الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق
محمد صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء على الإطلاق بل هو خير الخلائق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه، وقد جاءت في ذلك نصوص لا تحصى كثرة فيما أوحاه الله عز وجل في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفيما كتب وروي من أقوال الأئمة المهديين من السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.
قال سبحانه وتعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ [البقرة: 253]. والمعنى بقوله: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس والشعبي ومجاهد وغيرهم (1). قال الزمخشري في هذه الجملة من الآية:(أي ومنهم من رفعه على سائر الأنبياء فكان بعد تفاوتهم في الفضل أفضل منهم بدرجات كثيرة) قال: (والظاهر أنه أراد محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه هو المفضل عليهم حيث أوتي ما لم يؤته أحد) إلى أن قال: (وفي هذا الإبهام من تفخيم فضله وإعلاء قدره ما لا يخفى، لما فيه من الشهادة على أنه العلم الذي لا يشتبه، والمتميز الذي لا يلتبس، ويقال للرجل: من فعل هذا؟ فيقول: أحدكم أو بعضكم، يريد به الذي تعورف واشتهر بنحوه من الأفعال، فيكون أفخم من التصريح به وأنوه بصاحبه)(2). وقد خص سبحانه في الآية بالذكر من وجوه التفضيل، التفضيل بالآيات فقال: مِنْهُم مَّن كَلَّمَ اللهُ ، وقال: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ قال الزمخشري: (وهذا دليل بين أن من زيد تفضيلاً بالآيات منهم فقد فضل على غيره، ولما كان نبينا صلى الله عليه وسلم هو الذي أوتي منها ما لم يؤت أحد في كثرتها وعظمها، كان هو المشهود له بإحراز قصبات الفضل غير مدافع)(3).
وذهب بعض المفسرين إلى احتمال أن يراد بقوله: وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ محمد وغيره على الإجمال (4). إلا أنه (يتعين أن يكون المراد من البعض هنا واحداًَ من الرسل معيناً لا طائفة، وتكون الدرجات مراتب من الفضيلة ثابتة لذلك الواحد، لأنه لو كان المراد من البعض جماعة من الرسل مجملاً، ومن الدرجات درجات بينهم، لصار الكلام تكرار مع قوله فضلنا بعضهم على بعض، ولأنه لو أريد بعض فضل على بعض لقال: ورفع بعضهم فوق بعض درجات كما قال في الآية الأخرى: وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ (5). بعد قوله: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ [الأنعام: 165].
(1)((تفسير الطبري)) (3/ 2)). و ((تفسير البغوي)) (1/ 236) و) و ((تفسير القرطبي)) (3/ 264) و ((الدر المنثور)) (1/ 322).
(2)
((الكشاف)) (1/ 151).
(3)
((الكشاف)) (1/ 151).
(4)
((المحرر الوجيز)) (2/ 271) و ((زاد المسير)) (1/ 301) وغيرهما.
(5)
((ما بين القوسين بنصه من التحرير والتنوير)) (3/ 6).
وقال سبحانه: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء: 55]. ذكر المفسرون أن الآية في محاجة اليهود وأن المعنى: وإنكم لم تنكروا تفضيل النبيين فكيف تنكرون فضل النبي صلى الله عليه وسلم (1). وقال الزمخشري: (قوله: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ إشارة إلى تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا دلالة على وجه تفضيله، وهو أنه خاتم النبيين وأن أمته خير الأمم لأن ذلك مكتوب في زبور داود وقال الله تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ وهم محمد وأمته)(2).
وقد احتج العلماء – كما يقول الخازن – بقوله تعالى في الأنعام: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام: 90] لكون النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء لأن ما تفرق في الأنبياء من خصال الفضل اجتمعت فيه صلى الله عليه وسلم (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة)) (4).
وفي رواية من حديث أبي هريرة: ((فضلت على الأنبياء بست)) (5). فذكر أربعاً من الخمس المتقدمة إلا الشفاعة وزاد خصلتين هما: ((أعطيت جوامع الكلم)) و ((ختم بي النبيون)) فتحصل من الروايتين سبع خصال.
ومن حديث حذيفة: ((فضلنا على الناس بثلاث)) (6). وفي روايات أن الخصائص أربع وروايات أنها اثنتين، ويتحصل من مجموع الروايات جملة من خصائصه صلى الله عليه وسلم التي فضل بها على الأنبياء تزيد كثيراً على ما حدد في كل رواية من عدد، ذكر ابن حجر أنه ينتظم من الروايات سبع عشرة خصلة قال:(ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع) ونقل عن بعض أهل العلم أن عدد الذي اختص به نبينا صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ستون خصلة (7).
وأما اختلاف الروايات في تحديد العدد فإنه لا تعارض فيه، يقول ابن حجر في ذلك:(وطريق الجمع أن يقال: لعله اطلع أولاً على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي، ومن لا يرى مفهوم العدد حجه يدفع هذا الإشكال من أصله)(8).
وفي أحاديث الشفاعة من بيان فضله صلى الله عليه وسلم على الأنبياء ما هو ظاهر، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بأنه يرغب إليه فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه الصلاة والسلام (9).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول محمد، فيقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك)) (10).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا أكثر الأنبياء تبعاً)) (11) وقال: ((لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت وإن من الأنبياء نبياً ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد)) (12).
(1)((تفسير البغوي)) (3/ 120)). و ((تفسير الرازي)) (20/ 23) و) و ((تفسير القرطبي)) (1/ 278) و ((تيسير الكريم الرحمن)) (4/ 143).
(2)
((الكشاف)) (2/ 364).
(3)
((تفسير الخازن)) (2/ 157).
(4)
رواه البخاري (438)، ومسلم (521). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
(5)
رواه البخاري (523).
(6)
رواه مسلم (522).
(7)
((فتح الباري)) (1/ 439).
(8)
((فتح الباري)) (1/ 436).
(9)
الحديث رواه مسلم (820).
(10)
رواه مسلم (197). من حديث أنس رضي الله عنه.
(11)
رواه مسلم (196). من حديث أنس رضي الله عنه.
(12)
رواه مسلم (196). من حديث أنس رضي الله عنه.
ولقد قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع)) (1). وقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة)) (2).
ومن حديث أبي بكر الصديق في الشفاعة أن عيسى عليه السلام يقول للناس إذا أتوه يستشفعونه: ((انطلقوا إلى سيد ولد آدم)) وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء شفاعته: ((رب خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر)) (3).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) (4).
وفي معنى ((ولا فخر)) قال ابن الجوزي: (قال ابن الأنباري: المعنى لا أتبجح بهذه الأوصاف وإنما أقولها شكراً لربي ومنبهاً أمتي على إنعامه علي، وقال ابن عقيل: إنما نفي الفخر الذي هو الكبر الواقع في النفس المنهي عنه الذي قيل فيه: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18] ولم ينف فخر التجمل بما ذكره من النعم التي بمثلها يفتخر، ومثله قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص: 76] يعني الأشرين، ولم يرد الفرح بنعمة الله تعالى)(5) وقد قال سبحانه: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 58] فأمره سبحانه بالفرح بفضله.
وظاهر من النصوص أوجه تفضيله صلى الله عليه وسلم على الأنبياء فبعثه إلى الناس كافة، وشريعته أكمل الشرائع، وهو أعظم الناس أمة، وختم الله به النبوات، إلى غير ذلك من معجزاته عليه الصلاة والسلام فهو أكثر الأنبياء آيات، وقد ذكر أن آياته صلى الله عليه وسلم تبلغ ألفاً أو أكثر (6). وقد نحى بعض أهل العلم إلى المفاضلة بين معجزاته صلى الله عليه وسلم ومعجزات الأنبياء مبيناً في كل معجزة لنبي أن نبينا أوتي خيراً منها (7).
ولقد أجمعت الأمة على أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق (8). وهو في كلام الأئمة سلفاً وخلفاً كثير، فمن ذلك ما نقل من عقيدة الإمام أحمد إمام أهل السنة أنه (كان يعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم خير الرسل، وخاتم الأنبياء، والشهيد على الجميع)(9). وأنه كان يقول: (إن بعض النبيين أفضل من بعض ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضلهم)(10).
وعقد النووي في شرح صحيح الإمام مسلم باباً قال: (باب تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق)(11).
(1) رواه مسلم (2278). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم (2278). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
رواه أحمد (1/ 4)(15) واللفظ له، وابن حبان (14/ 393)(6476)، وأبو يعلى (1/ 56)(56)، وابن أبي عاصم (751). قال ابن القيم في ((حادي الأرواح)) (255): متواتر، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 377): رجاله ثقات، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1/ 29).
(4)
رواه الترمذي (3148)، ابن ماجه (3496) واللفظ له. من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).
(5)
((صفة الصفوة)) (1/ 183)((فيض القدير)) (3/ 42).
(6)
((دلائل النبوة للبيهقي)) (5/ 500) و ((الكشاف)) (1/ 151).
(7)
كما فعل أبو نعيم في ((الدلائل)) من (ص 537 - 564).
(8)
((تفسير الرازي)) (6/ 195)((تفسير ابن كثير)) (3/ 47) و ((الشفا)) (1/ 226).
(9)
((طبقات الحنابلة)) (2/ 279).
(10)
((طبقات الحنابلة)) (2/ 306).
(11)
((شرح صحيح مسلم)) للنووي (15/ 37).
وعقد الآجري باباً في كتابه (الشريعة) فقال: (باب ذكر ما فضل الله عز وجل به نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا من الكرامات على جميع الأنبياء)(1) وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في عقيدته: (فصل: ونعتقد أن محمداً المصطفى خير الخلائق وأفضلهم وأكرمهم على الله عز وجل وأعلاهم درجة وأقربهم إلى الله وسيلة)(2).
ومما ينبغي أن يعلم ما اختص به بعض الأنبياء من الفضائل لا يقتضي أفضليته على صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون – صلوات الله وسلامه عليهم-، فإن المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل من غير أن يفضله بما اختص به، وقد وقع نحو هذا في نبينا صلى الله عليه وسلم وبعض أتباعه من الصحابة رضوان الله عليهم وهم دون الأنبياء في الفضل، فهذا عمر رضي الله عنه أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الشيطان ينفر منه قال صلى الله عليه وسلم:((والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك)) (3)، وعرض له صلى الله عليه وسلم الشيطان في صلاته ولم ينفر منه كما في حديث أبي هريرة (4) قال القرافي في هذا:(وأين عمر من النبي عليه السلام، غير أنه لا يجوز أن يحصل للمفضول ما لا يحصل للفاضل) قال: (ومن ذلك أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أفضل من الملائكة على الصحيح، وقد حصل للملائكة المواظبة على العبادة مع جميع الأنفاس، يلهم أحدهم التسبيح كما يلهم أحدنا النفس إلى غير ذلك من الفضائل والمزايا التي لم تحصل للبشر، ومع ذلك فالأنبياء أفضل منهم لأن المجموع الحاصل للأنبياء من المزايا والمحاسن أعظم من المجموع الحاصل للملائكة، فمن استقرى هذا وجده كثيراً) إلى أن قال: (فعلى هذه القاعدة تخرجت الإقامة والأذان وأن من خواصهما التي جعل الله تعالى لهما أن الشيطان ينفر منهما دون الصلاة، وأن الصلاة أفضل منهما، ولا تناقض في ذلك بسبب أن المفضول يجوز أن يختص بما ليس للفاضل)(5). فالحاصل أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الخلائق ولا يلتفت إلى غير هذا، ولقد زعم قوم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن أفضل من إبراهيم ولا من نوح ولا من آدم عليهم السلام لأن الثلاثة آباؤه، وامتنعوا من تفضيل الابن على الأب، وفضلوه على كل نبي لم يكن أبا له (6). قال البغدادي:(وقياسهم يقتضي أن لا يكون أفضل من إدريس ولا من إسماعيل لأنهم أبواه)(7) ولم ينصوا عليهما، فهم ينطقون عن جهل وسفه، وكذا يقتضي قياسهم أن يكون الأب الكافر المخلد في النار خير من الابن المؤمن المخلد في الجنة كمن نزل فيهم قوله سبحانه: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة: 22]. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص 147
(1)((الشريعة)) (ص: 498).
(2)
((عقيدة الحافظ المقدسي، ضمن المجموعة العلمية السعودية)) (ص: 52).
(3)
رواه البخاري (3294)، ومسلم (2396). من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(4)
الحديث رواه البخاري (3423) بلفظ: ((إن عفريتا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه فأخذته، فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي*ص: 35* فرددته خاسئا)).
(5)
((الفروق)) (2/ 144).
(6)
((أصول الدين)) (165).
(7)
((أصول الدين)) (165).