الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (آل عمران:102).
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)} . (الأحزاب:70).
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِى النَّارِ.
اعلم أخي المسلم أنه لم تأت بدعة محدثة من البدع إلا وهُجِرَتْ أو أمِيتَتْ سُنَّةٌ من السُنن، وقد قال التابعي الجليل حسان بن عطية المحاربي رحمه الله:«ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سُنَّتهم مثلها، ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة» (رواه الدرامي، وقال الألباني: إسناده صحيح).
وقد استفاض العلم بأنه لا يجوز إحداث عيد يحتفل به المسلمون غير عيدي الأضحى والفطر، لأن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك، قال تعالى:{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)} (الحج:67).
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة ـ رضوان الله على الجميع ـ ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حُبًّا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومتابعةً لشرعه ممن بعدهم، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
(الحشر:7) وقال تعالى: قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3).
وإحداث مثل هذه الموالد يُفهَم منه أن الله ـ سبحانه ـ لم يُكْمِل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله ، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله ـ سبحانه ـ وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتم عليهم النعمة.
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بلغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقًا يوصل إلى الجنة، ويباعد من النار إلا بَيَّنَهُ للأمة ، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِىٌّ قَبْلِى إِلَاّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ» (رواه مسلم في صحيحه).
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغًا ونُصحًا ، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين
الذي يرضاه الله سبحانه لَبَيَّنَهُ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأمة ، أو فَعَله في حياته ، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم ، فلما لم يقع شيء من ذلك عُلِمَ أنه ليس من الإسلام في شيء ، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منها أمته.
ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار ، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين ، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية.
ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد ـ مع كونها بدعة ـ لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال ، واستعمال الأغاني والمعازف ، وشرب المسكرات والمخدرات ، وغير ذلك من الشرور ، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك ، وهو الشرك الأكبر ، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو غيره من الأولياء ودعائه والاستغاثة به ، وطلبه المدد ، واعتقاد أنه يعلم الغيب ، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس، حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء.
ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة ، ويدافع عنها ، ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجُمَع والجماعات ، ولا يرفع بذلك رأسًا ، ولا يرى أنه أتى منكرًا عظيمًا ، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة ، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي ، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين.
ومن ذلك: أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحضر المولد، ولهذا يقومون له محيّين ومرحبين ، وهذا من أعظم الباطل ، وأقبح الجهل ، فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يخرج من قبره، قبل يوم القيامة ، ولا يتصل بأحد من الناس ، ولا يحضر اجتماعهم ، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة ، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى:{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} (المؤمنون: 15 - 16).وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ
عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ» (1). عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، فهذه الآية الكريمة ، والحديث الشريف ، وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث ، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأموات ، إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة ، وهذا أمر مُجْمَعٌ عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم ، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان» (2).
وأسأل الله عز وجل أن ينفعني والمسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ـ سيدنا محمد ـ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
شحاتة محمد صقر
(1) رواه مسلم.
(2)
باختصار من مجموع فتاوى ابن باز (1/ 178 - 182).