المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: التعريف بالكتاب - النبوات لابن تيمية - جـ ١

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌الباب الأول

- ‌المبحث الأول: مدخل لدراسة موضوع الكتاب وما ألف فيه

- ‌المطلب الأول: حقيقة النبوة

- ‌المطلب الثاني: الحكمة من بعث الرسل

- ‌المطلب الثالث: وظائف الرسل

- ‌المطلب الرابع: أقوال الناس في النبوة:

- ‌المطلب الخامس: الإيمان بالأنبياء من أركان الإيمان:

- ‌المطلب السادس: الإسلام دين جميع الأنبياء:

- ‌المطلب السابع: المعجزات:

- ‌المطلب الثامن: ما أُلِّف في النبوات:

-

- ‌المبحث الثاني: التعريف بالمؤلِّف

- ‌المطلب الأول: حياة المؤلف الشخصية:

- ‌المطلب الثاني: حياة المؤلف العلمية

- ‌المبحث الثالث: دراسة الكتاب

- ‌المطلب الأول: التعريف بالكتاب

- ‌المطلب الثاني: التعريف بالأصل المخطوط

- ‌الباب الثاني: قسم التحقيق

- ‌فصل في معجزات الأنبياء التي هي آياتهم وبراهينهم

- ‌فصل في آيات الأنبياء وبراهينهم

- ‌فصل في أن الرسول لا بُدّ أن يبيّن أصول الدين

- ‌فصل عدل الله وحكمته وتعليل أفعاله

- ‌فصل طريقة الأشاعرة في إثبات المعجزات

- ‌فصل تعريف المعجزة عند الأشاعرة

- ‌فصل قول الأشاعرة في المعجزات

- ‌فصل كلام الباقلاني في المعجزات ومناقشة شيخ الإسلام له

- ‌فصل الفروق بين آيات الأنبياء وغيرها

- ‌فصل ما يخالف الكتاب والسنة فهو باطل

الفصل: ‌المطلب الأول: التعريف بالكتاب

‌المبحث الثالث: دراسة الكتاب

‌المطلب الأول: التعريف بالكتاب

المطلب الأول: التعريف بالكتاب.

كتاب ("النبوات)) يبحث في طرق إثبات النبوة، والمعجزة، والكرامة، والفرق بينها وبين خوارق العادات، وفق معتقد أهل السنة والجماعة.

وفيه ردّ على المخالفين في هذا الباب؛ من أشعرية، ومعتزلة، وفلاسفة، مع ذكر مذاهبهم، وبيان أدلتهم.

وقد فصّل شيخ الإسلام رحمه الله فيه القول، وأطال النفس:

فَعَرَضَ أقوال الأشاعرة بالتفصيل، وردّ عليها.

واهتمّ حين عَرْضِه لأقوال الأشاعرة، بأقوال الشخصية الثانية في المذهب الأشعري، ألا وهو القاضي أبو بكر الباقلاني، حيث انتقده في كتابه ((البيان)) ، وردّ على أقواله، وناقشها، ومحّصها، وبيَّن مجانبتها للصواب، وكرَّ على ما بُنيت عليه هذه الأقوال من قواعد فنسفها نسفاً، ووضّح لازمها، والنتيجة التي تفضي إليها، محذّراً بذلك منها ومن اعتقادها.

وكتاب ((النبوات)) لم يقتصر على مباحث النبوات، والفروق بين المعجزة والكرامة، وبين ما يظهر على أيدي السحرة والكهان وأمثالهم من خوارق. بل كما هي عادة شيخ الإسلام رحمه الله، كان يردّ على الخصوم،

ص: 83

ويُبيِّن المضائق والمزالق التي أودت بهم إليها أقوالهم الباطلة، ويوضّح المآزق التي أوقعتهم بها أصولهم الهابطة النازلة.

ومن طريقته رحمه الله ومنهجه: أنه إذا تعرض لنقد قول ما، أو ناقش مسألة ما، فإنه لا يردّ عليها مباشرة، وإنّما يُنقّب عن الأصول التي قامت عليها، والأسس التي صدرت عنها.

وقد نبّه شيخ الإسلام رحمه الله إلى أنّ أقوال أهل البدع التي التزموها، وخالفوا فيها الرسول، سببها ما أصلوه من أصول عقلية قياسيّة مخالفة لأصول الرسول.

فكان هدم هذه الأصول هو غايته، ودكّها وما بني عليها من أقوال ومسائل منتهى أُمنيّته.

لذلك نراه يُجهز عليها، ويُدفّف عليها، ويُرسل عليها سهاماً صدرت عن بحر علمه الزاخر، فلا تقف في مواجهته، وينقلب أصحابها ما بين خائب وخاسر.

ويورد عليها من الأدلة ما يكون سبباً في إبطالها، وبيان مجانبتها للصواب، ومخالفتها لأقوال السلف الصالح، ومجانبتها لفهوم ذوي الألباب.

ومن المسائل التي تعرّض لها الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب: مسألة أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قد بيَّن أصول الدين، وأنّ الأدلة العقلية الصريحة لا تُعارض الأدلة النقلية الصحيحة.

وقد انتقد الشيخ رحمه الله أصول المبتدعة الشهيرة، التي اتفقوا عليها؛ مثل دليل الأعراض وحدوث الأجسام، وبيَّن أنّها لا وزن لها في ميزان الشرع، بل هي تافهة حقيرة.

وتكلّم عن أقوالهم في بقاء المادة، وردّ على من يقول بعدم فنائها.

ص: 84

وتناول طرق الناس في التمييز بين خوارق العادات، وناقش موقف كلّ فرقة من هذه الخوارق من حيث النفي والإثبات.

وتكلم عن محبة الله - تعالى، وموقف الناس منها من جافى في إثباتها أو غالى.

وكذلك الاستدلال بحكمة الله وإرادته على النبوة، والاستدلال بسنته - تعالى - وعادته على ذلك، وردّ رحمه الله على من نفى ذلك فأقحم نفسه في المهالك.

وتكلّم عن غنى الله، وردّ على المتكلمين والفلاسفة الذين خالفوا أهل السنة والجماعة في ذلك.

وتكلّم عن العدالة الإلهية، وردّ على من يقول بتعذيب أهل الصلاح، وتنعيم أهل الظلم ردوداً واضحة جليّة.

وغير ذلك من المباحث المهمة الطريفة الجامعة، التي تناولها الشيخ رحمه الله في ثنايا هذا الكتاب ذي البحوث والمسائل النافعة.

المسألة الأولى: تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته إلى مؤلفه، وتاريخ تأليفه:

أولاً: تحقيق اسم الكتاب:

الاسم الذي على النسخة المخطوطة هو: ("الكلام على النبوات والمعجزات)) .

وقد ذكر الشيخ ابن عبد الهادي رحمه الله مؤلفات شيخه شيخ الإسلام رحمه الله، وعدّ منها: "قاعدة في تقرير النبوات بالعقل والنقل)) 1.

1 العقود الدرية ص 66.

ص: 85

وحين ذكر كلّ من الصفدي، وابن شاكر الكتبي، والآلوسي مؤلفات شيخ الإسلام رحمه الله عدّوا منها كتاب:"ثبوت النبوات عقلاً ونقلاً والمعجزات والكرامات") 1.

وكتاب ((النبوات)) الذي بين أيدينا يتحدّث عن طرق ثبوت النبوة، والفرق بين خوارق العادات عقلاً ونقلاً، فهو المقصود - من غير شك - بهذا الاسم.

ولكنّي أميل إلى إبقاء اسمه ((النبوات)) لعدة أمور، منها:

(1)

أنّ اسم ((النبوات)) ، تدخل فيه المعجزة والكرامة؛ إذ النبوة أصل، والمعجزة فرع عنها.

(2)

لا شك أنّ اسم ((النبوات)) جزء من العنوان، وأنّه اختصر من ذاك العنوان الطويل:((الكلام على النبوات والمعجزات)) ، أو ((قاعدة في تقرير النبوات بالعقل والنقل)) ، أو ((ثبوت النبوات عقلاً ونقلاً والمعجزات والكرامات)) ؛ إذ جرت العادة في اختصار الأسماء الطويلة، لأجل الحفظ، وسهولة النطق.

والأمثلة كثيرة عن اختصار أسماء الكتب الطويلة.

(3)

من عادة شيخ الإسلام المعروفة في بعض كتبه أنّه لا يُسمّيها، وإن سمّاها، فليس لها اسم ثابت؛ إذ قد تختلف هذه الأسماء حتى في كلام مؤلفها؛ كما حدث في الجواب الصحيح، ودرء التعارض، والتدمرية، ونقض المنطق، ونحوها ممّا ليس هذا محلّ بسطه.

1 انظر: الوافي بالوفيات للصفدي 7/25. وفوات الوفيات للكتبي 1/76-77. وجلاء العينين للآلوسي ص 8.

ص: 86

(4)

أنّ بعض رسائل شيخ الإسلام رحمه الله ليس لها اسم أُطلق عليها من قِبَله، ومن ذلك رسائله التي كانت إجابات على أسئلة ترد عليه من أمصار المسلمين؛ إذ كانت تُسمّى بحسب البلدة التي ينتمي إليها السائل، أو أنّ تلاميذ شيخ الإسلام كانوا يُسمّونها باسم معيّن.

(5)

قد توافق كلّ من طبع هذا الكتاب على تسميته باسم ((النبوات)) . وهو ما اشتهر بين الناس أيضاً.

فالذي أُرجّحه - والله أعلم - إبقاء عنوان الكتاب على ما عُرف به: ((النبوات)) فقط؛ إذ هذا الاسم في صميم الموضوع، وقد تعارف طلبة العلم على إطلاقه، وانتشر بينهم بهذا الاسم.

ولا محذور في إبقائه على هذا الاسم - إن شاء الله، ولو غُيِّر لالتبس على الناس، إذ قد يُظنّ أنه كتاب آخر غير كتاب ((النبوات)) المعروف. والله أعلم.

ثانياً: توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

هذا الكتاب هو كتاب شيخ الإسلام رحمه الله من غير شكّ، ونسبته إليه قطعية بدلائل يقينيّة. منها:

(1)

الكتاب لم يُنسب إلى غير شيخ الإسلام.

بل قد صُرّح في أول نسخه المخطوطة باسم مؤلفه، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ووضع اسمه على الغلاف كذلك.

(2)

إنّ شيخ الإسلام رحمه الله أشار في هذا الكتاب إلى كثير من كتبه المشهورة المعروفة.

وهذا لا يترك محلاً للشكّ في أنّه هو المؤلف له - رحمه الله تعالى.

(3)

أنّ المستقرئ للكتاب يُدرك أنّ هذا الكتاب هو كتاب شيخ الإسلام رحمه الله؛ فالأسلوب هو أسلوبه من حيث العرض، والردّ على المخالفين في أصولهم ومذاهبهم وأقوالهم، والاستطراد في بعض المسائل.

ص: 87

(4)

أنّ من ترجم لشيخ الإسلام رحمه الله من تلاميذه ذكر هذا الكتاب: كتاب النبوات والمعجزات ضمن مؤلفاته. وهكذا فالكتاب هو كتاب شيخ الإسلام رحمه الله إذ عليه نور النبوة الذي هو سمة كتبه الأخرى.

ثالثاً: تاريخ تأليف الكتاب:

بعد استقراء هذا الكتاب، ومقارنته بكتب شيخ الإسلام الأخرى، اتضح لي أنّ كتاب النبوات من أواخر ما كتب شيخ الإسلام رحمه الله.

وربّما لو قلتُ بأنّه ألّفه في سجنه الأخير، لما كنت مجانباً للصواب، أو مصادماً للحقيقة.

وعلى كلّ حال: هو أمرٌ تبيّن لي من خلال الاستقراء، ولا دليل ثابت عليه، فهو لا يعدو كونه مجرّد احتمال.

وقد ذكر ابن عبد الهادي أنّ شيخ الإسلام لبث مقيماً بسجن القلعة سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، ثم توفي إلى - رحمة الله ورضوانه - وما برح في هذه المدة مكباً على العبادة والتلاوة وتصنيف الكتب في الردّ على المخالفين، وأنّ أكثر كتبه كتبها وهو في السجن1.

وذكر ابن عبد الهادي أيضاً أنّ مؤلفاته كانت على ثلاثة أنواع؛ نوع أكمله وبيَّضه، ثم كُتب عنه. ونوع أكمله ولم يُبيِّضه. وجملة كثيرة من كتبه لم يُكملها2.

والناظر في كتاب النبوات يرى أنّ شيخ الإسلام رحمه الله ذكر فيه كثيراً من المباحث العقديّة، والجزئيات الأصولية؛ فهو كالفهرس لكتبه الأخرى، فيه خلاصة ما كتبه رحمه الله في كتبه السابقة.

1 انظر: العقود الدرية ص 361.

2 انظر: المصدر نفسه ص 373.

ص: 88

وكذا يُلاحظ عدم ترتيب معلومات الكتاب، ممّا يُرشد إلى أنّه من النوع الثاني من كتب شيخ الإسلام؛ وهي الكتب التي أكملها، ولم يُبيّضها.

والأمر المهمّ هو أنّ شيخ الإسلام رحمه الله ذَكَر في كتاب ((النبوات)) أهمّ وأشهر كتبه، ممّا يدلّ على أنّها متقدّمة على هذا الكتاب في التأليف.

ومن الكتب التي ذكرها، والتي سأحاول - قدر المستطاع - أن أذكرها مرتبة وفق تسلسل تأليفها الزمني:

1-

((بغية المرتاد)) ، أو ("السبعينية") . ألّفها في الاسكندرية1.

2-

((شرح الأصفهانية)) . ألّفه في مصر2.

3-

((بيان تلبيس الجهمية)) . ألّفه في مصر3.

4-

((درء تعارض العقل والنقل)) . ألّفه بعد رجوعه إلى الشام. وقد رجح الدكتور محمد رشاد سالم أنّه ألّفه بين سنتي 713-717هـ لأسباب ذكرها4.

5-

((منهاج السنة النبوية)) . ألّفه في الشام؛ لأنه صرح فيه بذكر ((درء تعارض العقل والنقل)) أكثر من مرة5.

6-

((كتاب الصفدية)) . ألّفه بالشام؛ فقد صرّح فيه بذكر ((درء تعارض العقل والنقل)) 6.

1 انظر: النبوات ص 467. والصفدية 1/302. والرد على المنطقيين ص 3.

2 انظر: النبوات ص 777. والرد على المنطقيين ص 254. وذيل طبقات الحنابلة 1/403.

3 انظر: النبوات ص 774. وذيل طبقات الحنابلة 1/403.

4 انظر: مقدمة تحقيق درء تعارض العقل والنقل 1/8-10. وانظر: النبوات ص 773. والرد على المنطقيين ص 253.

5 انظر: مقدمة تحقيق منهاج السنة النبوية 1/88.

6انظر: كتاب الصفدية 2/42، 326.

ص: 89

7-

((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) . ألّفه في دمشق؛ لأنّه صرّح فيه بذكر كتابه ((منهاج السنة النبوية)) 1، وكتابه ((درء تعارض العقل والنقل)) 2.

8-

((الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح)) . وهو آخر هذه الكتب؛ فقد صرح فيه بذكر ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) 3.

وقد ذكر شيخ الإسلام هذا الكتاب في ((النبوات)) 4؛ مما يُرشد إلى أنّ كتاب النبوات متأخّر عنه.

9-

((الردّ على المنطقيين)) . ألّفه بعد ((الجواب الصحيح)) ؛ فقد صرح فيه بذكر ("الجواب الصحيح)) 5، وذكر فيه ((الصفدية)) 6.

وقد جزم د/ عبد الرحمن الفريوائي أنّ شيخ الإسلام رحمه الله ألّف هذا الكتاب - ((الردّ على المنطقيين)) - قبل تأليف كتابه ((درء تعارض العقل والنقل)) 7.

وهذا غير صحيح، بل صرّح شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه الردّ على المنطقيين بذكر كتابه درء تعارض العقل والنقل في مواضع8.

1 انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص 189.

2 انظر: المصدر نفسه ص 199.

3 انظر: الجواب الصحيح 3/349.

4 انظر: النبوات ص 777-778.

5 انظر: الرد على المنطقيين ص 254.

6 انظر: المصدر نفسه ص 278، 301، 314، 460.

7 انظر: شيخ الإسلام وجهوده في الحديث وعلومه للفريوائي 1/37.

8 انظر: الرد على المنطقيين ص 53، 324، 373.

ص: 90

وهذا دليلٌ واضح على أنّ كتاب الردّ على المنطقيين متأخّرٌ عن درء تعارض العقل والنقل في التأليف

وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنّه ألّف ("الردّ على المنطقيين)) في الربوة بدمشق1.

وقال فيه: (وكذلك بيَّنّا طرق الناس في إثبات العلم بالنبوات في شرح الأصفهانية، وكتاب الردّ على النصارى، وغيرها" 2.

ولو كان شيخ الإسلام رحمه الله قد ألّف كتاب ((النبوات)) ، لنوّه بذكره؛ إذ هو في صميم الموضوع.

ومن الكتب التي ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في ((النبوات)) :

تفسير سورة الإخلاص3.

مسألة القادر المختار4.

مسألة العدل والظلم5.

مسألة القدرة والإرادة6.

وبعد هذا العرض الموجز لأشهر مؤلفات الشيخ، تبيَّن لنا بالدلائل القطعيّة أنّ كتاب ((النبوات)) ممّا أُلِّف في الشام، وأنّه من آخر ما ألّف.

وقد ضمّنه رحمه الله خلاصة آرائه، وأفكاره، واجتهاداته.

1 انظر: المصدر نفسه ص 184.

2 المصدر نفسه ص 184-185.

3 انظر: النبوات ص 215.

4 انظر: النبوات ص 1113.

5 انظر: النبوات ص 1113.

6 انظر: النبوات ص 750.

ص: 91

ومن هنا تأتي أهميته العلمية، ومكانته في التعرّف على أقوال شيخ الإسلام رحمه الله الأخيرة.

لذلك: إن أتت أقوال للشيخ رحمه الله تتعارض مع ما في ((النبوات)) ، فالمعتبر ما في كتاب ((النبوات؛ إذ هو خلاصة أفكاره، وخاتمة أقواله، وناسخٌ لما تقدّم من آرائه.

فعلى سبيل المثال: ما يتعلّق بحياة الخضر عليه السلام: نجد شيخ الإسلام في الفتاوى قد رجح حياة الخضر، ونافح عن ذلك بشدة، وانتقد من يقول بموته. وهذا في ((مجموع الفتاوى)) 1.

أما في كتابه ((النبوات)) : فالأمر بخلاف ذلك؛ إذ مال إلى الرأي القائل بموته، وصرّح بأنّ الشيطان يتمثّل في صورة إنسيّ، ويقول إنه الخضر2.

وكذلك مسألة: هل آدم أُهبط من جنة التكليف التي في السماء؟ أم من جنّةٍ في الأرض؟ .

نجده في ((مجموع الفتاوى)) يذكر أنّ في المسألة قولاً واحداً لأهل السنّة، وهو أنّها جنّة الخلد. ويذكر أنّ من قال إنّها جنّة في الأرض، فهو من المتفلسفة الملحدين، أو من إخوانهم المتكلمين المبتدعين3.

أما في ((النبوات)) : فقد جعل في المسألة قولين، أصحّهما أنّ جنّة آدم كانت جنّة التكليف، ولم تكن في السماء4.

هذه الأمور، وأمثالها تجعلنا نجزم أنّ كتاب ((النبوات)) هو خلاصة

1 انظر: مجموع الفتاوى 4/338.

2 انظر: النبوات ص 1290-1294.

3 انظر: مجموع الفتاوى 4/347-349.

4 انظر: النبوات ص 846.

ص: 92

أقوال شيخ الإسلام رحمه الله، وأوثق آرائه، وزبدة أفكاره التي استقرّ عليها.

هل الكتاب ناقص، أم لا؟

أشار بعض الباحثين إلى أنّ كتاب ((النبوات)) ناقص، ولم يذكروا دليلاً على ذلك.

ومن هؤلاء: د/ محمد رشاد سالم رحمه الله في كتابه: ((مقارنة بين الغزالي وابن تيمية)) .

قال رحمه الله وهو يتكلم عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد خصّص كتابين من كتبه للنبوة؛

1-

أولهما وأهمهما: كتاب ((الصفدية)) . وقد كتبه للرد على من زعم أن معجزات الأنبياء قوى نفسانية.

2-

والثاني: كتاب ((النبوات)) . ويهتم فيه ابن تيمية بالرد على آراء المتكلمين في مسألة النبوة. وأُرجّح أنّ قسماً لا يُستهان به من الكتاب مفقود"1.

وممّن قال بنقصه، ولم يورد دليلاً على ذلك: د/ عبد الرحمن المحمود، الذي قال وهو يستعرض مؤلفات شيخ الإسلام رحمه الله: (النبوات. وهو في الردّ على الأشاعرة، ومنهم الباقلاني في مسألة معجزات الأنبياء والفرق بينها وبين الكرامات والخوارق الشيطانية. وهو مطبوع، لكن فيه نقص. ولعلّ الله أن ييسر مخطوطات هذا الكتاب ليحقق ويُخرج بشكل جيد"2.

وأقول: لا أدري ما هي الأدلة التي استندوا إليها، فخلصوا إلى هذا الرأي، ولا ما هي الأسس التي بنوا عليها، فرجحوا نقصان الكتاب؟

1 مقارنة بين الغزالي وابن تيمية ص 76.

2 موقف ابن تيمية من الأشاعرة 1/201.

ص: 93

ولعلّ الذي دفعهم إلى هذا القول نظرهم إلى أول الكتاب، وملاحظتهم خلوّه من خطبة أو استفتاح، الأمر الذي يُخالف عادة المؤلفين.

ويُردّ عليهم:

1-

أنّ ذكر الخطبة، أو الاستفتاح ليس عادة مطردة لشيخ الإسلام رحمه الله؛ إذ يوجد من مؤلفات الشيخ ما هو خال من ذلك، ويبدأ به مباشرة بقوله: فصل؛ كصنيعه في كتاب ((النبوات)) .

ومن ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - كتاب الردّ على الأخنائي، وكتاب معارج الوصول - وهما مما ألّفه الشيخ وهو في السجن - وأكثر الرسائل التي احتواها كتاب جامع الرسائل - الذي حققه د/محمد رشاد سالم - وكذلك أغلب ما في مجموع الفتاوى، ومجموعة الرسائل الكبرى.

2-

أضف إلى هذا أنّ كتاب النبوات لم يخل ممّا يُشبه الاستفتاح؛ إذ في أوله بسملة، وثناء على الله تعالى، ثم عقّب بقوله: فصل.

3-

وممّا يُؤيّد ما ذهبت إليه - وهو قولي بأنّ كتاب ((النبوات)) ليس ناقصاً - أنّ الشيخ رحمه الله لم يشر إلى مسألة تقدّمت، إلا وهي في الكتاب. وهذا توصّلتُ إليه بعد استقراء تام لكتاب النبوات.

ولو كان ثمّة نقص - كما ادّعى البعض - لفُقدت بعض المسائل التي أشار الشيخ إلى أنّه قد قدّم الكلام عنها.

4-

وممّا يزيد الأمر يقيناً لديّ: وجود نسخة مخطوطة كتبت بعد وفاة المؤلف رحمه الله باثنتين وثمانين سنة؛ إذ كتبت في عام 830?، وهي قريبة العهد من عصر المؤلف.

وقد ضمنها ابن زكنون رحمه الله مجموعه الكبير: ((الكواكب الدراري في

ص: 94

ترتيب مسند الإمام أحمد)) - وقد ضمّ هذا المجموع رسائل كثيرة لشيخ الإسلام رحمه الله.

وذكر - أعني ابن زكنون - بداية كتاب النبوات في النصف الأسفل من إحدى الصفحات، حيث سبقه في النصف الأعلى خاتمة كتاب لأحد العلماء.

وحين انتهت المخطوطة، أتبعها بذكر كتاب الصارم المنكي لابن عبد الهادي.

فلم يتقدّم مخطوطة النبوات خرمٌ ولا اختزال، بل هي باقية على حالها، كما وضعها ابن زكنون رحمه الله بعد اثنتين وثمانين سنة من وفاة شيخ الإسلام.

وهذه النسخة قد مضى على كتابتها سبع وستمائة سنة، وهي محفوظة في هذا المجموع الكبير الذي حفظ لنا ذخائر من تراث شيخ الإسلام رحمه الله، ومؤلفات تلاميذه رحمهم الله.

5-

إنّ كتاب ((النبوات)) لم يُشر إليه أحدٌ من تلاميذ شيخ الإسلام، باستثناء ابن عبد الهادي، والصفدي.

وأما ابن القيم رحمه الله: فمع جلالة قدره، وشدة التصاقه بالشيخ، وحرصه على مؤلفاته، وجمعه لأسمائها في فهرس، فإنّه لم يذكر كتاب ((النبوات)) .

وهذا يدلّ على ما ذكرناه سابقاً؛ من أنّ كتاب النبوات من آخر ما ألّف شيخ الإسلام رحمه الله وأنّه ممّا كُتب ولم يُبيّض.

ولم يشتهر هذا الكتاب عند تلاميذ شيخ الإسلام، بل ولا الخاصة منهم، بل لم يأخذ حظه من الشهرة بين طلبة العلم - كما وقع لكتب

ص: 95

شيخ الإسلام الأخرى مبكراً - إلا بعد أن طُبع الكتاب طبعته الأولى عام 1346?.

وقد بذلت قصارى جهدي؛ من البحث الطويل، وسؤال المختصين، والمكتبات الكبيرة، والمراكز المشهورة عن نسخ للكتاب، فلم أجد من يدلّني على نسخة أخرى لهذا الكتاب.

وقد خاطبت الشيخ محمد إبراهيم الشيباني مدير مركز المخطوطات والتراث والوثائق في الكويت، فجاءني منه ردّ بتاريخ 13/7/1413? بأنّه لا يعلم أن للكتاب نسخة أخرى، ووعد بأنه إذا وجد شيئاً أثناء بحثه في مكتبات العالم أن يبلغني به، ولم أتلق منه بعد ذلك أي اتصال.

وقد بحثتُ في مراكز المخطوطات في كل من الجامعة الإسلامية، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وجامعة أم القرى في مكة المكرمة، وجامعة الملك سعود في الرياض، وجامعة الملك عبد العزيز في جدة، ومركز الملك فيصل للمعلومات في الرياض، ومكتبة الملك فهد الوطنية في الرياض، والمكتبة السعودية في دار الإفتاء في الرياض، فلم أجد لكتاب النبوات أثراً في هذه الأماكن، باستثناء الجامعة الإسلامية؛ إذ يوجد في مكتبة المخطوطات فيها صورة للنسخة الوحيدة الموجودة في المكتبة الظاهرية.

وقد سألت عدداً من المهتمين بمؤلفات شيخ الإسلام رحمه الله، فأفادوني بأنهم لا يعلمون بوجود نسخة أخرى للكتاب.

ص: 96

المسألة الثانية: سبب تأليف الكتاب. وفيها ترجمة موجزة للباقلاني، وتعريف بكتابه ((البيان)) .

أولاً: سبب تأليف الكتاب:

ألّف شيخ الإسلام رحمه الله كتاب النبوات لأمرين؛ عام، وخاص.

أما الأمر العام: فهو:

أ- إبراز معتقد أهل السنة والجماعة في الفرق بين النبي والمتنبي، ومعرفة طرق إثبات النبوة، والفروق بين خوارق العادات.

قال رحمه الله: (فينبغي أن يتدبر هذا الموضوع، وتفرق هذه الفروق الكثيرة بين آيات الأنبياء وبين ما يشتبه بها، كما يعرف الفرق بين النبي والمتنبي، وبين ما يجيء به النبي وما يجيء به المتنبي. فالفرق حاصل في نفس صفات هذا وصفات هذا، وأفعال هذا وأفعال هذا، وأمر هذا وأمر هذا، وخبر هذا وخبر هذا، وآيات هذا وآيات هذا؛ إذ الناس محتاجون إلى هذه الفروق أعظم من حاجتهم إلى غيره، والله تعالى يُبيِّنه ويُيسِّره)1.

وقال رحمه الله: (والفرق بين النبي والساحر أعظم من الفرق بين الليل والنهار"2.

ب- الردّ على المخالفين في النبوات، من المتكلمين - أشاعرة ومعتزلة ومن وافقهم - والفلاسفة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (إنّ المتكلمين المبتدعين تكلموا في النبوات بكلام كثير، لبسوا فيه الحق بالباطل؛ كما فعلوا مثل ذلك في غير

1 النبوات ص 173.

2 المصدر نفسه ص 845.

ص: 97

النبوات؛ كالإلهيات، وكالمعاد. وعند التحقيق لم يعرفوا النبوة، ولم يثبتوا ما يدلّ عليها، فليس عندهم لا هدى ولا بيّنات"1.

وأما الأمر الخاصّ الذي ألّف شيخ الإسلام رحمه الله لأجله كتاب ((النبوات)) :

فقد ناقش شيخ الإسلام رحمه الله في هذا الكتاب الأشاعرةَ مناقشة تفصيليّة مستفيضة، وذلك من خلال مناقشته لشيخهم الباقلاني في كتابه ((البيان)) الذي هو العمدة عند الأشاعرة في مبحث النبوات2.

ويوضح شيخ الإسلام رحمه الله أسباب ردّه على الأشاعرة، فيقول: (لا حول ولا قوة إلا بالله! ولو لم يتعلق هذا بالإيمان بالرسول، وبما أخبر به الرسول، واحتجنا إلى أن نُميّز بين الصحيح والفاسد في الأدلة والأصول، لما ورد على هؤلاء من هذه السؤالات، ولم تكن بنا حاجة إلى كشف الأسرار، لكن لما تكلموا في إثبات النبوات صاروا يوردون عليها أسئلة في غاية القوة والظهور، ولا يُجيبون عنها إلا بأجوبة ضعيفة، كما ذكرنا كلامهم، فصار طالب العلم والإيمان والهدى من عندهم لا سيما إذا اعتقد أنهم أنصار الإسلام ونظاره والقائمون ببراهينه وأدلته، إذا عرف حقيقة ما عندهم، لم يجد ما ذكروه يدلّ على ثبوت نبوة الأنبياء، بل وجده يقدح في الأنبياء، ويورث الشك فيهم أو الطعن

فانسد طريق الإيمان والعلم، وانفتح طريق النفاق والجهل، لا سيما على من لم يعرف إلا ما قالوه. والذي يفهم ما قالوه لا يكون إلا فاضلاً قد قطع درجة الفقهاء،

1 المصدر نفسه ص 771، وانظر: ما بعدها ص 773، و (لا) في (لا هدي) ينبغي أن تحمل على الزيادة.

2 طبع هذا الكتاب بتحقيق أحد النصارى/ يوسف مكارثي اليسوعي، ويقع في (108) صفحات.

ص: 98

ودرجة من قلّد المتكلمين، فيصير هؤلاء إما منافقين، وإما في قلوبهم مرض. ويظن الظان أنه ليس في الأمر على نبوة الأنبياء براهين قطعية، ولا يعلم أن هذا إنما هو لجهل هؤلاء وأصولهم الفاسدة التي بنوا عليها الاستدلال، وقدحهم في الإلهية، وأنهم لم ينزهوا الرب عن فعل شيء من الشرّ، ولا أثبتوا له حكمة ولا عدلاً

وهم في الأصل إنما قصدوا الرد على القدرية الذين قالوا: إن الله لم يشأ كلّ شيء، ولم يخلق أفعال العباد، وهو مقصود صحيح، لكن ظنوا أن هذا لا يتمّ إلا بجحد حكمته وعدله ورحمته، فغلطوا في ذلك

"1.

إذاً: فالأمر الخاصّ الذي ألّف شيخ الإسلام رحمه الله لأجله كتاب النبوات كما مرّ - هو مناقشة الأشاعرة مناقشة تفصيليّة مستفيضة، وذلك من خلال مناقشة شيخهم الباقلاني في كتابه ((البيان)) الذي هو عمدة مذهب الأشاعرة في النبوات.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله عن القاضي أبي بكر: (وفي كلامه في هذا الباب2 من الاضطراب ما يطول وصفه، وهو رأس هؤلاء الذين اتبعوه؛ كالقاضي أبي يعلى، وأبي المعالي، والرازي، والآمدي، وغيرهم)3.

وقال أيضاً - عن الأشاعرة -: (وجوّزوا من جهة العقل ما ذكره القاضي أبو بكر: أن يكون الرسول فاعلاً الكبائر، إلا أنه لا بد أن يكون عالماً بمرسله

فلم يعتمد القاضي أبو بكر وأمثاله في تنزيه الأنبياء لا على دليل عقلي، ولا سمعي في الكتاب والسنة؛ فإن العقل عنده لا يمنع أن

1 النبوات ص 1145-1150.

2 يعني في الفرق بين المعجزات والسحر.

3 النبوات ص 960.

ص: 99

يرسل الله من يشاء إذ كان يجوز عنده على الله فعل كلّ ما يقدر عليه، وإنما اعتمد على الإجماع"1.

وذكر هذا الأمر الخاص الذي ألّف لأجله شيخ الإسلام كتاب ((النبوات)) ، يستلزم من الباحث أن يُعرّف بالباقلاني، ويُعرّف بكتابه.

ثانياً: ترجمة الباقلاني، والتعريف بكتابه ((البيان)) .

الباقلاني هو2: القاضي الأصولي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد ابن جعفر بن قاسم البصري ثم البغدادي، ابن الباقلاني. يُعدّ من أكابر أئمة الأشاعرة بعد مؤسسها أبي الحسن الأشعري، عالم بعلوم أهل الكلام، ولم يعرف تاريخ ولادته.

ذكره القاضي عياض في طبقات المالكية، وقال عنه: إليه انتهت رئاسة المالكية في وقته.

وقال عنه الذهبي: وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه

وكان ثقة إماماً بارعاً، صنّف في الردّ على الرافضة والمعتزلة والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يُخالفه في مسائل، فإنه من نظرائه وقد أخذ علم النظر عن أصحابه.

مات الباقلاني في ذي القعدة سنة ثلاث وأربع مائة، وصلى عليه ابنه حسن، وكانت جنازته مشهودة.

1 النبوات ص 476-477.

2 انظر: ترجمة الباقلاني في: تاريخ بغداد للخطيب 5/379-383. ووفيات الأعيان لابن خلكان 4/400-401. والبداية والنهاية لابن كثير 11/373. وسير أعلام النبلاء للذهبي 17/190-193.

ص: 100

ومن أهم مؤلفاته المطبوعة:

1-

((التمهيد)) ، وسُمّي ((تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل)) . وقد طبع الكتاب أكثر من طبعة.

2-

((الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به)) .

3-

كتاب ((البيان)) عن الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانة والسحر والنارنجات.

فالباقلاني إذاً يُعتبر المؤسس الثاني للمذهب الأشعري؛ فهو تلميذ لتلاميذ أبي الحسن الأشعري، فهو قريب العهد به.

وعلى الرغم من أن تلامذة الأشعري كانوا أقوياء وذوي تأثير واسع، إلا أن أحداً منهم لم يبلغ ما وصل إليه الباقلاني. ولعلّ الفترة التي عاشها الأشعري وتلامذته كان السائد فيها المذهب الكلابي، فكان المذهبان متداخلين. فلما جاء الباقلاني جرّد نفسه لنصرة أبي الحسن الأشعري ومذهبه، والعمل على دعمه بأوجه جديدة من الحجج والمناظرات1. هذا عن الباقلاني.

أما كتابه ((البيان)) : فهو العمدة - كما أسلفنا - عند الأشاعرة في النبوات.

وقد أصّل فيه مؤلفه أصولاً، وقعّد قواعد تُخالف أصول أهل السنة والجماعة، ولذلك التزم فيه لوازم باطلة.

وقد ناقش شيخ الإسلام رحمه الله هذه الأصول، وردّ على هذه اللوازم في كتاب النبوات.

ولا بأس من إيراد بعض آراء الباقلاني في كتابه ((البيان)) ، لتتضح الأفكار

1 انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة للمحمود 2/549.

ص: 101

التي ناقشها شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه النبوات.

1-

يقول الباقلاني: (المعجزة قد تكون بمعنى منع العادة المألوفة؛ مثل أن يقول: آيتي وحجتي أنني أقوم من مكاني، وأُحرّك يدي، وأنّكم لا تستطيعون مثل ذلك"1.

2-

ويقول أيضاً: (وقد اتفق على أنه لا دليل يفصل بين الصادق والكاذب في ادعاء الرسالة، إلا آيات المعجزة.." 2.

3-

قوله: (إن فرض التوحيد والمعرفة واجب من جهة السمع المحض)3.

4-

يرى الباقلاني أنّ خوارق الأنبياء قد تقع من غير الأنبياء، ولكن لا تعتبر معجزة؛ لأنه لا يُتحدّى بها. فليس جنس المعجزة عنده الآية، وإنما هي التحدي وادعاء النبوة. أما الآية فلا تعتبر معجزة لأن غير النبي يأتي بها، ولكن لا يدّعي النبوة4.

5-

الفرق بين المعجزة والكرامة هو التحدي، وإلا فالجنس واحد؛ فقد يكون للولي مثل معجزات الأنبياء، إلا أنه لا يتحدى بها5.

6-

يرى أنه لا يُستثنى من السحر إلا ما ورد الإجماع والتوقيف على أنه لا يكون بسحر الساحر. ومن الأشياء التي لا يستطيعها الساحر، ويستثنى من فعلها: آيات الأنبياء الكبرى6.

1 البيان ص 16.

2 البيان ص 38.

3 البيان ص 42.

4 انظر: البيان ص 47.

5 انظر: البيان ص 48.

6 انظر: البيان ص 91.

ص: 102

وبعد: فهذه أهم الأقوال التي وقفت عليها في كتاب البيان تُخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وقد تصدّى لها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بالردّ والتفنيد.

وثمّة أقوال وآراء عن السحرة وغيرهم، وعن الكرامة، وغير ذلك.

ومن الأمور التي ناقش فيها شيخ الإسلام رحمه الله الأشاعرةَ في كتاب ((النبوات)) : تجويزهم على الله تعالى فعل كلّ شيء، وعدم تنزيهه عن شيء. وهذه من اللوازم التي التزموها، وانبثقت عن أقوالهم المتقدّمة.

فيجوز عندهم أن يجعل الله الساحر والكافر والفاسق نبيّاً، وأن يرسله، ويؤيده بالمعجزات والآيات.

ويجوز عندهم أن لا يميز الله بين الصادق والكاذب، إلا بأن يُظهر على يد الأول المعجزات، ويمنع الآخر منها.

ومع تجويزاتهم هذه، نجدهم قد أنكروا حكمة الله، وعدله، ورحمته، فانسدّ عليهم طريق النبوة.

المسألة الثالثة: منهج شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه ((النبوات)) :

الكتابة عن منهج أيّ مؤلّفٍ في أيّ كتابٍ من كتبه فيه نوعٌ من المشقة؛ إذ الأمر يستلزم القراءة المتأنيّة، والفحص الدقيق، والاستقراء التامّ.

فما ظنّك إن كانت الكتابة عن منهج شيخ الإسلام الفريد في كتاباته، والمتعمّق في تأليفاته، صاحب الكتب التي لا زالت كلماتها نابضة، تُجدّد - بإذن الله - من الدين ما اندثر، وتُظهر - بعون الله - منه ما انطمر، وتُحيي من السنن ما أماته أهله وانقبر.

يُروى عن الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله أنه قال عن منهج شيخ الإسلام: (شيخ الإسلام يأتي إلى جدار الباطل فيلطمه حتى يعتدل. أما ابن

ص: 104

القيم فيأخذ هذا الجدار حجراً حجراً، فيكسرها إلى أشلاء"1.

فشيخ الإسلام رحمه الله رجلٌ فريدٌ في نوعه، فريدٌ في تأليفاته، فريدٌ في منهجه، جاء في وقت اندثرت فيه السنة، واشرأبّت أعناق أهل البدعة، وباض فيه أهل الأهواء وفرّخوا، فقام بنصر دين الله، وجاهد لإعلاء كلمة الله، وكافح من أجل توحيد الله، وإفراده بالعبادة وحده دون سواه.

كتب عنه بعض العلماء حين رآه: (فألفيتُه ممن أدرك من العلوم حظّاً، وكاد يستوعب السنن والآثار حفظاً. إن تكلّم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته، أو حاضر بالنِّحَل والملل لم يُرَ أوسع من نحلته في ذلك ولا أرفع من درايته. برز في كلّ فنّ على أبناء جنسه، ولم ترَ عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه"2.

هذا عن الرجل.. فماذا عن الكتاب؟! .

سبق الحديث عن كتاب النبوات من حيث أهميته، وذُكر حينها أنّ الكتاب من أجمع الكتب، وأشملها، وأنّ فيه خلاصة آراء صاحبه، وزبدة أفكاره.

وهذا ممّا يُصعِّب الحديث عن منهج مؤلفه.

ولكن ما لا يُدرك جلّه، لا يُترك كلّه.

وهذا جهد المقلّ، أتحدّث فيه عن منهج شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه ("النبوات")، مجملاً ذلك في النقاط التالية:

1 نقلاً عن شريط عن شيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.

2 العقود الدرية ص 10.

ص: 105

1-

يذكر شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه أقوال ومذاهب المخالفين من فلاسفة ومتكلمين، ويردّها إلى أصولها.

فيُوضّح الأصول البدعية التي قامت عليها، ويُبيِّن مخالفتها لأصول الرسول صلى الله عليه وسلم، ويذكر اللوازم التي التزمها أصحابها لأجلها، ثمّ ينقضها، ويردّ عليها، ويُنبّه إلى أقوال من طعن فيها أو ردّ عليها.

ويجتثّ هذه الأصول من جذورها، فتنهار الأقوال بأصحابها مع الأسس التي بنوا عليها، وتُسوّى بهم الأرض، فلا ترى لهم بناءً مشيّداً.

2-

يُكثر رحمه الله من الاستطرادات، وبسط الكلام في سرد أدلة الخصم، وذكر حججه.

ولكن ليس ذلك حشواً، بل هو شديد العلاقة بأصل الكلام، حتى إنّ المنصف يُدرك أنّ ما بُسط من الكلام هذا موضعه، ولو تُرك ذلك لقلّت فائدة من يُراجعه.

3-

أما عن طريقته رحمه الله في الردّ على الخصوم، أو عرض مذهب أهل السنة في المسألة: فإنّه قد يوجز تارةً، ويُحيل على مؤلفاته الأخرى، بقوله: كما قد بُسط في غير هذا الموضع، أو: قد بسطناه في موضع آخر، أو: وبسطُ هذا له موضع آخر،

وهكذا. أو يُطيل النفس في الردّ.

وينصر في ردّه المذهب الحقّ والقول الصحيح الذي يعتمد على الكتاب والسنة، مدلّلاً له بكلام الله، أو سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أقوال الصحابة والتابعين؛ من أئمة سلف هذه الأمة المهديين.

4-

يُكثر رحمه الله من تعضيد كلامه بأقوال العلماء، أو كلام المفسرين، أو أقوال النحويين ليُدلّل على صحة ما ذهب إليه.

ص: 106

فإذا ذكر مسألة ما، استشهد لها بأقوال العلماء، والمختصين من أهل الفنون؛ فإن كانت في التفسير، ذكر بعض أقوال المفسرين، وإن كانت لغوية أورد كلام علماء اللغة والنحويين

وهكذا.

ومن منهجه رحمه الله في تفسير الآيات: أن يُفسّر القرآن الكريم بالقرآن، والأحاديث النبوية الصحيحة، وأقوال الصحابة والتابعين - فهو تفسير بالمأثور - أو أقوال المفسرين المعروفين.

وهو رحمه الله يهتمّ باللغة العربية، فيجمع شواردها، ويسوق شواهدها، ويعتبرها مصدراً من مصادر تفسير القرآن الكريم.

فتراه يُناقش علماء التفسير، وأصحاب المعاجم اللغوية في جوانب كثيرة من تفسيراتهم لبعض الآيات، فيُوجّه أقوالهم إن أمكن الجمع بينها، ويذكر جوانب الاتفاق، وأطراف الاختلاف.

5-

يُورد أدلة الخصوم، ويُناقشها بما يُجانسها.

6-

يذكر أقوال الناس في المسألة، ويختم بما يراه راجحاً، كقوله: والتحقيق:...... ويُعضّد ذلك بالأدلة العقلية، والسمعية، وأقوال العلماء، والتعليل.

7-

يسلك في الكلام مسلكاً منهجيّاً يُقرّب فيه المعلومات إلى الفهوم؛ كتقسيم الكلام إلى فصول، أو أنواع، أو أقسام، أو مراتب؛ كي يُقرّب المعلومة إلى ذهن القارئ فيفهمها.

8-

إذا ذكر أقوال الخصوم، نسب كلّ قول إلى قائله؛ سواء كان فرقة، أو طائفة، أو شخصاً.

9-

يُكثر الاستشهاد على المسألة اللغوية من القرآن الكريم.

10-

في حال نقده لقولٍ ما: يسوقه بنصّه، أو يذكره مختصراً.

ص: 107

11-

يذكر شبه المخالفين، وأدلتهم، وحججهم، والدوافع التي أفضت بهم إلى مقولتهم، ثمّ يكرّ عليهم بالردّ بكلام داحض لحججهم، كاشف عن عوارهم.

12-

أثناء مناقشة الخصوم: كثيراً ما يُشير إلى القواعد الكلية العقليّة؛ إذ هي بديهية مسلّم بها، وتُلزم الخصم، وتفحمه.

13-

في معرض مناقشته رحمه الله للشيخ الباقلاني ذكر أقواله، وذكر قول من يُوافقه من أهل المذاهب، أو يُخالفه.

14-

قد ينقل رحمه الله كلام الباقلاني بنصه من كتابه (البيان) ، أو يعرضه باختصار، أو يذكر خلاصة القول الذي يُريد أن يردّ عليه.

15-

قد يردّ رحمه الله على الخصوم، ويستدرك عليهم من عدّة وجوه.

16-

إذا انتقد شخصية ما، فإنه يورد خلاصة ما قيل في معتقده، ويُعرّج على ذكر بعض مخالفاته التي وقع فيها، ويذكر مقدار قربه أو بعده من مذهب أهل السنة والجماعة.

17-

يُشير أحياناً إلى بعض ما ورد في الكتب المتقدمة - كالتوراة والإنجيل ممّا لم يدخله التحريف - ليُعضّد ما ذهب إليه.

18-

يتحرّى الدقة، والأمانة العلمية في النقل؛ فيُورد أقوال المخالفين من كتبهم، ويستحضرها عن ظهر قلب؛ فيذكر ما يُريد نقله، ويذر ما لا يُريد، فيأخذ حاجته من الكلام لا يزيد فيه ولا ينقص، معزوّاً إلى المخالفين، أو بعض كتبهم. والإنصاف شعاره رحمه الله مع المخالفين. وهذا قد شهد به أعداؤه.

19-

التأصيل ووحدة المنهج في مصنفات شيخ الإسلام رحمه الله فيفسر بعضها بعضاً، فلا يختلف كلامه، مع كثرة مؤلفاته وتنوع مباحثها، مع تباعد أزمنة تأليفها

ص: 108

المسألة الرابعة: مصادر المؤلف في كتابه، والكتب التي أوردها، أو أشار إليها فيه:

لا شكّ أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قد أورد الآيات الكثيرة من القرآن الكريم، مستشهداً بها على مسألة، أو رادّاً بها على قول، أو موضّحاً بها قضيّة.

وثمّة كتب كثيرة أخذ منها شيخ الإسلام رحمه الله ونقل عنها، أو أشار إليها، ودلّ عليها في كتابه.

وها أنا ذا أذكرها مستعيناً بالرحمن؛ إذ هو ربي وعليه التكلان:

1-

((صحيح البخاري)) .

2-

((صحيح مسلم)) .

3-

((سنن أبي داود)) .

4-

((سنن النسائي)) .

5-

((سنن الترمذي)) .

6-

((سنن ابن ماجه)) .

7-

((مسند الإمام أحمد)) .

8-

((مصنف عبد الرزاق)) .

9-

((تفسير ابن أبي حاتم)) .

10-

((تفسير الطبري)) .

11-

((تفسير ابن عطية)) .

12-

((تفسير أبي روق)) .

13-

((تفسير البغوي)) .

14-

((تفسير الوالبي)) .

ص: 109

15-

((زاد المسير لابن الجوزي)) .

16-

((رسالة إلى أهل الثغر)) : للأشعري.

17-

((مقالات الإسلاميين)) : للأشعري.

18-

((اللمع في الرد على أهل الأهواء والبدع)) : للأشعري.

19-

((نقض اللمع في الردّ على أهل البدع)) : للقاضي عبد الجبار.

20-

((نقض نقض اللمع)) : للباقلاني.

21-

((شرح اللمع في الرد على أهل البدع)) : للباقلاني.

22-

((الفرق بين المعجزات والكرامات والحيل والكهانات والسحر والنارنجات)) : للباقلاني.

23-

((رسالة الإمام أحمد إلى الخليفة المتوكل)) .

24-

((كتاب خلق أفعال العباد)) : للبخاري.

25-

((كتاب الملل والنحل)) : للشهرستاني.

26-

((معراج السالكين)) : للغزالي.

27-

((إحياء علوم الدين)) : للغزالي.

28-

((المضنون به على غير أهله)) : للغزالي.

29-

((تهافت الفلاسفة)) : للغزالي.

30-

((تهذيب اللغة)) : للأزهري.

31-

((كتاب الدعاء، أو: شأن الدعاء)) : للخطابي.

32-

((رسائل إخوان الصفا)) .

33-

((المطالب العالية)) : للرازي.

34-

((أقسام اللذات)) : للرازي.

35-

((كتاب الإحاطة)) : لابن سبعين.

ص: 110

36-

((لوح الأصالة)) : لابن سبعين.

37-

((كتاب البد)) : لابن سبعين.

38-

((الردّ على ابن سبعين وأهل الوحدة)) : لابن تيمية. وهو المسمّى: ((بغية المرتاد، أو السبعينيّة)) .

39-

((شرح الأصفهانية)) : لابن تيمية.

40-

((الجواب الصحيح)) : لابن تيمية.

41-

((منع تعارض العقل والنقل)) : لابن تيمية.

42-

((مسألة القادر المختار)) : لابن تيمية.

43-

((مسألة العدل والظلم)) : لابن تيمية.

44-

((مسألة القدرة والإرادة)) : لابن تيمية.

45-

((رسالة في الإجماع)) : لابن تيمية.

46-

((العدة)) : لأبي يعلى.

ص: 111