الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعقولهم وتهدم ما بنوا من حضارات وما شيدوا من قصور.
وبينما تعرض السورة أثر الافتتان وسوء عاقبة الغرور بالأموال والأولاد، نراها تقرر الحق في شأن حب الناس للأموال ومظاهر هذه الحياة. وتقول إنه شيء فطروا عليه، ولكنه ليس هو المقصد الأسمى من هذه الحياة، وإنما هو متاع وزينة، وهو في الوقت نفسه وسيلة للحصول على المتاع الخالد في الحياة الخالدة، إذا أحسن استعماله، قال تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15) .
ثم تصف هؤلاء الذين اتقوا والذين لهم ذلك الجزاء بأنهم هم الذين أدركوا الحق وأنفقوا ما آتاهم الله من مال ابتغاء مرضاة الله، وصبروا على ما انتابهم من بلايا ومحن ورجعوا إلى الله بالتوبة والاستغفار، قال تعالى:
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) .
(5) عظمة القرآن في تربية المؤمنين
تمثل سورة آل عمران قطاعا حيا من حياة الجماعة المسلمة في المدينة من بعد غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة، إلى ما بعد غزوة أحد في السنة الثالثة، وما أحاط بهذه الحياة من ملابسات شتّى خلال هذه الفترة الزمنية، وفعل القرآن، إلى جانب الأحداث، في هذه الحياة وتفاعلها معه في مختلف الجوانب.
والنصوص هي، من القوة والحيوية، بحيث تستحضر صورة هذه الفترة وصورة الحياة التي عاشتها الجماعة المسلمة، وصورة الاشتباكات والملابسات التي أحاطت بهذه الحياة.
ويتنزل القرآن ليواجه الكيد والدس
ويبطل الفرية والشبهة ويثبّت القلوب والأقدام، ويوجه الأرواح والأفكار ويعقب على الحادث ويبرز فيه العبرة، ويبني التصور ويزيل عنه الأوهام، ويحذر الجماعة المسلمة من العدو الغادر، والكيد الماكر، ويقود خطاها بين الأشواك والمصايد والأحابيل، قيادة الخبير بالفطرة العليم بما تكنّ الصدور.
وإذا أعدنا قراءة سورة آل عمران وقصة بدر وأحد فيها، أدركنا أن هذا القرآن هو قرآن هذه الدعوة في أي مكان وأي زمان، وهو دستور هذه الأمة في أي جيل ومن أي قبيل، وهو حادي الطريق وهادي السبيل على توالي القرون
…
ذلك أنه خطاب الله الأخير لهذا الإنسان في جميع العصور.
في هذه الفترة التي نزلت فيها السورة كانت الجماعة المسلمة في المدينة قد استقرت بعض الاستقرار في موطنها الجديد في مدينة الرسول (ص) ، وكانت غزوة بدر الكبرى قد وقعت وكتب الله فيها النصر للمسلمين على قريش، وكان هذا النصر بظروفه التي تمّ فيها، والملابسات التي أحاطت به، تبدو فيه رائحة المعجزة الخارقة، ومن ثم اضطرّ رجل كعبد الله بن أبيّ بن سلول، من عظماء الخزرج، أن ينزل عن كبريائه وكراهته لهذا الدين ولنبيّه الكريم، وأن يكبت حقده وحسده للرسول الكريم، وأن ينضم منافقا للجماعة المسلمة وهو يقول:«هذا أمر قد توجه» ، أي ظهرت له وجهة هو ماض فيها لا يردّه عنها رادّ.
بذلك وجدت بذرة النفاق في المدينة أو نمت وأفرخت. وقد وجد هؤلاء المنافقون حلفاء طبيعيين لهم في اليهود الذين كانوا يجدون في أنفسهم من الحقد على الإسلام والمسلمين مثل ما يجد المنافقون بل أشد.
ولذلك نزل القرآن الكريم يوضح حقيقة الألوهية، ويبيّن الحق في الرسالة، ثم يوضح العلة التي أعمت الناس عن رؤية الحق، وهي علة الغرور بالمال والولد. وقد استنفدت سورة آل عمران أكثر من نصفها في توضيح هذين المقصدين.
ثم توجهت السورة إلى جماعة المؤمنين الذين جمعهم الحق، وتكوّنوا على أساس الرحمة بالخلق لتحذرهم