الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
122
- ((لَا يَصلُحُ - يَعني المَسجِدَ - لِجُنُبٍ، وَلَا لِحَائضٍ، إلَاّ لِلنَّبي، وَلأَزواجِهِ. وَعَليٍّ، وَفَاطِمَةَ بِنتِ مُحَمدٍ)) . (1)
(1) 122- منكر.
أخرجه ابن أبي حاتم في (العلل)(1/ 99/ 269) قال: ((سمعت أبا زرعة، وذكر حديثا حدثنا به، عن أبي نعيم، عن ابن أبي غنية، عن أبي الخطاب، عن محدوج الذهلي، عن جسرة، قالت: أخبرتني أم سلمة، قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى صرحة هذا المسجد [فقال] : ((لا يصلح.... الحديث) .
وأخرجه الطبراني في ((الكبير)) (ج 23/ رقم 883) حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم بسنده سواء، وزاد في آخره:((.... ألا بينت لكم أن تظلوا)) .
وعند البيهقي (7/ 65) : ((
…
ألا قد بينت لكم الأسماء أن لا تظلوا)) .
قلت: وهو منكر بهذا السياق.
وقد أخرجه ابن ماجة (645) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ومحمد بن يحيى، قالا: ثنا أبو نعيم بسنده سواء، لكنه لم يذكر قوله ((إلا للنبي، ولأزواجه.... الخ) .
قلت: وسنده ضعيف جداً، وفيه علل ثلاثة، بل أربعة:
الأولى والثانية: جهالة أبي الخطاب ومحدوج.
الثالثة: ضعف جسرة بنت دجاجة كما يأتي.
الرابعة: الاختلاف في سنده على جسرة.
…
=
=فقد رواه أفلت بن خليفة، قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة، قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها، تقول:((جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد) . ثم دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يصنع شيئاً، رجاء أن تنْزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعد، فقال:((وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فأني لا أحل المسجد لحائظ ولا جنب)) .
أخرجه أبو داود (232) ، والبخاري في ((الكبير)) (1/ 2/67) ، وابن خزيمة (1327) ، والدولابي في (الكنى)(1/ 150- 151)، والبيهقي (2/ 442- 443) من طرق عن أفلت بن خليفة به وزاده الولابي والبيهقي: ((
…
إلا لمحمد، وآل محمد)) وهو عند البخاري.
قلت: ووجه الاختلاف أنه نقل الحديث من مسند أم سلمة إلى مسند ((عائشة)) رضي الله عنهما. ورجح أبو زرعة حديث عائشة.
قال ابن حزم في ((المحلى)) (2/ 186) : ((أما أفلت، فغير مشهور ولا معروف بالثقة)) .
وقال الخطابي في (المعالم)(1/ 78) : ((
…
وكان أحمد بن حنبل وجماعة من أهل الظاهر يجيزون للجنب دخول المسجد، إلا أن أحمد كان يستحب له أن يتوضأ، إذا أراد دخول المسجد، وضعفوا هذا الحديث، وقالوا: أفلت، راوية: مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه)) .
وقال البغوي في ((شرح السنة)) (2/ 46) : (.. وجوز أحمد والمزي المكث فيه، وضعف أحمد الحديث؛ لأن راوية هو أفلت بن خليفة: مجهول) . أ. هـ.
قال الشوكاني في (النيل)(1/270) : ((وليس ذلك بسديد، فإن أفلت وثقه ابن حبان. وقال أبو حاتم شيخ. وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به. وروى عن سفيان الثوري وعبد الواحد بن زياد. وقال في (الكاشف) : ((صدوق)) . وقال في ((البدر المنير)) : (بل هو مشهور ثقة) . أ. هـ
قال الحافظ في ((التلخيص (1/140) : ((وأما قول ابن الرفعه في أواخر شروط الصلاة بأنه متروك، فمردود، لأنه لم يقله أحد من أئمة الحديث)) .
وأما جسرة بنت دجاجة فقد قال البخاري في ((التاريخ)) : ((عند جسرة عجائب)) !!
فقال ابن القطان - كما في ((نصب الراية)) (1/194) : ((وقول البخاري لا يكفي في إسقاط ما روت)) .
قال الحافظ في ((التهذيب)) بعد ما ذكر من الكلام ابن القطان: ((كأنه يعرض بابن حزم، لأنه زعم أن حديثها باطل)) .
قلت: لا يظهر لي ما فهمه الحافظ رحمة الله من مقالة ابن القطان، لأن ابن حزم عند نقده لطرق الحديث ((المحلى)) لم يذكر شيئاً عن جسرة، وإنما أسقط حديثها بسبب آخر في السند إليها. فظاهر كلام ابن القطان يتوجه إلى الرد على مقالة البخاري. والله أعلم.
…
=
=قال الشوكاني في ((النيل)) : ((قال ابن القطان: وقول البخاري في جسره: ((إن عندها عجائب)) لا يكفي أخبارها. وقال العجلي: تابعية ثقة. وذكرها ابن حبان في الثقات. وقد حسن ابن القطان حديث جسرة هذا عن عائشة، وصححه ابن خزيمة. قال ابن سيد الناس: ولعمري إن التحسين لأقل مراتبه؛ لثقة رواته، ووجود الشواهد من الخارج
…
)) . أهـ.
وقال أيضا في ((السيل الجرار)) (1/ 109) : ((هو حديث صحيح)) !!
قلت: وهو تجاوز بلا شك، والجواب من وجوده.
الأول: أن رد ابن القطان لمقالة البخاري ضعيف وذلك أننا إن سلمنا أن جسرة لها ((أخبار)) فان الحجة لاتقوم بحديثها إلا بالشواهد وهذا ما فهمه الحافظ ابن حجر، حيث قال في ((التقريب)) :((مقبولة)) . يعني عند المتابعة.
أما حديث الباب، فأين الشواهد المجدية التي يدعيها الشوكاني ومن سبقه كابن سيد الناس؟!!
فكل الشواهد التي وقفت عليها - ولم يأت الشوكاني بزيادة عليها - ضعيفة لا تصلح للاعتبار.
ولئن سلمنا جدلا أنها تصلح في تقوية حديث جسرة، فهي إنما تتعلق بالجنب فقط، ولم يأت شيء ثابت في حق الحائض.
الثاني: أن العجلي متساهل في التوثيق.
الثالث: أن ذكر ابن حبان لها في الثقات لا ينفعها أيضا؛ لتساهله المشهور. بيد أن لي نظرا في التفريق بَينَ قولنا: ((ذكرها ابن حبان في الثقات)) ، وَبَينَ أن ينص ابن حبان على ثقتها ذَلكَ أن ابن حبان إن صرح بأن راويا ما ((ثقة)) ، فَهَذَا يدلك على أنه وقف على مروياته، وسبرها، فظهر لَهُ أنه مستقيم الحديث، بخلاف ما لو ذكر الراوي في ((الثقات)) ولم ينعته بشيء، فَهَذَا يدل ? لاسيما في المقلين ? على أنه لا يعرف عن روايته كبير شيء، وإنما ذكره بناء على قاعدته التي ذكرها في ((الثقات)) ، فَقَالَ:
((العدل من لم يعرف فيه الجرح، إذ التجريح ضد التعديل، فمن لم يجرح فهو عدل حتى يتبين جرحه، إذ لم يكلف الناس ما غاب عنهم)) أهـ.
ولذلك ترى ابن حبان في مواضع يذكر الراوي ويقول: ((لا أدري من هو، ولا من أبوه)) !!
فحاصل البحث أن مجرد ذكر ابن حبان للراوي في الثقات، لا يساوي أنه قال فيه:((ثقة)) نصاً.
وهذا التفريق لم أر أحداً نبه عليه، فأن يكن صواباً فهو من الله عز وجل، وإن كان غير ذلك فمنا وأستغفر الله منه.
الثالث: أن البخار قال عن الحديث: ((لا يصح)) .
وقال عبد الحق الأشبيلي: ((لا يثبت)) .
وقد تقدم أن الإمام أحمد ضعف الحديث، ويفهم من قول الخطابي أن آخرين ضعفوا.
وقد أعترف بذلك النووي رحمه الله في ((المجموع)) .
…
=
=ومما يدلل على ضعف الحديث ما أخرجه البخاري (1/ 533- 534 فتح) ومن طريقه ابن حزم في ((المحلى)) (2/ 186) عن عائشة أم المؤمنين أن وليدة سوداء كانت لحيٍّ من العرب فأعتقوها. فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلمت. فكان لها خباء في المسجد أو حفش)) والسياق عند البخاري مطول وفيه قصة.
قال ابن حزم: ((فهذه امرأة ساكنة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمعهود من النساء الحيض فما منعها عليه السلام من ذلك، ولا نهى عنه. وكل ما لم ينه عليه السلام عنه فمباح، وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله ((جعلت لي الأرض مسجداً)) ولا خلاف في أن الحائض والجنب مباح لهما جميع الأرض، وهي مسجد فلا يجوز أن يخص بالمنع من بعض المساجد دون بعض
…
)) .
قلت: وأول كلام ابن حزم لا غبار عليه، وقد تأيد بقول الحافظ في ((الفتح)) (1/ 535) وهو يعدد فوائد الحديث قال:((وفيه إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجل كان أو أمرأة عند أمن الفتنة)) أ. هـ.
أما باقي كلام ابن حزم ففيه نظر من وجهين:
الأول: قوله: ((
…
وجميع الأرض مسجد)) كان وينبغي عليه أن يستثني المقبرة والحمام ومعاطن الإبل ونحوها من الأماكن التي نهي الشارع عن الصلاة فيها.
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام)) .
أخرجه أبو داود (492) ، والترمذي (317) ، وابن ماجة (745) ، والد ارمي (1/ 323) ، وأحمد (3/ 83، 96) ، وأبو يعلى (ج 2/ رقم 1350) ، وابن خزيمة (2/ 7 / 791، 792) ، وابن حبان (338) ، والحاكم (1/ 251) ، وابن حزم في ((المحلى)) (4/ 27) ، والشافعي في ((المسند)) (165- بدائع) ، والبيهقي (2/ 434، 435) ، والبغوي في ((شرح السنة)) (2/ 409) من طريق عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به.
قالت الترمذي: ((هذا حديث فيه إضطراب)) .
ورجح الدارقطني أنه مرسل ومن قبله الترمذي.
أما الحاكم فقال: ((صحيح على شرط البخاري ومسلم)) ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ في ((الفتح)) (1/ 529) : ((رجاله ثقات لكن اختلف في وصله وإرساله، وحكم في ذلك بصحته - الحاكم وابن حبان)) .
قلت: والراجح صحة الحديث، وانظر في بحث الشيخ أبي الأشبال رحمه الله تعالى على ((الترمذي)) . ولذالك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ((الاقتضاء)) (ص 232) :((أسانديه جيدة، ومن تكلم فيه ما استوفى طرقه)) .
…
=
=ويشهد له حديث جندب بن عبد الله البجلي مرفوعاً وفيه: ((.... فلا تتخذو القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك)) .
أخرجه مسلم وأبو عوانه (1/ 401) وغيرهما.
وقد ثبت الحديث في النهي عن الصلاة في معاطن الإبل، وقد خرجته في ((غوث المكدود)) (رقم 26) .
الثاني: أن جعل ابن حزم الأرض كلها لها حكم المسجد لا يخفي فساده. فإنه يباح التغوط في الأرض إلا فيما نهى عنه، وكذا إنشاد الظالة، والبيع والشراء وغير ذلك، وكل هذا لا يحل في المسجد. وأيضاً فإن الاعتكاف لا يجوز أن يكون في الطريق مثلاً، لا بد أن يكون في المسجد.... الخ والله أعلم.
ثم قال ابن حزم (2/ 187) : ((ولو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض، لأخبر بذلك عليه السلام عائشة إذا حاضت فلم ينهها عن الطواف في البيت فقط. ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد، فلا ينهها عليه السلام عن ذلك، ويقتصر على منعها من الطواف. وهذا قول المزني وداود وغيرهما)) أ. هـ.
وحاصل البحث أن الحديث ليس بصحيح، فلا يجوز أن نتبنى منه حكماً شرعياً. ولم أجد حديثاً صحيحاً يمنع الحائض أن تدخل المسجد، فيمكن أن نبني على البراءة الأصلية، وهي تقضي بالجواز. فيجوز للحائض حضور درس العلم ونحوه. والله أعلم.