الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التصور الإسلامي من كل شائبة، ولتقرير حقيقة التوحيد جليّة ناصعة، والرد على الشبهات التي يلقيها أهل الكتاب، سواء منها ما هو ناشئ من انحراف في معتقداتهم، وما يتعمدون إلقاءه في الصف المسلم من شبهات ماكرة لخلخلة الصف من وراء خلخلة العقيدة.
وتذكر عدة روايات أن الآيات [1- 83] نزلت في الحوار مع وفد نصارى نجران من اليمن، الذي قدم المدينة في السنة التاسعة للهجرة. ونحن نستبعد أن تكون السنة التاسعة زمن نزول هذه الآيات، فواضح، من طبيعتها وجوّها، أنها نزلت في الفترة الأولى من الهجرة حيث كانت الجماعة المسلمة بعد ناشئة، وكان لدسائس اليهود وغيرهم أثر شديد في كيانها وسلوكها. وسواء أصحّت رواية أن الآيات نزلت في وفد نصارى نجران، أم لم تصح، فإنه واضح، من الموضوع الذي تعالجه، أنها تواجه شبهات النصارى وخاصة ما يتعلق منها بعيسى (ع) ، وتدور حول عقيدة التوحيد الخالص كما جاء بها الإسلام، وتصحّح لهم ما أصاب عقائدهم من انحراف وخلط وتشويه، وتدعوهم إلى الحق الواحد الذي تضمنته كتبهم الصحيحة التي جاء القرآن يصدّقها.
ومن مراجعة نصوص السورة يتبين المسلم أن هذا القرآن هو كتاب الحياة صحّح أوضاعها للمسلمين وصحح العقيدة، وناقش عقائد الآخرين، وحذّر المسلمين من كيد الأعداء ودسائسهم، وهذا القرآن مأدبة الله معروض للمسلمين، مفتوح للقارئين، دليل للحيارى ورحمة للضّالّين، وهداية للمسترشدين. إنه النور المبين، والركن الركين، والصراط المستقيم. من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، لم تسمعه الجن حتى قالت:
إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (2)[الجن] .
(9) منهج القرآن في بناء العقيدة والدفاع عنها
القارئ لسورة آل عمران يتضح له أن أعداء الأمة الإسلامية كانوا يحاربونها في عدة ميادين، منها ميدان المعركة،
ومنها ميدان الفكرة والإيمان وأنهم حاولوا تشكيك المسلمين في عقيدتهم وتوهين إيمانهم لأنهم كانوا يدركون- كما يدركون اليوم تماما- أن هذه الأمة لا تؤتى إلا من هذا المدخل، ولا تهن إلا إذا وهنت عقيدتها، ولا تهزم إلا إذا هزمت روحها، ولا يبلغ أعداؤها منها شيئا وهي ممسكة بعروة الإيمان، مرتكنة إلى ركنه، سائرة على نهجه، حاملة لرايته، ممثلة لحزبه، منتسبة إليه، معتزة بهذا النسب وحده.
ومن هنا يبدو أن أعدى أعداء هذه الأمة هو الذي يلهيها عن عقيدتها الإيمانية، ويحيد بها عن منهج الله وطريقه، ويخدعها عن حقيقة أعدائها وحقيقة أهدافهم البعيدة.
إن المعركة بين الأمة المسلمة وبين أعدائها هي، قبل كل شيء، معركة هذه العقيدة. وحتى حين يريد أعداؤها أن يغلبوها على الأرض والمحصولات والاقتصاد والخامات والطاقة، فإنهم يحاولون أولا أن يغلبوها على العقيدة، لأنهم يعلمون، بالتجارب الطويلة، أنهم لا يبلغون مما يريدون شيئا.
والأمة المسلمة مستمسكة بعقيدتها، ملتزمة بمنهجها، مدركة لكيد أعدائها.
ومن ثمّ يبذل هؤلاء الأعداء وعملاؤهم جهد الجبارين في خداع هذه الأمة عن حقيقة المعركة، ليفوزوا منها بعد ذلك بكل ما يريدون من استعمار واستغلال، وهم آمنون من عزمة العقيدة في الصدور. وكلما ارتقت وسائل الكيد لهذه العقيدة والتشكيك فيها والتوهين من عراها، استخدم أعداؤها هذه الوسائل المترقية الجديدة، ولكن للغاية القديمة نفسها:
وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ [الآية 69] .
فهذه هي الغاية الثابتة الدفينة. لهذا كان القرآن يدفع هذا السلاح المسموم أوّلا. كان يأخذ الجماعة المسلمة بتثبيتها على الحق الذي هي عليه، وينفي الشبهات والشكوك التي يلقيها أهل الكتاب، ويجلو الحقيقة الكبيرة التي يتضمنها هذا الدين، ويقنع الجماعة المسلمة بحقيقتها وقيمتها في هذه الأرض، ودورها ودور العقيدة التي تحملها في تاريخ البشرية.
وكان يأخذها بالتحذير من كيد الكائدين، ويكشف لها نيّاتهم المستترة ووسائلهم القذرة، وأهدافهم الخطرة، وأحقادهم على الإسلام والمسلمين.