الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
وَبعد
فقد استخرت الله تَعَالَى فِي أَن تكون الخاتمة لهَذَا الْكتاب فِي الحَدِيث عَن نشأت التَّثْلِيث فِي المسيحية وَكَيف دَخلهَا وَمن أدخلهُ ثمَّ إِثْبَات بعض الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والعلمية من كتبهمْ المقدسة لدحض هَذَا التَّثْلِيث الَّذِي ابتدعوه على انقاض دين يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيد الْحق لله عز وجل ليَكُون ذَلِك أقوى حجَّة وأنصع برهانا وليتبين الطَّرِيق لمن ضلها وَبعد عَنْهَا وليتحقق شَيْئا وَلَو قَلِيلا مِمَّا كَانَ يصبوا إِلَيْهِ المرحوم الشَّيْخ رحمت الله الْهِنْدِيّ من بحث مَسْأَلَة التَّثْلِيث مَعَ القسيس بفندر وَقد أثبت كثيرا من الْأَدِلَّة فِي إبِْطَال عقيدة التَّثْلِيث فِي كِتَابه إِظْهَار الْحق الَّذِي أَلفه بعد المناظرة وادرج فِيهِ المباحث الْخمس الَّتِي كَانَت مَحل المناظرة وَقد تحدثنا عَن ذَلِك فِي الْمُقدمَة
لهَذَا كَانَت الرَّغْبَة بِإِرَادَة الله تَعَالَى أَن تكون الخاتمة عَن التَّثْلِيث فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
جَاءَت كتب العهدين الْقَدِيم والجديد تَدْعُو إِلَى الوحدانية وتؤكدها
جَاءَ فِي سفر التَّثْنِيَة اسْمَع يَا إِسْرَائِيل الرب الهنا رب وَاحِد فتحب الرب إلهك من كل قَلْبك وَمن كل نَفسك وَمن كل قوتك ولتكن هَذِه الْكَلِمَات الَّتِي أَنا أوصيك بهَا الْيَوْم على قَلْبك وقصها على أولادك وَتكلم بهَا حِين تجْلِس فِي بَيْتك وَحين تمشى فِي الطَّرِيق وَحين تنام وَحين تقوم واربطها عَلامَة على يدك ولتكن عصائب بَين عَيْنَيْك وأكتبها على قوائمك
أَبْوَاب بَيْتك وعَلى أبوابك الرب الهك تنقى وإياه تعبد وبإسمه تحلف
وَجَاء فِي إنجيل مرقس أَن أحد الكتبة سَأَلَ عِيسَى عليه السلام أَيَّة وَصِيَّة هِيَ أول الْكل فَأَجَابَهُ يسوع أَن أول كل الْوَصَايَا هِيَ أسمع يَا إِسْرَائِيل الرب الهنا رب وَاحِد وتحب الرب إلهك من كل قَلْبك وَمن كل نَفسك وَمن كل فكرك وَمن كل قدرتك هَذِه هِيَ الْوَصِيَّة الأولى وثانية مثلهَا هِيَ تحب قريبك كنفسك لَيْسَ وَصِيَّة أُخْرَى أعظم من هَاتين فَقَالَ لَهُ الْكَاتِب جيدا يَا معلم بِالْحَقِّ قلت لِأَنَّهُ الله وَاحِد وَلَيْسَ آخر سواهُ ومحبته من كل الْقلب وَمن كل الْفَهم وَمن كل النَّفس وَمن كل الْقُدْرَة ومحبة الْقَرِيب كالنفس هِيَ أفضل من جَمِيع المحرقات والذبائح فَلَمَّا رَآهُ يسوع أَنه أجَاب بعقل قَالَ لَهُ لست بَعيدا عَن ملكوت الله
وَجَاء فِي إنجيل مَتى لِأَنَّهُ مَكْتُوب للرب إلهك تسجدوا إِيَّاه وَحده تعبد
وَيَقُول مرقس عَن عِيسَى عليه السلام وَفِيمَا هُوَ خَارج إِلَى الطَّرِيق ركض وَاحِد وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ أَيهَا الْمعلم الصَّالح مَاذَا أعمل لأرث الْحَيَاة الأبدية فَقَالَ لَهُ يسوع لماذا تدعونني صَالحا لَيْسَ أحد صَالحا إِلَّا وَاحِد وَهُوَ الله أَنْت تعرف الْوَصَايَا لَا تزن لَا تقتل لَا تسرق لَا تشهد بالزور لَا تسلب أكْرم أَبَاك وأمك فَأجَاب وَقَالَ لَهُ يَا معلم هَذِه كلهَا حَفظتهَا مُنْذُ حداثتي فَنظر إِلَيْهِ يسوع وأحبه
وَفِي إنجيل يوحنا الله لم يره أحد قطّ وَيشْهد لي الْأَب الَّذِي أَرْسلنِي فَقَالُوا لَهُ أَيْن هُوَ أَبوك فَأجَاب يسوع لَسْتُم تعرفونني أَنا وَلَا أبي لَو عرفتموني لعرفتم أبي أَيْضا
وَمَعَ هَذِه النُّصُوص الصَّرِيحَة الَّتِي تَدْعُو إِلَى الوحدانية يَقُول النَّصَارَى بالتثليث رغم أَن عِيسَى عليه السلام لم يقل بِهِ وَلم يدع إِلَيْهِ بل قَالَ بِالتَّوْحِيدِ ودعا إِلَيْهِ وَبِهَذَا ترى أَن هَذِه العقيدة دخيلة على مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عليه السلام وَمَا دَعَا إِلَيْهِ وَأَن أول من دَعَا إِلَى التَّثْلِيث وَجعله عقيدة هُوَ شاول بولس وَذَلِكَ فِي قَوْله نعْمَة رَبنَا يسوع الْمَسِيح ومحبة الله وَشركَة الرّوح الْقُدس وَمَعَكُمْ أَجْمَعِينَ
ويعلق القس حبيب سعيد على هَذَا النَّص بقوله هَل نَحن فِي حَاجَة للروح الْقُدس مَا دَامَ لنا الله إِن بولس يفترض عقيدة الثالوث كَأَنَّهَا قَضِيَّة قد سلمت بهَا الْكَنِيسَة مُنْذُ الْبِدَايَة
ويوضح بيرى مَا أدخلهُ بولس فِي المسيحية من فلسفات الْأُمَم فَيَقُول كَانَ عِيسَى يَهُودِيّا وَقد ظلّ كَذَلِك أبدا وَلَكِن شاول بولس كَون المسيحية على حِسَاب عِيسَى فشاول هُوَ فِي الْحَقِيقَة مؤسس المسيحية وَقد أَدخل بولس على ديانته بعض تعاليم الْيَهُودِيَّة ليجذب لَهُ الْعَامَّة من الْيَهُود كَمَا أَدخل صورا من فلسفة الإغريق ليجذب اتبَاعا لَهُ من اليونان فَبَدَأَ يذيع أَن عِيسَى منقذ ومخلص وَسيد اسْتَطَاعَ الْجِنْس البشري بواسطته أَن ينَال النجَاة وَهَذِه الإصطلاحات الَّتِي قَالَ بهَا بولس كَانَت شهيرة عِنْد كثير من الْفرق وبخاصة فِي متراس وكابولى فانحاز اتِّبَاع هَذِه الْفرق إِلَى ديانَة بولس وَعمد كَذَلِك ليرضى المثقفين اليونان فاستعار من فلاسفة اليونان وبخاصة الفيلسوف فيلوا فكرة اتِّصَال الاله بِالْأَرْضِ عَن طَرِيق الْكَلِمَة أَو ابْن الأله أَو الرّوح الْقُدس
وَيَقُول جوتيه أَن المسيحية تشربت كثيرا من الآراء والأفكار الفلسفية اليونانية فاللاهوت المسيحيى مقتبس من الْعين الَّذِي صبَّتْ فِيهِ الأفلاطونية الحديثة وَلذَا نجد بَينهمَا مشابهات كَثِيرَة
وَأما كَامِل نخله فيتحدث عَن الدّيانَة المصرية الْقَدِيمَة مُشِيرا إِلَى مَا ساهمت بِهِ أَو إِلَى مَا اقتبس مِنْهَا للمسيحية فَيَقُول كَانَت الدّيانَة المصرية الْقَدِيمَة قَائِمَة فِي أول نشأتها على عبَادَة الْإِلَه الْوَاحِد تثلث فِيهِ الصِّفَات والأعمال بأشكال عدَّة عَبده الْعَامَّة فِيمَا عبد كآلهة تاركون حَقِيقَتهَا الْأَصْلِيَّة الشاملة للتوحيد والتثليث
وَهُوَ بِهَذَا يُشِير إِلَّا أَن المسيحية الْقَائِمَة الْآن على التَّوْحِيد والتثليث وَالَّذِي يَعْتَبِرهَا حقائق أَصْلِيَّة وشاملة ثمَّ يُؤَكد هَذَا بقوله
كَانَ المصريون يُؤمنُونَ بثالوث مقدس لِأَن الألوهية المصرية مَعَ وحدانيتها تمثل شكل ثالوث وَهَذَا الثالوث يتكون من أَب وَأم وَابْن والثالوث الْمصْرِيّ الأوحد هُوَ الممثل لأزريس وأزيس زَوجته وهوريس ابْنهَا وَهَذَا الثالوث هـ الاله الْأَعْظَم لجَمِيع مقاطعات مصر
وَقد كَانَ الهنود يُؤمنُونَ بالتثليث أَيْضا وَكَانَ يمثل عِنْدهم فِي براهما وفيشنو وسيفا
وَبِهَذَا نجد أَن المسيحية أخذت من الْمذَاهب الفلسفية والمعتقدات الوضعية الْقَدِيمَة الَّتِي كَانَت منتشرة بَين الْأُمَم آن ذَاك وظلوا يتخبطون فِي معتقداتهم حَتَّى اعتنق المسيحية قسطنطين امبراطور الْقُسْطَنْطِينِيَّة وأصبحت الَّذِي الرسمي للدولة عقد مجمع نيقيه سنة 325 م الَّذِي وضع فِيهِ الْجُزْء الأول من قانون الْإِيمَان وَقد جَاءَ فِيهِ
بِالْحَقِيقَةِ نؤمن بإله وَاحِد الله الآب ضَابِط الْكل خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض مَا يرى وَمَا لَا يرى نؤمن بِرَبّ وَاحِد يسوع الْمَسِيح ابْن الله الوحيد الْمَوْلُود من الآب قبل كل الدهور إِلَه حق من إِلَه مسَاوٍ للآب فِي الْجَوْهَر
وَفِي مجمع الْقُسْطَنْطِينِيَّة سنة 381 م أكملوا قانون الْإِيمَان وَقَالُوا نؤمن بِالروحِ الْقُدس الْحق المنبثق من الآب المسجود لَهُ وَالْمجد مَعَ الآب والإبن
وَهَكَذَا نجد أَن المعتقدات المسيحية أَصبَحت قانونا وضعيا مأخوذا بِهِ وملزما لكل من اعتنق هَذَا الدّين وَلَيْسَت هَذِه المعتقدات وَارِدَة عَن كتب سَمَاوِيَّة أَو مَأْخُوذَة عَمَّا وجد فِي الأناجيل من دَعْوَة إِلَى التَّوْحِيد وَلذَلِك فَإنَّك تَجِد فِي الأناجيل الْكثير من الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والعلمية الَّتِي تدل على التَّوْحِيد وتؤكده وتنفى التَّثْلِيث وتنبذه وَسَتَأْتِي بِشَيْء من هَذِه الْأَدِلَّة من كتاب إِظْهَار الْحق للشَّيْخ المناظر رحمت الله الْهِنْدِيّ