الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: أنواع الشرك في الربوبية والأسماء والصفات
النوع الأول: شرك التعطيل؛ وهو أقبح أنواع الشرك، كشرك فرعون إذ قال: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ، وقال تعالى مخبراً عنه ما قال لهامان: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا.
وإنما قلنا لهذا التعطيل بأنه شرك؛ لأن الشرك والتعطيل متلازمان، فكل معطل مشرك، وكل مشرك معطل (1)، لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل، بل قد يكون المشرك مقراً بالخالق سبحانه وصفاته، ولكنه عطل حق التوحيد. وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل، وهو على ثلاثة أقسام:
1 -
تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه، ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته، وأنه لم يكن معدوماً أصلاً، بل لم يزل ولا يزال، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضت إيجادها يسمونها بالعقول والنفوس (2)، ومنه الإلحاد بإنكار الخالق للكون.
2 -
تعطيل الصانع – سبحانه – عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه، وأوصافه، وأفعاله، ومن هذا الشرك من عطل أسماء الرب تعالى، وأوصافه، وأفعاله من غلاة الجهمية، والقرامطة، فلم يثبتوا له اسماً ولا صفة، بل جعلوا المخلوق أكمل منه؛ إذ كمال الذات بأسمائه وصفاته.
ويدخل في ذلك شرك منكري الرسالة للرسل، وشرك منكري القدر، وشرك التشريع والتحليل والتحريم من غير الله.
3 -
تعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد، ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون: ما ثم خالق ومخلوق، ولا هاهنا شيئان، بل الحق المنزه هو عين الخلق المشبه.
النوع الثاني: شرك الأنداد من غير تعطيل: وهو من جعل مع الله إلهاً آخر، ولم يعطل أسماءه وصفاته وربوبيته، ومن ذلك:
1 -
شرك النصارى الذين جعلوه ثالث ثلاثة، فجعلوا المسيح إلهاً، وأمه إلهاً.
2 -
شرك المجوس (3): القائلين بإسناد حوادث الخير إلى النور، وحوادث الشر إلى الظلمة.
3 -
شرك القدرية (4): القائلين بأن الحيوان هو الذي يخلق أفعال نفسه، وأنها تحدث بدون مشيئة الله وقدرته، ولهذا كانوا أشباه المجوس.
4 -
شرك الذي حاج إبراهيم في ربه: إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة: 258]، فهذا جعل نفسه نداً لله تعالى، يحيى ويميت بزعمه، كما يحيى الله ويميت، فألزمه إبراهيم أن طرد قولك أن تقدر على الإتيان بالشمس من غير الجهة التي يأتي بها الله منها، وليس هذا انتقالاً كما زعم بعض أهل الجدل، بل إلزاماً على طرد الدليل إن كان حقاً.
5 -
شرك فرعون حينما قال: مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38]، وقوله تعالى حكاية عن قول قومه له: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: 127]، كما هو في بعض القراءات (5).
6 -
وأيضاً من هذا النوع شرك كثير ممن يشرك بالكواكب العلويات، ويجعلها أرباباً مدبرة لأمر هذا العالم، كما هو مذهب مشركي الصابئة وغيرهم.
7 -
ومن هذا النوع: شرك من أسند النعمة إلى غير الله، قال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً.
(1) انظر ما ذكره ابن القيم في ((الجواب الكافي)) (ص: 310).
(2)
انظر ما ذكره ابن تيمية في ((الفتاوى)) (17/ 286).
(3)
انظر: ((الملل والنحل)) (2/ 73)، و ((الفرق بين الفرق)) (ص: 276).
(4)
انظر: ((الفرق بين الفرق)) (ص: 18 - 20)، و ((تذهيب تهذيب الكمال)) (ص: 383).
(5)
وهي قراءة ابن عباس ومجاهد، ((انظر: ما قال الطبري في التفسير)) (6/ 9/17).
8 -
ومن هذا شرك عباد الشمس، وعباد النار، وغيرهم، فمن هؤلاء من يزعم أن معبوده هو الإله على الحقيقة، ومنهم من يزعم أنه أكبر الآلهة، ومنهم من يزعم أنه إله من جملة الآلهة، وأنه إذا خصه بعبادته، والتبتل إليه، والانقطاع إليه أقبل عليه واعتنى به، ومنهم من يزعم أن معبوده الأدنى يقربه إلى المعبود الذي هو فوقه، والفوقاني يقربه إلى من هو فوقه حتى تقربه تلك الآلهة إلى الله سبحانه وتعالى!! فتارة تكثر الآلهة والوسائط وتارة تقل (1).
فيستنتج مما سبق أن هذا القسم من الشرك ينقسم قسمين:
1 -
نوع في توحيد الربوبية، ويكون من وجهين:
أ- بالتعطيل، وذلك:
إما بالإلحاد، كقول فرعون: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 23]، ويدخل فيه الشيوعية، والاشتراكية، والقومية، وغيرها من الاتجاهات الهدامة التي تجددت.
وإما بتعطيل المصنوع عن صانعه: كالقول بقدم العالم.
وإما بتعطيل معاملة الصانع عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد: كالقول بوحدة الوجود.
وإما تعطيل الصانع عن أفعاله: كمنكري إرسال الرسل، ومنكري القدر، ومنكري البعث والنشور، وغيرها.
ب- بالأنداد، وذلك:
إما بدعوى التصرف في الكون من الغير كمشركي قوم إبراهيم الصابئة، والمتصوفة القائلين بالغوث، والقطب، والأوتاد، والأبدال وتصرفهم كما يدعون.
وإما بإعطاء السلطة لأحد غير الله في التحليل والتحريم، كما كان في النصارى، وفي بعض حكام هذه الأمة، والقوانين الوضعية وغيرها.
وإما بدعوى التأثير في الكون من النجوم والهياكل، كالصابئة من قوم إبراهيم، أو الأولياء، أو التمائم والأحجبة.
2 -
نوع في توحيد الأسماء والصفات، وذلك من وجهين أيضاً:
أ- بالتعطيل: وذلك بتعطيل الصانع عن كماله المقدس: كالجهمية الغلاة، والقرامطة الذين أنكروا أسماء الله عز وجل وصفاته.
ب- بالأنداد:
1 -
إثبات صفات الصانع للمخلوقين: وذلك؛ بالتمثيل في أسمائه أو صفاته، كالشرك في علم الباري المحيط، ويدخل في ذلك: التنجيم، والعرافة، والكهانة، وادعاء علم المغيبات لأحد غير الله، وكالشرك في قدرة الله الكاملة، وذلك بادعاء التصرف للغير في ملكوت الله، وخوف الضرر أو التماس النفع من الغير، أو بالاستغاثة من الغير، أو تسمية غيره غوثاً، أو بالسحر والتسحر وغيرها.
2 -
أو بإثبات صفات المخلوق للصانع جل وعلا: كاليهود المغضوب عليهم الذين شبهوا الله بصفات المخلوقين، وهكذا النصارى في قولهم بالنبوة والأبوة وما إلى ذلك من صفات المخلوقات لله جل وعلا، ويدخل في هذا النوع كل من شبه الله بخلقه ومثله بهم من هذه الأمة.
وكل هذه الأنواع السالفة الذكر يعتبر من الشرك الأكبر، وينقسم إلى كبير وأكبر، وليس شيء منه مغفوراً باتفاق العلماء (2). الشرك في القديم والحديث لأبي بكر محمد زكريا– 1/ 142
(1) ابن القيم: ((الجواب الكافي)) (ص: 3141)، بتصرف يسير.
(2)
على ضوء ما ذكره ابن القيم في ((الجواب الكافي)) (ص: 309 - 314).
ثالثاً: الفرق التي أشركت بالربوبية (1)
1 -
المجوس: (الأصلية) قالوا بالأصلين: النور والظلمة، وقالوا: إن النور أزلي، والظلمة محدثة.
2 -
الثنوية: (أصحاب الاثنين الأزليين): الذين يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس الذين قالوا بحدوث الظلام، لكن قالوا باختلافهما في الجوهر، والطبع، والفعل، والخبر، والمكان، والأجناس، والأبدان، والأرواح، ولم يقولوا بتماثلهما في الصفات والأفعال، كما ترى، وإن قالوا بتساويهما في القدم.
3 -
المانوية: (أصحاب ماني بن فاتك): قالوا: إن العالم مصنوع من أصلين قديمين، ولكن قالوا باختلافهما في النفس، والصورة، والفعل، التدبير.
4 -
النصارى: (القائلون بالتثليث): فالنصارى لم يثبتوا للعالم ثلاثة أرباب ينفصل بعضها عن بعض، بل هم متفقون على أنه صانع واحد يقولون: باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد، ويقولون: واحد بالذات ثلاثة بالأقنوم. أما الأقانيم فإنهم عجزوا عن تفسيرها.
وقولهم هذا متناقض أيما تناقض، وتصوره كاف في رده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا قال طائفة من العقلاء: إن عامة مقالات الناس يمكن تصورها إلا مقالة النصارى، وذلك أن الذين وضعوها لم يتصوروا ما قالوا، بل تكلموا بجهل، وجمعوا في كلامهم بين النقيضين، ولهذا قال بعضهم: لو اجتمع عشرة نصارى لتفرقوا عن أحد عشر قولاً.
وقال آخر: لو سألت بعض النصارى وامرأته وابنه عن توحيدهم لقال الرجل قولاً، وامرأته قولاً آخر، وابنه قولاً ثالثاً) (2).
وقال ابن القيم رحمه الله في معرض رده عليهم: (أما خبر ما عندكم أنتم فلا نعلم أمة أشد اختلافاً في معبودها منكم؛ فلو سألت الرجل، وامرأته، وابنته، وأمه، وأباه، عن دينهم لأجابك كل منهم بغير جواب الآخر)(3).
بل قيل فيهم: (لو توجهت إلى أي نصراني على وجه الأرض، وطلبت منه أن يصور لك حقيقة دينه، وما يعتقده في طبيعة المسيح تصويراً دقيقاً – لما استطاع ذلك)(4).
هذا وقد بين الشيخ رحمة الله الهندي في كتابه (إظهار الحق) ما عندهم من التناقض، وكذلك الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (محاضرات في النصرانية).
5 -
القدرية: هم في الحقيقة مشركون في الربوبية، وهذا لازم لمذهبهم؛ لأنهم يرون أن الإنسان خالق لفعله، فهم أثبتوا لكل أحد من الناس خلق فعله.
والخلق إنما هو مما اختص الله به، قال تعالى: وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصَّافَّات: 96].
وأفعال العباد لا يخرجها شيء من عموم خلقه –عز وجل (5).
6 -
الفلاسفة الدهرية: في قولهم في حركة الأفلاك بأنها تسعة، وأن التاسع منها وهو الأطلس يحرك الأفلاك كلها، فجعلوه مبدأ الحوادث، وزعموا أن الله يحدث ما يقدره في الأرض.
7 -
عبدة الأصنام من مشركي العرب وغيرهم: ممن كانوا يعتقدون أن الأصنام تضر وتنفع، فيتقربون إليها، وينذرون لها، ويتبركون بها.
8 -
غلاة الصوفية: لغلوهم في الأولياء، وزعمهم أنهم يضرون، وينفعون، ويتصرفون في الأكوان، ويعلمون الغيب، ولقولهم بوحدة الوجود، وربوبية كل شيء (6).
(1) انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز الحنفي، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، (ص: 24 - 26).
(2)
((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) لابن تيمية (2/ 155).
(3)
((هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى)) لابن القيم، (ص: 321).
(4)
((ما يجب أن يعرفه المسلم عن حقائق النصرانية والتبشير)) لإبراهيم الجيهان (ص: 13).
(5)
انظر: ((مجموع الفتاوى)) (8/ 258)، و ((الإيمان بالقضاء والقدر)) لمحمد بن إبراهيم الحمد (ص: 173 - 174) ،
(6)
انظر: ((هذه هي الصوفية)) لعبد الرحمن الوكيل، (ص: 35 - 38 و 133).
9 -
الشيعة: لقولهم بأن الدنيا والآخرة للإمام، يتصرف بهما كيف يشاء، وأن تراب الحسين شفاء من كل داء، وأمان من كل خوف، ولقولهم: إن أئمتهم يعلمون الغيب، ويعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا بإذنهم.
وهذا باطل، وبطلانه لا يحتاج إلى دليل، بل إن فساده يغني عن إفساده (1).
10 -
النصيرية: لقولهم بألوهية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبأنه المتصرف بالكون، لوصفهم إياه بأوصاف لا يجوز أن يوصف بها أحد إلا الله –عز وجل مع اختلاف أقوالهم في هذا؛ فبعضهم يقول: إنه يسكن في الشمس ويسمون بـ: الشمسية.
وبعضهم يقولون: إنه يسكن في القمر، ويسمون بـ: القمرية.
وبعضهم يقولون: إنه يسكن في السحاب، ولذا إذا رأوا السحاب قالوا: السلام عليك يا أمير النحل (2).
11 -
الدروز: لقولهم بألوهية الحاكم بأمر الله العبيدي، وغلوهم فيه، ووصفه بأوصاف لا تليق إلا بالله وحده، كقولهم عنه:(إنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)(3).
12 -
من يعتقدون تأثير النجوم، والكواكب، والأسماء: وذلك كحال الذين يتتبعون الأبراج ويقولون – رجماً بالغيب – إذا ولد فلان في البرج الفلاني، أو الشهر الفلاني، أو اليوم الفلاني، أو كان اسمه يبدأ بحرف كذا أو كذا – فسيصيبه كذا وكذا، ويضعون عليها دعايات تقول: من شهر ميلادك تعرف حظك، أو من اسمك تعرف حظك.
كل ذلك شرك في الربوبية؛ لأنه ادعاء لعلم الغيب، والغيب لا يعلمه إلا الله وحده لا شريك له.
13 -
القانونيون: الذين يصدون ويصدفون عن شرع الله، والذين يحكمون الناس بالقوانين الوضعية، التي هي من نحاتة أفكارهم، وزبالة أذهانهم فهؤلاء محاربون لله، منازعون له في ربوبيته وحكمه وشرعه (4). رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 128
(1) انظر: ((الخطوط العريضة)) لمحب الدين الخطيب، تحقيق: محمد مال الله (ص: 69)، وانظر ((مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة))، د. ناصر القفاري، (1/ 290)، و ((الشيعة والسنة لإحسان إلهي ظهير)) (ص: 66).
(2)
انظر: ((الحركات الباطنية في العالم الإسلامي))، د. محمد بن أحمد الخطيب، (ص: 341)، و ((دراسات في الفرق)) لصابر طعمية، (ص: 42)، و ((النصيرية)) د. سهير الفيل (ص: 93 - 103)، و ((الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية)) لسليمان الأذني، و ((رسالة النصيرية في كتاب رسائل في الأديان والفرق والمذاهب)) لمحمد بن إبراهيم الحمد.
(3)
انظر ((عقيدة الدروز، عرض ونقض)) د. محمد بن أحمد الخطيب (ص: 117)، وانظر ((الحركات الباطنية)) (ص: 233 - 238).
(4)
انظر ((رسالة تحكيم القوانين)) لسماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.