الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كشف شبهات
من قال بمشروعية
الاحتفال بالمولد النبوي
الشبهة الأولى:
قال بعض العلماء أن الاحتفال بالمولد بدعة حسنة، وجرى به العمل في كل البلاد.
الجواب:
1 -
من المعلوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى وقرر بأن كل بدعة ضلالة، ولم يرِدْ نَصّ من كتاب أو سنة يمكن أن يُستَنَد إليه في تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة.
2 -
المبتدع يتخذ من زلات العلماء حجة لبدعته على الشرع، قال الإمام الشاطبي رحمه الله: «
…
الإنسان لا ينبغي له أن يعتمد على عمل أحد البتة، حتى يتثبت ويسأل عن حكمه؛ إذ لعل المعتمَد على عمله يعمل على خلاف السُنّة، ولذلك قيل: لا تنظر إلى عمل العالم، ولكن سَلْه يصْدُقْك، وقالوا: ضعف الروية أن
يكون رأي فلانًا يعمل فيعمل مثله، ولعله فعله ساهيًا» (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «
…
عادة بعض البلاد أو أكثرها، وقول كثير من العلماء، أو العبّاد، أو أكثرهم، ونحو ذلك ليس مما يصلح أن يكون معارضًا لكلام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعارض به» (2).
3 -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على المواسم المبتدعة من موالد وغيرها: «إذا فعلها قوم ذوو فضل فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهتها، وأنكرها قوم كذلك، وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعلوها فليسوا دونهم في الفضل، ولو فرضوا دونهم في الفضل، فتكون حينئذٍ قد تنازع فيها أولو الأمر، فترد إذن إلى الله والرسول.
وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها لا مع من رخَّصَ فيها، ثم عامة المتقدمين الذين هم أفضل من المتأخرين مع هؤلاء التاركين المنكرين» (3).
(1) الاعتصام (2/ 508).
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (ص245).
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص291).
الشبهة الثانية:
قالوا: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لاجلها ولأنه ظرف لها، واستدلوا بتخريج الحافظ ابن حجر العسقلانى الاحتفال بالمولد على صيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء حيث إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ «مَا هَذَا؟». قَالُوا:«هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللهُ بَنِى إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى. قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ» . فَصَامَهُ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. (رواه البخاري ومسلم).
فقال الحافظ ابن حجر: «أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة، وإلا فلا، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو
…
» وذكر حديث صيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء
…
ثم قال: «فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما منَّ به في يوم
معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة.
والشكر لله يحصل بأنواع العبادة، كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأيُّ نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينة حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء، ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر، بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه، فهذا ما يتعلق بأصل عمله.
وأما ما يعمل فيه فينبغي أن يقتصر فيه على ما يفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير وعمل الآخرة، وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي أن يقال: ما كان من ذلك مباحًا بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم لا بأس بإلحاقه به، وما كان حرامًا أو مكروهًا فيمنع، وكذا ما كان خلاف الأولى» (1).
الجواب:
1 -
تخريج الحافظ ابن حجر عمل المولد على صيام عاشوراء لا يمكن الجمع بينه وبين جزمه بأن ذلك بدعة لم تُنقل عن أحد من السلف من القرون الثلاثة؛ فإن عدم عمل السلف الصالح بالنص على الوجه الذي يفهمه مَنْ بعدهم، يمنع اعتبار ذلك الفهم صحيحًا، إذ لو كان صحيحًا لم يعزب عن فهم السلف الصالح ويفهمه من بعدهم، كما يمنع اعتبار ذلك النص دليلًا عليه إذ لو كان دليلًا لعمل به السلف الصالح.
فاستنباط الحافظ ابن حجر الاحتفال بالمولد النبوي ـ ما دام الأمر كذلك ـ من حديث صوم يوم عاشوراء أو من أي نص آخر، مخالف لما أجمع عليه السلف الصالح من ناحية فهمه ومن ناحية العمل به، وما خالف إجماعهم فهو خطأ، لأنهم لا يجتمعون إلا على هدى.
وقد بسط الإمام الشاطبي الكلام على تقرير هذه القاعدة في كتابه (الموافقات) وأتى في كلامه بما لا شك في أن الحافظ ابن حجر العسقلانى لو تنبه له لما خرّج عمل المولد على حديث صوم
(1) جواب الحافظ ابن حجر العسقلاني عن سؤال وجه إليه عن عمل المولد ذكره السيوطي في أحسن المقصد في عمل المولد، وهو من محتويات الحاوي للفتاوي (1/ 196)، وذكرها الزرقاني في شرحه للمواهب اللدنية (1/ 140).
يوم عاشوراء ما دام السلف لم يفهموا تخريجه عليه منه ولم يعملوا به على ذلك الوجه الذي فهمه منه (1).
2 -
حديث صوم يوم عاشوراء لنجاة موسى عليه السلام فيه وإغراق فرعون فيه ليس فيه سوى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صامه وأمر بصيامه (2).
3 -
الشرط الذي شرطه الحافظ ابن حجر للاحتفال بالمولد النبوى ـ وهو تحري ذلك اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى عليه السلام ـ لا سبيل إليه (3)، حيث إن يوم عاشوراء يوم محدد معروف أما يوم ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فغير محدد حيث اختلف العلماء في تعيينه على أقوال كثيرة.
4 -
من أجاز الاحتفال بالمولد النبوي يقرّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يزِدْ فيه على غيره من الشهور شيئًا من العبادات، فهل نحن أعلم وأحرص على الدين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه؟ وخير الهدي
(1) القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل للعلامة إسماعيل الأنصاري (ص78 - 79).
(2)
القول الفصل (ص80).
(3)
نفس المصدر والصفحة.
هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد صام يوم عاشوراء وحث على صيامه فكان صيامه سنة، وسكت عن يوم ولادته الذي هو الثاني عشر من ربيع الأول كما يقول به أكثر المحتفلين، فلم يشرع فيه شيئًا فوجب أن نسكت كذلك، ولا نحاول أن نشرع فيه صيامًا ولا قيامًا ولا احتفالًا.
5 -
أما بالنسبة لقولهم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لاجلها ولأنه ظرف لها.
فالجواب:
إن من أعظم الأمور التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مجيء الملك إليه بالنبوة وهو في غار حراء وتعليمه أول سورة العلق، ومن أعظم الأمور أيضًا الإسراء به صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس والعروج به إلى السموات السبع وما فوقها وتكليم الرب سبحانه وتعالى له وفرْضه الصلوات الخمس، ومن أعظم الأمور أيضًا هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة، ومن أعظم الأمور أيضًا وقعة بدر
وفتح مكة، ولم يرد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يعمل الاجتماع لتذكر شيء من هذه الأمور العظيمة وتعظيم أيامها.
ولو كانت قاعدتهم التي توهموها وابتكروها صحيحة لكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهتم بأوقات هذه الأمور العظيمة ويعقد الاجتماعات لتذكرها وتعظيم أيامها.
وفي تركه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أبلغ رد على مزاعمهم وتقوُّلهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة الثالثة:
قول السيوطى إن الاحتفال بالمولد من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدْر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف.
الجواب:
1 -
ما الدليل على أن الاحتفال بالمولد من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها؟ وما هو مقدار هذا الثواب؟ وهل نحن أحرص من الصحابة والتابعين على هذا الثواب؟ وهل نحن أكثر تعظيمًا لقدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم؟ فهم لم يحتفلوا، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
2 -
تعظيم قدْر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون باتباع هديه وليس
باختراع عبادات لم يشرعها فإن ذلك فيه اتهام له بأنه قصَّر في تبليغ الرسالة أو أن الرسالة لم تكتمل، وإذا كان الصحابة لم يفعلوا المولد فهل معنى ذلك أنهم كانوا لا يعظمون قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
3 -
الشهر الذي يحتفلون فيه بمولد نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو بعينه الشهر الذي توفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه، نبَّهَ على ذلك غير واحد من أهل العلم، منهم ابن الحاج والفاكهاني.
الشبهة الرابعة:
عندما سُئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم يوم الاثنين قال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ» (رواه مسلم)، فتشريف هذا اليوم متضمن تشريف هذا الشهر الذي ولد فيه، ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم ولد فيه؟
وإقامة المولد شكر لله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وصيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى الاحتفال به، إلا أن الصورة مختلفة، ولكن المعنى موجود.
الجواب:
1 -
صوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين ليس دليلًا على بدعة الاحتفال بالمولد فقد سُئِل عن صوم يوم الاثنين؟ فقال: «ذَاكَ
يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، ويوم بُعِثْتُ، أو أُنزِلَ عليَّ فيه» (رواه مسلم)، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه ذلك، فقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يصوم ذلك اليوم (يوم الاثنين) من كل أسبوع وعلى طول الشهر، وعلى مدى العام كله، ولم يكن ذلك مرة واحدة في العام، فأين هذا مما يفعله المسلمون اليوم؟
ولو كان احتفالًا كما يزعم الزاعمون لاختلفت الكيفية، كأن يجتمع الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويتسابقون في إلقاء الخطب والأناشيد كما هو حال الكثير من المسلمين اليوم، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث.
2 -
هل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صام يوم الاثنين شكرًا على نعمة الإيجاد والإمداد ـ وهو تكريمه ببعثته إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا ـ أضاف إلى الصيام احتفالًا كاحتفال أرباب الموالد من تجمعات ومدائح؟
والجواب: لا، وإنما اكتفى بالصيام فقط، إذًا ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها، ويسعها ما وسعه؟ وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟
وإذًا فلم الافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله تعالى يقول:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، ويقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} (الحجرات:1)، وحال من قال بجواز إقامة المولد زيادة على صيام يوم الاثنين الثابت في السنة يشبه حال من صلى سنة المغرب مثلًا ثلاث أو أربع ركعات بحجة أنه أتى بالركعتين التي ثبتت بالسنة ثم أضاف إليها ركعتين زيادة في الخير!!.
3 -
من أراد اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلْيَصُم يوم الاثنين كما صامه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فيه فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ربه وهو الصوم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يختار إلا ما هو أفضل، وعليه فلنصم كما صام.
4 -
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يخص اليوم الثاني عشر من ربيع الأول ـ إن صح أن ذلك هو يوم مولده صلى الله عليه وآله وسلم ـ بالصيام ولا بشيء من الأعمال دون سائر الأيام، ولو كان يعظم يوم مولده، كما يزعمون لكان يتخذ ذلك اليوم عيدًا في كل سنة، أو كان يخصه
بالصيام أو بشيء من الأعمال دون سائر الأيام.
وفي عدم تخصيصه بشيء من الأعمال دون سائر الأيام دليل على أنه لم يكن يفضله على غيره وقد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
…
(الأحزاب:21).
5 -
أما قولهم عن صيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين إن هذا في معنى الاحتفال به، إلا أن الصورة مختلفة، ولكن المعنى موجود، فالجواب عنه يفهم من الجواب عن السؤال التالي:
هل يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية الصلاة في الأوقات الخمسة تعني مشروعية الصلاة في الجملة، وأنه يجوز لنا أن نحدث وقتا أو وقتين زيادة على الصلوات الخمس المكتوبة؟
وأنه يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية صيام رمضان، تعني مشروعية الصيام في الجملة! وأنه يجوز لنا أن نحدث صيام شهر آخر غير رمضان على سبيل الوجوب؟
هل يجوز لنا أن نقول: إن مشروعية الحج في زمان مخصوص، تعني مشروعيته في الجملة، وأنه يجوز لنا أن نقول: بتوسعة وقت الحج طوال العام كالعمرة تخفيفا على الأمة وتوسعة عليها؟
إننا حينما نقول بذلك لا نقول بأن الصورة مختلفة، بل الصلاة هي الصلاة، والصوم هو الصوم، والحج هو الحج، إلا أن الجديد في ذلك الزيادة على المشروع فقط.
يلزم المجوزون للاحتفال بالمولد أن يقول: بجواز ذلك كما قالوا: بأن صيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم مولده، يدل على جواز إقامة الاحتفال بذكرى المولد.
6 -
النبي صلى الله عليه وآله وسلم علل صيامه يوم الاثنين بسببين:
أ- أنه ولد يوم الاثنين.
ب- يوم الاثنين بعث فيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فلماذا يحتفلون بواحدة ويتركون الأخرى؟
الشبهة الخامسة:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقّ عن نفسه بعد النبوة، مع أنه ورد أن جده عبد المطلب عقّ عنه في سابع ولادته، والعقيقة لا تعاد مرة ثانية، فيحمل ذلك على أن هذا فعله صلى الله عليه وآله وسلم إظهارًا للشكر على إيجاد الله تعالى إياه رحمة للعالمين، فيستحب لنا أيضًا إظهار الشكر بمولده صلى الله عليه وآله وسلم بالاجتماع وإطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات.
الجواب:
1 -
ما رُوى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه غير صحيح ولم
يثبت، فقد ضعفه الأئمة مالك، وأحمد بن حنبل، والبزار، والبيهقي، والنووي، والحافظ المزي والحافظ الذهبي، والحافظ ابن حجر (1).
2 -
لو ثبت هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان هذا الحكم يخصه بل لاستُحِبَّ لكل مسلم أن يعق عن نفسه شكرًا لله على نعمة الخلق والإيجاد، حتى ولو لم يكن المخلوق نبيًا.
3 -
على فرض صحة الحديث ـ رغم وضوح ضعفه ـ فإنه لا يزيد أن يكون مثل حديث صيام يوم الاثنين وقد سبق الرد عليه.
4 -
هل ثبت أن العقيقة كانت مشروعة لأهل الجاهلية وهم يعملون بها حتى نقول إن عبد المطلب قد عق عن ابن ولده؟
وهل أعمال أهل الجاهلية يعتد بها في الإسلام؟ حتى نقول إذا عق النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نفسه شكرًا لا قيامًا بسنة العقيقة، إذا قد عق عنه؟
سبحان الله ما أعجب هذا الاستدلال وما أغربه، وهل إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذبح شاة شكرًا لله تعالى على نعمة إيجاده وإمداده يلزم من ذلك اتخاذ يوم ولادته صلى الله عليه وآله وسلم عيدًا للناس؟
(1) راجع نص كلامهم في القول الفصل (ص80 - 84).
ولما لم يدعُ إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويبين للناس ماذا يجب عليهم فيه من أقوال وأعمال كما بين ذلك في عيدي الفطر والأضحى؟ أنسي ذلك أم كتمه، وهو المأمور بالبلاغ؟ سبحانك اللهم إن رسولك صلى الله عليه وآله وسلم ما نسي ولا كتم ولكن الإنسان كان أكثر شيء جدلًا.
الشبهة السادسة:
وجود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سبب النجاة لمن اتبعه، وتقليل حظ جهنم لمن أُعدّ لها، لفرحه بولادته صلى الله عليه وآله وسلم، فمن المناسب إظهار السرور.
قَالَ عُرْوَةُ بن الزبير: «وَثُوَيْبَةُ مَوْلَاةٌ لأَبِى لَهَبٍ كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا فَأَرْضَعَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ (1)، قَالَ لَهُ: «مَاذَا لَقِيتَ؟» ، قَالَ أَبُو لَهَبٍ:«لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّى سُقِيتُ فِى هَذِهِ بِعَتَاقَتِى ثُوَيْبَةَ» (رواه البخاري).
الجواب:
1 -
اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبب النجاة وليس ابتداع أعياد ما أنزل الله بها من سلطان.
(1) قال الحافظ ابن حجر: «بِشَرِّ حِيبَةٍ::أَيْ سوء حَال» (فتح الباري (9/ 145).
2 -
هذا الخبر لا يصح؛ لأنه مرسل، رواه البخاري، قال الحافظ ابن حجر:«الْخَبَرَ مُرْسَلٌ أَرْسَلَهُ عُرْوَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا فَالَّذِي فِي الْخَبَرِ رُؤْيَا مَنَامٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَعَلَّ الَّذِي رَآهَا لَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ أَسْلَمَ بَعْدُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ» (1). (والمقصود الجزء الذي ذكرناه، أما المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي لم نذكره فلا).
3 -
ذلك الخبر لا حجة فيه لو كان موصولًا لأنه رؤيا منام وقد يكون من رآها من الكفار، قال الحافظ ابن حجر:«الَّذِي فِي الْخَبَرِ رُؤْيَا مَنَامٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَعَلَّ الَّذِي رَآهَا لَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ أَسْلَمَ بَعْدُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ» (2).
4 -
ما في مرسل عروة هذا من أن إعتاق أبي لهب ثويبة كان قبل إرضاعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبى لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في (فتح الباري)(3).
(1) فتح الباري (9/ 145).
(2)
نفس المصدر (9/ 146).
(3)
نفس المصدر (9/ 148).
5 -
الفرح الذي فرحه أبو لهب ـ إن صح ـ فإنما هو فرح طبيعي لا تعبدي بمولود لأخيه؛ إذ كل إنسان يفرح بالمولود يولد له، أو لأحد إخوانه أو أقاربه، والفرح إن لم يكن لله لا يثاب عليه فاعله، وهذا يضعف استدلالهم بالرواية إن صحت.
6 -
لم يجيء في هذه الرواية مع ضعفها أنه يخفف عن أبي لهب العذاب كل إثنين ولا أن أبا لهب أعتق ثويبة من أجل بشارتها إياه بولادة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فكل هذا لا يصح.
7 -
لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أن ثويبة بشرته بولادته، فكل هذا لم يثبت، ومن ادعى ثبوت شيء من ذلك فعليه إقامة الدليل على ما ادعاه، ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلًا.
الشبهة السابعة:
قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} (يونس 58).
فالله سبحانه وتعالى طلب منا أن نفرح بالرحمة، والنبيُّّ صلى الله عليه وآله وسلم رحمة، وقد قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} (الأنبياء 107).
الجواب:
1 -
إن المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية، وهو قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (يونس:57).
وقد قال ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)} (يونس 58): «وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته ـ أي في هذه الآية ـ الإسلام والسنة» (1).
وكتب التفسير المشهورة كتفسير ابن جرير ومختصره لابن كثير وتفاسير القرطبي والبغوي والبيضاوي والنسفي وابن الجوزي ليس فيها أي إشارة إلى العلاقة بين معنى هذه الآية والاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويكفي في توضيح معنى الآية ذِكْرُ كلام الإمام الطبري شيخ المفسرين إذ لو نُقِل كلام الجميع لطال المقام.
(1) اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية (ص38).
قال ابن جرير: «يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أنزل إليك من عند ربك: بفضل الله أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام، فبيَّنَه لكم ودعاكم إليه، وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم، فعلَّمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه، فبصَّركم بها معالم دينكم؛ وذلك القرآن.
{فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل». اهـ.
يظهر من هذا أن الآية تتحدث عن شيء آخر ولا يدخل فيها نصًّا أو دلالة ما ذكروه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المراد بالرحمة هنا، كما أن في هذا إغفال تام لسياق الآية.
2 -
إن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء 107).فنص على أن الرحمة للعالمين إنما كانت
في إرساله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتعرض لذكر ولادته.
وأما السنة ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً» .
3 -
إن الاستدلال بالآية على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي من قبيل حمل كلام الله سبحانه وتعالى على ما لم يحمله عليه السلف الصالح والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه في العمل به، وهو أمر لا يليق؛ لأن الوجه الذي لم يثبت عن السلف الصالح العمل بالنص عليه لا يُقبَل ممن بعدهم دعوى دلالة النص الشرعي عليه، إذ لو كان دليلًا عليه لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين، ثم يفهمه من بعدهم.
فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له، ولو كان ترك العمل، قال: فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماع الأولين، وكل من خالف الإجماع فهو مخطىء، وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا تجتمع على ضلالة.
فما كانوا عليه من فعل أو ترك فهو السنة والأمر المعتبر وهو الهدى، وليس ثم إلا صواب أو خطأ فكل من خالف السلف
الأولين فهو على خطأ وهذا كاف (1).
4 -
إن سلَّمْنا بأن المراد بالرحمة هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم فما دخل المولد بالفرح به، إن المولد يعني الاحتفال في يوم معين من السنة أو بصورة مستمرة بأسلوب مخصوص، والآية تأمر بالفرحة دون توقيت، كما أنها فرحة كذلك بما أنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تشريع والذي هو كذلك رحمة للناس ولا علاقة للمولد بهذا كله.
5 -
هل الصحابة رضي الله عنهم احتفلوا بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
بالطبع لا.
هل الصحابة رضي الله عنهم فرحوا برحمة الله، أي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم على قول المجوّزين للاحتفال؟
لو طبقنا كلامهم فسنقول:
بالطبع الصحابة رضي الله عنهم لم يفرحوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم. هذا هو لازم كلامهم، وحاشا الصحابة رضي الله عنهم من أن يكونوا كذلك، فإنهم بذلوا أموالهم وأنفسهم حبًّا لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
(1) الموافقات في أصول الشريعة للشاطبي (3/ 71).
الشبهة الثامنة:
قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (هود:120)، والمولد النبوي الشريف يشتمل على أنباء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذكره تثبيت لأفئدة المؤمنين.
الجواب:
1 -
لا علاقة لهذه الآية بالمولد كما هو ظاهر.
2 -
تثبيت الفؤاد إنما يكون بما ثبت في القرآن والسنة وليس بالخزعبلات من القصص التي تهز الإيمان بدلًا من تثبيته.
3 -
من المعلوم أن السيرة النبوية وذكر قصص الأنبياء كما هو وارد في القرآن وصحيح السنة مما هو مطلوب طوال العام وبدون طقوس ومظاهر خاصة.
الشبهة التاسعة:
قوله تعالى حكاية عن عيسى بن مريم سدد خطاكم: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114)} (المائدة 114).
وقوله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ
يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} (مريم:33).
قالوا: هذه الآية والتي قبلها وغيرهما من الآيات، حافلة بالإشارات إلى ميلاد المسيح عليه السلام، ومدحه ومزاياه التي مَنَّ الله بها عليه، وهي بمجموعها شاهدة وداعية إلى الاحتفال بهذا الحدث العظيم.
وما كان ميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأقل شأنًا من ميلاد عيسى عليه السلام، بل ميلاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أعظم منه، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أكبر نعمة، فيكون ميلاده أيضًا أكبر وأعظم.
الجواب:
1 -
إننا أمة الإسلام ليس لنا سوى عيدين لا غير، وما يدعو إليه هؤلاء فيه مشابهة للنصارى ومن المعلوم أن من مقاصد الشرع مخالفتهم في شعائرهم.
2 -
الآية الأولى لا تذكر الاحتفال ولا تدل عليه لا دلالة ولا اقتضاءً، وإنما تتحدث عن المائدة التي أنزلها الله من السماء لبني إسرائيل من أتباع عيسى عليه السلام.
والمائدة هي: الخوان عليه طعام.
ومعنى الآية كما جاء في تفسير السعدي: أي: يكون وقت
نزولها عيدًا وموسمًا، يتذكر به هذه الآية العظيمة، فتحفظ ولا تنسى على مرور الأوقات وتكرر السنين، كما جعل الله تعالى أعياد المسلمين ومناسكهم مذكرا لآياته، ومنبها على سنن المرسلين وطرقهم القويمة، وفضله وإحسانه عليهم.
3 -
نسأل دعاة الاحتفال عن موعد يوم المائدة في شرع عيسى عليه السلام؟ فلن يجيبوا، وإن أجابوا نسألهم: متى احتفل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فلن يجيبوا، وإن أجابوا فسيقولون إنه لم يحتفل.
وعندئذٍ نقول لهم: خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونقول لهم:«أأنتم أعلم أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟» .
4 -
نطالب المحتفلين بإثبات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتفل بميلاد عيسى عليه السلام طبقًا لفهمهم للآية، وأنَّى لهم ذلك؟!!
وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتفل بميلاد عيسى عليه السلام فهل هم أعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعنى الآية؟
5 -
الآيات ـ على قولهم ـ حافلة أيضًا بالإشارات إلى موت المسيح عليه السلام، {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)} (مريم:33). فهل يستدل بها دعاة الاحتفال على جواز الاحتفال بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
الشبهة العاشرة:
قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (الفتح:9).
الجواب:
ليس من توقيره صلى الله عليه وآله وسلم أن نبتدع في دينه غير ما شرعه وجاء به، بل التوقير الحق هو اتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه وقد نهانا عن الابتداع، فوجب اتباعه إيمانًا وتوقيرًا.
الشبهة الحادية عشرة:
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} (الأحزاب: 56).
قالوا: والاحتفال بالمولد تطبيع النفس على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم رجاء أن ينطبع حبه وحب آله في القلوب.
الجواب:
يُستحب الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كل وقت لما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» ، وقد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الإكثار من الصلاة عليه في أوقات معينه كيوم الجمعة وبعد الأذان وعند ذكره صلى الله عليه وآله وسلم إلى غير تلك الأوقات ومع ذلك لم
يأمر أو يحث على الصلاة عليه في ليلة مولده.
فيجب أن نعمل بما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونَرُدّ ما لم يأمر به لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» وفي رواية «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم). «فَهُوَ رَدٌّ» أي: مردود على صاحبه.
الشبهة الثانية عشرة:
قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)} (آل عمران:164).
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} (الإسراء: 1).
الجواب:
الآيتان السابقتان لا تدلان على مشروعية المولد، كما أن المراجع لكتب التفسير يجد لهما سياقات ودلالات أخرى لا تتفق وما أرادوا التدليل عليه، ومن الغريب وضعهم لهاتين الآيتين في
غير موضعهما للتدليل على ما لا تدلا عليه.
وتذكرنا هذه الاستدلالات بمناظرة جرت لابن حزم مع بعضهم فاستدل مناظره بآية لا تدل على المراد، فما كان من ابن حزم إلا أن قال: «إذا كان هذا دليلك فدليلي {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} (الناس: 1).
الشبهة الثالثة عشرة:
يقولون إن الله سبحانه وتعالى كَرَّم بعض الأماكن المرتبطة بالأنبياء مثل مقام إبراهيم عليه السلام حيث قال تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (البقرة:125)، وهذا فيه حَثٌ على الاهتمام بكل ما يتعلق بالأنبياء ومنها الاهتمام بيوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الجواب:
1 -
العبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الرأي والابتداع. فما عظمه الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من زمان أو مكان فإنه يستحق التعظيم وما لا فلا.
والله تبارك وتعالى قد أمر عباده أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ولم يأمرهم أن يتخذوا يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيدًا ويبتدعوا فيه بدعًا لم يؤمروا بها.
وقد صح عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَافَ مَعَ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه بِالْبَيْتِ فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ:«لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَسْتَلِمُهُمَا» . فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْبَيْتِ مَهْجُورًا» .
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «صَدَقْتَ» (رواه الإمام أحمد، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح).
فرجع معاوية رضي الله عنه عن رأيه لما استبان له أن رأي ابن عباس موافق لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة الرابعة عشرة:
قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في فضل يوم الجمعة: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ» (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
قالوا: يؤخذ من قوله صلى الله عليه وآله وسلم في فضل يوم الجمعة، وعدّ مزاياه:«فِيهِ خُلِقَ آدَمُ» تشريف الزمان الذي ثبت أنه ميلاد لأي نبي كان من الأنبياء عليهم السلام فكيف باليوم الذي ولد فيه أفضل
النبيين وأشرف المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.
الجواب:
1 -
جاءت النصوص الشرعية الصريحة الثابتة بفضل يوم الجمعة، واعتباره أحد أعياد المسلمين، واختصاصه بخصائص ليست لغيره، فنحن نقف مع النصوص الشرعية حيث وقفت، ونسير معها حيث اتجهت فالله سبحانه وتعالى يقول:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، ويقول:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} (الحجرات:1).
ولا نبيح لأنفسنا أن نشرع تفضيل يوم بعينه، لم يرد النص بتفضيله، إذ لو كان خيرًا لشرع لنا تفضيله، كما شرع لنا تفضيل يوم الجمعة، قال تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (مريم:64).
ولو جاءت نصوص شرعية تنص على فضل يوم ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكنا بتوفيق الله وهدايته أسرع الناس إلى اعتبار ذلك والأخذ به، امتثالا لقوله تعالى:: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7).
2 -
النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يخص يوم الجمعة بشيء من نوافل
الأعمال وقد نهى عن تخصيصه بالصيام وعن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام ففي صحيح مسلم» عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِى وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ فِى صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخص يوم الجمعة بشيء من نوافل الأعمال من أجل أن آدم عليه السلام قد خُلِقَ فيه فأي متعلق لدعاة الاحتفال في ذكر ذلك الاستدلال به على جواز الاحتفال بالمولد.
3 -
لماذا نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام يوم الجمعة تطوعًا وحده؟ ولماذا لم يقل إثر إخباره أو فيما بعد: فأقيموا لأبيكم وأبي عيد وجود، أو حلقة ذكر بمناسبة الذكرى نتدارس فيها نعم الله على خلقه، ونذكر فيها العامة، وتكون سنة لمن بعدنا؟
وهل يمكن أن تكون محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبيه آدم عليه السلام قاصرة أو معدومة؟ أم أن هؤلاء يعلمون ما لم يعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة الخامسة عشرة:
الاستدلال بأن جبريل عليه السلام أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الإسراء والمعراج أن يصلي ركعتين ببيت لحم مولد عيسى عليه السلام ثم قال: «أتدري أين صليتَ؟ صليتَ ببيت لحم حيث ولد عيسى ـ
عليه السلام».
الجواب:
ورد في قصة الإسراء أن جبريل عليه السلام أمر محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، لكنه لا يصح فهو منكر كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لسورة الإسراء والألباني في تعليقه على سنن النسائي.
2 -
بيت لحم كنيسة من كنائس النصارى ليس في إتيانها فضيلة عند المسلمين سواء كان مولد عيسى عليه السلام أو لم يكن.
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (1/ 438).
الشبهة السادسة عشرة:
أن شعراء الصحابة كانوا يقولون قصائد المدح في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مثل كعب بن زهير وحسان بن ثابت؛ فكان يرضى عملهم؛ ويكافئهم على ذلك.
الجواب:
لم يُذْكَر عن أحد من شعراء الصحابة رضي الله عنهم أنه كان يتقرب إلى الله بإنشاد القصائد في ليلة مولده، وإنما كان إنشادهم في الغالب عند وقوع الفتوح والظفر بالأعداء، وعلى هذا فليس إنشاد كعب بن زهير وحسان بن ثابت وغيرهما من شعراء الصحابة رضي الله عنهم بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يتعلقون به في تأييد بدعة المولد.
الشبهة السابعة عشرة:
أن الموالد اجتماع ذكر وصدقة ومدح وتعظيم للجناب النبوي وهذه أمور مطلوبة شرعًا وممدوحة وجاءت الآثار الصحيحة بها وبالحث عليها.
الجواب:
1 -
الإنكار على إقامة المولد ـ وإن كان يحتوي على بعض الأمور المشروعة ـ يرجع إلى ذلك الاجتماع المخصوص بتلك
الهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص، وإلى اعتبار ذلك العمل من شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص الشارع بحيث يظن العوام والجاهلون بالسنن أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعًا.
وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله وزيادة فيه تعد من شرع ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم.
2 -
نفس نية المولد في ذلك العمل بدعة؛ فالأعمال الصالحة لا تقبل إلا بشرطين كما قال أهل العلم: الإخلاص ومتابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة الثامنة عشرة:
الاحتفال بالمولد النبوي أمر استحسنه العلماء وجرى به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعًا للقاعدة المأخوذة من أثر ابن مسعود رضي الله عنه: «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح» .
الجواب:
1 -
المقصود بقول ابن مسعود رضي الله عنه:الصحابة؛ لأنه قال هذا القول استدلالًا على إجماع الصحابة على اختيار أبى بكر
الصديق رضي الله عنه للخلافة كما في رواية الحاكم وغيره.
ومن توسع في الاستدلال بهذا الأثر قصد به الإجماع، فقد بوب له جماعةٌ من أهل الحديث في «باب الإجماع» ، واستدل به كثير من العلماء على الإجماع.
2 -
لم يحتفل الصحابة رضي الله عنهم بالمولد النبوي، فهذا الأثر دليل على عدم جواز الاحتفال به؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على عدم الاحتفال به، وهذا يدل على أنهم لم يروه حسنًا، بل رأوه سيئًا، وقد قال عبد الله بن مسعود:«ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح» .
فهذا يدل على أن الاحتفال بالمولد عند الله قبيح وليس حسنًا، ولو علم الصحابة رضي الله عنهم فيه خيرًا لسبقونا إليه.
3 -
مَن أول من استحسن المولد من العلماء، هل هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
قطعًا: لا.
هل هم التابعون؟
قطعًا: لا.
هل هم تابعو التابعين؟
قطعًا: لا.
هل هم قادة الفاطميين والرافضة بمختلف طوائفهم ونحلهم؟
اللهم: نعم.
هل هم أهل الطرق الصوفية؟
اللهم: نعم.
فهل نقبل أمرًا أتى به الفاطميون وغيرهم، ممن يشهد التاريخ الإسلامي بتدنيسهم محيا الإسلام، ونترك ما عليه أصحاب القرون الثلاثة المفضلة، من صحابة وتابعين وعلماء أجلاء، لهم فضلهم في العلم والتقى، والصلاح والاستقامة وسلامة المعتقد، ودقة النظر وصدق الاتباع والاقتداء بمن أمرنا الله تعالى أن نجعله أسوة لنا وقدوة لمسالكنا وهو رسولنا وحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة التاسعة عشرة:
إذا كان أهل الصليب اتخذوا ليلة مولد نبيهم عيدًا أكبر فأهل الإسلام أولى بالتكريم وأجدر.
الجواب:
1 -
لا شك أن الاحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيدًا مبني
على التشبه بالنصارى في اتخاذهم مولد المسيح عيدًا.
وهذا مصداق ما ثبت عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» . قُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟» ، قَالَ:«فَمَنْ؟» . (رواه البخاري ومسلم).
وإذا عُلم أن عيد المولد مبني على التشبه بالنصارى فليُعلم أيضًا أن التشبه بالنصارى وغيرهم من المشركين حرام شديد التحريم لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَشَبّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
الشبهة العشرون:
قياس الاحتفال بالمولد النبوي على ما يقام للرؤساء من الاحتفالات إحياءً للذكرى.
الجواب:
1 -
الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملحقًا بغيره وهذا ما لا يرضاه عاقل.
2 -
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال الله في حقه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} (الشرح:4)، فذِكْرُه صلى الله عليه وآله وسلم مرفوع في الأذان والإقامة والخطب
والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ماجاء به، فهو أجَلُّ مِن أن تكون ذكراه سنوية فقط.
الشبهة الحادية والعشرون:
إن الاحتفال بالمولد إحياء لذكرى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وذلك مشروع عندنا في الإسلام، فأنت ترى أن أكثر أعمال الحج إنما هي إحياء لذكريات مشهودة ومواقف محمودة.
الجواب:
1 -
ما زعموه من أن الاجتماع في المولد لإحياء ذكرى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أمر مشروع في الإسلام هو من التقوّل على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن الله تعالى لم يشرع الاجتماع لإحياء ذكرى المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا في يوم المولد ولا في غيره من الأيام، ولم يشرع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بقوله ولا بفعله.
2 -
إذا كان الأمر كما يزعمون فلماذا لم يفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم شيئًا من ذلك، أم أنهم أوسع منهم علمًا وفهمًا لدين الله سبحانه وتعالى.
الشبهة الثانية والعشرون:
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِى كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ
عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا».
قَالَ: «أَىُّ آيَةٍ» .
قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِى نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» (رواه البخاري).
الجواب:
1 -
في هذا اتباع لليهودي الذي ذكر طبعهم مِن كونهم يحتفلون بالوقائع والحوادث والذي يريد منا المستدلون بهذا الدليل أن نتبعهم فيه.
2 -
لم ينتبه هؤلاء المحتفلون إلى أن عمر رضي الله عنه رغم معرفته بزمان ومكان نزول الآية لم يكترث لقول اليهودي ولم يدفعه هذا لأن يحتفل بذلك اليوم ولا غيره، فهل نتبع هدي الخلفاء الراشدين أم مقولات اليهود، أم أن اليهودي كان أفقه من عمر وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
الشبهة الثالثة والعشرون:
قال الحافظ ابن كثير أن أول من أحدث ذلك من الملوك صاحب إربل، وكان شهمًا شجاعًا عاقلًا عادلًا.
الجواب:
1 -
لم أجد في (البداية والنهاية) أنه أول من أحدث ذلك، بل ذكر ابن كثير أنه كان يعمل المولد فقال: «أَمَّا صَاحِبُ إِرْبِلَ فَهُوَ: الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ، أَبُو سَعِيدٍ كُوكُبُرِي بْنُ زَيْنِ الدِّينِ عَلِيِّ بْنِ بُكْتِكِينَ أَحَدُ الْأَجْوَادِ وَالسَّادَاتِ الْكُبَرَاءِ وَالْمُلُوكِ الْأَمْجَادِ، لَهُ آثَارٌ حَسَنَةٌ،
…
وَكَانَ يَعْمَلُ الْمَوْلِدَ الشَّرِيفَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَيَحْتَفِلُ بِهِ احْتِفَالًا هَائِلًا. وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ شَهْمًا شُجَاعًا بَطَلًا عَاقِلًا عَالِمًا عَادِلًا، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى» (1).
2 -
على فرض أنه أول من أحدث ذلك فالبدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان، وعدالته لا توجب عصمته (2)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «عادة بعض البلاد أو أكثرها، وقول كثير
(1) البداية والنهاية (17/ 204 - 205).
(2)
القول الفصل (ص87 - 88) عن رسالة للشيخ محمد بن إبراهيم في حكم الاحتفال بالمولد النبوى (ص77).
من العلماء أو العباد، أو أكثرهم ونحو ذلك ليس يصلح أن يكون معارضًا لكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعارض به» (1).
وأبو بكر ومَن بعده من الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم يحتفلوا وسنتهم أولى بالاتباع من صاحب إربل.
3 -
الإمام ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، إنما ينقل التاريخ، ولا يعني نقله لحدث تاريخي، أنه يقرّ ما فيه، وأما ثناؤه على صفات الملك الحميدة، فلا يتناقض مع كون المولد بدعة، فالشخص قد يجمع بين الصواب والخطأ، والسنة والبدعة.
وهذا الملك (كوكبري) كانت لديه بدع أخرى أيضًا، كما قال ابن كثير أنه كان يَعْمَلُ لِلصُّوفِيَّةِ سَمَاعًا مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْفَجْرِ، وَيَرْقُصُ بِنَفْسِهِ مَعَهُمْ (2).
4 -
حتى لو فُرِضَ أن الإمام ابن كثير أثنى على الملك الذي احتفل بالمولد، فثناؤه كان على حسن قصد الملك، لا على بدعة المولد.
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص245).
(2)
البداية والنهاية (17/ 205).
الشبهة الرابعة والعشرون:
الاحتفال بالمولد النبوي تذكير بأهمية صاحب الذكرى الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأمر الجميع باتباعه، ومن أجل ذلك، ولأن العهد بين زمنهم وزمنه بعيد فإنهم يتخذون من هذا الاحتفال تذكيرًا به وبما جاء به من الحق والخير، الذي سعدت به البشرية حيث أخرجها من ظلمات الشرك والجهل إلى نور التوحيد والعدل، ودفعًا للصبية الصغار وغيرهم من العامة إلى استشعار محبة صاحب هذه الرسالة والالتفاف حول دعوته، ولتذكير الجميع بها على أساس قوله تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} (الذاريات: 55).
الجواب:
قال الشيخ عطية سالم في تفسير سورة الإنسان من (تتمة أضواء البيان): «من المسلمين من يقول: نعلم أن المولد ليس سنة نبوية ولا طريقًا سلفيًا ولا عمل القرون المشهود لها بالخير، وإنما نريد مقابلة الفكرة بالفكرة والذكريات بالذكرى، لنجمع شباب المسلمين على سيرة سيد المرسلين.
وهنا يمكن أن يقال: إن كان المراد إحياء الذكرى لرسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن الله تعالى قد تولى ذلك بأوسع نطاق حيث قرن ذكره صلى الله عليه وآله وسلم مع ذكره تعالى في الشهادتين، مع كل أذان على كل منارة من كل مسجد، وفي كل إقامة لأداء صلاة، وفي كل تشهد في فرض أو نفل مما يزيد على الثلاثين مرة جهرًا وسرًا، جهرًا يملأ الأفق، وسرًا يملأ القلب والحس.
ثم تأتي الذكرى العملية في كل صغيرة وكبيرة في المأكل باليمين؛ لأنه السُنّة، وفي الملبس في التيامن لأنه السُنّة، وفي المضجع على الشق الأيمن لأنه السُنّة، وفي إفشاء السلام وفي كل حركات العبد وسكناته إذا راعى فيها أنها السُنّة عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وإن كان المراد التعبير عن المحبة، والمحبة هي عنوان الإيمان الحقيقي، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (1) فإن حقيقة المحبة طاعة من تحب، وفعل ما يحبه وترك ما لا يرضاه أو لا يحبه.
وإن كان المراد مقابلة فكرة بفكرة. فالواقع أنه لا مناسبة بين السببين ولا موجب للربط بين الجانبين لبعد ما بينهما، كبعد الحق عن الباطل والظلمة عن النور.
(1) رواه الإمام البخاري.
ومع ذلك، فإن كان ولا بد فلا مُوجِب للتقييد بزمن معين بل العام كله لإقامة الدراسات في السيرة وتعريف المسلمين الناشئة منهم والعوام وغيرهم بما تريده من دراسة للسيرة النبوية».
الشبهة الخامسة والعشرون:
شيخ الإسلام ابن تيمية استحسن الاحتفال بالمولد النبوي وقال: قد يثاب بعض الناس على فعل المولد.
الجواب:
1 -
هذا عين الكذب فشيخ الإسلام ابن تيمية ممن ينكر ذلك ويقول إنه بدعة وهذا نَصُّ كلامه رحمه الله: «أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال: إنها ليلة المولد، أو بعض ليالي شهر رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال: عيد الأبرار ـ فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها» (1).
(1) الفتاوى الكبرى (4/ 414) ط دار المعرفة، بيروت، تحقيق: الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي مصر الأسبق.
2 -
يتعلق أهل البدع بكلام له رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم، ويبترونه، وهذا نَصّ المقصود منه: «ما يحدثه بعض الناس، إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإما محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعظيمًا، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد ـ لا على البدع ـ من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيدًا، مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه لو كان خيرًا، ولو كان هذا خيرًا محضًا، أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمًا له منا، وهم على الخير أحرص.
وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته باطنًا وظاهرًا، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حُرَّاصًا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حُسن القصد، والاجتهاد الذي يُرجَى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول، عما أُمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من
يزخرف المسجد، ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلًا، وبمنزلة من يتخذ المسابيح والسجادات المزخرفة، وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع، ويصحبها من الرياء والكبر، والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها.
واعلم أن من الأعمال ما يكون فيه خير، لاشتماله على أنواع من المشروع، وفيه أيضًا شر، من بدعة وغيرها، فيكون ذلك العمل خيرًا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من أنواع المشروع وشرًّا بالنسبة إلى ما اشتمل عليه من الإعراض عن الدين بالكلية كحال المنافقين والفاسقين، وهذا قد ابتلى به أكثر الأمة في الأزمان المتأخرة، فعليك هنا بأدبين:
أحدهما: أن يكون حرصك على التمسك بالسنة باطنًا وظاهرًا، في خاصتك وخاصة من يطيعك. وأَعْرِف المعروف وأَنْكِر المنكر.
الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلا إلى شر منه، فلا تدعو إلى ترك منكر بفعل ما هو أنكر منه، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه، ولكن إذا كان في البدعة من الخير، فعوِّض
عنه من الخير المشروع بحسب الإمكان، إذ النفوس لا تترك شيئًا إلا بشيء، ولا ينبغي لأحد أن يترك خيرًا إلا إلى مثله أو إلى خير منه
…
فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعيظمه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قدمته لك أنه يحسُن مِن بعض الناس ما يُستَقْبَح مِن المؤمن المسدد، ولهذا قيل للامام أحمد عن بعض الأمراء إنه أنفق على مصحف ألف دينار ونحو ذلك فقال:«دَعْهُ فهذا أفضل ما أنفق فيه الذهب» ، أو كما قال مع أن مذهبه أن زخرفة المصاحف مكروهة.
وقد تأول بعض الأصحاب أنه أنفقها في تجديد الورق والخط، وليس مقصود أحمد هذا وإنما قصده أن هذا العمل فيه مصلحة وفيه أيضا مفسدة كره لأجلها، فهؤلاء إن لم يفعلوا هذا وإلا اعتاضوا الفساد الذي لا صلاح فيه، مثل أن ينفقها في كتاب من كتب الفجور ككتب الأسماء أو الأشعار أو حكمة فارس والروم.
فتفَطّنْ لحقيقةِ الدين وانْظُرْ ما اشتملتْ عليه الأفعال من المصالح الشرعية والمفاسد بحيث تعرف ما ينبغي من مراتب
المعروف ومراتب المنكر حتى تقدم أهمها عند المزاحمة، فإن هذا حقيقة العمل بما جاءت به الرسل.
فإن التمييز بين جنس المعروف وجنس المنكر وجنس الدليل وغير الدليل يتيسر كثيرًا، فأما مراتب المعروف والمنكر ومراتب الدليل بحيث تُقّدَّم عند التزاحم أعْرَفَ المعروفَيْن فتدعو إليه، وتنكر أَنْكَرَ المنكرَيْن، وترجح أقوى الدليلين فإنه هو خاصة العلماء بهذا الدين، فالمراتب ثلاث:
أحدها: العمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه.
والثانية: العمل الصالح من بعض وجوهه أو أكثرها إما لحسن القصد أو لاشتماله مع ذلك على أنواع من المشروع.
الثالثة: ما ليس فيه صلاح أصلًا إما لكونه تركًا للعمل مطلقًا أو لكونه عملًا فاسدًا محضًا.
فأما الأول فهو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باطنُها وظاهرُها، قولها وعملها، في الأمور العلمية والعملية مطلقًا، فهذا هو الذي يجب تَعَلّمُه وتعليمه والأمر به وفعله على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب.
والغالب على هذا الضرب (1) هو أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.
وأما المرتبة الثانية فهي كثيرة جدًا في طرق المتأخرين من المنتسبين إلى علم أو عبادة ومن العامة أيضًا، وهؤلاء خيرٌ ممَّنْ لا يعمل عملًا صالحًا مشروعًا ولا غير مشروع، أو من يكون عمله من جنس المحرم كالكفر والكذب والخيانة والجهل ويندرج في هذا أنواع كثيرة.
فمن تعبَّدَ ببعض هذه العبادات المشتملة على نوع من الكراهة كالوصال في الصيام وترك جنس الشهوات ونحو ذلك، أو قصد إحياء ليال لا خصوص لها كأول ليلة من رجب ونحو ذلك، قد يكون حاله خيرًا من حال البطال الذي ليس فيه حرصٌ على عبادة الله وطاعته.
النوع الثالث: ما هو معظم في الشريعة كيوم عاشوراء ويوم عرفة ويومي العيدين والعشر الأواخر من شهر رمضان والعشر الأول من ذي الحجة وليلة الجمعة ويومها والعشر الأول من المحرم ونحو ذلك من الأوقات الفاضلة.
(1) الضرب: النوع.
فهذا الضرب قد يحدث فيه ما يعتقد أن له فضيلة وتوابع ذلك ما يصير منكرًا ينهى عنه، مثل ما أحدث بعض أهل الأهواء (1) في يوم عاشوراء من التعطش والتحزن والتجمع وغير ذلك من الأمور المحدثة التي لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أحد من السلف، لا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا من غيرهم.
لكن لما أكرم الله فيه سبط نبيه (2) أحد سيدي شباب أهل الجنة وطائفة من أهل بيته بأيدي الفجرة الذين أهانهم الله، وكانت هذه مصيبة عند المسلمين يجب أن تتلقى به أمثالها من المصائب من الاسترجاع المشروع، فأحدث بعض أهل البدع في مثل هذا اليوم خلاف ما أمر الله به عند المصائب وضمُّوا إلى ذلك مِن الكذب والوقيعة في الصحابة البرآء من فتنة الحسين وغيرها أمورًا أخرى مما يكرهها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم» (3).
3 -
إن ما قاله دعاة الاحتفال بالمولد سببه سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته فكلامه رحمه الله إنما هو في حق من
(1) يقصد الشيعة.
(2)
أي الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم ص404 - 405.
فعله جاهلًا كما أشار إلى ذلك الشيخ ابن باز رحمه الله (1).
4 -
أما قول شيخ الإسلام: «وأكثر هؤلاء الذين تجدهم حُرَّاصًا على أمثال هذه البدع، مع ما لهم من حُسن القصد، والاجتهاد الذي يُرجَى لهم بهما المثوبة
…
»، فليس فيه إقرار المولد، ومن ينقل عنه من أهل البدع يبتر كلامه ولا ينقل ما قبله ولا ما بعده.
فقول شيخ الإسلام ليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئ عنه؛ ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل ـ أي الاحتفال بالمولد ـ يستقبح من المؤمن المسدد، وذكر أن اتخاذ المولد عيدًا لو كان خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا؛ لأنهم أشد محبة وتعظيمًا لرسول الله منا.
5 -
شيخ الإسلام صرح في أول تلك العبارة: بأن الداعي للاحتفال بالمولد النبوي قد يكون مضاهاة للنصارى في مولد عيسى عليه السلام، أي: فيكون غير مشروع لتلك المضاهاة.
وقد يكون الداعي إليه محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيثاب المحتفل في
(1) انظر مجموع فتاوى ابن باز (9/ 211 - 212).
هذه الحالة على محبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي دعته إلى ذلك الاحتفال، لا على بدعة الاحتفال.
6 -
كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ليس فيه إقرارٌ لبدعة المولد، بل كلامه عن فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فإنه فَرَّقَ في تلك العبارة بين مَن يعمل المولد ولا يتركه إلا إلى شر منه، وبين المؤمن المسدّد الذي ليس كذلك، فذكر أن الذي يعمل المولد ولا يتركه إلا إلى شر منه لا يُدعَى إلى تركه؛ لما يترتب على ذلك من ارتكاب ما هو شر منه، وأن المؤمن المسدّد يُسْتَقْبَح منه الاحتفال بالمولد ويجب عليه الحرص على التمسك بالسنة ظاهرًا وباطنًا في خاصته وخاصة من يطيعه.
7 -
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ما في المواسم المبتدعة ـ من موالد وغيرها ـ من مفاسد راجحة على ما فيها من المنفعة، فقال:
«منها ـ مع ما تقدم من المفسدة الاعتقادية والحالية ـ أن القلوب تستعذبها وتستغني بها عن كثير من السنن، حتى تجد كثيرًا من العامة يحافظ عليها ما لا يحافظ على التراويح والصلوات الخمس.
ومنها: أن الخاصة والعامة تنقص بسببها عنايتهم بالفرائض
والسنن وتفتر رغبتهم فيها، فتجد الرجل يجتهد فيها ويخلص وينيب ويفعل فيها ما لا يفعل في الفرائض والسنن، حتى كأنه يفعل هذه البدعة عبادة، ويفعل الفرائض والسنن عادة ووظيفة، وهذا عكس الدين، فيفوته بذلك ما في الفرائض والسنن من المغفرة والرحمة، والرقة والطهارة والخشوع، وإجابة الدعوة، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك من الفوائد، وإن لم يفته هذا كله فلا بد أن يفوته كماله.
ومنها: ما في ذلك من مصير المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وما يترتب على ذلك من جهالة أكثر الناس بدين المرسلين، وانتشار زرع الجاهلية.
ومنها: مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع وفوات سلوك الصراط المستقيم، وذلك أن النفس فيها نوع من الكبر فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع بحسب الإمكان، كما قال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله:«ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه» ، ثم هذا مظنة لغيره فينسلخ القلب عن حقيقة الاتباع للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويصير فيه من الكبر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه أو يكاد، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
ومنها: ما تقدم التنبيه عليه في أعياد أهل الكتاب من المفاسد التي توجد في كلا النوعين المحدثين: النوع الذي فيه مشابهة، والنوع الذي لا مشابهة فيه» (1).
الشبهة السادسة والعشرون:
بالنسبة للمولد النبوي: أنتم تقولون على أنه بدعة، ولكن البدعة تكون بالعبادة، وليست بالعادة وهذه قاعدة شرعية، وأما بالنسبة للذين يرقصون ويحدث عندهم اختلاط أو تبرج وسفور ومهرجانات، هذا حرام بلا شك.
ولكن إذا أحضر الشخص حلوى ووزعها على أهله فما المشكلة؟ وأيضًا إذا الشخص أخذ الاحتفال بالمولد النبوي عبادة فهذا لا يجوز، أما من أخذها عادة يعني الواحد تعوَّد على أنه ليلة المولد يوزع حلوى فما المشكلة فيها؟
ثم كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أي أن البدعة تؤدي إلى النار، فهل الفرح بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتمييز هذا اليوم عن غيره بالفرح لا بالعبادة يؤدي إلى جهنم والعياذ بالله!!! وأيضا إذا الشخص أنجبت زوجته يحضر حلوى بمناسبة
(1) اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (ص:291).
الفرح ويطعم الناس فكيف بذكرى ولادة أفضل الخلق سيدهم وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟!
الجواب:
1 -
الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس مجرد عادة، بل إنه أصبح عبادة عند كثير ممن يفعله، لأن الذين يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقصدون بذلك القربة، وإن الله تعالى لا يُتَقَرَّبُ إليه إلا بما شرع، وإن التعظيم الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هو في الوقوف عند ما جاء به وعدم الزيادة عليه أو الاستدراك على شريعته.
2 -
وبما أنهم يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنويًا فقد أصبح الاحتفال عندهم عيدًا، لأنه يعود ويتكرر كل عام، والأعياد من شعائر الإسلام وهي شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع وعدم الابتداع.
3 -
اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية وتعظيمه والتوسعة فيه في المأكل والمشرب وإظهار الزينة هو من البدع ومن الإحداث في الدين، وقد نهانا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم عن الابتداع والإحداث في الدين أشد النهي، وفاعل هذه البدعة غير مأجور على فعله بل مردود على صاحبه لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا
لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» وفي رواية «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» (رواه البخاري ومسلم). «فَهُوَ رَدٌّ» أي: أي مردود على صاحبه وغير مقبول منه.
4 -
الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس من شريعة الإسلام ولم يفعله الصحابة، لا من أهل البيت ولا من غيرهم، مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان ذلك خيرًا لسبقونا إليه فإنهم كانوا على الخير أحرص، وكانوا أشد محبة وتعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
5 -
قد كانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أيام متعددة، كيوم بدر والخندق وفتح مكة ويوم حنين ويوم هجرته ويوم دخوله المدينة ونحو ذلك، ثم لم يتخذ صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ لا من أهل بيته ولا من غيرهم ـ تلك الأيام أعيادًا، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون حوادث نبي الله عيسى عليه السلام مواسم وأعيادًا (1).
6 -
الشخص إذا أنجبت زوجته وأحضر حلوى بمناسبة الفرح وأطعم الناس هذه عادة وليست عبادة، أما إذا كررها كل
(1) بتصرف من فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف الدكتورعبد الله الفقيه، رقم الفتوى 62785.
عام في نفس الموعد فقد أدخلها في جملة الأعياد التي لا يجوز إحداث شيء منها إلا بدليل من القرآن أو السنة الصحيحة.
أما ذكرى ولادة أفضل الخلق سيدهم وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيكفينا فيها أن أصحابه رضي الله عنهم الذين هم أكثر الناس حبًّا له ومعرفةً لفضله لم يحتفلوا هذا الاحتفال المبتدع.
الشبهة السابعة والعشرون:
ليلة المولد أعظم من ليلة القدر لأن لولاها ما كانت هناك ليلة قدر.
الجواب:
هذا القول لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة، ولا نعلم أن أحدًا من الأئمة قال به، بل الثابت أن ليلة القدر هي خير ليالي العام لأن العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر، بل أكثر!!
ومن ادعى غير ذلك فليأتنا بالدليل (1).
(1) بتصرف من فتاوى موقع الشبكة الإسلامية، بإشراف الدكتورعبد الله الفقيه، رقم الفتوى 62785.
الشبهة الثامنة والعشرون:
إذا كان المولد النبوي الشريف بدعة محرّمة كسائر البدع؛ لم سكت عنها العلماء وتركوها حتى ذاعت وشاعت، وأصبحت كجزء من عقائد المسلمين، أليس من الواجب عليهم أن ينكروها قبل استفحال أمرها وتأصلها؟ ولمَ لمْ يفعلوا؟
الجواب:
لقد أنكر هذه البدعة العلماء من يوم ظهورها، وكتبوا في ردها الرسائل، ومن قدر له الإطلاع على كتاب المدخل لابن الحاج عرف ذلك وتحققه.
ومن بين الردود القيمة رسالة الشيح تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندري الفقيه المالكي، صاحب شرح الفاكهاني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، وله رسالة سماها (المورد في الكلام على المولد).
ومما قاله في مقدمة هذه الرسالة: «لا أعلم لهذا المولد أصلًا في كتاب ولاسنة، ولم يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها المبطلون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون» اهـ.
ولكن الأمم في عصور انحطاطها تضعف عن الاستجابة
لداعي الخير والإصلاح بقدر قوتها على الاستجابة لداعي الشر والفساد، لأن الجسم المريض يؤثر فيه أدنى أذى يصيبه، والجسم الصحيح لا يؤثر فيه إلا أكبر أذى وأقواه.
ومن الأمثلة المحسوسة أن الجدار الصحيح القوي تعجز عن هدمه المعاول والفؤوس، والجدار المتداعي للسقوط يسقط بهبة ريح أو ركلة رجل؛ ولذا فلا يدل بقاء هذه البدعة وتأصلها في المجتمع الإسلامي على عدم إنكار العلماء لها.
الشبهة التاسعة والعشرون:
لماذا صار الاحتفال بالمولد بدعة؛ لأنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن تنقيط المصحف أيضا لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن بدعة؟
الجواب:
بدعة الاحتفال بالمولد النبوي، محدثة على غير هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما تنقيط المصحف فوسيلة لتعليم القراءة الصحيحة، ولم تُفْعل في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم لعدم الحاجة إليها، وليس لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تركها قاصدا ذلك، تعبدا لله تعالى بتركها كما فعل صلى الله عليه وآله وسلم في تَرْكِه الاحتفال بيوم مولده.
اقرأ (محمد) اقرأ (محمد) اقرأ (محمد)