء، وهو بالفارسية سهد لي، أي ثلاث شعب، أو ثلاث مداخلت. وقال الأصمعي: السدير فارسية"، اللسان "4/ 355".
4 الديارات "152".
5 اللسان "4/ 355"، "صادر"، "سدر".
6 اللسان "11/ 18 وما بعدها"، "صادر"، ابن سلام، طبقات فحول الشعراء "116 وما بعدها".
ويجب أن يكون هذا الشعر قد نظم بعد نكبات حلت بـ "آل محرق"، حملتهم على ترك ديارهم وعلى زوال سلطانهم عنها، أي بعد النكبة التي حلت بالنعمان بن المنذر بعد زوال دولة المناذرة.
وبارق: اسم موضع على مقربة من الكوفة، وموضع آخر في السواد على مبعدة من الكوفة1. أما "سنداد" فمن مواضع إياد.
ومن الأماكن التي تنسب إلى ملوك الحيرة موضع يعرف باسم "الدوسر". قيل إنه من أبنية أحد أمراء الحيرة. وقد ملكه "جعبر بن مالك"، وهو من "بني قشير"، فنسب إليه، وعرف بـ "قلعة جعبر". ويظن أنه موضع "Dausara" الذي ذكره "اسطيفان البيزنطي". ويقع على الشاطئ الأيسر لنهر الفرات. ومن أسمائها عند اليونان "Dauses" و"دونه""Daune"، و"Dabanae"2.
ومن المواضع القريبة من الحيرة موضع يعرف بـ "الخصوص"، تنسب إليه "الدنان"، ذكر في "صادية""عدي بن زيد العبادي"3. وموضع "عمير اللصوص" وهو قرية من قرى الحيرة. ودير قرة، وهو بإزاء "دير الجماجم" منسوب إلى "قرة"، وهو رجل من لخم بناه على طرف البر أيام النعمان4.
وقد تأثر فن بناء القصور في الحيرة وما والاها من قصور "آل لخم" بالفن الساساني فصار في القصر رواق في الوسط هو مجلس الملك، وهو الصدر، وجناحان هما كمان يكونان طرفي الرواق، ميمنة وميسرة. وقد صار هذا الطراز من البناء سمة من سمات بناء قصور الحيرة، وكذلك تأثر تزويق جدران بيوت الحيرة ونقشها بطريقة الفن الساساني في تزيين جدران القصور والبيوت ونقشها. وقد أثرت طريقة أهل الحيرة هذه في فن البناء في مدينة "سامراء"5.
وفي كتاب "مروج الذهب" إشارة إلى قصر المتوكل المعروف بـ "الحيري".
1 اللسان "11/ 18 وما بعدها"، "صادر"، البكري، معجم "1/ 221"، تاج العروس "6/ 285"، مراصد الاطلاع "1/ 151"، المعارف "647"، "ثروت عكاشة"، العقد الفريد "3/ 384"، مقاييس اللغة "1/ 227".
2 رحلة بنيامين، "ص 123".
3
أبلغ خليلي عبد هند فلا
…
زلت قريبًا من سواد الخصوص
رسالة الغفران "186".
4 رسالة الغفران "187".
5 Die Araber، I، S. 607، Franz Altheim Und Futh Stiehl، Asain Und Rom، Tubingen، 1952، S. 49.