الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجملة هذه النداءات تربية عملية للمؤمنين، وبيان للطريق السوي التي يجب اتباعها في الشعائر والعبادات والمعاملات والمعاهدات. والنداء للمؤمنين بصفة الايمان تذكير لهم بأن عليهم أن يعملوا بمقتضى هذا الإيمان، وقوامه التصديق الباطني بوجود الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه.
الأمر بالتقوى:
حثّ القرآن على تقوى الله وطاعته وذيّل كثيرا من أحكامه ببيان شأن التقوى، وأهميّتها، وفي النداء السادس من سورة المائدة حثّ على تقوى الله والتماس الأسباب المساعدة على هذه التقوى فيقول سبحانه:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) .
وتقوى الله هي تقدير العظمة الإلهية وامتلاء النفس بها امتلاء يدفع المؤمن إلى المسارعة وشدة الحرص على تحقيق أوامر الله وتشريعاته. والتقوى تدفع المؤمن إلى إنعام النظر وقوّة التفكير في ملكوت السماوات والأرض لمعرفة أسرار الله في كونه، وسنّته في خلقه، ثم الاتجاه إلى هذه الأسرار والعمل على إظهار رحمة الله فيها بعباده والوقوف على السنن التي ربط بها بين الأسباب والمسبّبات بين السعادة وأسبابها والشقاء وأسبابه، بين العلم وأسبابه والغنى وأسبابه والعزة وأسبابها
…
وهكذا.
وبذلك ترى أن التقوى هي ذلك المعنى القلبي الذي تفنى به الإرادات الإنسانية في ملكوت العظمة الإلهية، وهي الباعث على امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وهي المحقّقة للإحسان في طاعة الله ورسوله، فهي المبدأ، وهي المنتهى، وهي الأولى، وهي الآخرة.
9- أهل الكتاب
أرسل الله محمدا (ص) على حين فترة من الرسل، بعد أن درست معالم الحق والفضيلة، وبعد أن ضيّع أهل الكتاب بعض تعاليمه، وأخفوا بعضه ونقضوا ميثاقهم مع ربهم.
وقد واجهتهم سورة المائدة بأخطائهم، فوصفتهم بالتعصب المقيت، والغلوّ في الدين، واتباعهم أهواء من ضل قبلهم من الوثنيين وغيرهم، وادعائهم أنهم أبناء الله
وأحباؤه. وقد بيّن الله لهم حقيقة الأمر، وهي أنّهم بشر ممن خلق الله، لا مزية لهم على سائر البشر، في أنفسهم وذواتهم، إنما يمتاز بعضهم على بعض بالعلوم الصحيحة، والأخلاق الكريمة، والأعمال الصالحة، لا بالنسب والانتماء، إلى الأنبياء والصالحين، وصدق القائل:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا يغنيك محموده عن النسب إن الفتى من يقول ها أنذا ليس الفتى من يقول كان أبي وقد وجّه الله الخطاب لأهل الكتاب عامة، بأن الرسول (ص) ، قد جاء ليكشف لهم عن كثير مما كانوا يخفونه، من كتاب الله الذي استحفظوا عليه، فنقضوا عهدهم مع الله فيه، ويعفو عن كثير مما أثقلهم به الله من تكاليف، وحرمه عليهم من طيبات، عقابا لهم على مخالفتهم وانحرافاتهم.
فالفرصة إذن سانحة ليتداركوا ما فات ولينجوا مما كتب عليهم في الدنيا والآخرة عقابا لهم على الخلاف والأخلاف:
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) .
وتوالى نداء القرآن لأهل الكتاب ليقطع حجّتهم ومعذرتهم أن يقولوا:
إن فترة كبيرة مرت عليهم، لم يأتهم فيها بشير يقربهم إلى الله، أو نذير يخوفهم الانحراف، فها هو ذا بشير ونذير:
يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19) .
وقد وصفت سورة المائدة التوراة والإنجيل أحسن وصف، وذكرت من أخبار التوراة قصّة ابني آدم بالحق، ومن أحكامها عقوبات القتل وإتلاف الأعضاء والجروح ومن أخبار الإنجيل والمسيح، ما هو حجّة على الفريقين وبينت أن الكتابين أنزلا نورا وهدى للناس وأنهم لو كانوا أقاموهما لكانوا في أحسن حال، ولسارعوا إلى الإيمان